بدأت تجهيزات الزفاف الملكي بالرغم من احتجاجات الملكة وزوجات الملك. الأمراء أيضًا أبدوا اعتراضًا شديدًا ولكن دون فائدة. الملك تحت سيطرتي المطلقة. لكن هذا الوضع لن يستمر طويلًا. قريبًا سيستفيق من هذا الوهم. يوم وراء الآخر كل ساعة يأتي الحاجب الملكي برفقة التجار اختار ما أشاء من أقمشة وألوان، ذهب، أحجار كريمة وحلي. اختار ما أشاء كيفما أشاء. إيان يرافقني أغلب الوقت، بصفته المسئول عن حمايتي. لكنني لم استطع مقابلة زين أو ثيودور.
=أشعر بالملل، كل مرة يزور بها غرفتي أشعر بالتقزز.
تذمرت بينما داعبت يدي وردة صغيرة توشك على التفتح.
_أنتِ تطردينه مباشرةً.
علق إيان بضجر. لسبب ما لا يطيق هذه الحديقة ويكره كونه مجبرًا على مرافقتي طوال الوقت،
=بعد الزفاف لن أملك حجة لطرده.
_سينام.
كان يبعث بقدميه في صخور الممشى بين الشجيرات،
=أجل، ينام ويحلم.
شيء من الوحدة ينمو داخل قلبي، افتقد زين. وإيان تغيم حوله سحب سوداء مجهولة المصدر،
=ما الأخبار في الخارج؟
حاولت كسر جدار الصمت الذي يجتهد في تكوينه،
_لقد فشلت محاولة النبلاء تقديم ولي العهد للمحاكمة.
توفت عن المشي والتفت إليه مصدومة،
=هذا سيء.
شعرت بالإحباط الشديد،
_جدًا، ما فعله الماركيز أضعف سلطة ولي العهد لكن لم تكن كافية للتخلص منه.
صوته البارد لا يساعد،
=قوة ولي العهد تعني قوة الملكة، في اللحظة التي ننتزعه بها، يسهل التخلص منها.
حاولت أن أفكر بطريقة منطقية لإيجاد حل،
_يجب أن نجد طريقة لإثبات أنه ابن الدوق.
نظره الموجه نحو الأرض يزعجني،تابعت على مضض،
=لا يمكن إيجاد دليل يثبت نسبه، وبالتأكيد أي منهما لن يعترف بجرم كهذا. لن نستطيع سوى إثارة الشبهات حولهم.
_ماذا إن كان هنالك من يعلم السر؟
كانت قد غابت تلك نقطة عن بالي،
=لا بد أن يكون شخصًا مقربًا من الدوق أو الملكة.
لم استطع المجازفة بأمل كبير،
_لن يكون الدوق، إنه يتحرك وحده أغلب الأوقات.
لاحظته يشد على قبضة يده،
=الملكة إذن.
وأخيرًا رفع وجهه ونظر إليّ،
_ومن يتبع الملكة كظلها؟
لم يكن بحاجة لي ليعرف الإجابة. إنها واضحة كالشمس،
=وصيفة الملكة!
ضحك عليّ عندما صرخت اسمها بحماس،
_لقد كانت خادمة الملكة قبل زواجها بالملك، وأتت معها إلى القصر. لا تنفصل عنها إطلاقًا حتى عندما ذهبت للقاء الدوق، كانت الوصيفة ترافقها.
=وكيف نجعلها تخون ثقة الملكة؟
_لن تخون ثقة الملكة حتى لو كلفها ذلك حياتها.
=لابد من وجود نقطة ضعف، شخص عزيز عليها؟
_هذا هو الحل.
رأيت لمعة في عينيه،
=ما هو؟
_ابنها، لديها ابن مدمن للقمار.
تحمست في البداية ولكن عندما أعدت التفكير،
=لن نستطيع استخدام المال ضده بالتأكيد ستساعدها الملكة في وضع كهذا.
نظر لي باستهانة،
_نخطفه؟
بدا الحل بديهي أكثر من اللزوم،
=لم لا؟
_وأين سنبقيه؟
أخذنا نفكر بحثًا عن مكان مناسب، حتى وجدت الحل،
=الأستاذ سفيان كان يحكي لي كثيرًا عن بيته الموجود في قلب الغابة حيث يقضي عطلته السنوية. كثيرًا ما أكد لي أن لا أحد يجده هناك.
_حل مثالي، وسنبقي بعض الفرسان لمراقبته.
تعجبت من ذكره للفرسان،
=أي فرسان؟
بدا وكأنه شعر بالإهانة من سؤالي،
_هل تظنين أنني أضيع الوقت! كما اتفقنا من قبل، مع تصاعد الأخبار وفضائح العائلة الملكية أكثر فأكثر بدأت استقطبت الجنود الناقمين على العائلة المالكة.
شعرت بالفخر والسعادة،
=أنت رائع، يبدو أن إقامتي هنا تجعلني أفوت المتعة في الخارج.
ازداد إحباطي،
_ستحصلين على فرصتكِ قريبًا.
