🌸رجل من حجر🌸

xxlatifa9 tarafından

488K 36.9K 26.6K

🌸 عندما تتقاطع طرقنا مع أشخاص لم نقابلهم من قبل، يعيشون في عالم آخر غير عالمنا.. عالم مكسو بلون وردي من الخا... Daha Fazla

🌸مقدمة🌸
🌸الحلقة الأولى 🌸
🌸الحلقة الثانية🌸
🌸الحلقة الثالثة🌸
🌸الحلقة الرابعة🌸
🌸الحلقة الخامسة🌸
🌸الحلقة السادسة🌸
🌸الحلقة السابعة🌸
🌸الحلقة الثامنة🌸
🌸الحلقة التاسعة🌸
🌸الحلقة العاشرة🌸
🌸الحلقة الحادية عشر🌸
🌸الحلقة الثانية عشر🌸
🌸الحلقة الثالثة عشر🌸
🌸الحلقة الرابعة عشر🌸
🌸الحلقة الخامسة عشر🌸
🌸الحلقة السادسة عشر 🌸
🌸الحلقة السابعة عشر🌸
🌸الحلقة الثامنة عشر🌸
🌸الحلقة التاسعة عشر🌸
🌸الحلقة العشرون🌸
🌸الحلقة الواحدة والعشرون🌸
🌸الحلقة الثانية والعشرون🌸
🌸الحلقة الثالثة والعشرون🌸
🌸الحلقة الرابعة والعشرون🌸
🌸الحلقة الخامسة والعشرون🌸
🌸الحلقة السادسة والعشرون🌸
🌸الحلقة السابعة والعشرون🌸
🌸الحلقة الثامنة والعشرون🌸
🌸الحلقة التاسعة والعشرون🌸
🌸الحلقة الثلاثون🌸
🌸الحلقة الواحدة والثلاثون🌸
🌸الحلقة الثانية والثلاثون🌸
❤️
🌸الحلقة الرابعة والثلاثون🌸
🌸 الحلقة الخامسة والثلاثون🌸
🌸الحلقة السادسة والثلاثون🌸
🌸الحلقة السابعة والثلاثون🌸
🌸الحلقة الثامنة والثلاثون🌸
Note 1
🌸الحلقة التاسعة والثلاثون🌸
🌸الحلقة الأربعون🌸
🌸الحلقة الواحدة والأربعون🌸
🌸الحلقة الثانية والأربعون🌸
🌸الحلقة الثالثة والأربعون 🌸
🌸الحلقة الرابعة والأربعون🌸
🌸الحلقة الخامسة والأربعون 🌸
🌸الحلقة السادسة والأربعون🌸
🌸الحلقة السابعة والأربعون 🌸
🌸 الحلقة الثامنة والأربعون 🌸
🌸الحلقة التاسعة والأربعون🌸
🌸الحلقة الخمسون🌸
🌸الحلقة الواحدة والخمسون🌸

🌸الحلقة الثالثة والثلاثون🌸

8.6K 664 409
xxlatifa9 tarafından

لا تنسو النجمة يا حلوين 🌟

🌸


جيني أخذت تضغط على الورقة بين يديها وعيناها تدوران حولها بشكل تائه، في داخلها الكثير من الحزن والأسى وهي تتجنب النظر إلى باب غرفة السيدة العجوز.. جدة ماي كانت تحتضر وهي لم تعلم ماذا يجب عليها فعله حول ذلك!!

-- هل حضر السيد نامجون بعد؟

جيني قالت بنفاذ صبر وهي تحدق إلى سكرتيرة نامجون التي أخفضت رأسها وعدلت نظارتها متظاهرة بالنظر إلى الملف أمامها قبل أن تقول : ليس بعد..

جيني عقدت حاجبيها، ذراعاها مضمومتان أمام صدرها وقالت بغضب : ماذا تعنين بليس بعد..؟ الرجل لم يأت إلى هنا منذ أيام!! من يدير شركته من أجله بينما هو يتسكع..بالإضافة أنت قلت أن لديه مواعيداً اليوم لذا من المفترض أن يكون متواجداً بحلول هذا الوقت..

السكرتيرة أجلت حنجرتها وعدلت نظارتها مجدداً، علامات الارتباك بدت جلية على محياها : نعم.. من المؤسف أن شيئاً ما قد حدث لذلك هو لم يستطع الحضور اليوم مجدداً..

جيني قلبت عينيها وهي تستمع إلى الكلمات التي ضاعفت غضبها المتأجج، هل يتهرب كيم نامجون منها؟

حسناً هذا كان كثيراً بعض الشيء على رجل لديه الكثير من الأعمال ليديرها..! ذلك كان يسبب لها الكثير من القلق، قلق لم تستطع تحديد حقيقة سببه المطلقة!

لكنها بكل تأكيد كانت ساخطة لاختفاءه.. أسبوع كامل!!

كزت على أسنانها ونظرت إلى السكرتيرة التي تجاهلتها عائدة إلى مهما كان ماتفعله، أو متظاهرة بذلك..!

جيني قاومت رغبتها في الصراخ وهي تستدير لتنظر إلى باب مكتب نامجون المغلق بسخط، لتلاحظ شيئاً بسيطاً ومثيراً جداً للاهتمام..

الباب لم يكن مغلقاً!! كلا لم يكن..

بسرعة نظرت بطرف عينها إلى المرأة التي لا تزال تدفن رأسها في الأوراق، وبقدر ما تستطيع من سرعة استدارت لتسير مباشرة إلى باب المكتب!

السكرتيرة لم تدرك نية جيني حتى لاحظت اختفائها لتبحث عنها بعينين قلقتين سرعان ما اتسعتا عندما رأتها تدفع باب مكتب السيد كيم نامجون لتدخل إليه دون تردد..!!

المرأة قفزت لتجري خلفها وهي تشعر بالخطر على وظيفتها في حين أن جيني تتصرف وكأنها تملك المكان!!

عيون جيني ضاقت لمرأى الرجل الجالس خلف المكتب، منهمكاً في دراسة شيء ما، يده تدلك جبينه بينما الأخرى تقلب الأوراق أمامه..

قبل أن تسيطر على نفسها وجدت نفسها تسير إلى المكتب لتضرب سطحه بقبضتها بقوة جعلتها تؤمن بأنها كسرت يدها على الأغلب لكن الألم لم يوقفها عن الصراخ في وجهه : ماذا تظن نفسك فاعلاً؟

نامجون أجفل بشكل لم تتوقعه، رأسه ارتفع إليها، زفر مغمضاً عينيه ثم استند إلى الخلف في كرسيه ليقول بتعب : يمكنني أن أسألك السؤال ذاته!!

عيناه انتقلتا إلى الباب حيث تقف السكرتيرة المذعورة دون أن تدري ما يجب عليها فعله، نامجون قال ببرود : ألم تكن أوامري واضحة؟ لا تسمحي لأي شخص بالدخول إلى هنا أياً كان!!

جيني تجمدت واعتدلت في وقفتها كأنه قد صفعها للتو : ما معنى هذا يا سيد كيم؟!

نامجون تنهد وقال بهدوء : معناه واضح جداً.. الآن رجاءاً أنا لدي الكثير من الأعمال..

شيء ما لمع في عقل جيني مما جعلها تتوقف عن التفكير، عيونها ضاقت وقالت بصوت خطير : آه أنت تعتقد اذا تحدثت إلي بعجرفة من خلف أنفك هكذا فسوف تتخلص مني؟ كلا! لقد قطعت لي وعداً.. ومن ثم اختفيت!

نامجون هز رأسه : أنت تحدثت إلى تايهيونغ بالفعل..

-- هل قلت أنني أريد الحديث إلى تايهيونغ؟ انها ماي من أريد التكلم معها!!

-- هل هذا حقاً ضروري؟ أنا ليس لدي الوقت لألعب معكِ الآن..

جيني بدت كأنها على وشك أن تصفعه : هل أبدو كأنني أريد اللعب معك أنا أيضاً؟ أنا لم أكن لأحضر إلى هنا لولا اضطراري لذلك.. ولكنها المرأة العجوز.. الجدة حالتها ساءت بشدة!!

نامجون عقد حاجبيه : أنت تعنين جدة ماي؟

جيني هزت رأسها وهي تكتف ذراعيها أمام صدرها بنصر، لكنها تفاجأت عندما رمى نامجون الأوراق من يده بعنف وهو يشتم : هذا ما كان ينقصنا الآن.. اللعنة!

يداه ارتفعتا إلى جبينه تدلكانه بشدة مما جعل جيني ترتبك وهي تراقبه بتركيز الآن، لقد كان منهكاً جداً بشكل واضح .. شيء ما كان خاطئاً معه.. وجهه كان يحمل هالات سوداء ويبدو أكثر نحولاً، شعره غير مصفف كعادته وفجأة أدركت أنه لم يكن على طبيعته.. القلق انتابها مجدداً ليحل محل الغضب الذي اعتراها منذ دقيقة، ووجدت نفسها تدور حول المكتب لتضع يدها على كتفه متسائلة بصوت هادئ : أنت.. لا تبدو طبيعياً.. هل كل شيء على ما يرام؟

ضحكة السخرية التي انطلقت من فمه أجفلتها، عيونه ارتفعت إليها و رأت كم هما محمرتان، ضحكة ساخرة أخرى خرجت من بين شفتيه : لا شيء يجري على مايرام.. اننا نفلس!!!!

