(غصونك تُزهر عشقًا)

By WesamOsama357

310K 17.3K 1.6K

يناديها يا حفنة العسل فيسيل الحب في قلبها حارًا غصونك تُزهر غشقًا الرواية الأولى في سلسلة (لعنة تسمى العشق) More

غصونك تُزهر عشقًا
اقتباس من وحي الأحداث
تواقيع أبطال رواية غصونك❤️❤️
تنويه عن مواعيد الرواية💚
الفصل الأول
اعلان الفصل💚
الفصل الثاني
تنويه❤️
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
اعادة نشر الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع " الحزء الأول"
مهم❤️✨
الفصل السابع2
الفصل الثامن 1
الفصل الثامن 2
الساحرة البدوية❤️
الفصل التاسع
حضور معرض الكتاب
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
معرض القاهرة الدولي💚
مهم جدا
مهم
الفصل الثاني عشر
الرواية الجديدة
الفصل الثاني عشر 2
الفصل الثالث عشر
الثالث عشر 2
الفصل الرابع عشر
اقتباس❤️
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر 1
الفصل السادس عشر2
الفصل السابع عشر
مهم❤️
اقتباس
الفصل الثامن عشر
العودة💖
الفصل التاسع عشر
الفصل التاسع عشر 2
الفصل العشرون
الواحد والعشرون
هام جدًا
الفصل الثاني والعشرون
اعلان الفصل
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون (جزء أول)
مهم
العودة
الفصل الرابع والعشرون الجزء 2
الرابع والعشرون الجزء٣
الرابع والعشرون 4
جزء من ٢٥
الفصل الخامس والعشرون ٣
معرض الكتاب
لعشاق رد قلبي والغزالة الشاردة
مهم
الخميس والجمعة
العودة
(الفصــل الســـادس والعشـــرون)
(الفـــصل الســـابع والعـــشـــرون)
(الفصــل الســابع والعشــرون ٢)
الفـــصل الثامن والعشــرون
الفصل الثامن والعشرون ٢

الفصل الخامس والعشرون الجزء2

5.6K 336 26
By WesamOsama357

الخامس والعشرون الجزء الثاني

كان الحزن هو سيد الموقف، لا شيء يعلوا فوق صوته ولا بسمة قادرة أن تُبدد قُبح ما يحدث، ولا الوقت بقادر على الرجوع خلفًا فتعود فاتن إلى الوعي قبل سقوطها أرضًا أمام ضيفتها الغريبة.
فمنذ أن سقطط مغشية غائبة عن الوعي، وهي في حالة صعبة.. جسد هزيل يفتقر للغذاء ولكنها مُضربة عن الطعام
وجه شاحب يحاكي وجه الموتى، وصمت طويل يعقبه دموع مُره.

حُجزت في المشفى ثلاث ليالٍ بسبب الجفاف الذي أصابها
وكالعادة في الشدائد.. لم يزورها والدها ولم ينظر لها نظرة واحدة، كما فعل مع مرام حينما أُصيبت، لم يحاول زيارتها أو الاطمئنان عليها، بل اكتفى بأنه تبرأ منها ونبذها
حتى بعد علمه بمصابها.
وكحالها فاتن هي الأخرى، منذ نقلت المشفى ولم تأتي لها سوى شقيقتها المتذمرة مروة، والتي لا تكف عن تأنيبها والضغط عليها حتى وهي في أشد حالاتها ضعفًا وهوان
ولكن فاتن تقابل أفعالها الجارحة وكلماتها السامة بصمتٍ ثقيل ودموعٍ تفيض ألمًا وأسى، وتكتفي بإشاحة وجهها جانبًا وتتموضع كالجنين في فراش المشفى تحمي نفسها من أي أذى.

إلى أن جاء اليوم الأخير لها في المشفى، والمفترض أن تعود لمنزلها، ولكنها تفاجأت بعاصفة تفتح الباب وتتحرك لها بسرعة لتعانقها بقلق أم...

-(يا حبيبتي انتي، بسم الله عليكِ، ما الذي أصابك يا فتاتي الصغيرة)

لم تدري فاتن بنفسها إلى وهي محاطة بذراعي نجاة التي حاوطتها بحماية أم تموت رعبًا على طفلتها، وهي تتلوا عليها ايات الشفاء، فتفجرت دموعها على صدر الأخرى وتمسكت بها بقوة يائسة وصوتها يخرج محشرج مجروح وهي تهمس بلا وعي...

-(أرأيت ما حدث يا أمي)

تألم قلب نجاة مرتين، للفظة أمي مره، ولرنين الألم في صوتها الثانية، فحاوطتها أكثر وهي تربت على رأسها وتقربه أكثر إلى حضنها هامسة بحزن مُشفق...

