الفصل السبعون

52K 2.2K 356
                                    


الفصل السبعون:

لم يتحرك أحدهم قيد أنملة، وكأنهم قد باتوا أصنامًا صلبة، عقب جملته الأخيرة تلك، وإعلانه بصراحة مطلقة رفضة التام للمساس بها، أرخوا أيديهم عنه، فانتصب في وقفته، وأصبح أكثر شموخًا وعدائية، مرر أنظاره المحتقنة على وجوههم كتحذير أخـــــر خطير ينذرهم بعدم الاقتراب من تلك المنطقة المحظورة والتي تخصه هو وحده، تجمدت أنظارها عليه وكأن عيناها الباكيتين تستنجدان به عله يلبي استغاثتها الصامتة.

لم يتحمل أن يتطاول أحدهم عليها ولو بمجرد التلميح إلى ما قد يؤذيها، فتابع هادرًا بصوت جهوري أكثر صلابة وقسوة:

-أي حد هيفكر للحظة ولا يجي في باله يظن فيها الغلط، هايكون حكم على نفسه بالموت!

رد عليه أحدهم بجرأة وهو يشير بيده:

-حاج فتحي بيتكلم صح احنا ....

قاطعه منذر بصرامة مهددة وقد استشاطت نظراته:

-ولا كلمة زيــــادة!

قطم الرجل عبارته خوفًا من هيئته المخيفة، بينمت استأنف حديثه معنفًا إياهم بشراسة:

-وقبل ما تسمعوه وتقولوا أمين على كلامه، كنتوا اسألوا الأول جايين هنا ليه؟

استعان بسرعة البديهة التي يملكها للتصرف بعقلانية تامة في هذا الموقف الحرج، ربما لو وضع غيره في مثل الموقف لرجح كفة الخيار الأخر، لكنه فعل ما يتحتم عليه، التفت برأسه ناحية فتحي ليرمقه بنظرات مهينة، ثم هتف قائلاً بنبرة ثابتة رغم شدتها وقسوتها:

-بس الراجل الكبير المحترم اللي المفروض عارف في الواجب والأصول، مادناش فرصة نتكلم، عمل شبورة على الفاضي!

بدا الاهتمام الممزوج بالفضول ظاهرًا على أوجه الجميع، فالكل يتطلع إلى معرفة الأسباب، وبدون أن تهتز نبرته للحظة أضاف منذر بسخط:

-وكل ده ليه عشان بأطلب منه نعمل كتب الكتاب عنده في البيت، باعتبار انه زي خالها، وخصوصًا إن بيت المرحوم رياض خورشيد اتحرق!

تفاجأت أسيف من فكرته الجهنمية، لم يطرأ ببالها أن يتفوه بمثل ذلك الاقتراح الذي تخطى حدود تفكيرها الضيق، نظرت له ببلاهة رغم عبراتها التي تنساب بغزارة على وجنتيها، هو بحنكة مهارة غير مسار الأمور تمامًا، تعالت الهمهمات المستنكرة وتبادل الجميع نظرات حادة معاتبة له، تعمد هو رمقه بازدراء وهو يقول ملوحًا بذراعه في الهواء:

-أنا جاي أتفق معاه على كده، ومعايا عمتها وأخويا، يبقى عداني العيب يا رجالة؟

رد عليه أحدهم من الخلف بصوت مرتفع:

الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن