_أريد لقاء الدوق.
طلبت بحزم،
-هذا غير مسموح الدوق مشغول الآن.
أجاب الحارس الواقف أمام باب الخيمة بثبات الجندي، انبعث صوت صراخ أنثوي من الداخل، توتر وجه الحارس، يبدو أنه ليس معتاد بعد على حراسه خيمة الدوق،
_هذا واضح، متى سيصبح متفرغًا؟
قطبت حاجبي والغضب واضح في صوتي،
-لا اعتقد أنني يمكنني تحديد ذلك.
زاد التردد في صوت الحارس مع تعالي الأصوات،
_الأمر عاجل.
أعلنتُ بثبات،
-لقد منع الدوق أن يتم مقاطعته لأي سبب.
دفعته بعيدًا واندفعت داخلًا،
_ابتعد من طريقي سأتحمل أنا المسئولية.
بمجرد دخولي الخيمة وجهت نظري نحو الأرض بعيدًا عن الفراش، لم يهتم الدوق لوجودي واستمر في ما يفعله، عندما لم يعد بإمكاني الصبر نطقت بانفعال،
_هل يمكن لجنابك إرسال هذه المرأة خارجًا؟ أريد مناقشتك في أمر هام وعاجل.
كنت اضغط على أسناني بشدة من الغضب والقرف في آن واحد، تجاهل طلبي وتركني واقفًا بهذا الوضع عدة دقائق قبل أن يترك تلك المرأة من بين يديه ويأمرها بالخروج مع وعد باستدعائها لاحقًا،
*الآن ما هو هذا الأمر العاجل الذي أعطاك الجرأة لمقاطعتي في وقت كهذا؟
تخرج الكلمات من فمه مثيرة للقشعريرة، أقذر رجل عرفته الأرض بصوت مثل الأفاعي بارد وسام، ابتلعت ريقي واعتدلت في وقفتي بعد أن غادرت المرأة الخيمة وأخيرًا أصبحنا أنا وهو فقط، دوق نيكولاس، أبي،
_الجنود يتضورون جوعًا الضعاف منهم لن يتحملوا يومًا آخر على هذا المنوال سيموت أكثر من ثلث الجيش إن لم نفعل شيء.
استخدمت أكثر نبرة حيادية ممكنة كي لا أثير غضبه، برغم الثورة في داخلي،
*لماذا قد يعنيني شيء كهذا؟ الجنود دومًا يموتون في الحروب، الجنود الذين يقتلهم بعض الجوع لا فائدة ترجى منهم.
قال ببرود كصقيع الشتاء، نظرت إليه في دهشة، جسد طويل نحيل الهيئة، كبر السن قد نال منه رغم أنه مازال يحتفظ بما يكفي رغباته من قوة، "ألا يوجد حد لحقارة هذا الرجل؟" كيف يجلس عاريًا على فراش من الحرير يتحدث بغير اهتمام عن حياة جنوده الذين ينامون في العراء كل ليلة كأنهم مجرد ذباب لا فائدة منه،
_هم على هذا الحال لأكثر من شهر، الطعام محدود المنطقة المحيطة بأكملها خاضعة لسيطرة الشماليين، والبيئة مختلفة عن التي نعرفها، الغابات ليست مثمرة في هذه المنطقة والحيوانات قليلة العدد مضت أيام منذ أن استطعنا اصطياد أي شيء، والجنود؟ هم ليسوا فرسان هم مجرد أبناء مزارعين سيئي الحظ بما فيه الكفاية لينتهي بهم الحال هنا.
كان القلق مسيطرًا على صوتي، استشعره الدوق وابتسم ابتسامته المقززة،
*وماذا تريدني أن أفعل؟
_بقاؤنا في هذه المنطقة لن يجدي نفعًا يجب تغيير استراتيجيتنا في التحرك لا اعتقد أن ما يحدث مصادفة، مضت ثلاثة أشهر منذ آخر لقاء حقيقي مع الشماليين أما ما بعد ذلك لم يكن سوى مجرد مجموعات صغيرة وكأنهم لا يمانعون بقاءنا هنا بل ربما يريدوننا أن نكون هنا ونكمل هذا الطريق.
