الفصل الثالث والأربعون

Start from the beginning
                                    

لم تجدها على الفراش ، فبحثت عنها بعينيها في أرجاء الغرفة. وجدتها منزوية في أحد الأركان توليها ظهرها، ومحدقة في متعلقات والدتها الراحلة الموضوعة أمامها على الأرضية.

دققت النظر أكثر فيما تحمله في كفها فرأت هاتفًا قديمًا.

تجمدت أنظارها عليها، وراقبتها في صمت.

كانت أسيف في عالم أخـــر خاص بها، لم تمنع شهقاتها من الخروج من صدرها.

لم تتوقف عبراتها عن الانهمــار، تابعت حديث نفسها الحزين مرددة ببكاء:

-لو ياخدوا مني كل حاجة ويدوني لحظة أسمع فيها صوتك تاني!

اختنق صوتها حتى بدا كالأنين:

-أنا من غيرك ولا حاجة، ليه عملتوا كده؟

بكت بقهر عاجز وهي تكمل بصعوبة:

-انتي وبابا سبتوني فجــأة، ليه قسيتوا أوي عليا، ليه سبتوني لوحدي ماليش حد يحميني ولا يدافع عني؟

زادت شهقاتها قوة حينما تابعت بآسى شجي :

-وأنا بأموت كل يوم مليون مرة وانتو بعاد عني!

تأثرت بسمة لحديثها الموجع، وشعرت بغصة قوية عالقة في حلقها.

لم تستطع أن تراقبها لأكثر من هذا، أو أن تتحمل معاناتها القاسية. فإلى الآن هي لم تتحدث معها بأي صورة ودية، وتلك هي المرة الأولى أن تصغي إلى ألمها المفجع للقلوب بتأثر كبير.

قاومت رغبة عارمة تحثها على البكاء، وانسحبت بهدوء للخــارج مغلقة الباب خلفها.

هرب من مقلتيها عبرة خائنة، فمسحتها سريعًا قبل أن يلاحظها أحد.

رفعت رأسها لتحدق في الفراغ أمامها متذكرة ذلك الموقف المشين الذي مرت به قبل سنوات فدفعها قسرًا للتصرف بوقاحة وفظاظة مع الجميع ...

.....................................

توفي والدهـــا قبل بدء الدراسة في المدرسة الثانوية بعدة أيـــام، فلم ترغب في الذهاب أو حتى الاستذكار.

اعتزلت كل شيء، وحبست نفسها في غرفتها رافضة الخروج أو الحديث

توسلت لها أمها عواطف ألا تهمل في دروسها كي لا يحزن أباها الراحل، وأن تحقق له أمنيته الأخيرة في رؤيتها الطالبة المثالية التي تترقى في دراستها حتى تصل إلى الجامعة وتتخرج خاصة وأنها قد نجحت في امتحان الالتحاق بفصول الفائقات.

وعلى مضض كبير ذهبت إلى مدرستها الجديدةواضعة هدفًا واحدًا نصب عينيها.

لم يكن لها من الرفيقات من تتودد إليهن، وبقيت بمفردها لعدة أيام متحاشية الحديث مع أي طالبة كاتمة في صدرها حزنها الشديد على فراقه. وركزت فقط على المذاكرة ومتابعة الدروس أولًا بأول.

الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅Where stories live. Discover now