٨. دماء وسط الثلوج

99 18 8
                                    


''لقد رحلا أخيرا'' قالها ليدار بابتسامة وعلى وجهه تعابير الحماس.

''لننتظر ساعة إلى أن يبتعدوا وبعدها سنذهب''

كان بالنسبة لهم انتظارا طويلا للغاية، بعضهم أصبح يجيء ذهابا وإيابا، آخرون كانت تهتز أقدامهم، وبعضهم لا تفارق الساعة عينيه.

إلى أن انتهت الساعة.

وقفوا أمام البوابة المعدنية المحظورة التي يخرج والداهم منها كلما ذهبا في رحلة. اقتربت العمة إيز من أزرار البوابة وضغطت على الأرقام لتفتح البوابة مع ارتفاع ضربات قلب الجميع. كان بعد البوابة ممر طويل ذو أرضية معدنية وجدران حديدية رمادية مثل الحصن  تماما.

ساروا إلى أن وصلوا إلى سلالم عالية آخرها بوابة على السقف "علينا تسلق السلالم، الخارج بعد تلك البوابة" وأشارت إليها.

قلوبهم بدأت بالارتفاع أكثر إلى أن أحسوا بوخزة خفيفة في بطونهم من التوتر وفي كل درجة يتسلقونها ترتجف أيديهم أكثر في مزيج من الحماسة والتوتر، فها هو حلم الخروج ورؤية الخارج قرب من أن يتحقق.

بالنسبة لأشخاص لم يروا في حياتهم الخارج، لم يبصروا شمسا، لم تلفحهم نسمة من الهواء، لم يسيروا على العشب، ولم يعرفوا الفصول الأربعة، ولم يعرفوا حر الصيف، وبرد الشتاء، لم يروا تساقط أوراق الخريف، ولا تفتح ورود الربيع، كان ذلك حدثا لن ينسى في حياتهم أبدا.

كانت العمة في مقدمتهم، وهي من فتحت البوابة ليأخذهم نسيم بارد لسعهم "بارد" قالها أوكتاف الذي كان بعد العمة إيز.

لكن لسعة البرد ذهبت حين أبصروا بياضا قادما من البوابة، علقوا لفترة هكذا كفراشة أبصرت ضوءًا وسط الظلام.

خرجت العمة إيز ومدت يدها لأوكتاف لتساعده على الخروج من هناك، لكنه كان غير منتبها، مبهورا ببياض الخارج النقي وقد عكستها أعينه مثلهم "هيا" تلك الكلمة أفاقتهم وجعلتهم يخرجون واحدا تلو الآخر إلى أن خرج آخرهم.

أول شيء فعلوه هو النظر إلى تلك السماء البيضاء التي تقذف رذاذا أبيض خفيفا، حدقوا بعدها على الأرضية وعلى الأشجار العارية من الأوراق "هل نحن في الشتاء؟"

"نعم" أومأت برأسها مبتسمة، ليركضوا جميعا متفرقين ناحية المكان، بعضهم رمى نفسه على الثلج، آخرون لمسوه بأيديهم، والأخيرون حاولوا معرفة طعمه.

في تلك اللحظة من السعادة لمحت العمة إيز ضوءا في أحد الزوايا، لقد خافت أن يكونا قد عادا وهم لم يهربوا بعد، لقد أرادت لهم أولا أن يستمتعوا باللحظة قبل أن يهربوا جميعا، لكن الآن لا يوجد وقت "تجمعوا الآن!" قالتها بنبرة شخص حذر.

تجمعوا جميعا، وقبل أن تقول كلمتها كان أوجِس قد قال "ما ذلك الضوء؟" ثم ركض ناحية الضوء بسرعة وسط تحذيرات العمة إيز لكنه استمر في الركض ناحية الضوء، والعمة قامت باللحاق به آمرة الجميع بأن لا يلحقوها أبدا وأنها ستعود حالا.

مر بعض الوقت وكان الهدوء سيد المكان ''أين هما؟'' سألت سو.

حدق آدم في المكان الذي اختفيا فيه، وجد هناك مجموعة من الظلال تتحرك، ركز عينيه أكثر وأكثر ليجد أكبر صدمة في حياته.

ركض حيث اختفيا ولحق به ليدار حين وقف الجميع في أماكنهم يصرخون عليهم بالعودة لكنهما اختفيا أيضا وسط ضباب الثلج.

''انتظر آدم'' صاح ليدار الذي كان يلحق به.

توقف آدم جاحظ العينين من الصدمة، توقف ليدار بعدها معاتبا له ''ما بك؟ قالت العمة إيز أن لا نتحرك من مكاننا''

لم يجبه بل اكتفى بالصمت وهو يحدق أمامه، نظر ليدار إلى حيث ينظر آدم، وأصيب هو الآخر بصدمة عمره حين رأى العمة إيز غارقة في دمائها وهناك أثر مخالب قد تسببت بموتها حيث قطعت بداية من ذراعها إلى بطنها قطعا عميقا.

كان أوجِس جالسا بجانبها لكنه كان مصدوما فقط وبلا حراك ولا شيء قد أصابه.

''ما الذي حدث؟'' صرخ به ليدار.

أجابه بتلعثم ''وحش ذو مخالب ظهر أمامنا وهي قامت بحمايتي''

في تلك اللحظة سمع إطلاق نار صم آذانهم قبل أن تظهر من العدم أمهم ومعها بندقية قائلة بفزع

''لنركض بسرعة لقد وجدونا!"

''أمي؟'' قالها ليدار بحيرة وصدمة.

قامت بأخذ آدم المصنم في مكانه راكضة ويركض ليدار وأجِس معها إلى أن وصلوا إلى حيث ينتظر البقية وتصرخ فيهم قائلة ادخلوا الحصن بسرعة لم يعرفوا شيئا لكنهم من الخوف والتوتر أنه تم الإمساك بهم قد قاموا بالدخول فورا وبعدها أغلقت البوابة.

''أين العمة إيز؟'' سألت جاسمين وسط الأنفاس المتسارعة.

صاحت فيهم غاضبة ''ألم أخبركم أن الخارج خطر؟ لقد قتلت العمة إيز، لقد قتلها أحد أولئك الوحوش، وكل ما استطاع هؤلاء الثلاثة فعله هو أن يحدقوا في جثتها بلا حول''

كانت تلك الكلمات صادمة للغاية لهم، لقد ماتت العمة إيز، المرأة الرائعة الحنونة، لقد قتلها أولئك الوحوش، ذلك زاد من غضبهم تجاه تلك الوحوش، ولكم في تلك اللحظة أرادوا قتلها.

لكن آدم لم يصدق تلك الكلمات، لا يمكنك خداع شخص يتمتع ببصر خارق يرى من أميال بل أيام، لقد رأى آدم كل شيء، لقد عرف آدم الحقيقة، لقد عرف أن أمه من قتلتها، وأنها سبب تلك الدماء وسط الثلوج.

إذا الآن هناك شيء آخر غير الكذبة التي أخبروه بها، وهو يريد معرفة ما الذي في الخارج فعلا.

ملحمة أندارياWhere stories live. Discover now