اعتدل قليلًا في جلسته ثم سحب قطعة من الملابس ليضعها حول جسده لتستره قليلًا ثم وقف ليفكر،
*هل ترى أنهم ينصبون لنا فخ؟
إن كان هنالك شيء يمكنه إثارة اهتمام الدوق نيكولاس فهو الربح، وإن كان هنالك شيء يبغضه فهو الخسارة، هو رجل لا يهمه سوى السلطة، ولا حد لطمعه في زيادتها أكثر وأكثر، وهو ليس بالغبي على الإطلاق لكي لا يدرك أن خسارة الحرب تعني تهديد سلطته، لقد أرسله الملك في هذه الحرب تحديدًا لأنه يعلم بمدى دهائه الذي يوازن تهور الأمير الثاني، والحقيقة أنه لولا قدرة الدوق في فرض رأيه على الملك والأمراء وتحكمه في جماح الأمير الثاني لكانت الحرب انتهت بخسارتنا وموتنا جميعًا قبل أشهر من الآن، لكن الدوق يكره الاختلاط بالعامة من الجنود ولا يحب القتال بيديه لذلك كان لابد من وجود من يقتل باسمه ويجلب له الاقتراحات دون أن يجرؤ على التمرد على سلطته، فكان أنا، أكره حقيقة أنه يستغلني دومًا لكن مع ذلك لا أملك اختيار،
_هذا احتمال كبير لذلك سيكون من الأفضل اتخاذ طريق آخر حيث نستطيع فرض سيطرتنا على بعض القرى وربما المدن الصغيرة تدريجيًا، فنحصل على طعام كافي ولن يستطيعوا محاصرتنا أو تهديدنا ومعنا رعاياهم، أما إن أكملنا الطريق الحالي لن يصل ما يكفي من الجنود أحياء لقتال العدو.
*هكذا إذن هل تعرف طريق مناسب لحركة الجيش يتوافق مع اقتراحك هذا؟
إنه مصمم على استغلالي بأكبر قدر ممكن، وحتى النهاية، أجبت على مضض،
_أجل، لقد بحثت واعتقد أنني وجدت الطريق المناسب.
توجه إلى طاولة في جانب الخيمة مبعثر فوقها عدة أوراق وخرائط، قمتُ بفرد الخريطة المطلوبة للمنطقة وبدأت بشرح خط السير المناسب لتحرك الجيش بشكل أكثر أمانًا وأقل مخاطرة، استمع إليّ بانتباه شديد وعينيه مركزتين على الخريطة، يتبع إشارتي بدقة، غريب كيف يبدو أنه يثق فيّ بشدة، ولكن لا تجعل ذلك يخدعك، الدوق نيكولاس لا يثق في أحد، ومن الحماقة أن تثق به، همهم مفكرًا بعد أن انتهيت من شرح ما يجب فعله،
*حسنًا جدًا، أحسنت العمل كالعادة، سأجتمع مع الأمير الثاني صباحًا وأخبره بتغيير مسار الجيش.
يتحدث بثقة وكأنه هو صاحب اليد العليا،
_أشكرك كثيرًا إن أذنت لي سأنصرف الآن.
انحنيت واتجهت نحو مخرج الخيمة، وأخيرًا،
*مهلًا أنا لم اسمح لك بالمغادرة.
هذا لا يبشر بالخير،
_هل هنالك شيء ترغب حضرتك في أمري به؟
هكذا قلت باحترام مصطنع،
*أريد أن اتحدث معك قليلًا كأب وابنه.
مع تلك النظرة المقيتة على وجهك وابتسامة الثعابين هذه؟ هذا لا يمكن أن يكون خيرًا أبدًا،
*لقد سمعت أنك لا تتلقى أي رسائل على الإطلاق.
لماذا يتحدث عن أمر كهذا؟ شعرت بالقلق يزحف إلى داخل صدري، هنالك كارثة وراء حديثه الأبوي هذا،
*هل تشاجرت مع تلك الفتاة؟ أم أنك قد انهيت غرضك منها بالفعل؟ لا لو أنك قد فعلت لما بقيتْ في ذلك النُزل عند تلك العجوز حتى الآن.