-(علمتُ ياقلب امك)

تقطعت الحروف وتعثرت باكية على شفاهها وهي تعاود المحاولة والمدافعة عن نفسها بضعفٍ وانكسار...

-(لم أفعل شيء.. لقد أوصلني فقط.. اقسم بالله لم أفعل الأشياء التي يقولونها، لقد أوصلني فقط)

مسحت نجاة على وجنتها الندية من أثر الدموع وبدأت تمارس هدوئها وتنشر الطمأنينة في جسد الصغيرة وهي تغمغم بنبرة حانية مواسية، تمتص بها أي ألم أو حزن في نفسها...

(أعلم يا صغيرتي، انتي واختك من أفضل البنات وأطهرهن..أنا أعلم ما حدث، عفراء أخبرتنا بكل شيء، ولم استطع الحضور إلا اليوم وقد أوصلني عبدالعزيز إلى هنا.. لا تقلقي ياحبيبتي سنوضح لوالدكِ ما حدث وستنتهي هذه المهزلة... فقط كفى بكاء)

طالت شهقات فاتن على صدر نجاة ودموعها لا تنضب
كانت بحاجه لشخص يصدقها، يعانقها، يخبرها أنها لم تفعل شيء خاطئ لتُعاقب بمثل هذا العقاب، أنها ليست خاطئة، كانت بحاجه لأحد يحتوي شعور الفزع والظلم اللذان أصابا قلبها في مقتل..إلى أن جائت نجاة وصدقتها
ليت والدها صدقها، أو شقيقتها مروة.. ليت الدماء شفعت.
انتبهت على صوت نجاة الحازم وهي تبعدها عن أحضانها وتقول مستائة..

-(بالله ما هذا الوجه الأصفر الهزيل، حتى أنكِ فقدتِ وزنك وصرتِ كالعود الأصفر الذابل.. هيا لتأكلي ياحبيبتي
لقدت أعدتُ لكِ الطعام.. سيكون قد برد ولكن لا بأس
فليجعل الله فيه الشفاء يا فتاتي)

حركت رأسها نافية ترفض الأكل وهي تحاول التموضع كما كانت، ولكن نجاة أحكمت قبضتها على كتفها وهي تقول بحزم أم ترفض المرض على طفلها وترفض عناده...

-(لن ادعكِ دقيقة واحدة قبل أن تنهي كل طعامك.. الممرضة قالت أنكِ مضربة عن الطعام، وقد يأسوا من حقنك بالمغذي)

كادت فاتن ترفض مره أخرى ودموعها تتسابق برفض
فلا طاقة لها للأكل، لا جوفها سيتقبل الطعام، ولا نفسها في حاجه له بعد الذي عاشته.. ولكن عارضتها نجاة وهي تتحدث بهدوء مقنع...

-(اسمعيني يا فاتن.. المتهم لا يستطيع الدفاع عن نفسه بالدموع أو المرض، المتهم يُثبت برائته وهو في كامل صحته وثقته.. سيظنون أن البكاء والمرض في حالتك، ماهو إلا ذريعة للتملص من ذنبك.. انتي محاطة بمجتمع لا يرحم الضعيف.. لتواجهيه يجب أن تكوني في كامل قوتك وصبرك.. المخطئ فقط من يضع عينه أرضًا ويحني ظهره.. فلا تُضيعي حقكِ بحزنك وشفقتكِ على نفسك يا صغيرتي، اتفقنا !)

بدت لحظات تفكير فاتن طويلة، قبل أن تحرك رأسها بإيجاب، وشيء ما في عينيها قد اقتنع بمبدأ نجاة
هي ليست مخطئة لتدفن رأسها في الرمال، عليها أن تدافع عن نفسها، وتحارب كل من يضعها في مواضع لا تليق بها، إن لم تحارب وتثبت برائتها ستتزوج من شخص يجعلها تموت ألف مره.. لن تضيع حقها في الحزن ورثاء النفس.. لن تفعل.

بدأت نجاة في إخراج عُلب حرارية كثيرة من حقيبة ضخمة لم تراها فاتن حينما دخلت عليها.. وبدأت تضع العُلب على طاولة صغيرة جوار الفراش، وهي تغمغم باسمة...

-(صنعت لكِ كل الأصناف التي تحبينها، ولكن حاولت جعلها صحية أكثر لتفيدك.. أريدكِ أن تُنهيها جميعًا، لأعطيكِ المكافأة الكُبرى)

لم تتفاعل فاتن مع كلماتها المرحة، بل بدأت تتناول الطعام كُرهًا بأنامل مرتعشة وشفاه مهتزة تهدد بالبكاء
كانت هيئتها تخاطب النفس وتُحزن الروح
مجرد فتاة صغيرة في التاسعة عشر من عمرها، هُدمت أحلامها فوق رأسها وذاقت المرارة في كل من حولها
ثم ترجعتها في نفسها.. مجرد فتاة مسكينة ينقصها الحنان والاحتواء

تألم قلب نجاة وظلت تراقبها بعيون حزينة وهي تراها تكافح كي تبتلع طعامها.. فهمست بندم واضح...

-(ليتني ما تركتك تعودين للقرية، حتى مرام تموت قلقًا عليكِ وتهاتفني يوميا بأنها قلقه من غلق هاتفك)

توقف الطعام في حلقها وتوهج وجهها بالدماء، قبل أن تسعل وهي تحرك رأسها نافية بقوة ودموعها تهبط تباعا...

-(لا تخبريها شيء، لا أريدها أن تأتي فيؤذوها بأحاديثهم السامة.. لو علمت ما يقال فيها ستتألم )

تبسمت نجاة بحسرة على فاتن التي تفكر في ألمها وألم شقيقتها.. كيف يظلمون فتاة كالزهرة البيضاء مثل فاتن
كيف استطاع والدها أن يلوثها بإتهامات باطلة، كيف استطاع أن يتطاول ضربًا عليها ويوصمها بما ليس فيها

انتبهت على رنين هاتفها الذي أخذ يهتز في حقيبتها بلا صمت أو كلل، فأخرجته ثم تأوهت من نسيانها وهي تغمغم بأسى...

-(نسيت أن اطمئن عبدالعزيز وعفراء، فهما ينتظران في السيارة ولكنني منعتهما من الدخول معي تحسبا لوجود أي شخص من عائلتك)

تصنمت فاتن في محلها للحظات حينما ذُكر اسم عبدالعزيز مره أخرى.. شيء ما في عقلها يلومها على اقترابها منه يومًا.. كرامتها المنهارة وقلبها الذي تألم يومًا بسببه، سُمعتها التي لطخت بسببه، وروحها التي عافته.
لا شيء فيها يتقبل عبدالعزيز، لا شيء فيها يصدق قلقه عليها أو خوفه الذي تسمع به.

نبض قلبها نبضة عنيفة وهي تسمع نجاة وهي تجيب عليه قائلة...

-(لا تقلق هي بخير، بدأت تتناول الطعام لتوها... لا لا تدخل ياعبدالعزيز وتعقل، نحن لا ندري ما الذي سيحدث لو رأك أحد مره أخرى.. التزم بما اتفقنا عليه ولا تفسد حياة البنت بتهور)

صمتت لحظات لثوان وهي تنظر لفاتن قائلة بتردد...
-(تريد أن تحادثها !!.. لحظة واحدة)

كتمت الهاتف بيدها الأخرى وهي تنظر لفاتن وتسألها بهدوء...
-(يطلب محادثتكِ، تريدين الحديث معه !)

كانت ممزقة بين الرغبة والرفض
رفضها التام للحديث معه أو وضعه في حسبانها، ورغبتها المميتة في معرفة ما سيقوله.. هل سيعتذر، أو ستغدو كلماته باردة كعادته.. هل سيلومها أنها السبب، هل سيواسيها على ما لاقته بسببه.
ما الذي سيقوله في هذه الحالة !!
بأنامل مرتعشة، تركت معلقتها وأخذت الهاتف ووضعته على أذنها بلا كلمة.. كانت تسمع أنفاسه على الجانب الأخر
فتحشرجت أنفاسها وبرزت الدموع في حدقتيها، ولا تدري كيف علم أن الهاتف معها، فغمغم باسمها بصوتٍ مكتوم لا يبدي فيه ما يشعر...

-(فاتن)

تحررت الدموع من سجن عيناها وتمسكت بالهاتف بقوة وكأنها ستكسره..لفظه لاسمها أعاد سيل من الألم لقلبها
لا تدري أتتألم لخداعه لها واحتقاره في لقائهم الأخير
أم تعوي حيوان مجروح بسبب ما حل بها بسبب عناده على إيصالها
جاء صوته الهادئ مره أخرى ومعه رنين قلق حنون...

-(لا بأس يا فاتن سأصلح كل شيء.. أنا السبب فيما حل لكِ.. سأقابل والدك وأخبره أنني كنت أوصلك فقط وأنكِ كعفراء شقيقتي، تناولي طعامك و...)

قُطع سيل كلماته حينما اغلقت زر الاغلاق بقوة وتضع الهاتف من أناملها قبل أن تكسره أرضًا.. الآن فقط بهتت رغبتها وقد علمت ما سيقوله.. كالعادة يخبرها أنها شقيقته وأنه سيصلح الأمر.
اغمضت عيناها بقوة تعتصرهم بجنون وهي نادمة، الناس يتهمونها في رجل يراها كشقيقته الصغيرة.. بعد كل الصفعات واللعنات وكل ما عاشته وستعيشه.. يخبرها أنها كشقيقته وأنه سيصلح الأوضاع.

ربتت نجاة على كتفها وقد شعرت بما يدور في نفسها
فخرج صوتها هادئ رزين وهي تغمغم..

-(شعور الذنب يقتله خاصة بعدما قصت عليه عفراء ما حدث أمامها، عبدالعزيز شخص عاقل ويُجري حساباته بالورقة والقلم.. دعكِ منه يا فاتن ونركز      على خروجك من هذه الأزمة سالمة)

حركت رأسها بإيجاب وقد تحجرت باقي الدموع في مقلتيها.. لقد مرت بأحداث قتلت فيها بعض الأشياء، ومنهم تعلقها المجنون بـ عبدالعزيز.. فلا بأس من التخطي
عليها فقط أن تركز اهتمامها على التخلص من الاتهامات التي تلاحقها.. وبعدها تتألم على مشاعرها التي قتلها عبدالعزيز مره أخرى
                              
   ***
في المساء في منزل السيد أحمد

تنهدت نجاة للمره الخامسة وهي تستغفر الله سرًا وتخشى التسرع وسكب كوب الشاي الساخن بيدها على رأس والد فاتن كي تسلخ رأسه المليئ بالأفكار المتخلفة
وعاودت تتحدث بصبرٍ نافذ...

-(يا سيد أحمد، نخبرك للمره الألف أن ابنتك لا غبار عليها، ثم أن عبدالعزيز هو محاميها والمسؤول عن تعاقداتها مع شركات الانتاج... فإيصاله لها لم يكن بالجريمة التي تصورها)

كانت النظرة الغاضبة في عين أحمد لا تبرح، وكل ما يقولانه منذ أن جلسا معه لا يسمن ولا يغني من جوع
لذا تحدث بنرة حادة وهو يوجه الحديث لعبدالعزيز...

-(نحن نسكن في قرية فقيرة، لا تدخلها سيارات باهظة كسيارتك يا استاذ، جميعنا فقراء وعلى باب الله، ونمشي جوار الحيط أو داخله... وشكهم في اخلاق ابنتي بدأ منذ تركت حياة الدراسة وبدأت تركض خلف التمثيل وهذا الكلام الفارغ)

صمت للحظات وبان القهر على وجهه وهو ينظر لنجاة وعبدالعزيز بحسرة ساخرة...

-(اخبريني يا سيدة نجاة، ما ردة فعلك لو كنتي في مكاني، وجائت ابنتك الصغيرة في سيارة فارهة مع رجل لا ينظر لمثيلاتها ولو على محض الصدفة، ويراهم أحد وهم يتجادلا ثم تخرج من السيارة وتمشي كاللصوص، ماذا سيظن الناس بها خاصة وهم يعلمون هوسها بالتمثيل والحياة الخليعة التي نراها على التلفاز ؟!)

ابتلعت نجاة رمقها بعجز، الصورة التي يعرضها والد الفتاة منطقية، رغم برائتها إلا أن الجميع قرر أن ينظر للأمر بظواهره فقط.
كادت تتحدث ولكن اسكتها صوت عبدالعزيز الذي أخذ يتحدث بهدوء...

-(اسمعني يا سيدي، ابنتك فتاة على خُلق وأدب، ورغم هوسها بالتمثيل مثلما قلت أنت سابقًا، إلا أنها مؤخرًا حاولت التخلص من العقود التي وقعتها، وقد صرفت انتباهها عن التمثيل بعدما رأت مدى مشقته عليها... واليوم الذي أوصلتها فيه كنت أحاول اقناعها أن أسدد عنها الشرط الجزائي، ولكنها بكل عزة وكرامة اخبرتني انها لا تحتاج مالي ولا مال غيري، فلم أجد إلا أن أوصلها القرية خوفًا عليها كواحدة من شقيقاتي.. لا تلق بالا للشائعات التي تلوث سمعتها.. وثق في أخلاق ابنتك التي لا يُغريها مال ولا تجذبها خلاعة، وأنا لن اخبرك بأخلاق ابنتك وأنت الأعلم بها)

أطرق الأب برأسه وقد لجمه حديث عبدالعزيز بالحقيقة وان اختلفت صورها او شوهتها الأقاويل
ولكن اندفع سعيد يعكر صفو الحديث قائلا بغلظة...