🌸🌸🌸🌸🌸🌸

"أفضل طريقة لتجنب الأذى هي أن تقف أولاً و تواجهه، أن تكون مستعداً له .."

ماي قرأت بتمعن قبل أن تطوي الصفحة وتغلق الكتاب وتضعه جانباً.. قلبت العبارة في رأسها متسائلة كيف لنا أن نقف ونواجه شيئاً لا نعلم ماهيته حقاً؟ ماذا لو كنا نشعر بالخوف من شيء مجهول.. والحقيقة الوحيدة التي نعرفها هي شعورنا الغير مفهوم بالخوف؟

تنهدت ونهضت واقفة على قدميها وهي تدندن.. الشمس كانت مشرقة قليلاً بشكل شاحب في الخارج، وهي استمتعت بفتح الستائر لتدع بعضاً من أشعتها تنير المنزل..

هل مر أسبوع على ذكرى مولدها؟ نعم.. لقد مر أسبوع بالفعل.. أسبوع لم تشعر به حرفياً لأن كل الأيام كانت متصلة ببعضها.. هي بالكاد كانت تنام ليلاً بينما تقضي جزءاً من نهارها تعتني بدي وون، تنام، تطهو الطعام.. تقرأ.. وتعتني بكيم تايهيونغ!

لكن اليوم.. اليوم كان بداية أسبوع جديدة.. وهي كانت تشعر بالفراغ.. الفراغ لأن الكوخ كان فارغاً من سواها ودي وون المتعب.. هي بالكاد ارتاحت قليلاً من الاعتناء بتايهيونغ لتجد دي وون يدخل في مرحلة عصيبة، كان أيضاً مصاباً بالحمى، متألماً ويبكي طوال الوقت وقد احتاجت أن تطلب حضور الطبيب مجدداً من أجله لتكتشف أن الأمر كله كان بسبب أسنانه!

أسنانه كانت تبرز مسببة له الألم بالإضافة لارتفاع حرارته وتعبه المستمر.. لم تعاني هكذا عندما برزت أسنانه الأمامية، الطبيب أخبرها أن الأمر دائماً أسوأ مع بروز الأسنان الخلفية.. وهي كانت قادرة على رؤية كم هو أسوأ!!

كانت تعمل جاهدة للتخفيف عن الطفل المسكين مستنفذة كل طاقتها، زوجة هيدسون قدمت الكثير من النصائح أثناء اتصالاتها.. هي أصبحت صديقتها الآن.. كانت تشتاق لجيني وجدتها بشدة قاتلة لكنها لم تكن تجرؤ على السؤال عن متى سيعودون إلى سيؤول.. كانت تدرك أنهم في مرحلة حرجة الآن.. وكانت تشعر بالخوف في كل مرة تفكر فيها أن لديهم حفنة من الرجال المقيدين هناك في الكوخ الملحق.. هل سيستطيعون الهرب وينقضون عليهم ليلاً يا ترى؟ هل هم لا يزالون هناك؟ حفنة من المجرمين القادرين على القتل بدماء باردة!!

كان بإمكانها رؤية القلق على وجه هيدسون وهو يتفقد تايهيونغ في كل يوم.. تايهيونغ نفسه اجتاز المرحلة السيئة واستفاق لكنه كان أضعف من النهوض والسير في الأرجاء.. هي وهو لم يتبادلا أي حديث.. الأجواء بينهما كانت غريبة، مكهربة وخالية من أي شيء سوى كلمات بسيطة رسمية.. هي لم تعلم كيف يجب أن تتحدث إليه، رغم رغبتها بأن تفعل.. كان لديها الكثير لتقوله.. لكنها فقط لم تستطع إيجاد جو مناسب للحديث.. ذلك كان صعباً.. تعض لسانها متسائلة لماذا يصبح عقلها فارغاً وتصبح غير قادرة على استحضار الكلمات..

بداية موت مينا ترك صدمة كبيرة في وسط الأعمال، لكن بشكل مفاجئ تلك الصدمة انتهت سريعاً بتغيير الصحافة لأقوالها، لتغلق القضية على أنها قضية انتحار!!

بعد أن ذُكر سابقاً أن مينا تعرضت للضرب والتعذيب و تم كسر عنقها.. فجأة جميع الأقوال تغيرت وتحولت القضية إلى قضية عشوائية لانتحار امرأة بإلقاء نفسها عن الجرف-الذي كان مشهوراً كما يبدو، بكونه موقعاً ممتازاً لحالات الانتحار المحلية المتكررة..!! ماي كانت خائفة جداً من أن تسأل حول الأمر.. كيف تحولت أقوال الصحافة والشرطة هكذا فجأة.. لكنها في داخلها كانت تعلم وتدرك حتى من خلال الصمت أن كلاً من الصحافة وجهاز الشرطة  تم شراؤهم!

مجرد التفكير في كل ذلك كان يرسل قشعريرة في جسدها في كل مرة، مجرد التفكير أن مينا كانت تحاول قتلها وخطف دي وون كان يعبث بعقلها.. لا أحد يستحق أن يتعرض إلى شيء كهذا.. على الأخص من امرأة لم تعرفها من قبل.. كانت نوعاً ما قادرة على تفهم موقف تايهيونغ عندما يحاول شخص غريب ايذائه لمجرد كونه ناجحاً، غنياً أو مشهوراً.. لكن هي.. لا تعلم؟ ما الذي تملكه ليثير الكره أو الحقد؟!

من ناحية أخرى.. لا يمكنها أن تنكر أن الرجال عرضوا عليها المساعدة كثيراً لكنها كانت تعلم كمية العمل المتراكمة لديهم.. كانت تحاول أن تترك لهم دي وون فقط في حالة لم تستطع احتمال البقاء مستيقظة واضطرت للنوم.. أو بالأحرى.. وقعت مثل ميتة من شدة الانهاك!!

الأمر الآخر كان أنهم لم يتحدثوا حول أحداث الأسبوع الفائت أبداً، هي أصبحت تراهم بشكل أقل في كل يوم، عدا عن اينهو الذي كان يبقى معها دائماً ليحرسها كما يبدو، وهو بالتأكيد لم يكن جيداً جداً في لعبة تبادل الأحاديث!

اليوم حتى تايهيونغ ارتدى ثيابه وخرج معهم للمرة الأولى منذ الحادثة.. كانت سعيدة بإستعادته لعافيته أخيراً، لكنها في الوقت ذاته كانت خائفة جداً من البقاء وحدها في الكوخ.. بالتأكيد تايهيونغ كان على اطلاع على كل الأشياء التي حدثت في أثناء مرضه.. وهي تساءلت إذا ما كان يعلم حول الرجال الذين أمسك بهم اينهو وسونغ دال؟!

شعرت بحاجة لسؤال اينهو عن أولئك الرجال ، هل لا يزالون هنا؟ هم لن يقوموا بتركها وحيدة مع وجود حفنة من المجرمين القتلة في البيت المجاور!!

ماذا لو استطاعوا الهرب والهجوم على الكوخ؟ ماذا لو قرروا إكمال تلك المهمة التي أوليت إليهم وايذائها؟ ماذا لو.. وماذا لو.. ؟

لذلك.. ارتاحت كثيراً عندما أخبرها اينهو أنه قد تم نقلهم بالفعل ولم يعد لهم أي أثر في المكان!

كانت لا تزال لا تفهم السبب الذي جعل مينا تحاول قتلها واختطاف دي وون سابقاً.. عزت الأمر في عقلها إلى كون المرأة كانت متعلقة بتايهيونغ وشعرت بالمرارة لكونه قرر أن يظهر مع خطيبة مجهولة فجأة! هل كان الأمر كذلك يا ترى؟ ولكن مينا كانت تعرف أنها ليست خطيبة حقيقية.. ومن حديث جيمين فإن المرأة وتايهيونغ لم يكونا في ذلك النوع من العلاقة..

إذا ماذا كان الأمر؟!

شيء ما.. كان لا يزال غامضاً وغير مفهوم.. فكرت كثيراً.. وقلقت كثيراً.. لكنها لم تجد أية أجوبة لتساؤلاتها ولا طمأنينة لخوفها.. لا شيء سوى الحيرة و الغموض المرعب..

قررت أن لا تقلق اليوم.. المنزل كان لها! اينهو اختار البقاء خارجاً وتركها لتفعل ما تشاء.. لكن بالطبع دي وون كانت لديه أفكار أخرى.. الطفل استمر في البكاء لمدة ساعتين حتى بعد أن قامت بإعطائه الدواء، وما كان منها سوى حمله والسير في الأرجاء مراراً وتكراراً وهي تهدهده وتربت على ظهره وشعره محاولة تهدئته..

في أثناء ذلك دي وون المتألم كان يدفن وجهه الرطب في عنقها أو يلقيه فوق كتفها وفمه الصغير مفتوح بخفة بينما يجهش في البكاء.. الأسوأ كان عندما قرر أن يستخدم كتفها ليجرب أسنانه.. كل شيء اختلط، الدموع واللعاب، ولم تصدق كيف أن تلك الأسنان الصغيرة الشبيه بحبات الأرز كانت قادرة على صنع ألم كالسكاكين في جلدها! ذلك الطفل لم يوفر أياً من طاقته في قضم لحمها و في كل مرة تحاول ابعاده أو وضعه على السرير بكاؤه كان يشتد إلى الضعفين ليصنع تردداً أخذ يرن مثل أجراس الكنيسة في رأسها!