هذا لا يعقل، لماذا يجب أن يهتم إلى هذا الحد؟ ألا يمكنه فقط استغلالي دون أن يقترب ممن أهتم لأمرهم، ولكن كيف يفعل وهذه هي طريقته للتأكد من طاعتي، لقد وصل به الأمر للقتل عندما حاولت التمرد من قبل، قبضت يدي بشدة، ونطقت بهدوء،
_لا اعتقد أنني أفهم ما تشير إليه بالضبط.
قهقه بسخرية، اقترب منّي بما يكفي ليسند ذراعه فوق كتفي،
*كم أحب محاولاتك الساذجة في اخفاء الأمور عنّي، لكنني لست منزعج أنا اتفهمك، الفتاة جميلة جدًا على حسب ما سمعته لديها قوام رائع وجسد جذاب رغم أنني لم أرها بنفسي ،وهي ابنة غير شرعية ستكون قادرة على ارضائك بالتأكيد هذه الأمور تجري في دماء العاهرات.
_هل يمكنني معرفة لماذا تهتم حضرتك بها؟
قاطعته بسؤالي لعل هذا الحوار ينتهي سريعًا،
*ألا يحق لي كأب أن أعرف أحوال ابني وأتأكد ألا يتعرض للخداع، لقد أرسلتك لإلقاء القبض على حاكم القلعة.
_وقد فعلت.
*ولكنك عدت ومعك فتاة من الخدم.
هو لا يعرف أنها كانت ابنة الحكم؟ هذا أمر جيد كاد قلبي يتوقف،
_لقد ساعدتنا على اقتحام القلعة ولم يكن لها مأوى.
*وأنت بطيبة قلبك أحضرتها إلى العاصمة لتقيم معك؟
كانت نبرته ساخرة،
_أجل، لقد أعجبتني أردت أن اتسلى وانتهى الأمر، كانت ذكية لتدرك أنها ان تحصل على أكثر من ذلك ولم تسبب المشاكل فتركتها لتقيم في النُزل.
أجبت بثبات سيكون من الجيد أن يصدق أن هذه هي حقيقة الأمر،
*إن كان هذا هو الأمر فلا بأس، بالمناسبة كيف صارت تحقيقاتك مع حاكم القلعة ذاك؟
"لماذا يلف ويدور حول نفس النقطة؟ ماذا في باله؟" أسئلته غير مطمئنة على الإطلاق،
_لا شيء مميز، كانت كل الأدلة موجودة بالفعل مع بعض التعذيب اعترف بكل شيء.
*ألم يقل أي شيء آخر؟
_لا.
شعرت بالحيرة، إلى أين يريد أن يصل؟ ابعد ذراعه عن كتفي وأخذ يتجول في الخيمة،
*هل تعرف لماذا تم القبض عليه؟
_تهرب من الضرائب لفترة طويلة وبعض الممارسات—
قاطع حديثي بنبرة ضجر وتعابير وجهه تدل على انزعاجه،
*لا لا هذه الأسباب التافهة لا تعنيني أقصد السبب الحقيقي.
_لا علم لدي.
*اعتقدت ذلك بالفعل، لقد كان يثرثر كثيرًا عن العائلة الملكية في الآونة الأخيرة مما أزعج الملك، هل تعرف ما كان يقوله؟
سكب لنفسه كأس من النبيذ وبدأ باحتسائه بهدوء،
*لقد كان يتباهى بحكاية غير معقولة عن كونه استطاع النوم مع واحدة من شقيقات الملك.
رغم أنه يتحدث بلا مبالاة، انتابني الفزع عندما أنهى جملته، هل يعقل أنه يعرف بأمر نجمة؟ وما الذي يعرفه بالضبط؟ لقد كان حاكم القلعة على علم بقدراتها، هل هنالك أحد آخر يعلم بهذا الشأن؟
_هذه أول مرة اسمع فيها بهذا الأمر لابد أنه كان يحب اختلاق القصص للتباهي.
قلت بأكبر قدر ممكن من الثبات كي لا يشعر بشيء، حدق إلىّ بتركيز ثم عاد إلى كأسه لينهيه في رشفة واحدة،
*اعتقد ذلك أنا أيضًا، كنت فقط أريد التأكد من أنه لم يتحدث عن الأمر أثناء استجوابه، علاقة مع إحدى شقيقات الملك كانت تلك لتصبح قصة مثيرة.
_أجل، هل يمكنني الانصراف الآن؟
*بالطبع.