وضع يده على كتفي لإظهار دعمه،
=أجل، نضع يدنا على الدماء، نتخلص من الملكة والدوق.
بدت النهاية قريبة،
_حتى تدخل البلاد في حالة فوضى بدون دعائم السلطة.
سررت لما بدا أن تلك الغيوم فارقته ولو قليلًا،
=عندها تتبقى المعركة النهائية.
أكملنا جولتنا في الحديقة بحال أفضل. الأيام تمضي سريعًا، أدعو من كل قلبي أن نصل لمرادنا دون أي أذى أو خسائر. لن أسمح أن يمس من أحب سوء حتى لو عنى ذلك أن أحرق هذه المملكة عن بكرة أبيها.
************************
حل يوم الزفاف، الخدم والوصيفات يعنين بي لأقصى درجة. سأتمكن من رؤية الكثير من الأشخاص الليلة. ألم شديد ينخر صدري. الآن فقط أدركت سبب اعتراضات زين وغضبه. أنا اتزين لأزف لرجل آخر. حتى لو كان كل ذلك مجرد كذبة إلا أنه يقبع على قلبي بشعور بغيض. بعد أن انتهين من تجهيزي غادرن الغرفة ليتركنني وحدي. دق الباب.
=تفضل.
دخل إيان إلى الغرفة. بدا مدهوشًا عندما رآني بفستان الزفاف وفي أجمل حالاتي. كانت الوصيفة الخاصة بي قد بالغت في مدح جمالي، والتأكيد على أن الملك سيسر للغاية لرؤيتي.
_تبدين في حالة مزرية.
لم يكن هذا هو رد الفعل الذي توقعته، ابتلعت ضحكتي بصعوبة، كنت أشعر بضيق في التنفس من كثرة شدهم للفستان حول خصري. كم اشتقت لفساتيني البسيطة!
=أشكرك.
ضحك على حالتي مما زاد شعوري بالانزعاج والغيظ، فكرت بجدية في قتله.
_مستعدة؟
جاء صوته القوي وملامح وجهه الجادة ليعيدني إلى الواقع،
=لا.
شعرت بصوتي يرتعش. اقترب منّي وأمسك بكتفي،
_ما الأمر؟
نظرة الحنان في عينيه وصوته الرقيق حطما كل محاولاتي للتماسك.
=أشعر بالخوف، والحزن. تملأني الرغبة بترك كل شيء والهرب مع زين.
أجهشت بالبكاء، فأمسك وجهي برفق، ورفعه لتتقابل أعيننا.
_سأكون على مقربة طوال الوقت. اطمئني، لن يصيب أي منكما مكروه.
كلماته وابتسامته أنبتا الطمأنينة في قلبي، وأعادا لي توازني.
_هيا بنا.
أمسك بيدي ورافقني كفارس ملكي إلى القاعة حيث حفل الزفاف. نادى الحارس على البوابة معلنًا وصولي،
-صاحبة السمو، نجمة ابنة البارون السابق ڤينست.
انطلقت منّي ومن إيان ضحكة عند مناداتي باسم أبي، لكننا أسرعنا بإسكاتها. من الجيد أنه لا يمكن لا أحد رؤيتنا من الداخل باستثناء الحارس الذي لم يلحظ هذه الضحكة القصيرة. كانت تلك أول مرة في حياتي بأسرها التي يتبع فيها اسمي باسم ذلك الرجل. اعتقد أنها ستكون الأخيرة كذلك.
ترك إيان يدي لاتقدم وحدي نحو المنصة حيث ينتظر الملك وعاقد القران. رأيت الوجوه المحيطة النبلاء، الأمراء والأميرات، زوجات الملك وحريمه من ضمنهم أريا، الملكة. لمحت وجهًا يشبه وجه إيان لكن أكبر سنًا وأكثر قبحًا، فعلمت أنه وجه الدوق. كانت الملكة هي الأقرب للمنصة. هي الأعلى مكانة بعد الملك بالطبع -حتى الآن-. انتهت المراسم وتبادل عهود الزواج دون أن أي انتباه منّي. كان تركيزي مع الوجه الموجود بعيدًا. يستند بجسده على أحد الأعمدة بالقاعة، وفي يده كأس لم يذق قطرة منه طوال المراسم بل ظل يحرك الكأس وعيناه مثبتتين عليّ.
-الآن أعلن إتمام الزواج، وأن نجمة ابنة البارون السابق ڤينست زوجة للملك چورچ الثالث عشر.
جاء إعلان عاقد القران لأراه يبتسم متألمًا، ثم يدير ظهره ويغادر القاعة.
طبع الملك قبلة على خدي، منعت نفسي من إبداء تقززي الشديد. هكذا انتهى الأمر. أصبحت زوجة الملك.
بدأت الاحتفالات. مع حركة الجميع شعرت بأن القاعة ازدحمت أكثر. توافد النبلاء لتحيتي. أغلبهم بذلوا قصارى جهدهم في تملق زوجة الملك الجديدة. الفتاة التي استطاعت إغواء الملك وإقناعه بالزواج بها دون أي تمتلك أي دعم من أي منزل نبيل، بل إن حتى بيت أبيها يُعد بيت مجرم. بقدر ما بدا هذا غير منطقي بقدر ما ازدادوا قناعة أن الملك متيم بي حتى النخاع. ولم يكن اعتقادهم خاطئ لولا أن هذا الهيام لن يبقى سوى عدة أشهر ستكون كافية لتدمير هذه المملكة فوق رؤوسهم. كذلك تناوب الأمراء مجبرين على تحيتي والحنق في أعينهم. لم أرى زين في القاعة منذ مغادرته. جاء ولي العهد، شعرت بالمرارة تتصاعد في حلقي لمجرد مرآه.
-زوجة أبي الجديدة، تسعدني رؤيتكِ مجددًا.
كنت لأنخدع بابتسامته والسعادة التي رسمها على وجهه لولا النظرة في عينيه،
=أنا أيضًا مسرورة جدًا لمقابلة سموك مرة أخرى.
اصطنعت ابتسامة متكلفة لأجيبه،
-ما كان يجب أن استهين بكِ، يبدو أن أخي الصغير لم يكن كافيًا بالنسبة لكِ.
=إن قلبي مخلص لجلالته.
ضحك بصوت مرتفع مما لفت انتباه الأشخاص المجاورين لنا. انحنى نحوي وهمس،
-لكن هذا لا يعني إخلاص الجسد، إن لم يستطع العجوز إرضاءكِ لا تترددي في البحث عني. سأقدم لكِ عناية فاخرة.
استعر الغضب بداخلي، لكن قبل أن أرد وضع إيان يده على كتف ولي العهد،
_لا تقلق، جميعنا نعلم أقصى قدراتك.
ضحكتُ بينما ابتسم إيان بسخرية. نظر إلى إيان بتهديد ولكنه انصرف في صمت. مجرم وقح، يتعامل مع الجميع بتعالي وتكبر. وهو أحقرهم. عبثًا ظننت أن القانون قد يتصدى لمجرم مثله. البعض لا يستحقون الموت برحمة. سأتأكد من إنهائه بنفسي. ظننت أنني قد قابلت الجميع بالفعل، فأخذت أجول بنظري بين الحضور لاحظت الضوضاء حول الأمير الثاني يبدو أنه أسرف في الشرب كما توقع إيان.
-سموكِ.
التفتُ إلى صاحب النداء، يبدو وجهه أكثر عجزًا وقبحًا عن قرب،
-دعيني أعرفكِ بنفسي، أنا الدوق نيكولاس.
مد يده إليّ،
=تشرفت.
مددت يدي بالمقابل ليطبع على ظهرها قبلة،
-اتمنى أن نلتقي في المستقبل القريب، (شد على يدي) وأن يكون بيننا علاقة ودية.
=أنا أيضًا.
ابتسم بخبث قبل أن يفلت يدي، ليبتعد عنا.
=إيان؟
كانت عينا إيان تتبعان الدوق،
_ما الأمر؟
=ذلك الخاتم، هل يرتديه الدوق دومًا؟
نظر إلى في تعجب،
_طوال حياتي لم أره من دونه.
=لقد شعرت بدماء التنين.
بدل نظراته إلى ظل الدوق الذي أخذ يبتعد ثم عاد ببصره إليّ،
_من الخاتم؟
=أجل.
_متأكدة؟
=ذلك الشعور البغض. لا يمكن لأي شيء أن يعطي هذا الانطباع سوى الدماء النقية.
تناولت كأس مشروب ما، كنت أشعر بجفاف شديد في حلقي،
_ولكن كيف لم أشعر بها؟
بدا حائرًا،
=أنت تشعر بها بالفعل.
_ماذا تقصدين؟
بعد أن أفرغت الكأس ناولته أحد الخدم. ثم وجهت بصري إلي إيان.
=السبب أنك خاضع للدوق، وتحت سيطرته المطلقة. الدماء النقية أقوى من الدماء الهجينة في عروقك، لذلك تفرض هيمنتها عليك، وهكذا دون أن تدرك تشعر بالخضوع لها. بالإضافة لتلاعب الدوق بك منذ الصغر الذي جعل الأمر أسهل.
أخذ إيان يستوعب ما قلته بهدوء،
_أي أننا لو انتزعنا الخاتم...
تردد فأكملت نيابة عنه،
=ستتحرر من سيطرة الدوق، وليس أنت وحدك، الجميع. الدماء تمثل حضور التنين، مما يزرع الخوف داخل الصدور، إن اختفت الدماء سيفقد الدوق هيبته.
_ولكن لماذا أنتِ فقط من أدركتِ ذلك؟ وإن كان هذا صحيحًا لماذا بدا الدوق ضعيفًا أمامكِ؟
=لأن الدماء في عروقي مختلفة. جسد كامل حي ينبض بدماء نقية بالمقارنة ببضع قطرات، لمن الغلبة في رأيك؟
_ولكن من المستحيل الحصول على الخاتم، لن ينزعه من يده مهما كان.
علق إيان، فابتسمت له،
=إذًا لننزع يده بالكامل.
(نهاية الفصل الحادي والأربعين)