-(وحتى لو ما تقولانه صحيح، هذا لن يغير ما حدث، أهل القرية جميعهم يظنون بها السوء، نحن لن نذهب للبيوت واحد تلو الأخر لنقنعهم انها فتاة صالحة ولكنها نسيت تقاليد القرية)

جزت نجاة على أسنانها وتمنت لو تطبقها على جلده كي يصرخ ويلتهي عنهم بألمه، منذ أن جلست وهذا المسخ يستفزهم بردود أفعاله الكريهة، وقد دخلت مروة على نفس الخط وهي تؤيد زوجها قائلة...

-(سعيد محق يا أبي، لن نأخذها من يدها ونذهب لأهل القرية ونُقسم أنها صالحة، لا شيء سيُنقذ الأمر سوى عقد قرانها على خيري، حينها فقط ستصمت الألسنة و..)

قاطعتها نجاة بنبرة حادة وقد فاض كيلها من مروة وزوجها، فنظرت لأحمد بقوة قائلة...

-(والبنت لا تريد الزواج من ذاك الرجل، وهي أخبرتني أنها لا تطيق النظر لوجهه، هل ستكون سعيد لو تزوجته وطُلقت بعد أشهر قليلة، حينها ستجد الناس موضوع أخر تلوكه، أرجوك أن تفكر بالعقل والمنطق)

رد سعيد بغلظة وهو يصفع فخذه بعصبية...

-(وما دخلك أنتي بشؤوننا ثم أننا نحاول طمس الفضيحة، لا داعي لدلع البنات، خيري سيتزوجها ويستر عليها)

كاد عبدالعزيز يرد على كلماته السامة بأخرى غاضبة، يدافع بها عن فاتن التي يُقرر مصيرها رغمًا عنها
ولكن مره أخرى سارعت نجاة تقول بحدة وحنق...

-(ياسيد أحمد، لو كنت تجد أن زواج فاتن هو الحل لإسكات الألسنة، فلتزوجها بشخص صالح يصونها، كي لا تُحاسب أمام الله على تخاذلك في حق ابنتك)

تنهيدة مُثقلة مهزومة خرجت من صدر أحمد، حديث نجاة منطقي، ولكن يفتكر للوجود.. فمن ستقدم لخطبة فتاة لوثت سمعتها في طرفة عين !!

-(بسبب أفعال ابنتي لن يرتضيها الصالح يا سيدة نجاة.)

تجعد وجهها باستياء واضح من أحاديث الأب وأفكاره المتشائمة، فلو صمتت ستؤكد صحة مقولته، ويبدأ اللزج سعيد وزوجته بإقناعه بالزواج الكارثي الذي يخططان له
فرنت بعينيها إلى عبدالعزيز للحظات تنظر له مليًا قبل أن تبتسم ابتسامة المُهتدي فقالت...

-(ومن قال هذا، هناك شخص يريدها على سنة الله ورسوله ويراها أميرة البنات وسيدتهن.. ولو وافقت هو جاهز أن يعقد القِران في نهاية الاسبوع)

خفقة هادرة هربت من قلب عبدالعزيز وهو يقرأ التلميح الواضح في كلمات نجاة، هل ستطلبها له.. كيف لها أن تقرر مصير زواجه هكذا دون أن تترك له الخيار  أو القرار !!
خرج صوته مستنكرًا يُسكتها قائلا بخفوت...

-(سيدة نجاة)

تجاهلته نجاة كليًا وركزت اهتمامها على خيط الحديث مع السيد أحمد وقد اندفعت كلماتها في سهولة ورفق وهي تغمغم باسمة...

-(ابن شقيقتي طبيب نفسي، له منزل عن ابيه ومنزل والدته.. وله إرث من  والده رحمه الله، وأيضًا يعمل في مشفى خاص، وله عيادته الخاصة، شاب على خُلق وأدب
وسبق له أن رأى فاتن وهي تزور مرام وأخبرني أن احاول الوصول لعائلتها كي يأتي ويتقدم لها)

-(ماذا !!)

صدحت صيحة استنكار مذهولة عن سعيد وعبدالعزيز اللذان صُدما من عرض نجاة المفاجئ، وخاصة عبدالعزيز الذي كان يظن أن نجاة تُلمح عليه هو، وليس على ابن شقيقتها.. وانقلبت صدمته بشعور أخر لم يستطع تفسيره وهو يسمع رأي والد فاتن بعد صمت مُفكر...

-(ليأتي وأراه واتحدث معه، وبعدها نقرر مسأله عقد القِران)

سارع سعيد بالقول الغاضب من قبول والد زوجته بسرعة..
-(ولكن ياعمي أخي خيري من طلبها أولا)

-(البنت لا تريده يا سعيد.. وأنا لن اخفي فضيحة بأخرى مؤجلة.. ولمصلحتنا جميعًا أن تنتهي هذه المهزلة)

ثم نظر لنجاة قائلا بهدوء متوكل...
-(اخبريني متى سيأتي الخاطب والله المستعان)

وقفت نجاة وابتسامتها الفرحة تكاد تشق وجهها من سعدتها وهي تقول بحماس واضح

-(بعد يومين نكون عندك بأمر الله، وأرجو ألا تتأثر بأراء خارجية يا سيد أحمد، مصلحة البنت أهم من أي شخص أو شيء.. أما الآن فسأدخل أودعها لقد طال حديثها مع عفراء)

تمتم الوالد شاردًا
-(وهو كذلك)

دخلت نجاة الغرفة الجانبية في منزل أحمد، لتجد فاتن مسطحة على الفراش وعفراء تجلس جوارها تربت على كفها بلطف تواسيها فاقتربت نجاة منهن وجاورت فاتن من الجهة الأخرى قبل أن تقبل وجنتها قائلة...

-(لن تتزوجي ذاك الرجل الكريه، لقد خطبتك لربيع وسيأتي بعد غد ليقابل والدك)

شهقت عفراء من الخبر الغير متوقع، أما فاتن فشحب وجهها واندفعت دموع الصدمة لعينيها، فسارعت نجاة تمسك كفيها وتسألها بنبرة حانية...

-(تثقين في أمك نجاة يا فاتن أليس كذلك!؟)

حركت رأسها بإيجاب رغم صدمتها، فتابعت نجاة بهدوء..
-(حينما يسألك والدك عن رأيك وافقي يا عزيزتي، ثقي أنني لن أفعل ما يضرك أو يؤلمك، حسنًا !!)

للمره الثانية تحرك فاتن رأسها بإيجابٍ متعب
فما كان من نجاة إلا أن ربتت على راسها بحنان
ثم ودعتها مغادرة مع عفراء المذهولة، وعبدالعزيز الواجم
ولكن في طريق العودة لم تستطع عفراء كتم تتساؤلها وهي تنظر لشقيقها الذي يقود بصمت...

-(لقد ظننت أنك تحبها، لم أتخيل أن تخطبونها لأخر)

شدد عبدالعزيز قبضته على عجلة القيادة ولم يعلق
بينما نجاة تبسمت للحظات قبل أن ترنوا بعينيها إلى الصامت وتقول...

-(لا يا عزيزتي، عبدالعزيز يكن لها مشاعر أخوه ويعاملها مثلك تمامًا، وهو من أخبرها بهذا أكثر من مره، وكذلك أخبر والد الفتاة بهذا قبل ساعة... خوفه عليها نابع من شعور المسؤولية أنها شقيقته الصغيرة.. أليس كذلك يامتر)

كان وجه "المتر" لوحة مشاعر مكتومة، صمته أبلغ من ألف كلمة غاضبة قد يُلقيها على رأس نجاة أو على نفسه
كان في حالة من الوجوم والحنق... لقد ذهب قلقًا عليها يود حل المشكلات التي سببها لها، ليرحل عن القرية وهي مخطوبة من أخر، على مرأى ومسمع منه !!
أطلق زفرة طويلة قبل أن يغمغم بجمود...

-(ليحدث الله ما فيه خيرًا لها)

                              ****

انتهت رحلتهم البحرية بعد أخر مواجهة لهما وإقرار الحقائق الذي حدث..حينها أصرت أن تعود على بلدة والد طفلها، أخبرته بكل وضوح أنها تود التعرف إلى والدته وأخوته... وأيضا ترى عائلة زوجها الراحل.
لم يستطع نُصير أن يخفي اندهاشه من طلبها اللحوح، فتلك المرأة الحازمة التي تطلب الذهاب لقريته، هي ذاتها التي رجته في الماضي بالدمع الحزين أن يساعدها ترحل عنها في أسرع وقت..
وكان لها ما أرادت استقر بهم السفر أمام منزل أسرة نُصير
والتي حينما وقفت أمامه غامت عيناها ببعض الومضات التي تحمل ذكرى شاحبة لا يبدو منها شيء، فقط بكاء وعويل.. ورجاء منقطع النظير !!
لمس نُصير مرفقها بقلق يسألها...
-(ماذا بكِ هل تذكرتي شيء!؟)