أدرت ظهري أخيرًا سأخرج من جحره المخيف هذا،
*اه كدت أنسى.
قال بنبرة مستدركة فتجمدت في مكاني، ماذا الآن؟
*تلك العجوز ما اسمها؟ أجل تذكرت نورا، هي لا تعرف حتى الآن أنك كنت السبب في يُتم حفيدتها المسكينة، أليس كذلك؟
ابتلعت ريقي بصعوبة حتى استطيع إجابته،
_لا.
*هذا جيد قلبها المسن لن يتحمل خبر كهذا، الصبي الذي اكتنفته في رعايتها وكأنه حفيدها كان سبب مقتل ابنتها وزوجها، سيكسر خبر كهذا فؤادها.
_ما الداعي من ذكر هذا الأمر الآن بعد كل هذه السنوات؟
*لا شيء فقط أذكرك بما تسببت به أفعالك عندما حاولت عصياني، فلترحل وأخبرهم أن يحضروا لي تلك العاهرة مرة أخرى.
خرجت من الخيمة مسرعًا، أخبرت الحارس بطلبه، واتجهت نحو أقرب مجرى للماء، غطست بوجهي في الماء لعل برودته تخرج غضبي، ذلك الحقير يهددني مجددًا، لقد حاولت فقط أن أتحرر من سلطته، أن أعيش حياة بعيدة عنه تمامًا، ما الأذى الذي كان يمكنني أن أسببه له كي يقتلهما ويجبرني على العودة بتهديد أنه سيقتل المزيد من الأشخاص إن لم أطع أوامره؟ لماذا يريد تعذيبي بألم الضمير بهذا الشكل؟ هربت الدموع من عيني، أكاد اختنق، بين هذا الدوق الحقير، والأمير الذي لا يهمه شيء سوى القتل والدمار، والجنود الضعفاء الذين يتساقطون قتلى يوميًا، صدري سينفجر من الألم، هذه الحرب يبدو أنها ستطول ولا أدري كيف يمكنني التحمل حتى النهاية.
******************************
=هل تقصد العائلة الملكية؟
-تمامًا.
نبرة الثبات في صوت ثيودور توحي بأنه يعلم شيء ما بهذا الخصوص،
=تبدو واثقًا مما تقوله.
سألت بشك،
-لقد كانت لدي شكوك لفترة طويلة، جميع الكتب القديمة التي تروي القصة متطابقة في الأحداث الرئيسية بينما عندما يصل الأمر للتفاصيل غير الموجودة في حكايات العامة يبدو وكأن كل منهم يحكي قصة مختلفة تمامًا، ذلك التضارب بين المتطابقات والمتعارضات، أثار حيرتي ومع كل كتاب توجد تفاصيل مختلفة.
نبرته تدل على أنه فكر في الأمر مرارًا من قبل، أخذ يتأمل الكتاب المفتوح على مكتبه،
=هذا مثير للريبة حقًا، ألهذا لم ترسل الكتاب لدار الترجمة؟
-أجل، دار الترجمة تابعون للعائلة الملكية ومحتوى هذا الكتاب قد يهدد سلطة الملك، لذلك أخبرتكِ أن الأمر سري.
=ولماذا تثق فيّ؟ ألا يمكن أن أذهب وأخبر الملك؟ أنا والأمير السادس أصدقاء.
كان الفضول يتملكني بهذا الخصوص منذ أول يوم عمل هنا،
-لا لسبب محدد يمكنك القول أنه حدس فقط لا أكثر.
أجاب ببساطة،
=هل تثق في حدسك إلى هذه الدرجة؟
سألت بتعجب،
-أجل، وكما أخبرتك من قبل هذه مشكلتي أنا لا مشكلتك.
نظر إلى بثقة،
=لا يهم، إذن نبدأ الآن عملية الترجمة الحقيقة لهذا الكتاب؟
قلت في حماس،
-أجل لنبدأ الآن كشف الأسرار.
ارتسمت على وجهه ابتسامة ماكرة يبدو مستمتعًا بما يفعله، الحقيقة أنني بدأت أشعر بالفضول هذا الكتاب ربما يحمل لي أسرار عن قوتي وحقيقة اللعنة التي تطاردني.
(نهاية الفصل السادس عشر)