الفصل الثاني والتسعون

Start from the beginning
                                    

فتحت ولاء عينيها ببطء محاولة رؤية ما حولها، تأملت المكان بنظرة شمولية رغم تورم عينيها وعرفت من الأصوات القريبة منها أين هي، استندت على مرفقيها محاولة النهوض من رقدتها المتعبة، وسحبت ساقيها إلى صدرها لتنزوي بعيدًا عن البهائم التي كانت تتحرك حولها، بكت بقهر متحسرة على ما آلت إليه الأمور معها، انتفضت في جلستها مذعورة حينما سمعت صوت إحداهن يصيح عاليًا:

-فاقت يا حاجة!

ظنت أنهن سيتطاولن بالضرب عليها، فصرخت بهلع:

-حرام والله اللي بتعملوه فيا!

ولجت إليها زوجة عمها كامل، فرمقتها بنظرات احتقارية أشعرتها بوضاعتها، ثم أردفت قائلة بجمود:

-اللي اتعمل فيكي قرصة ودن يا بت شادية، ولولا إن الحاج عمل خاطر ليا كان زمانته بيدفنك ولا من شاف ولا من دري

سألتها بصوت مختنق وهي ترتجف:

-ليه كل ده؟

أجابتها بحدة وهي تنظر لها بازدراء:

-مفكرانا مش دارين في البلد باللي بتعمليه في البندر!

اقتحم عقلها سيلاً متداخلاً من مشاهد مختلفة لمقتطفات متفرقة من حياتها؛ اتفاقات حقيرة مع سليل عائلة أبو النجا للإيقاع بغريمه بدياب، مشاحنات عنيفة معه بعد وقعه في المحظور وجره لحبائلها الخبيثة، توريطه في مسألة الزيجة وما تبعه من حمل وإنجاب، ثم انكشاف المستور وطلاقهما الحتمي، علاقات خفية مع مازن، وانصياع تام لأطماع وشهوات دونية، أفاقت من شرودها المشين قائلة بارتباك:

-أنا..

وكأن زوجة عمها قد قرأت أفكارها، فقاطعت بنفور:

-اتطلقتي من ابن الأصول وقولنا نصيبها كده، عرفنا بعدها إنك فجرتي، وقلعتي، مفكرة بكده إنك مالكيش أهل شوهتي سمعتهم!

تجمدت الكلمات على طرف لسانها فلم تستطع الدفاع عن نفسها، تابعت الأخيرة مضيفة بقوة:

-حاشنا عنك الحاج طه!

ارتفع حاجبي ولاء للأعلى في ذهول تام، بدت علامات الاندهاش جلية على قسماتها المتورمة، لم يطرأ ببالها أن يقوم حماها السابق بزيارة سرية إلى عائلتها، فقط لوأد الخلافات قبل أن تتطور وذلك حرصًا على مصلحة ابنها آنذاك، رأت زوجة عمها تعبيراتها المصدومة فأكدت حديثها موضحة:

-ايوه، جه زمان عندنا ووصانا منتعرضش ليكي!

شعرت بخيبة الأمل لكونها فرطت في عائلة ذات أخلاق متأصلة فيها بروعونتها وتفكيرها الأحمق، أضاعت كنزًا ثمينًا من بين أصابعها بسبب غبائها الشديد، واصلت زوجة عمها مكملة بتعنيفٍ قاسٍ:

الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅Where stories live. Discover now