لم تصدق عندما غفا أخيراً وتركته ليستلقي على السرير وهي تجلس إلى جانبه بإرهاق بينما ينهش الصداع رأسها من بكائه.. تنهدت وهي ترمقه بعيون حانية، كان ينام مثل ملاك صغير، على معدته، وجهه متورد و وجنتاه منتفختين ورطبتين من آثار الدموع، بينما إبهامه يستقر في فمه ومؤخرته الصغيرة مرتفعة في الهواء!!

تنهدت مجدداً متسائلة كيف يمكن لمخلوق بهذه الظرافة أن يسبب هذا القدر من المتاعب؟!

نهضت عن السرير منسحبة ببطء وخفة دون أن تجرؤ على لمسه أو إصدار أي صوت مهما كان..!

فتحت الخزانة واختارت لنفسها بعض الثياب وتركتها على السرير قبل أن تتجه إلى الحمام باحثة في خزانته عن مسكنٍ لألم رأسها..

حالما وجدت الدواء تناولته وشغلت الماء الساخن قبل أن تنزع ثيابها وتدخل أسفل الدش تاركة رذاذ الماء يصفع بشرتها بشكل منعش..

أخذت تدندن بأغنية وعقلها يسترجع الكلمات التي قالها بارك جيمين قبل مغادرته في تلك المرة قبل عدة أيام.. كان يتحدث عن مشاعرها هي و تايهيونغ تجاه بعضهما بثقة غريبة، أدركت أنه لابد لاحظ كيف كانت تنظر إلى تايهيونغ فكان قادراً على استنتاج مشاعرها، ولكن كيف حكم على مشاعر تايهيونغ؟ هل هو بسبب الأغنية؟ ولكن كلا.. تايهيونغ لم يظهر ذلك النوع من العاطفة تجاهها بعد، لقد رأت منه جانب الصديق، جانب الرئيس، جانب الإنسان، وجانب الرجل الذي تعجبه امرأة ما.. لكن ليس جانب الرجل الواقع في الحب.. وحتى لو كان كذلك، فهو بالتأكيد ليس واقعاً في الحب معها هي!

أغمضت عينيها وتنهدت أسفل المياه تاركة القطرات لتنزلق وتغسل وجهها، موبخة نفسها على نوع الأفكار التي تدور في رأسها.. لماذا يجب عليها أن تفكر بأمور كهذه الآن؟ أمور لا تجلب إلا الغم والتنغيص إلى صدرها!

أخذت تفرك شعرها بغسول الرأس بنوع من القسوة دون أن تدرك ذلك حتى شعرت بألم في جلدة رأسها فتوقفت و حاولت أن تدلكها بلطف، في وسط ذلك كله فجأة تعالى بكاء دي وون مثل صرخة حادة شقت الضوضاء التي كان يصدرها صوت تدفق المياه!

أجفلت بشدة وشعرت بضعف في ركبتيها من الخوف وهي تقفل الماء بسرعة وتتحرك متخبطة، الرغوة تغطي رأسها وعينها، وفي عقلها فكرة واحدة.. أن شخصاً ما كان يحاول اختطاف شقيقها مجدداً!!

خوفها الشديد منعها من التفكير بعقلانية وهي تتذكر أن المنزل فارغ من سواها، لن يكون هناك أحد ليسارع للمساعدة، وربما قبل وصول اينهو الكثير قد يحصل!!

تناولت منشفتها بسرعة وهي تفتح عيناً واحدة فقط، تنهمر منها الدموع بسبب الصابون الذي أخذ يلسعها بينما لا تستطيع فتح الأخرى.. لفت المنشفة على جسدها كيفما استطاعت وأسرعت إلى الباب مثل امرأة مجنونة تتخبط في سيرها!

ما إن خرجت إلى الغرفة حتى أخذت تنظر حولها بترقب متأكدة أن رجلاً مخيفاً سوف يظهر لها فجأة من مكان ما، عيونها تنتقل هنا وهناك بسرعة جنونية بينما أنفاسها تتلاحق في لهاث غير منتظم!

أخيراً نظراتها تركزت على دي وون الباكي وتنهدت، كان لا يزال في مكانه فوق السرير كما تركته قبل قليل، ولكن مستيقظاً وباكياً هذه المرة!

شعرت كأن ثقل الخوف تساقط عن كتفيها ورفعت يدها لتمسح عينها المحترق دون اهتمام بالألم قبل أن تسير نحوه وهي تقول مهدئة : اشش.. أنا هنا.. نونا هنا يا عزيزي.. كلا لا تبكي..

لم تنتبه إلى العلبة الموضوعة على الأرض وهي بالكاد تستطيع الرؤية أمامها مما جعلها تتعثر!

تفاجأت بالشعور بقبضة قوية تمسك أعلى ذراعها تبعها صوت رزين : هل أنت بخير؟

الشيء الأول الذي فعلته هو الصراخ و القفز متراجعة بعيداً عن الشخص الممسك بها، مما جعلها تتعثر مجدداً لكنه لحسن الحظ لم يفلتها بل جذبها لتقف على قدميها بثبات واحتاجت لبعض الوقت وهي تنظر إليه بعيون محمرة قبل أن تستوعب من يكون، همست بصوت متفاجئ : س.. سيد.. كيم؟

تايهيونغ بدا متفاجئاً بقدرها بسبب ردة فعلها الغريبة، رمقها من الأعلى إلى الأسفل بتساؤل، بينما رغوة شعرها تقطر على السجادة، رفعت يدها مجدداً لتفرك عينيها وهي تبدو مثل جرو مبلل!!

سألها ببعض القلق : ما الذي يجري؟

فتحت فمها لتتكلم، ألقت نظرة حولها ثم عادت بعينيها إليه مجدداً لتقول بضياع : لقد كنت أستحم و سمعت بكاء دي وون.. ظننت أن شخصاً ما قد دخل إلى هنا وتسبب في إيقاظه..

-- نعم.. أعتقد أنه استيقظ عندما دخلت.. لقد أصدرت صوتاً مرتفعاً ولم أره في البداية.. إنه خطئي..!

ماي بدأت تهدأ قليلاً، أنفاسها انتظمت ونظرت إلى يده التي لا تزال ممسكة بذراعها بشيء من التردد قبل أن تنظر إليه مجدداً مما جعله يفلتها بسرعة كأن ناراً قد لسعته!

شعرت بنوع الأذى بسبب حركته تلك مما جعلها ترفع يدها لتدلك ذراعها مكان لمسته، قالت وهي تنظر إلى الأرض : أنا.. ظننت أنك خرجت؟

-- نعم.. وقد عدت.

-- آه..

نظرت حولها بتردد دون أن تجد ما تقوله، دي وون كان لا يزال يبكي وحركت ساقيها لتسير ناحيته عندما أوقفها صوت تايهيونغ : سوف أعتني به.. اذهبي وأكملي استحمامك..

ماي نظرت إليه وابتسمت بضعف : لا بأس.. ليس هنالك داعٍ.. أنا سوف..

قاطعها تايهيونغ بنبرة آمرة جعلت القشعريرة تمر في جسدها : فقاعات الصابون تقطر من رأسك وتلوث السجادة بالفعل! عودي إلى الحمام الآن!

فغرت فمها بخفة تحاول قول شيء ما، لكن النظرة الحادة في عينيه وهو ينظر إليها ثم إلى باب الحمام كأنه يأمرها أن تتجه إلى هناك حالاً جعلتها تقفل فمها، احتضنت كومة الثياب التي كانت قد وضعتها على السرير سابقاً وسارت إلى الحمام دون كلمة أخرى..

أغلقت الباب واستندت عليه شاعرة بانقباض في صدرها كأن شيئاً يضغط على قلبها بقوة، عيونها تاهت للحظة مدركة أن تلك كانت الكلمات الأولى التي تتبادلها مع تايهيونغ منذ استعاد وعيه، ولسبب ما ذلك جعل خفقات قلبها تتسارع بشكل مريب!

صوت المياه أيقظها لتدرك أنها لم تغلق الصنبور قبل خروجها فوضعت ثيابها على حافة المغسلة وألقت بمنشفتها قبل أن تسرع لتدخل أسفل الماء الساخن شاعرة برأسها فارغاً من أي شيء سوى نظرة تايهيونغ، والطريقة التي سحب بها يده بعيداً!

أنهت حمامها بقدر ما تستطيع من سرعة وعصرت شعرها ثم لفته بمنشفة، قبل أن تبدأ العناية بجسدها الذي كان بحاجة إلى بعض الإهتمام بعد أن أهملته لأسبوع كامل.. تمنت أن لا يكون تايهيونغ قد انتبه إلى مظهرها، بينما تضع الكريم المرطب على بشرة ساقيها وذراعيها لتترك ملمساً حريرياً ورائحة لذيذة فواحة، اهتمت بوجهها مما جعله يبدو أكثر إشراقاً عن الأيام السابقة، كانت تنوي وضع قناع مغذٍ من أجل هالاتها السوداء سابقاً، إلا أنها نسيت الفكرة مع وجود تايهيونغ في الخارج، غير راغبة في أن يراها بمظهر الشبح بينما تضع مزيجاً من الطين على وجهها!

عندما أنهت ارتداء ثيابها شعرت بالضيق لأنه لم يعد لديها أي سبب لتتأخر في الحمام، مدركة أن عنايتها المفرطة بنفسها منذ دقائق كانت حجة كي لا تخرج وتواجه الرجل في الخارج .. كانت متوترة فجأة من رؤيته الآن وقد استعاد عافيته، لم يعد لديها سبب لتشفق عليه.. لم يعد لديها سبب لتدوس على قلبها وغضبها السابق منه.. نعم مينا قد ماتت ولكن هذا لا يحل أي شيء بينهما أليس كذلك؟ لا يزال هنالك الكثير جداً مما لم يقال!

الجزء المنطقي من عقلها وبخها على تسكعها هذا، تايهيونغ كان بالتأكيد مشغولاً كفاية لأن لا تتركه طويلاً ليعتني بدي وون بينما هي تتصرف مثل خرقاء هنا!

أسرعت لتخرج هذه المرة شاعرة بالغباء، مقررة أن تتصرف بشكل طبيعي حتى لو شعرت أن قلبها سوف يخرج من صدرها!

تايهيونغ فعل هذا لها حقاً! خرجت لتجده يجلس على المقعد، إحدى ذراعيه تسند دي وون النائم على كتفه بينما الأخرى تستند على ذراع الكرسي وأصابع يده ترتاح بين شفتيه المفترتين، رأسه منحن إلى الأسفل، حاجباه معقودان بتركيز ونظره مركز على الجهاز اللوحي الذي ارتاح على فخذه..!

هزت رأسها لتنفض الهالة التي غيمت على عقلها، الهالة التي جعلتها تلتقط كل تفصيلة صغيرة فيه حتى وهو تقف هناك مثل حجر أصم!

دفعت نفسها و اقتربت منه بتردد لتأخذ الطفل النائم، لاحظت ارتفاع نظره إليها، كانت متفاجئة قليلاً لقدرته على إسكات دي وون في هذه الفترة القصيرة بينما احتاجت هي إلى ساعات لتجعله ينام!

انحنت تتناول دي وون منه قائلة بتوتر خفي : شكراً لك.. أعتذر على أخذ الكثير من وقتك.. لا بد أنك مشغول جداً..

أدارت وجهها لتنظر إليه عندما لم تجد رداً، وتفاجأت من النظرة المحدقة في عينيه!! كان ينظر إليها بشدة.. مباشرة ودون أن ترف عيناه، فتحت فمها واحمر وجهها وهي تعتدل بسرعة بعيداً عنه متسائلة عما دهاه!!

تساءلت بصوت خفيض : سيد كيم؟!

تايهيونغ بدا كأنه أفاق، لكن تلك النظرة استمرت تحتل وجهه، كأنه يريد قول شيء ما!

أجلى حنجرته وأبعد نظره عنها : آه.. نعم.. إنه لا شيء.. لقد نام فحسب..

ماي ابتسمت ببلاهة وقبل أن تستطيع إيقاف نفسها قالت بتشجيع : أنت حقاً أصبحت جيداً جداً في التعامل مع الأطفال، انك تخلصت من كل ذلك الخوف..!

تايهيونغ نظر إليها، دون أن يجيب ووجدت نفسها تحمر مجدداً لرؤية حاجبيه ينعقدان ، عضت على شفتها مدركة أنه شيء لا يجب أن تتحدث عنه، خوفه من الأطفال وكل ذلك..!!

شعرت بالارتباك للحظة وهي تفكر في مخرج من هذه الورطة مترقبة رداً مؤنباً من تايهيونغ، لكن المفاجأة كانت عندما قال بهدوء : أعتقد أنني اعتدت على دي وون فحسب..

أن تقول بأن فكها ضرب الأرض من شدة دهشتها لن تكون مبالغة، هي كانت فعلاً مندهشة لرده البسيط الهادئ نظراً لكون هذا موضوعاً حساساً لديه!!

كانت هي من أجلت حنجرتها هذه المرة قبل أن تسير باتجاه السرير دون كلمة أخرى.. وضعت دي وون وتركته يستلقي لينام براحة بعد أن غطته بالبطانية ، ثم اتجهت إلى طاولة الزينة لتصفف شعرها.. نزعت المنشفة محاولة تجنب النظر إلى تايهيونغ الذي يظهر في المرآة خلفها وهو لا يزال يجلس في مكانه، متسائلة لماذا لا يزال هناك؟

أخفضت نظرها كي تتجنب انزلاق عينيها إليه، أخذت تمشط شعرها وهي مغمضة العينين بينما تعض شفتيها بتوتر.. أخيراً وجدت أنها لم تعد تحتمل ففتحت عينيها ونظرت إلى المرآة، وبالطبع إلى كيم تايهيونغ الذي كان متكئاً إلى الخلف الآن بينما لا يزال يعض إبهامه كما لو أن شيئاً يؤرقه، أما عيناه فكانتا مثبتتان عليها تماماً، تتبعان كل حركة صغيرة تصدر عنها!

أنفاسها علقت في حلقها عندما التقت نظراتهما خلال المرآة، فجأة وقف على قدميه وسار ناحيتها تماماً!

توقف خلفها بمسافة قصيرة ورأت نظراته تنخفض على ظهرها مما جعل وجهها يحمر قليلاً، إلى ماذا ينظر؟!

عيناه عادتا إليها وقال بتقدير : أنت ماهرة جداً.. لقد قمت بتصفيف شعرك بعينين مغمضتين!

فتحت فمها ولم يعمل عقلها بسرعة كفاية للتفكير في رد مناسب، عوضاً عن ذلك كانت تقول : أنا.. آه..

تمالكت نفسها قليلاً، هل يسخر منها؟ اخفضت نظراتها مجدداً كي تستجمع تركيزها، قالت بأكبر قدر استطاعته من الهدوء : لماذا لا تزال هنا؟ أليس لديك عمل؟

-- نعم.. سنغادر حالما تصبحين جاهزة..

عيونها اتسعت : نغادر؟

-- استعدي جيداً.. وقومي بارتداء ثياب ثقيلة..

فجأة رجفة مرت خلالها ومثل طفل ضائع سألت : أنا؟

تايهيونغ توقف ليحدق إلى وجهها الذي شحب واختفى اللون منه.. لم تستطع تفسير الخوف الذي ضرب جسدها فجأة.. عقلها استرجع كل تلك المشاعر المهلكة التي مرت بها خلال هذا الأسبوع وهي تستذكر طبيعة الأماكن التي يأخذها إليها تايهيونغ.. المناسبات المتكلفة المليئة بأشخاص باردين مرعبين.. على الأخص ذلك الفطور الأخير.. الذي تبعه إصابة تايهيونغ ومحاولة خطف دي وون!!

رجفة أخرى ضربت جسدها وقلبها انكمش وهي تتخيل أن تمر بشيء من ذلك القبيل مجدداً.. كلا!! انها لا تريد الذهاب!!

-- هل أنتِ بخير؟

صوت تايهيونغ قاطع أفكارها ورفعت إليه عينين مذعورتين : أنا لا يمكنني..

تايهيونغ رفع أحد حاجبيه بتساؤل، ابتلعت رمقها : إلى أين سنذهب؟ أنت بالكاد تعافيت.. ماذا لو.. حدث شيء ما مجدداً..

الإدراك بدا واضحاً على وجه تايهيونغ هذه المرة وبخفة لامس كتفها : هذا ليس لقاء عمل.. نعن سنذهب لمقابلة أحد الأصدقاء!

رغم كلامه إلا أن ماي وجدت نفسها تفزع تلقائياً وهي تبحث في خزانتها عن زي مناسب.. إلى أين سيذهبون؟ وعن أي أصدقاء يتحدث تايهيونغ؟ وماذا ستفعل بدي وون؟ هل كان حضورها ضرورياً حقاً؟ لماذا يجب أن يأخذها معه؟! ماذا بحق الجحيم كان يقصد بملابس ثقيلة..؟؟!

تساءلت وهي تفتش بين الثياب التي اشترتها إلى أن اختارت بنطالاً من الجينز الضيق وحذاءاً مرتفع العنق مع كنزة واسعة بقبة مرتفعة تصل إلى منتصف فخدها.. حدقت إلى نفسها متسائلة هل هنالك داعٍ لتتزين؟ إلى أين هم ذاهبون؟!!

كانت لا تزال متجمدة تحدق في نفسها عندما دخل تايهيونغ إلى الغرفة فجأة دون أن يطرق الباب : هل انتهي-..آه ما هذا؟

ماي رمقته بتردد : لم أعلم أي نوع من الثياب يجب على أن أختار.

عيونه انسلت عليها قبل أن يومئ برأسه : انها جيدة ولكن ستحتاجين إلى سترة..!

الجو بينهما كان غريباً وثقيلاً، فضول ماي كان يخنقها إلى جانب خوفها من المكان الذي يتجهون إليه.. كانت تفضل الصعود مع الرجال على الجلوس في المقعد الأمامي قرب تايهيونغ بينما يحل بينهما صمت غريب غير مريح تماماً..

كانت تسند وجهها على كيفها وهي تنظر خارجاً طوال الوقت، عيونها تزوغ على الشرائط الثلجية البيضاء الممتدة على جانبي الطريق وهي تفكر.. تايهيونغ يعرف بموت مينا بالطبع أليس كذلك؟ ترى كيف يشعر حيال الأمر..؟ لديها الكثير من الأسئلة المتراكمة في عقلها حول كل ماحدث لكن الوضع لم يكن مناسباً للسؤال بينما يتآكل الشك أعماقها.. ماذا بعد؟

رأت أنهم دخلوا إلى منطقة منعزلة ووعرة نوعاً ما مليئة بالأشجار الحرجية المرتفعة، ووجدت نفسها تسأل بشيء من الريبة وهي تلاحظ كيف أن المكان يظلم بسبب كثافة الأشجار : أين نحن؟؟

تايهيونغ قال بشكل مبهم :  نوشك على الوصول!

تأملت ملامح وجهه، حاجباه كلنا مسترخيان بشكل نادر، نظرته مصممة وشيء بارد يسيطر على حركته.. هذا جعلها تصاب بالقشعريرة مجدداً.. كأنها تجلس قرب جبل من الجليد!!

آخر ما توقعته حقاً كان أن تتوقف السيارات أمام بوابة خشبية ضخمة في نهاية الطريق المرتفع الضيق، انتظروا انفتاحها ليظهر أمامهم ممر حجري ملتوٍ نحو الأعلى يقود إلى منزل تقليدي ضخم!

تايهيونغ قال وهو يوقف السيارة في المدخل : نحن هنا..

لم تنتظر أن يفتح لها أي شخص الباب، هي ترجلت ووقفت على قدميها تحدق بعيون متسعة إلى كل ما حولها، الجو كان بارداً جداً، وعدد الدرجات الحجرية الضيقة كبيراً وتساءلت إذا ما كان من الأفضل البقاء في السيارة؟

حتى المنزل كان مثل بيوت الرعب، بعض الشرائط السوداء معلقة على أعمدته و تطاير مع الرياح الباردة، بينما بوصلة هوائية تدور و تصطدم في اللوح الخشبي كل ثانيتين مصدرة صوتاً رتيباً مثيراً الأعصاب!! فتحت فمها لتقول بتردد : أنا يمكنني البقاء في السيارة..

لكنها لم تتابع كلماتها لأن تايهيونغ كان قد وصل إلى جانبها، وتسللت أصابعه الدافئة بشكل غريب لتعانق أصابعها بقوة غير مؤذية ولكن محكمة!

رمقته بعيون متوسلة لكنه لم ينظر إليها، بل قال ببرود : هيا بنا..

نظرت إلى الخلف حيث تبعهما كل من هيدسون و اينهو بينما بقي الاثنان الآخران في السيارة و شعرت بالحسد تجاههما بينما تبدأ مشوارها في صعود الدرج اللامتناهي!!

همست بتعب وهي تضع قدمها على درجة أخرى : لماذا نحن هنا حقاً؟

تايهيونغ أجابها بشكل مريب : ألا يعجبك المكان؟ إنه أثري!

عقدت حاجبيها ورمقته بتساؤل، هل حقاً أحضرها إلى منزل رعب؟ كانت مشتتة جداً في أفكارها فلم تنتبه وهي تخطو بقوة على الدرجة الزلقة وشهقت وهي تكاد تتزلج إلى الأسفل لكن ذراع تايهيونغ أمسكت بخصرها بسرعة وثبتها قائلاً بتأنيب : انتبهي!

ثم تابع بصوت خافت جعلها تظن أنه قادم من خيالها : أنا بحاجة إليك قطعة واحدة..!

حاولت أن تركز قليلاً على خطواتها مدركة أنه لم يبق الكثير، عيونها ارتفعت لتنظر أمامها ووجدت نفسها تحدق بذهول إلى المنظر! تلك كانت المرة الأولى التي ترى فيها بيتاً تقليدياً بهذا الحجم الهائل الأقرب إلى قصر!

تفاجأت بوجود الكثير من الرجال الذين لم يروهم في الأسفل، كانوا منتشرين في الحديقة، رجال ببذلات سوداء، نظارات معتمة وأجهزة اتصال على آذانهم يجوبون المكان  !! كان واضحاً أنه مهما كان الشخص الذي يقومون بزيارته، فهو شخص مهم جداً..

لم تحصل ماي على الكثير من الوقت لمتابعة تأملاتها، فلم تلبث حتى شعرت بيد تايهيونغ تطبق على كفها، رفعت نظرها إليه ورأت شيئاً غريباً في ملامح وجهه سرعان ما أخفاه وسألها : هل أنتِ خائفة؟

هزت رأسها نافية بنوع من الضياع : أنا .. فقط مندهشة.. انها المرة الأولى التي أرى بيتاً كهذا..

عيون تايهيونغ انتقلت إلى المنزل ولاح شبح ابتسامة على وجهه : إنه مذهل هه؟ لقد شعرت بالغرابة أيضاً في المرة الأولى التي حضرت فيها إلى هنا!

ماي رمقته بتساؤل في انتظار أن يتابع حديثه لكنه لم يفعل، هو فقط وقف هكذا لبضع دقائق محتفظاً بتلك النظرة على وجهه قبل أن يهز رأسه أخيراً ويقول بينما أصابعه تضغط على يدها : هيا بنا..

أصابعه القوية الدافئة بعثت موجة من الطمأنينة في داخلها، كأنه يبث في أعماقها رسالة بأنه موجود هنا ولا داع للقلق..

سارا معاً صاعدين الدرجات الحجرية الأخيرة نحو سلم خشبي يتكون من درجتين فقط نظراً لارتفاع المنزل عن الأرض، يوصل إلى المدخل المفتوخ حيث وقف رجل عجوز في زي تقليدي أصفر ولحية بيضاء طويلة بانتظارهم وإلى جانبه شاب يرتدي بذلة سوداء غير مهندمة كبقية الحرس ويحدق إليهم بعيون حادة غاضبة وذراعين مكتوفتين أمام صدره..

العجوز أحنى رأسه وقال بترحيب : أهلاً بك سيد كيم.. نحن لم نرك منذ زمن!

تايهيونغ ربت على كتف العجوز بابتسامة : كيف حالك أيها العم هوان؟

-- بخير بخير.. - العجوز أجاب ورغم أن ذلك لم يظهر في ملامحه إلا أن ماي استطاعت التمييز بأنه كان سعيداً لرؤية تايهيونغ وهو يمد يده بترحيب - السيد الكبير ينتظرك في الداخل..

-- نعم.. - تايهيونغ قال واختفت ابتسامته لتعود الملامح الجامدة إلى وجهه - لا يجب أن ندعه ينتظر طويلاً..

سارا خطوتين إلى الأمام بالضبط عندما انطلق صوت الرجل الآخر بنبرة مرعبة : لا أحد من كلاب الشرطة القذرة هؤلاء سيدخل إلى المنزل..

ماي لم تفهم عما يتحدث لكنها أجفلت بسبب صوته المخيف وتمسكت بذراع تايهيونغ.. تايهيونغ ارتدى قناعاً من البرود ونظر إلى الرجل بحاجب مرفوع : زي هاو.. أنت لا زلت تحاول اختلاق المشاكل معي..!

ماي تساءلت في عقلها عن طبيعة هذه الأسماء، هل كان هؤلاء الأشخاص كوريين مثلهم؟؟

الرجل المسمى بزي هاو لم يتزحزح، نظرته المخفية حطت على تايهيونغ وقال بالصوت ذاته : لا يهمني من أنت.. لن أسمح لهم بأن يخطوا خطوة أخرى من هنا ! غير مسموح لهم بالتواجد هنا..

ماي أدركت عندما رأته يشير خلفهم أنه في الحقيقة يتحدث عن هيدسون و اينهو اللذان كانا يسيران خلفها هي وتايهيونغ.. هل كان يدعوهم بكلاب الشرطة؟ ما معنى هذا بالضبط؟

عقلها بدأ يحلل الوضع، اذا كان الرجل يقصد بأنه يمنع على رجال الشرطة التواجد هنا، ورجال تايهيونغ ليسوا سوى شرطة خاصة للحماية، وهو يصنع هذا المقدار من الضجة حولهم، فما هو بالضبط نوع هذا المكان الذي يدخلان إليه؟؟؟؟!

حبست أنفاسها وهي تراقب تايهيونغ يتبادل نظرة حادة مطولة مع الرجل قبل أن يستدير ويومئ لرجاله بالتراجع، هيدسون فرقع أصابعه وهو ينظر تجاه زي هاو قبل أن يمسك اينهو بكتفه كأنه يجذبه إلى الخلف ليتراجع ويهز رأسه ثم يقف في مكانه عاقداً يديه أمامه : سوف نكون هنا أيها الرئيس..

تايهيونغ أعاد نظره إلى زي هاو وقال بنبرة باردة : من الأفضل أن لا تحاول افتعال المشاكل معهم الآن، لا يهم إذا كنت تدعوهم بالشرطة.. إنهم لا يخافون رؤية الدم..!

زي هاو كشر عن أسنانه : جيد!

ماي ارتعشت من نبرة تايهيونغ المخفية ورغبت في الإبتعاد عنه، لكن أي خيار آخر لديها وأي شخص آخر تعرف هنا؟!

تمنت للمرة الألف لو يدعها تبقى مع الرجال في السيارة لكنه عوضاً عن ذلك شد قبضته على يدها وجذبها معه فلم تجد خياراً آخر سوى أن تتبعه!

لاحظت أن المدعو زي هاو تبعهم إلى الداخل وقبل أن تجد فرصة لاستيعاب المحيط تايهيونغ رفع ذراعه الأخرى وأشار للرجل أن يقترب قائلاً بغضب : تعال إلى هنا!

زي هاو اقترب بملامحه المخفية وهو يرفع يديه أيضاً وأغمضت عينيها بخوف خشية أن ترى مشهداً دموياً آخر.. أهدابها ارتعشت بترقب منتظرة سماع أصوات.. نوع مخيف من الأصوات، لكنها لم تسمع أي شيء وفتحت عينيها بتردد.. شهقت وابتلعت شهقتها حالاً قبل أن ينتبه أي شخص إلى صدمتها برؤية زي هاو يعانق تايهيونغ بحرارة!!

أفلتت تايهيونغ وهي تجد الرجل المخيف قريباً جداً منها وابتعدت بقدر ما سمحت لها يده التي لا تزال تقبض على يدها مثل مصيدة..

تايهيونغ ضرب كتف زي هاو بطريقة أخوية جعلتها ترغب بتمزيق شعره وهو يقول : أنت لا تكف عن إزعاجي أين الوغد النتن! هل تشعر بالفخر لتنمرك على رجالي؟

-- بالطبع..

زي هاو أجاب بفخر : أنا تعلمت منك جيداً يا أخي ..

تايهيونغ رفع حاجبيه بسخرية: هل فعلت؟ الآن أنت تتفاخر كأنك تدير المكان هنا هه؟

-- لا شيء أقل من أجل الرجل العجوز!

ماي شعرت بالقشعريرة لمرأى تايهيونغ يعامل الرجل المخيف بألفة كأنه حيوانه الأليف.. الرجل كان أضخم من اينهو حتى.. أقرب شبهاً إلى غوريلا!

لم ترد التفكير حقاً في طبيعة العلاقة بين هذين الاثنين ولماذا يناديه بأخي وأين هما بالضبط الآن، فقط أرادت الإسراع والخروج من هنا.. فقط أي نوع من الأصدقاء يملك هذا التايهيونغ؟!

شدت على يده كي ينتبه اليها، ولحسن الحظ فعل.. رمقها بطرف عينه قبل أن يستدير باتجاهها قائلاً : السيد الكبير ينتظرنا.. فقط لا تزعج هيدسون انه يستثار بسرعة!

ماي همست بخفوت حالما عاد تايهيونغ إلى جانبها : أين بالضبط تأخذني وما هو نوع هذا المكان؟؟

بالطبع لم تتلق أية إجابة! كانا يسيران الآن في ممر ضيق مليء بالأبواب الخشبية المنزلقة والتي توزعت بينها الكثير من اللوحات والصور القديمة لعدة رجال ونساء بدوا كأنهم تسلسل لعائلة واحدة.. المكان بشكل عام كان أشبه ببيوت الرعب، كأن شبحاً قد يقفز أمامها في أية لحظة وعادت لتتمسك بتايهيونغ الذي نظر إليها وابتسم نصف ابتسامة أثارت غضبها دون أن ينطق بحرف واحد!

كان هنالك رجل يسير أمامهم و يدلهم على الطريق حتى وصلوا إلى باب تجلس أمامه امرأة في زي تقليدي ملون على ركبتيها، سرعان ما انحنت لهم وأمسكت بالباب المنزلق تفتحه لتسمح لهم بالدخول..

تايهيونغ خلع حذاءه وتبعته ماي في ذلك قبل أن ينحني قليلاً ويدلف إلى الداخل!

ماي استطاعت رؤية رجل في العقد السادس من العمر ربما يجلس على الأرض في زي تقليدي أسود مربوط على خصره بينما انفتح مظهراً صدره الداكن، شعره كثيف أشيب ومنهمكاً في رسم مخطوطات بالأحرف الصينية القديمة موضوعة على طاولة صغيرة أمامه..

تايهيونغ جلس على ركبتيه فوراً و أحنى رأسه باحترام مما جعل ماي تتبع حركته تلك دون تفكير.. الرجل الجالس كان يبعث بتلك الهالة المخيفة التي تجبر أي شخص على الخضوع حتى دون أن يرفع رأسه!

-- اجلس..

الرجل قال بصوت ثقيل وهو لا يزال منهمكاً في رسمه فاعتدل تايهيونغ جالساً وتبعته ماي مثل روبوت عديم العقل..!

تايهيونغ قال بصوت واضح خشن وهو يسند يديه على ركبتيه : سيدي..لقد مر بعض الوقت ..

-- هممم..

الرجل قال دون أن يرفع رأسه وتابع : هل هذا صحيح؟

ماي تساءلت وهي تخفض رأسها إذا كان من الحكمة في الحقيقة أن يبدأ تايهيونغ بالحديث دون إذن من الرجل.. لكن تايهيونغ فعل ما فعله فحسب!

عدة دقائق مرت بصمت ثقيل، قبل أن يسأل الرجل  فجأة دون أن ينظر إليهم : من هذه معك؟

الصوت الثقيل المخيف ضغط على أعصابها وهي ارتجفت عندما أدركت أنه يشير إليها.. تايهيونغ أمسك بيدها مجدداً : هذه مخطوبتي.. لي كون-جو ماي!

شعرت بالقشعريرة لكونها أصبحت محط انتباه الرجل حتى ولو للحظة، و تساءلت لماذا ذكر تايهيونغ اسمها الأوسط هكذا!!

-- كون-جو؟

الرجل كرر ورفعت رأسها لتنظر إليه برعب لتجده ينظر إليها!

عيناه كانتا لامعتين رغم التجاعيد حولهما، وجهه ذو الملامح القاسية لان بشكل غير متوقع وأومأ ناحيتها بينما يقول بصوت خافت : كون-جو..

ماي كانت مشدوهة وهي تحدق إلى الرجل بشعور غريب، الخوف اختلط بشيء آخر غير مفهوم، شعرت بنفسها تتوه وهي تنظر إليه ، تكاد تقسم أنها رأته في مكان ما سابقاً.. ولكن أين؟!

تايهيونغ نظر إليها ثم إلى الرجل : هذا هو السيد شانغ لي.. واحد من ملوك عالم الأعمال في الصين.. هو صديق قديم لوالدي وأقرب إلى أب ثانٍ بالنسبة الي!

أقرب إلى أب؟ هل هو جاد؟ ماي فغرت فمها، من الطريقة التي يتحدث فيها تايهيونغ بأدب لا متناهٍ أقرب للخضوع، كيف يكون هذا الرجل أقرب إلى أب؟ المشاعر الدافئة والود.. كل ذلك كان مفقوداً!! انها حتى تشفق على أبنائه إذا كان يملك أياً منه..

تابع تايهيونغ : لقد اعتدت قضاء العطلات في منزل السيد شانغ لي خلال طفولتي..لقد كان كريماً جداً معي وساعدني كثيراً.. بفضله حققت الكثير.. لقد قام بتبني أعمالي في الوقت الذي بدأت فيه وهو أول من دعمني في الانفصال عن أعمال والدي.. أنا أدين له..

ماي كانت تحدق إلى تايهيونغ بدهشة أثناء حديثه وما إن انتهى حتى أشار لها بعينه إلى الرجل، دخلت في صدمة مؤقتة وهي تتسائل لماذا يغمزها الآن، حتى أشار بيده فأدركت بأنه يريد منها أن تظهر احترامها وامتنانها..!!

رغماً عنها التفتت إلى الرجل وانحنت أمامه بصعوبة قائلة بامتنان خلال صوت مرتجف : ش.. شكراً لك.. سي.. سيدي على رعايتك خلال هذه السنوات.. أنا شاكرة جداً..

-- ارفعي رأسك..

الرجل قال آمراً ورفعت ماي رأسها حالاً لينتابها ذلك الشعور مجدداً ما إن نظرت إلى وجهه.. شعور غريب غير مفهوم.. كانت تشعر بالخوف منه، الرجل كان قوياً ومؤثراً بشكل لا يصدق، العزلة التي تحيط به قيد تبتلعك.. بينما في الوقت ذاته.. كان هنالك شيء آخر لا تفهمه حوله.. في نظرته! فقط أين رأته من قبل؟!

الرجل أبعد نظره عنها و حول اهتمامه لتايهيونغ قائلاً ببرود : إذاً.. ما الذي تريده؟

تايهيونغ انطلق في الحديث فوراً، بهدوء في البداية : سيدي.. أنت بالطبع تعلم حول ما حدث مؤخراً..

-- همم..

الرجل عاد إلى مخطوطاته متجاهلاً تايهيونغ الذي بدأ يقول بانفعال : سيدي.. اننا نتعرض لهجوم كبير في الوقت الحالي.. شخص ما يحاول إفساد أعمالنا..

الرجل تمتم باحتقار : اتهامات.. اتهامات..

لكن تايهيونغ تابع دون أن يفقد نبرته : ولكن.. بضاعتنا تختفي قبل وصولها إلى السفن للشحن!! هل كان الهدف من صفقتنا أن يتم تدميري؟ أنت تعلم جيداً من هو الشخص خلف هذا.. إنه تشاي إن !!

قلب ماي قفز في صدرها، هل كانت أعمال تايهيونغ تنهار؟! القلق تسلل إليها وهي تتابع الحديث بخوف، السيد شانغ لي نظر إلى تايهيونغ بالبرود ذاته و قال : نعم أعلم.. إنه تشاي إن غالباً..

تايهيونغ بدا منفعلاً : يجب عليك أن تفعل شيئاً حياله!! إنه يدمر كل شيء.. في هذا المعدل.. شركتنا لن تصمد حتى الموسم القادم!

شانغ لي نظر إلى تايهيونغ بحدة وقال بصوت خطير : هل أنت تخبرني بما يجب علي فعله ؟!

ماي ارتجفت من النبرة بينما أسرع تايهيونغ ليعدل حديثه بشكل أكثر أدباً مثل طفل تعرض للتوبيخ : اعذرني يا سيد شانغ، أنا لم أقصد هذا.. ولكنك الوحيد الذي يمكنه المساعدة..

السيد شانغ عقد ذراعيه أمام صدره وقال بسخرية : هل تقترح أن أشن حرباً داخلية على صهري يا ترى؟ لأجل ماذا؟

تايهيونغ بدا متضايقاً جداً، اعتدل في جلوسه وحدق إلى السيد شانغ لي مباشرة : أنت تعلم لماذا يقوم صهرك بهذا.. أنت تعرف كل شيء يا سيدي.. نحن عقدنا اتفاقاً .. و يمكنني تحقيقه حتى النهاية إذا شئت..

-- كيم تايهيونغ.. هل تهددني؟!

رغم أن ماي لم تكن تفهم شيئاً إلا أنها شعرت بالخوف حقاً من نبرة صوت الرجل، رأته يمد يده إلى جانبه ليرفع عصا سوداء لامعة برأس ذهبي، حالما رأت العصا شيء ما لمع في ذهنها وتذكرت أين رأت الرجل فوراً!!

لقد رأته في حفلة العشاء التي أقامها والدا تايهيونغ، تلك الليلة التي أعلن تايهيونغ للجميع أنها كانت مخطوبته!! الرجل.. ذلك الرجل المخيف المحاط بالكثير من الرجال ..كان يجلس متكئاً على هذه العصا بينما يقف الجميع حوله، انها تتذكره جيداً الآن..كيف يمكنها أن تنسى مقدار الرعب الذي شعرت به لرؤيته؟!

لم تملك الكثير من الوقت للتفكير لأن الرجل رفع عصاه، التي بدت عادية جداً، كأداة يستخدمها كبار السن لتساعدهم على المشي، وهوا بها باتجاه تايهيونغ، في البداية ماي أجفلت ظناً منها أنه سيضربه على رأسه، لكن الشيء الحاد الذي لمع من رأس العصا ليتوقف أمام حدقة عين تايهيونغ مباشرة جعلها تصرخ دون وعي!!

تايهيونغ بقى ثابتاً في مكانه دون أن يلتفت إليها، نظرته قوية و محدقة إلى الرجل المرعب دون أن يهتز أو يظهر شيئاً من الخوف، ماي وضعت يدها على فمها بينما يقول تايهيونغ ببساطة : اهدئي.. الصراخ يزعج أهل البيت..!

الرجل نقل نظره من تايهيونغ إليها وقال بتساؤل غريب : هل تخافين عليه كثيراً؟

ضمت قبضتيها وهزت رأسها بارتجاف : أرجوك .. هل يمكنك وضع هذا.. ال.. الشيء ج.. جانباً؟؟ - تابعت بتوسل -أرجوك. لا تؤذه!

-- تتوسلين من أجله..

الرجل سأل مجدداً، وشعرت ماي بالامتنان لوجود تلك الإبرة بعيدة بمقدار انش واحد عن حدقة عين تايهيونغ مما منعه أن يلتفت إليها ويرى ملامحها الممزقة، عضت شفتها وهزت رأسها، ثم بصوت مرتجف قالت : لقد تعرض لإصابة قبل أسبوع واحد فقط.. أرجوك لا تؤذه مجدداً..

شانغ لي نظر إلى تايهيونغ وهز عصاه ببرود : لا تقلقي.. لن يحصل على إصابة.. سوف يذهب.. دفعة واحدة!

الجملة كان لها معنى مزدوج جعل ماي ترتعش من الخوف، هل كان يعني أنه سوف يقتله؟ أم سيدعه يذهب؟

سؤاله كان موجهاً إلى تايهيونغ عندما قال: من كان؟ تشاي ان؟

تايهيونغ أجاب بهدوء دون أن يتحرك : بل الفراشة..

الفراشة؟ تساءلت ماذا يقصد حتى استوعبت أنه قد يكون لقب مينا أو شيئاً من هذا القبيل.. السيد شانغ لي بدا مستاءاً : الفراشة؟

-- نعم.. تشاي إن لديه الكثير من الجواسيس بيننا.. هذا ما اكتشفته لاحقاً.. ما كانت تفعله الفراشة هو خدعة لكلينا.. لحسن الحظ هي ارتكبت خطأ محاولة التعرض لمخطوبتي ..

تايهيونغ شد على كلماته الآخيرة قبل أن يتابع : لقد كنت قادراً على التدخل في الوقت المناسب.. تشاي ان وجد هذا خطأ مبتدئ لا يغتفر وتخلص من الفراشة حالاً.. هذا هو الجزء الجيد.. الفراشة لم تكن قادرة على البوح بالكثير لتشاي إن قبل موتها لأن تصفيتها تمت من خلال رجاله كعقاب لها، الفراشة كانت تعرف أكثر مما يجب.. لذلك كانت هذه النقطة في صالحنا، لكن الخبر السيء هو أن شخصاً ما زودها بتلك المعلومات، إذاً فإن هنالك شخصاً غير تشاي إن خلفها.. بعد محاولتها مهاجمة مخطوبتي.. وما يقوم به تشاي إن من تدمير للأعمال بيننا.. هل تعتقد أنك جاهز للتدخل؟

ماي حبست أنفاسها وهي تنتظر ردة فعل شانغ لي، يداها اهتزتا وهي ترغب بإبعاد ذلك الشيء من يده بينما أعصابها المشدودة تكاد تنفجر..

لم تدرك بأنها كانت تميل باتجاه شانغ لي دون وعي حتى سمعت تايهيونغ ينهرها بشدة : توقفي!

ثم تابع محدثاً الرجل : أنت من تقرر سيد شانغ ..!

نبرة تايهيونغ لم تتغير، وصمت شانغ لي لم يكن مبشراً، قلبها سقط من مكانه عندما حرك شانغ لي عصاه نصف انش باتجاه تايهيونغ حتى كادت الرأس الحادة تنغرز في عينه، للحظة ظنت بأن الأمر انتهى قبل أن يسقطها بعيداً في النهاية تاركاً جرحاً ممتداً على خد تايهيونغ سرعان ما بدأت الدماء تتدفق منه كالشلال لتغطي وجهه، لكنه بقي ثابتاً في مكانه دون حركة تنم عن الألم أو محاولة لإيقاف تدفق تلك الدماء.. شانغ لي أشار بعصاه إلى الباب : أغربا الآن..

ماي وقفت بركبتين مرتجفتين وهي شبه عاشت واحد من أكثر التجارب المرعبة المثيرة للأعصاب في حياتها، انحنت هي و تايهيونغ قبل أن يخرج كلاهما من الباب وعلى الفور خذلتها ساقاها وانزلقت على الأرض شاعرة بمفاصلها تتحول إلى هلام!!

تايهيونغ أمسك بذراعيها و ساعدها على الوقوف بسرعة هامساً : كلا كلا.. يجب أن نغادر قبل أن يغير الرجل رأيه!!

اتسعت عيناها بخوف وحاولت السيطرة على نفسها واستجماع قوتها تاركة اياه يساعدها على السير خلال الممرات الخشبية المخفية، يتبعان الرجل ذاته الذي أحضرهما إلى هنا ، تايهيونغ همس في أذنها حالما ابتعدا عن غرفة شانغ لي : لقد أبليت جيداً.. أنا فخور بك..!

شعرت بأنها سوف تجهش في البكاء من شدة التوتر، أسرعت لتخرج منديلاً وتضعه على خده وهي تقول بصوت مختنق : يا إلهي.. لقد كاد قلبي يتوقف هناك للحظة..وانظر إلى كل هذه الدماء ..!

-- آه.. - تايهيونغ قال وهو يضغط المنديل بيده- لا بأس.. من الجيد أنني حصلت على خدش فقط..

عيونها اتسعت : ماذا تعني بخدش؟

ناهيك عن الجرح الذي تعرض له تايهيونغ بدا لها سعيداً وهو يلف ذراعه حول خصرها ويجذبها معه إلى الخارج : هذا كان أفضل مما توقعت.. لنخرج من هنا ونحتفل..

ماي رمقته كأنه أنبت رأساً آخر وكزت على أسنانها ممسكة بذراعه ومحاولة إبعادها : ما الذي تتحدث عنه؟؟ الدماء تتدفق من وجهك كماء الصنبور!

عقد تايهيونغ حاجبيه وشدها إليه ليقول ساخراً : ما هذا التشبيه؟ هل أنت طالبة في المرحلة الابتدائية؟

قلبت ماي عينيها وضربت صدره : كأن تشبيهك هذا أفضل!

ابتسم لها بشكل مفاجئ : اننا سيئان بنفس القدر إذاً!

-- رجاءاً - قالت محاولة افلات نفسها منه - لا تضعني في نفس المستوى معك!!

-- بالطبع.. أنت أكثر غباءاً بكثير! - قال ذلك وعقد حاجبيه بغضب مفاجئ كأنه تذكر شيئاً، فتحت فمها لترد عليه لكنه تابع بتأنيب - أنت مددت يديك لتمسكي بيد الرجل الكبير بينما يحمل سلاحاً كذاك!! هل تدركين أن فعلتك تلك كانت لتتسبب بتمزيق حنجرتك اليوم!!

ماي رفعت يدها إلى عنقها تلمسه بخوف وابتلعت رمقها : ماذا.. تعني؟

-- ذلك الرجل في الداخل؟ لديه ردود فعل سريعة بشكل خارق، وهي تخرج منه دون تفكير..أية حركة خاطئة أو محاولة اقتراب منه يمكنها إن تكلفك حياتك في غضون ثانيتين! سلاحه ذاك.. السلاح الحاد في رأس عصاه  ليس مجرد ابرة كما يبدو!

-- آه يا إلهي!

ضغطت على صدرها وهي تأخذ نفساً عميقاً وتهمس بتعب : لا أصدق أنك أحضرتني معك إلى هنا.. لم أقابل في حياتي شخصاً مخيفاً بهذا القدر!!

تايهيونغ ابتسم بغموض : صحيح؟ يجب أن نعمل على تقوية قلبك!

لم تدرك أنهما وصلا إلى الخارج حتى شعرت بالهواء البارد يضرب وجهها، ارتجفت وقالت وهي تنفث البخار الساخن من فمها : هذه المنطقة باردة بشكل مبالغ فيه..

--  لا بأس هذا سيوقف النزيف بشكل أسرع.

تايهيونغ قال ذلك بتفاؤل وهو يربت على المنديل الذي تصبغ باللون القرمزي والتصق بخده متشبعاً بالدماء.. ارتجفت وهي تتذكر شانغ لي وهمست من بين أسنانها : هذا الرجل مخيف حقاً.. لقد كاد.. كاد..

نظرت إلى تايهيونغ برعب، لكن الأخير ابتسم لها بمرح : هيا الآن.. ذلك الرجل يحبني.. انظري لقد تحدثت إليه بتلك الطريق وأنا هنا أسير قطعة واحد بدلاً من أن أخرج وقد انفصل رأسي عن جسدي.. الآن دعينا نسرع قبل أن يحدث شيء آخر.. هذا المكان خطير !!

رغم السخرية في كلام تايهيونغ إلا أن ماي أسرعت تنزل الدرجات وهي تنوي الركض إلى السيارة للخروج من هذا المكان!! لم تكن تفهم كيف يبدو مزاج تايهيونغ حسناً وأين يا ترى يجد كل هذا المرح في ما مرا به منذ لحظات؟؟!!

بسرعة صعدا إلى السيارة وهذه المرة جون سو وسونغ دال صعدا معهما في الكرسي الخلفي، جون سو قال بتساؤل : كيف جرت الأمور أيها الرئيس؟

تايهيونغ قال بشيء من القلق : لنتحدث لاحقاً.. نحن لا نزال في منطقة خطرة..

أدار السيارة بسرعة وزفرت ماي متنفسة الصعداء وهم يخرجون من تلك البوابة مسترسلين على الطريق الثلجي الذي بدا أكثر جاذبية لها الآن!

سونغ دال قال فجأة بصوت قلق : ولكن هيونغ ما الذي حدث لك هنا؟ وجهك يقطر دماً!!

تايهيونغ أمال فمه : ما الذي تتحدث عنه؟ هذه لمسة صغيرة من الديكور لوجهي.. كما ترى.. من الممل أن تملك وجهاً نظيفاً لامعاً وخالياً من الندوب.. يجب أن تضيف شيئاً.. لمسة صغيرة تزيد حيوية ملامحك!

ماي رمقته بعيون متسعة بيننا أضاف بغضب فجأة : وماذا تعني بهيونغ؟ لقد أخبرتك مئات المرات أن تناديني بالرئيس..

سونغ دال أجاب بشكل منطقي : بالنظر إلى حالة حسابك البنكي الحالية.. أنت لست في مكان يسمح لك بالاعتراض حتى تدفع لي راتب الشهر القادم..

تايهيونغ رفع حاجبه و صفر : متى أصبحت بهذا الذكاء لتستغل حالة حسابي البنكي؟! هذا جديد.. لكنك لا زلت غير ذكي كفاية.. من الأفضل أن تبتلع لسانك حتى تستطيع العيش لرؤية مرتبك القادم.

-- آه.. ههه.. نعم أنت محق..

ماي كتمت ابتسامتها على الحديث السخيف الدائر وسألت بجدية : إلى أين نذهب؟

تايهيونغ التفت ونظر إليها بتساؤل: هل لديك مكان محدد ترغبين في الذهاب إليه؟

ماي قالت بسخرية : هذا سؤال غريب بالنظر أنني لا أعرف أي مكان هنا..

قبل أن يجيب تايهيونغ سونغ دال قال فجأة : للتزلج.. انها تريد الذهاب للتزلج..

تايهيونغ نظر إليها بحاجب مرفوع : هل هذا صحيح؟

ماي فتحت فمها لتقول : أنا-..

لكن سونغ دال هز رأسه وأجاب عوضا عنها: نعم.. لقد قالت أنها ترغب بذلك.. أنا أتذكره كأنه حدث البارحة، في ذلك اليوم عندما تشاجرتما لأنها شعرت بالغيرة بعد أن رأت صوراً لك مع امرأة على تطبيق انستاغرام!

عيون ماي اتسعت حتى أصبحت بحجم الصحن والتفتت لتنظر إلى سونغ دال بصدمة : ماذا تقول؟

-- ألم يكن الأمر هكذا؟

سونغ دال قال بتساؤل بينما انصبغ وجه ماي باللون القرمزي وفقدت القدرة على النطق..!!

جون سو الذي كان صامتاً طوال الطريق تدخل في تلك اللحظة ورفع يده ليصفع سونغ دال على مؤخرة رأسه بقوة مرضية تبعتها صرخة من سونغ دال: ماذا كان هذا؟!

ماي زفرت واعتدلت في كرسيها قائلة بامتنان : شكراً لك..

جون سو أجاب وهو يسند وجهه على كفه وينظر خارج النافذة بهدوء : على الرحب!

في الوقت ذاته تايهيونغ كان يمسك بعجلة القيادة بقوة وهو يحدق أمامه بصمت، ماي التي كانت تسبح في بحر الاحراج بسبب سونغ الدال الذي لم يرتدع عن السؤال مجدداً : إذاً هل سنذهب للتزلج؟

ماي قاطعت حديثه بسرعة وهي تطلق ضحكة مختنقة متوترة : آه.. ههن.. ماذا كان ذلك المكان الذي قمنا بزيارته للتو على أية حال؟ لماذا لم يسمحوا بدخول هيدسون واينهو؟

تايهيونغ ابتسم ابتسامة صغيرة مائلة ونظر إليها بعينين لامعتين : ماذا تعتقدين؟ أنت غادرتِ وكراً لواحدة من أكبر عائلات المافيا الصينية للتو!!

مد يده وربت على كتفها بخفة : يجب أن تكوني فخورة بنفسك!


🌸

ENJOY 💕

البارت هذا طويل شوي ولسا أحداثه مش مكتملة،
أنا وعدتكم أنزل شابتر مبارح بس لأني كنت ناوية أنزل هاد الشابتر والي بعده مع بعض تأخرت شوي..
لكن بما اني لسا ما أنهيت كتابة الشابتر الي بعده ماحبيت أتأخر أكثر..
الأحداث رح تكتمل في الحلقة القادمة الي رح تنزل بكرا بإذن الله ومارح أطول عليكم ..
بتمنى هالحلقة تساعدكم شوي تتذكرو الأحداث السابقة ❤️

Okumaya devam et

Bunları da Beğeneceksin

329K 15.7K 23
مًنِ قُآلَ أنِهّآ لَيَسِتٌ بًآلَأمًآکْنِ کْمً آشُتٌآقُ لذالك المكان الذي ضم ذكريات لن تعود
1M 31.3K 43
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
277K 13.4K 32
اول روايه لي 🦋.. كاتبه مبتدئه ✨.. استمتعو 💗
487K 11.3K 39
لو إلتقينا في عالم آخر لوقعت.. لغرقت وتهت في حبك ولكن ولدنا هنا في عالم انتِ القاتلة وانا السجان واه من حرقة الإنتقام ولهيبها تهنا معًا في هذا الظلام...