٣٢. العالة

38 5 4
                                    

قبل شهر ...

بحث عنه في كل مكان، كل شيء عدا ذلك كان ضبابيا، فجأة كان المعلم يصرخ فيه قائلا "سيتم أخذه بالمروحية، أتريد الركوب معه؟"

أومأ برأسه، في حين كانت عيناه ضبابيتان، كان من الواضح عليه الإعياء الشديد، وبدا وكأن رجلاه تحملان عبء جسده بأكمله، بدا وكأنه مخلوق لا فقاري، ومشهد واحد كان كفيلا بذلك، دماء أخيه.

لم يكن هناك وقت؛ لذلك سحبه المعلم من ذراعه وأدخله المروحية ودخل معهم. آدم الذي من الواضح أنه لايزال مشوشا للغاية، بمنظر أوجِس ودمائه، التفت إلى المسعفين الذين كانوا يحاولون جاهدا إبقاءه على قيد الحياة ريثما يصلون إلى المستشفى، كان يسمع محادثاتهم وهم يخبرون طاقم المشفى بأن يستعدوا ويجهزوا غرفة العمليات.

يوم كامل...

يوم كامل هو ما استغرقته العملية، جاعلا آدم على أعصابه طيلة الوقت، بدا كل شيء دهرا وفي نفس الوقت لم يحس بالوقت. كانت يداه ترتجفان، وازداد الإرتجاف حين أتى الطبيب، نبضات القلب ارتفعت، والمعدة تنهشه، والقدمان حالة خاصة من التيبس.

تنهد الطبيب، كان وجهه بلا مشاعر، لكن عيناه التي أخذت نظرة سريعة على الأرض بدت وكأنها لا تعلم كيف تخرج "أخرجنا الرصاصة، لكنه الآن في غيبوبة، سيبقى في العناية المركزة إلى أن تستقر حالته"

"تظنون أنه سيموت؟" قالها آدم في هدوء شديد.

"لا نستطيع الجزم احتمالية موته أثناء الغيبوبة هي سبعون بالمئة، خمسة وعشرون بالمئة أنه سيبقى في الغيبوبة إلى طيلة حياته، أما الخمسة الباقية أنه سيعيش لكن الآثار ستبقى، لقد كانت طلقة مسمومة"

تجمد في مكانه بعد كلمات الطبيب، لم يقو على الحراك حتى بعد أن غادر الطبيب، بقي في مكانه مسمرا، قد يكون الجسد هناك، لكن العقل كان في مكان آخر "لن يعود أخي كما كان" ظل عقله يردد تلك الكلمات مرارا وتكرارا قبل أن يخرجه المعلم من تلك الحالة هازا كتفه بعد أن عجز عن مناداته.

"اذهب وخذ قسطا من الراحة بني، سيأتي خالك وجدتك قريبا. اذهب معهما"

"لا سأبقى معه حتى يستيقظ"

لم يحاول إقناعه، إنه في حالة صدمة، آخر شيء يحتاجه أن يقنعه أحدهم في شيء لا يريده، ربت على كتفه وقال "سأذهب لحل ملابسات الحادثة" وغادر.

واقفا أمام النافذة الزجاجية، يراقب أخيه الموصول بالأجهزة، وضع رأسه أمام الباب الذي يقول بصريح العبارة "يمنع الدخول لغير العاملين"

"آسف لكوني العالة"

"آدم؟"

التفت للمنادي الذي ناداه بنبرة كمن يتأكد من اسم الشخص. كان رجلا نحيلا باسما يميل جزء جسده العلوي ناحية اليمين محاولا النظر لوجه آدم "إنه أنت حقا، لقد كبرت يا آدم"

حدق آدم فيه مطولا ثم أطلق شهقة المتذكر "شرطي درهام! أنت تتذكرني؟"

"بالطبع، ليس كل يوم تجد حالة مثل حالتك، ولا شخصا سيفرح في موت توأمه"

نعم تلك القشة الصغيرة هي ما كان يحتاجه لتطلق عيناه الدموع، عانقه الشرطي سريعا والتفت حيث النافذة بجوار الباب، ليرى أُوجس راقدا "آسف جدا يا آدم، لم أكن لأقول ذلك لو علمت أنه ...ماذا حدث له؟"

"رصاصة مسمومة، والطبيب يقول لن يعود لسابقه أبدا، هذا إن عاش"

أبعده عن الباب وأجلسه على أحد كراسي الإنتظار، وترك آدم يبكي حتى توقف "كل ما أتذكره الآن هو الكلام الذي اعتادت أمي على قوله لي: ستبقى دائما عالة على إخوتك مهما فعلت. إنه هنا الآن بسبب أنني لا أستطيع الإعتماد على نفسي، أنا عالة عديم قرار"

أوقفه درهام عن الكلام "توقف، تعلم أن هذا قدر، كان سيصيبه لا محالة ولا يد لك بذلك"

أومأ برأسه "أعلم"

"وأظنه يعلم ذلك، ولن يلومك أبدا، لذلك توقف عن وصف نفسك بالعالة عديم القرار، الصغير الذي هرب قبل أربع سنوات من غسيل الدماغ، وواجه مخلوقات لم يرها في حياته وحرر إخوته وردهم إلى أهلهم؟ أنت أبدا لن تأخذ لقب العالة عديم القرار"

تابع كلامه بعد أن أطلق زفيرا "أنت تحتاج إلى دافع يشبه ذلك الدافع الذي حدث قبل أربع سنوات"

نعم، إنه محق، عليه أن يخرج من نمط الندم فما حدث حدث، عليه الآن أن يفعل شيئا حتى يعتمد على نفسه. وفجأة فز آدم واقفا "أنت محق، عليّ أن أنظف كل هذه الفوضى قبل أن يستيقظ ويضطر هو لفعلها"

ورحل مغادرا مودعا له "شكرا لك أيها الشرطي درهام"

****

"لقد وصل" قالها الشرطي لدرهام الذي بقي جالسا في مكانه وقد مضى على مغادرة آدم عشرة دقائق.

"وهو؟"

"لقد قال ليس بعد"

أومأ برأسه بضحكة مكتومة "بالطبع، ليس بعد"

ثم وقف وألقى نظرة أخيرة على أوجس الراقد "أدعو الإله أن يعجل شفائك"

سأله الشرطي "أتعرفه؟"

ابتسم "نعم، شخص سيحزن أخوه كثيرا في موته"

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Aug 24, 2023 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

ملحمة أندارياWhere stories live. Discover now