الفصل التاسع

4.3K 407 44
                                    

الفصل التاسع
.....................
جالسة على فراشها وبيدها مسبحتها الطويلة, تقلب حباتها بين أناملها بشرودٍ واجم.. عينيها غائمة من أفكارها.. وجهها منقبض من حدة ما تشعر به في هذه اللحظة.. تقبض على خرز المسبحة وتهدد بإهداره ككل نوبة انفعال لها.

كان الغضب داخلها يتصاعد وكأنه نيران غليظة تتعاظم لتحرق الأخضر واليابس.. غضب نمى في نفسها منذ واحد وعشرون عامًا.. يتغذى على عقلها وروحها.. يشوه ما بقى في نفسها, ويزيد من صلابة قلبها.. فما عاد للشعور قيمة.

أغمضت عينيها وتنفست الصعداء, تحاول كتم غضبها العظيم, تحاول ألا تقف من فراشها وتذهب لفلك وتقتلها وتتخلص من الفضيحة التي تنتظرهم, حينها لن تكتفي, ستطلق وحوش أفكارها على شقيقتها فاطمة, ونصير, ومـرام
ستحرق كل من شارك في معاناتها ولم يرحم ضعفها ولا حزنها.

قطع شرودها صوت طرقات على باب غرفتها, ثم دخول الطارقة, و كانت أم عبده, التي اقتربت من الفراش وتحدثت بصوتٍ معتدل بدى فيه حزنها...
-(نساء القرية ينتظرن حضورك في المجلس يا سيدتي)
لم تتحرك أميرة ولم تحرك ساكنً فيها, بل ظلت تتحسس مسبحتها وعينيها شاردة في النافذة التي تعكس زرقة السماء.. طال صمتها وساد الصمت في الأجواء, إلى أن خرج صوتها غريب محشرج من الغضب والقهر, وقد غامت عينيها في بحر من الدمع والدماء...
-(يتحدثن عني وعن عائلتي بشماتة يا أم عبده, أليس كذلك؟!, أشعر بشماتتهن تموج في منزلي)

أطرقت أم عبده رأسها تكتم البكاء الذي ضرب صدرها فجأة, لم تجد ما تقوله, أميرة محقة.. النساء حضرن إلى هنا بعد تلقيهن دعوة " حفل الحناء" الخاص بفلك الغانم, ولكن حضورهن ليس للمباركة أو ليشاركن العائلة هذه المناسبة.. بل للشماتة والتهكم, على أميرة وابنتها, خاصة وقد انتشرت الأقاويل والشائعات القذرة عن علاقة فلك وعنان ال غانم, وبدأ الجميع بنسج الحكايات الكاذبة, واختلاق أكاذيب تمس سمعة فلك وشرفها.. لم يرحمها أحد.

فلك الغانم زينة فتيات القرية, وأكثرهن جمالًا وعزة وكرامة, بين ليلة وضحاها تحولت لفتاة غانية, زانية.. لا تعرف الشرف أو الأخلاق.

الجميع خاضوا في عرضها, تناقلوا حكايات لا وجود لها, كدجاجة سقطت, فاجتمعت السكاكين حولها لنحرها دون رحمة أو شفقة.

وقفت أميرة عن فراشها وأحكمت قبضتها على وشاحها الأسود قبل أن تسالها بصوتٍ حاد..
-(هل فعلتِ ما أخبرتكِ به يا أم عبده..حادثتِ الخادمات صديقاتك وقُلتِ ما أمليتك إياه)

حركت أم عبده رأسها بسرعة مغمغمة..
-(نعم يا سيدتي, واصطنعت القلق وأنا أخبرهن ألا يخبرن أحد, ولكنني أظن أن السيدات علمن, فالحديث يتناقل بسرعة البرق)

حركت أميرة رأسها بإيجاب وتمتمت هازئة..
-(للنميمة فائدة أحيانًا.. أذهبي للعروس وأخبريها أ تخفي ما بوجهها بمساحيق التجميل, وتحضر نفسها كي تخرج في الوقت الذي أقوله.. هي اذهبي)

(غصونك تُزهر عشقًا) Where stories live. Discover now