الفصل الثاني والتسعون

57.8K 2K 211
                                    


الفصل الثاني والتسعون:

أسرعت تستقل إحدى الحافلات المتجهة إلى بلدتها البعيدة، لم يبقَ أحد لمساعدتها سوى هي، وعليها التصرف حتمًا قبل فوات الآوان، فأي دقيقة تمر ربما تشكل فارقًا في حياة ابنتها، فصرامة الحاج كامل وشدته معروفة للجميع، ولن يتهاون في التفريط في حق العائلة طالما أن الأمر يمس سمعتها المهيبة، لم تتوقف عن الدعاء طوال الطريق آملة أن يرفق بها وألا يؤذيها، وصلت مع ساعات الصباح الأولى، فاستأجرت سيارة خاصة لتوصلها إلى منزله المعروف، حبست أنفاسها متوقعة الأسوأ، وبدت في وضع لا تحسد عليه حينما رأته يخرج من باب منزله، ازدردت ريقها هاتفة بحرج:

-حاج كامل!

التفت الأخير برأسه نحو صاحبة الصوت الأنثوي المعروف، رمقها بنظرات مشمئزة وهو يقول بجمود متهكم:

-البشاير هلت

دنت منه هاتفة بتلهف وهي تبتلع ريقها في حلقها الجاف:

-بنتي يا حاج كامل، عملتوا فيها إيه؟

رد عليها بجفاء وهو يشير بإصبعه:

-رجعت عند عمها، احنا أولى بلحمنا!

انحنت شادية على كفه تقبله وهي تستعطفه بتوسل شديد:

-أبوس ايدك ارحمها، دي أم وعندها ابن، حرام يتيتم و...

قاطعها ساحبًا يده من بين راحتيها:

-ساعتها لسه ماوجبتش!

تنفست الصعداء بعد جملته تلك، فتابعت متسائلة:

-يعني هي لسه عايشة؟

أجابها قائلاً:

-أيوه، بس خلاص مالكيش حكم عليها

أومـأت برأسها خانعة لقراره الصارم وهي تتابع بقلب ملتاع:

-أنا راضية بحكمك بس أشوفها وأطمن عليك

نظر لها مطولاً بتأفف حتى ظنت أنه سيرفض رجائها لكنه تنهد قائلاً بعبوس مقتضب:

-أخرج تكلمي مع الحاجة وهي تطمنك!

لم تجد بدًا من الاعتراض على حكمه، فارتضت بمحادثة زوجته علها تطمئنها عليها فيهدأ خوفها المبرر.

..........................................

مذلة ما بعدها مذلة، أن تتحول حياتك فجأة من الترف والبذخ إلى النقيض تمامًا، لم تتصور أن تصبح بين عشية وضحاها في وضع متردٍ كذلك، أفاقت من ألامها على تلك الرائحة المنفرة التي تقتحم أنفها بقوة، أصدرت أنينًا موجوعًا وهي تتقلب بألم على جانبها محاولة النهوض، اختنقت أكثر بتلك الرائحة المثيرة للغثيان.

الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن