الفصل الخامس والعشرون الجزء2

5.5K 329 26
                                    

الخامس والعشرون الجزء الثاني

كان الحزن هو سيد الموقف، لا شيء يعلوا فوق صوته ولا بسمة قادرة أن تُبدد قُبح ما يحدث، ولا الوقت بقادر على الرجوع خلفًا فتعود فاتن إلى الوعي قبل سقوطها أرضًا أمام ضيفتها الغريبة.
فمنذ أن سقطط مغشية غائبة عن الوعي، وهي في حالة صعبة.. جسد هزيل يفتقر للغذاء ولكنها مُضربة عن الطعام
وجه شاحب يحاكي وجه الموتى، وصمت طويل يعقبه دموع مُره.

حُجزت في المشفى ثلاث ليالٍ بسبب الجفاف الذي أصابها
وكالعادة في الشدائد.. لم يزورها والدها ولم ينظر لها نظرة واحدة، كما فعل مع مرام حينما أُصيبت، لم يحاول زيارتها أو الاطمئنان عليها، بل اكتفى بأنه تبرأ منها ونبذها
حتى بعد علمه بمصابها.
وكحالها فاتن هي الأخرى، منذ نقلت المشفى ولم تأتي لها سوى شقيقتها المتذمرة مروة، والتي لا تكف عن تأنيبها والضغط عليها حتى وهي في أشد حالاتها ضعفًا وهوان
ولكن فاتن تقابل أفعالها الجارحة وكلماتها السامة بصمتٍ ثقيل ودموعٍ تفيض ألمًا وأسى، وتكتفي بإشاحة وجهها جانبًا وتتموضع كالجنين في فراش المشفى تحمي نفسها من أي أذى.

إلى أن جاء اليوم الأخير لها في المشفى، والمفترض أن تعود لمنزلها، ولكنها تفاجأت بعاصفة تفتح الباب وتتحرك لها بسرعة لتعانقها بقلق أم...

-(يا حبيبتي انتي، بسم الله عليكِ، ما الذي أصابك يا فتاتي الصغيرة)

لم تدري فاتن بنفسها إلى وهي محاطة بذراعي نجاة التي حاوطتها بحماية أم تموت رعبًا على طفلتها، وهي تتلوا عليها ايات الشفاء، فتفجرت دموعها على صدر الأخرى وتمسكت بها بقوة يائسة وصوتها يخرج محشرج مجروح وهي تهمس بلا وعي...

-(أرأيت ما حدث يا أمي)

تألم قلب نجاة مرتين، للفظة أمي مره، ولرنين الألم في صوتها الثانية، فحاوطتها أكثر وهي تربت على رأسها وتقربه أكثر إلى حضنها هامسة بحزن مُشفق...

-(علمتُ ياقلب امك)

تقطعت الحروف وتعثرت باكية على شفاهها وهي تعاود المحاولة والمدافعة عن نفسها بضعفٍ وانكسار...

-(لم أفعل شيء.. لقد أوصلني فقط.. اقسم بالله لم أفعل الأشياء التي يقولونها، لقد أوصلني فقط)

مسحت نجاة على وجنتها الندية من أثر الدموع وبدأت تمارس هدوئها وتنشر الطمأنينة في جسد الصغيرة وهي تغمغم بنبرة حانية مواسية، تمتص بها أي ألم أو حزن في نفسها...

(أعلم يا صغيرتي، انتي واختك من أفضل البنات وأطهرهن..أنا أعلم ما حدث، عفراء أخبرتنا بكل شيء، ولم استطع الحضور إلا اليوم وقد أوصلني عبدالعزيز إلى هنا.. لا تقلقي ياحبيبتي سنوضح لوالدكِ ما حدث وستنتهي هذه المهزلة... فقط كفى بكاء)

طالت شهقات فاتن على صدر نجاة ودموعها لا تنضب
كانت بحاجه لشخص يصدقها، يعانقها، يخبرها أنها لم تفعل شيء خاطئ لتُعاقب بمثل هذا العقاب، أنها ليست خاطئة، كانت بحاجه لأحد يحتوي شعور الفزع والظلم اللذان أصابا قلبها في مقتل..إلى أن جائت نجاة وصدقتها
ليت والدها صدقها، أو شقيقتها مروة.. ليت الدماء شفعت.
انتبهت على صوت نجاة الحازم وهي تبعدها عن أحضانها وتقول مستائة..

(غصونك تُزهر عشقًا) Where stories live. Discover now