الفصل الثاني والثمانون

50.5K 2.1K 120
                                    



الفصل الثاني والثمانون:

طرق بأنامل كفه على المقود بحركة ثابتة، بينما استند بذراعه الأخر على حافة النافذة متأملاً بفتور المكان من حوله، هي أبلغته برغبتها في الصعود مع سليطة اللسان هذه إلى الطبيب خاصة حينما رأت لافتة تخصصه التي أثارت قلقها، تفهم منذر موقفها رغم اعتراضه على بقائها معها، لكن الظرف تلك المرة مختلف، فنيرمين في وضع مرضي ربما يكون هامًا، ووجود زوجته إلى جوارها ربما يكون ضروريًا نوعًا ما.

أخرج تنهيدة مطولة من صدره متابعًا تمرير أنظاره على المارة مترقبًا عودتهن ببال طويل، التوى ثغره بابتسامة خفيفة حينما شرد في وجهها البشوش الذي يتورد خجلاً من أبسط الكلمات، اتسعت ابتسامته تدريجيًا مستعيدًا في مخيلته تصرفاتها المفاجئة له والتي ملأته شوقًا ورغبة فيها، حدث نفسه باشتياق:

-هانت، معدتش فاضل كتير يا حبيبتي!

فرك رأسه بيده والتفت لليمين تارة ولليسار تارة أخرى وهو يدندن بصافرة خافتة.

...............................................

جلست ثلاثتهن على المقاعد الشاغرة بداخل العيادة الطبية في انتظار دور نيرمين التالي، حملت والدتها الرضيعة تلاعبها بيدها حتى غفت بين ذراعيها، بينما لم تتوقف هي عن حدج ابنة خالها بنظراتها المزعوجة منها، لن تصفو نيتها نحوها أبدًا، هي تحملها اللوم في تأزم الأمور معها مؤخرًا حتى سوء صحتها، أفاقت من شرودها وانتبهت لصوت الممرضة الهاتف بنبرة عالية:

-يالا يا مدام نيرمين، ده دورك

-طيب

قالتها بامتعاض وهي تنهض بثقل عن مقعدها ممددة ذراعيها نحو أمها لتأخذ منها رضيعتها، اعترضت عواطف قائلة:

-خليها معايا، خشي انتي بس للضاكتور

أعادت يديها إلى جانبيها متجهة نحو غرفته، استقبلهن الطبيب بابتسامة ودودة، ثم استرسل في حديثه بجمل مرتبة بصورة علمية غير مفهومة لهن مما جعل صبر نيرمين ينفذ وهي تسأله بتجهم:

-بردك مافهمتش حاجة! يعني ايه ده كله؟

سحب الطبيب نفسًا عميقًا، لفظه ببطء محافظًا على ثابته وهو يجيبها بتريث:

-شوفي يا مدام نيرمين، للأسف لما عملنا التحاليل والعينات اللي طلبتها أكدت إن...

صمت مجبرًا محاولاً إكمال الجزء الصعب من جملته، فسألته عواطف بخوف واضح على نبرتها وفي تعبيرات وجهها المشدودة:

-بنتي مالها؟ كمل يا ضاكتور الله يكرمك

نظر لها بإشفاق، دومًا يوضع أمثاله في مواقف كهذه حينما يتم إبلاغ المريض بحالته الصحية خاصة إن كانت في مرحلة حرجة، تمرس بحكم الخبرة في انتقاء كلماته كي يكون وقعها أقل تأثيرًا على المريض، لذلك ابتلع ريقه مضيفًا بهدوء :

الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن