(غصونك تُزهر عشقًا)

By WesamOsama357

311K 17.3K 1.6K

يناديها يا حفنة العسل فيسيل الحب في قلبها حارًا غصونك تُزهر غشقًا الرواية الأولى في سلسلة (لعنة تسمى العشق) More

غصونك تُزهر عشقًا
اقتباس من وحي الأحداث
تواقيع أبطال رواية غصونك❤️❤️
تنويه عن مواعيد الرواية💚
الفصل الأول
اعلان الفصل💚
الفصل الثاني
تنويه❤️
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
اعادة نشر الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع " الحزء الأول"
مهم❤️✨
الفصل السابع2
الفصل الثامن 1
الفصل الثامن 2
الساحرة البدوية❤️
الفصل التاسع
حضور معرض الكتاب
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
معرض القاهرة الدولي💚
مهم جدا
مهم
الفصل الثاني عشر
الرواية الجديدة
الفصل الثاني عشر 2
الفصل الثالث عشر
الثالث عشر 2
الفصل الرابع عشر
اقتباس❤️
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر 1
الفصل السادس عشر2
الفصل السابع عشر
مهم❤️
اقتباس
الفصل الثامن عشر
العودة💖
الفصل التاسع عشر
الفصل التاسع عشر 2
الفصل العشرون
الواحد والعشرون
هام جدًا
الفصل الثاني والعشرون
اعلان الفصل
الفصل الرابع والعشرون (جزء أول)
مهم
العودة
الفصل الرابع والعشرون الجزء 2
الرابع والعشرون الجزء٣
الرابع والعشرون 4
جزء من ٢٥
الفصل الخامس والعشرون الجزء2
الفصل الخامس والعشرون ٣
معرض الكتاب
لعشاق رد قلبي والغزالة الشاردة
مهم
الخميس والجمعة
العودة
(الفصــل الســـادس والعشـــرون)
(الفـــصل الســـابع والعـــشـــرون)
(الفصــل الســابع والعشــرون ٢)
الفـــصل الثامن والعشــرون
الفصل الثامن والعشرون ٢

الفصل الثالث والعشرون

4.4K 372 49
By WesamOsama357

الفصل الثالث والعشرون

قراءة ممتعة
....................................
كيف لكل شيء حولها يصبح جميل فجأة، تشعر أن الشمس مددت فترة اقامتها في السماء، وأن الورود تتفتح أكثر من المعتاد.. النسيم صار رياح رقيقة تداعب من حولها.. والسماء صافية حوار الشمس ومُضيئة رغم ظلمتها في الليل.

هل لوجود نُصير معها أثر على كل شيء حولها !
أم أنها صارت ترى الدنيا بألوانها الطبيعية الزاهية دون كآبة الرمادي !
لقد التزم بوعده لها ولم يغادر لعمله بعد.
وسار على الخطة التي وضعها معها.. فقد ذهبا للطبيب في المدينة لتحرر ساقها من الجبيرة وأجرت فحص شامل على جسدها ليقيموا الاصابات ومدى تعافيها.
وحينما تأكد زوجها أنها في أتم العافية، قرر أن يصطحبها في حولة لمتاجر المدينة كي تشتري ملابس جديدة بدلا من الأخرى المريعة التي في خزانتها.

قضمت ثغرها بحماس مكتوم وهي تسير جواره في الشارع الطويل المزدحم بالمارة، وعيناه تتفحص الحوانيت كي يختار المتجر المناسب كي يبدأ رحلة اختيار ملابسها الجديدة معها... أما هي فأنزلت نظراتها لكفيهما  المتعانقتين، كانت أصابعه تتخلل بين أصابعها في قبضة رقيقة وحميمة.