حركت رأسها نافية والتفتت تلقائيًا لصغيرها النائم في عربته تطمئن على وجوده سالمًا، قبل أن تهمس شاردة...
-(بعض الصور والأصوات، ولكن لا شيء واضح)

صمت للحظات لا يدري أما فعله صواب أم خاطئ، هل عرضها للخطر بحضورها هنا معه، أم انه يساعد في علاجها كما أخبرته الطبيبة يُسر !!
لم يعد يدري، ولكن الشيء الذي يعلمه أنه لن يتحمل فيها أي سوء.. لذا تحدث بهدوء يثنيها عما أرادت...
-(لنعود لمنزل الشاطئ يا مرام)

حركت رأسها نافية وعلت نظرة التصميم في عيناها تتحداه أن يكسر رغبتها ويُخفيها عن الجميع مره أخرى
وقرنت نظرتها بأناملها التي التفت حول أصابع كفه تعانقه بقوة وتملك قبل أن تقول بهدوء...
-(آن الوقت أن أقابل عائلتك واثبت وجودي كزوجة كبيرهم.. لا تخشى عليّ من شيء، نحن في عناية الله
وأنت جواري، ومعي طفلي، فمن سيؤذيني !؟)

رفع كفها الرقيق تلقائيًا لفمه، يطبع عليه قُبلة دافئة قبل أن يرد عليها بجدية خالصة...
-(لن يقدر أحد على المساس بكِ، فقط تماسكي وأنا جوارك)

اهدته بسمه ناعمة قبل أن يخطو للأمام ويطرق الباب بقبضة قوية يُعلن بها عن وصوله هو وأسرته الصغيرة
وكانت أول من رأته هي دُنيا التي اطلقت صيحة سرور وهي تلقي بنفسها بين ذراعيه...
-(لم أصدق نفسي حينما قالت أمي انك ستأتي اليوم
ظننتك ستتأخر أكثر حمدلله غلى سلامتك)

بادلها نُصير عناقها بحنان وطبع قُبلة كالورود على جبينها قبل أن يغمغم برفق وهو يجذب مرام جواره...
-(ألن تسكبي جزء من حنانك وترحيبك الرائع على زوجتي أيضًا يا دُنياي !؟)

ابتسمت مرام بمشاعر شتى وهي ترى اسلوبه مع شقيقته
ثم نظرت لدُنيا التي كانت تحدق فيها بحذر وكأنها تتوقع ردة فعل كارثية، ثم مدت كفها لتصافحها قائلة بترحيب فاتر...
-(مرحبًا يا زوجة أخي)

إذًا الفتاة لا تتقبلها ولا تتقبل وجودها الآن هنا
هذا ما فكرت به مرام وهي تصافحها بإبتسامة لطيفة
وتتغاضى عن نظرة العتاب التي ألقاها نُصير على اخته
تشاغلت بتأمل المنزل الفسيح الذي جمع بين الأناقة والدفئ... كان مدخل المنزل كبير بحق، كل شيء حولها فسيح وأنيق.. والتحف الغالية موضوعة في كل مكان حولهما، وقبل أن تتأمل البقية، حضرت امرأة على عتبة الخمسين من عمرها، امرأة بوجهٍ بشوش وملابس منزلية أنيقة، وملامح تشع دفئ ورُقي كمنزلها تماما..

عانقت الأم ولدها بحنان وتركته يُقبل كفها ووجنتيها
ثم التفتت إليها وألقت عليها نظرة جادة قبل أن تميل عنها وتعانقها بغير حرارة وهي تغمغم بنبرة حملت القليل من الود...
-(أهلا بوجودك يا عزيزاي، أردنا أن نأتي لزيارتك بعد الحادث، ولكن نصير رأى أن وجودنا سيضرك أكثر من أن ينفعك)

تبسمت مرام بذهول وهي تنظر لنُصير متسائلة عن صحة ما تقوله والدته، فبدت على فمه ابتسامة شاحبة وهو يغمغم...
-(انها وصية الأطباء لا تلومنني)

قررت مرام تن ترد هي على العتاب الخفي الذي ألقته الوالده على ولدها وزوجته، فقالت ببسمةواثقة حملت الود....
-(أنا مثلك ياسيدتي تسائلت عن أسرة زوجي وحزنت عندما لم يزرني أحد منهم، فأردت أن أتي انا وأتعرف عليكم مره أخرى وأجدد صلة الود بيننا)

كان الدور على والدة سلطان أن تنظر لها بذهول، وفي عينيها نظرة منبهرة من شخصيتها الجديدة، أين التوتر والبكاء الذي كان يلازم شخصها القديم!!؟
تلك المرأة لا تُشبه التي رأتها قبل أشهر، لا شكلا ولا موضوعا.. فقط صور باهتة تحمل ملامح من الوجه
فربتت على كتفها مُرحبة وهي تقول باسمة...
-(وهذا يسعدني، الحمدلله على سلامتك يا عزيزتي، أنرتِ دارنا مره أخرى)

لم تجد مرام أي صعوبة في كسب محبة والدة نُصير
بل استطاعت كسبها في صفها في أقل الأوقات بأسهل الطرق، ولكن كان دُنيا هي صعبة المراس، فلم تتقبل وجودها بينهم منذ أول لحظة، ولكنها صامتة، واجمة، تتابع ما يحدث دون أن تعلق بأي كلمة
إلا حينما جمعتهم طاولة العشاء جميعًا، وتعرفت إلى أخوة نُصير، ولم تخفى نظراتهم المذهولة وهي تلقي عليهم التحية وتحاول خلق أحاديثٍ شتى بينهم
هنا لم تستطع دنيا كبت تعليقها الساخر...
-(وهل هذه شخصيتك الحقيقة، أم انها نتاج ضياع ذاكرتك)

توقفت الأصوات حولها وبدا الجميع يزمجر للفتاة كي تصمت.. وأولهم نُصير الذي غمغم بجدية عاتبة يُسكت الفتاة ببعض الرفق...
-(لا يجوز يا دنيا)

تركت معلقتها وركزت أنظارها على مرام التي صمتت وأخذت تتأملها مليًا دون تعليق، وكأنها تدرس إجابتها أولا لترد عليها بعد ذلك.. ولكن دُنيا كانت أشد بأسًا وهي تلقي بتعليقها الثاني قائلة...
-(لمَ يا يأخي، فلو كانت هذه شخصيتها منذ البداية، فهي كانت قادرة على الأخذ بحقوقها دون أن تقحمك في عداوة مع ابن العمة وصديق عمرك... فهل وجودها هي وطفلها في حياتك سيعوضك عن وجود فراس)

هتف الشقيق الأكبر الذي يصغر نُصير ببضع سنوات، في اخته بضيق من خلو اخلاقها من الدماثة واكرام الضيف
-(تأدبي يا دنيا هذا لا يجوز)

كادت دنيا ترد بأحد كلماتها اللاذعة التي لا تخلو من جعبتها، ولكن صدتها السيدة فاطمة بنبرة جادة تحمل قدر كافي من التأنيب...
-(يكفي لهذا الحد، اذهبي غرفتكِ يا دنيا، ولتتناولي عشائكِ بشكل منفرد الليلة)

كانت هذه طريقة عقاب معروفة في المنزل، من يتجاوز حدوده، يتناول طعامه وحيدًا ويحرم من لذة الجمع
وفي كل مره كانت دُنيا تُعاقب بالانفراد، كان نُصير يعترض ويتمسك بها ألا تغادر، ولكنه الآن لم يثني والدته عن نبذها، بل كانت نظراته حادة لائمة، وكأنها خذلته

ابتلعت غصة كبيرة في حلقها وطرفت عيناها بخذلان واضح لم تستطع كتمه في قلبها، وهي تقف وتترك مقعدها فارغ قبل أن تقول بصوتٍ محشرج، وبغض واضح للزائرة الصامتة...
-(كالعادة ياأخي وجودها سيُقصي عنك كل أحبائك، فراس أولا وأنا ثانيًا)

ثم اندفعت كرصاصة طائشة إلى غرفتها، بعدما تركت طاولة الطعام في حالة صمت ثقيل، فجأة بهت كل شيء
ولاحت غمامة حزن في عين نُصير جراء ذكر اسم الأنيس
وهذا ما لاحظته مرام على فور وتسائلت في نفسها مذهولة..
هل حقًا كانت سبب أساسي في تدمير صداقة نُصير وفراس، هل تمسك نُصير بها كان هزيمة له بين عائلته
هزيمة لم يُلحقها نصر إلى الآن!!!

Continue Reading

You'll Also Like

1.2M 96.5K 77
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
498K 23.8K 35
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
16.5K 642 7
كانت تظهر له انها قويه، بارده لا تبالي بما يفعله بها؛ الي ان تنزوي وحدها وتفرغ ما بقلبها،ما تشعر به من وحده وآلآم، دأئما تظهر لهم عكس تماماً ما تشعر...
58.8K 1.3K 11
احبك وانت تحبني ولكن اللذي بيننا هو الكبرياء اشتياقي لك كسطور خرساء لا انت تقراها ولا انا أنطق بها