الفصل الرابع

4.6K 332 29
                                    

الفصل الرابع

 جالسة على أريكة خشبية تحمل من أثر الزمان قوتها ونقوشها البديعة المحفورة في أطرافها باحترافية، كل ما كان حولها عتيق بأناقة؛ يجعل حزنها يختبئ بين جوانب صدرها، وبكائها قد توقف أخيرًا بعدما كادت تجف دموعها.

كانت تنظر حولها للمنزل الذي أوصلها له نُصير قبل ساعة، استقبلتهم امرأة كنسمة ربيع هادئة، أو كنفحة حارة في ليلة ممطرة حينما رأتها اقتربت منها وعانقتها وربتت على ظهرها بلطفٍ وخرج صوتها عطوف وهي تغمغم:
-(الحمد لله على سلامتكِ يا ابنتي، لما جسدها ينتفض بهذا الشكل يا نُصير؟!)

رأته يقبل امرأة وقورة تشع حنانًا ودفئ وحدثها بنبرة هادئة خالية من لمحاته الخبيثة ونظراته المتلاعبة:
-(إنه تأثير شقيقتك للأسف.)

تنهدت فاطمة وقد رُسم الأسى وشَعت الشفقة في نظراتها حينما ربتت على كتف مـرام الصامتة تمامًا بعد نوبة انهيارها، تعلم أن شقيقتها تكون قاسية لو أرادت، قادرة على نشر الفزع في القلوب حينما تمر نوبة غضب فتقتلع الأخضر واليابس بكل ما تمتلك من قسوة خشنة.
ولحظ مـرام السيئ إنها أكثر مخلوق تكرهه أميرة الغانم على وجه الأرض، ليست هي وحدها، بل تكرهها هي وعائلتها وكل شخص يحمل دمائهم.

خرجت من شرودها على صوت نُصير وهو يشير لمـرام بالجلوس ويوجه كلماته الهادئة لوالدته التي تُشبهه في هدوئه:
-(أرملة فايز ضيفة عندنا ،لن أوصيكِ يا أم نُصير.)

اندفعت تقول عاتبة وهي تنقل نظراتها بين مـرام والطفل:
-(أتوصيني يا نُصير ؟!
ثم أن أرملة فايز صاحبة الدار وليست ضيفة، اذهب لـدُنيا لتصالحها، فقد طال خصامك لها وذبلت عينيها من البكاء منذ أن سافرت.)

كانت مـرام هادئة ولا تصغي للحوار الدائر حولها، لم تركز اهتمامها على والدة نُصير التي استقبلتها بهدوء ودفئ يُخالف قسوة وحقد شقيقتها أميرة كما قال نُصير قبل لحظات، وكذلك لم تنتبه لنُصير الذي تمتم لها ببضع كلمات لم يصلوا لأذنها قبل أن يغادر للمدعوة دُنيا.

كان كل تفكيرها منصب في شيء واحد، كيف ستهرب من هنا مع ولدها؟
كيف ستغادر تلك القرية الظالم أهلها وتختفي عنهم ناجية هي وطفلها من حقدهم الدفين؟
فهي نجت قبل ساعة بسبب تدخل نُصير واستطاعت أخذ ولدها منهم بشكل مؤقت، ولكن لن تنجو منهم مره أخرى
فهي لا تثق بهم ولا بنُصير ولا حتى بعبد العزيز الذي نصحها بالمجيئ ووثقت به وأطاعته متناسية إنه محاميهم.

كاد يرحل ولكنها اندفعت واقفة تمنعه من الرحيل وقد خرج صوتها محشرج من أثر بكائها:
-(انتظر.)

التفت نُصير لها ينظر لها بهدوء دون أن يبدي ردة فعل على صيحتها تلك، فنظرت لفاطمة التي مدت كفها تطالبها بالطفل وعلى وجهها نظرة عطوفة مطمئنة جعلتها تمد لها براء بتردد شديد تخشى أن تفعل معها ما فعلته أميرة، ولكن وجهها البشوش والطمأنينة التي تنبعث منها جعلتها تعطيها الطفل قائلة:
-( لقد غفى، ضعيه في مكانٍ أمن و...)

(غصونك تُزهر عشقًا) Where stories live. Discover now