كانت سعادتها في هذه اللحظة لا توصف، ونبضات قلبها ترسل طرقات لذيذة في وجدانها، وتخبرها أن طعم الحياة الآن حُلو كالعسل، ولونها زهري كما لون الورود الذي ابتاعها لها قبل دقائق وها هي الآن تعانقها إلى صدرها بكفها الأخر.
أخيرًا اختبرت شعور جميل منذ أن استفاقت من الحادثة
أخيرًا بات زوجها الوسيم معها دون أن يتحجج بأسباب للمغادرة والابتعاد عنها، أخيرًا تتنفس الصعداء أنها تنتمي لأحدهم.. أخيرًا لها نصير في وجه الدنيا وخواء ذكرياتها
أخيرًا هي على قيد الحب والحياة

ها هو يسير جوارها، يعانق كفها، يحاوطها بوجوده معها
أيوجد أفضل أو أسعد منها في هذه اللحظة !!

قرنت سؤالها وهي تنظر للوجوه حولها، تتطلع في المارين علها ترى سعادتها في أعينهم، كانت تنظر لأي رجل وامرأة تشك انهما زوجان.. ولكنها كانت ترى وجوه عادية لا تحمل حماسها الحالي.. تارة تنظر لزوجين يتحدثان، وآخرين يسيران بملامح مقتضبة، اخران يضحكان، وآخرين غريبان.
لكل ثنائي حالة خاصة تعزلهما عن الجميع
وكانت مثلهم، معزولة في شعورها الخاص عن الجميع.

انتبهت على كف نُصير الذي شدد على كفها قائلا بفضول وهو يتأمل احد الحوانيت...
-(أظن ان هذا سيكون مناسب)

تطلعت نحو ما أشار له بعينيه، فرأت متجر يعرض في واجهته الملابس النسائية الراقية.. بألوان مبهجة تناسب أجواء الربيع ومطلع الصيف
وقبل أن نتفوه بحرف، جذبها ودلف المتجر وبدأ يسير معها في جوانبه ويتأمل الملابس المعروضة باهتمام
وجذبهما أكثر من قطعة تحمل ألوان رقيقة وقصات عصرية.

بدأت العاملة تعرض لهم ما يناسب مرام من حيث الشكل والقياس، حينها تركت مرام كف زوجها وسارت مع الفتاة كي ترى ما يلائمها، فقرر نُصير أن يجلس على أقرب مقعد وقد أبلغه حدسه تن وجودهم في المتجر سيستغرق وقت أطول مما ظن.

وكان حدسه صادق تمامًا.. فمضت خمسة عشر دقيقة ولازالت مرام تقف مع الفتاة وتنظر للفساتين الملونة التي عرضتها لها الأخرى.. وكانت تتبادل معها حديث خافت ام يصل لنُصير الجالس على مسافة منهن.
وحتى لو كان صوتهما مسموع لن يسمع، فعقله كان غائب في نقطة ما بعيدة عن حاضره.
ولكن هذه المره لم يكن غارق في افكاره السلبية فيما يخص مرام.. لقد حسم الأمر داخله أنه سيكون زوجها ورجولها الذي يحميها بكل ما يملك.. لن يبخل عليها او على نفسه بوجود مشاعر حميمة وحياة زوجية مستقرة
لقد اختار أن يعطي زواجهما فرصة حقيقة.. هي امرأته ولا شيء في دنيا يستطيع اثبات العكس.. حتى لو كانت النسخة الأخرى منها.

تأمل جانب وجهها وهي تضحك بخفوت وحياء على اطراء الفتاة على جسدها وأن كل شيء يلائمها وكأنه خصص لها... ورغم أن تلك الجملة مجاملة تسويقية كي تبيع الفتاة لهم أكثر قطع ممكنة.. ولكنها كانت محقة
مرام امرأة يليق بها كل شيء.. لازالت شابة جميلة في مقتبل عمرها، ذات جسد يغويه ووجه يعجبه.
لو رأها للوهلة الأولى دون أن يعرفها، لن يصدق انها امرأة سبقت لها زيجة وانجاب طفل.
بل تبدو كفتاةٍ عابثة تلف قلوب الرجال حول اصبعها في حياتها، وتموت عذراء دون أن ينجح أحد في مساسها.

خرج من شروده وهو يراها تقف أمامه وتعرض له ثلاث فساتين نجحوا في اجتذاب انتباهها وقررت قياسهم فقالت بحماس...
-(يوجد هنا غرفة للقياس، ما رأيك لو نراهم أولا !)

حرك رأسه نافيًا وهو يقف من جلسته قائلا بهدوء...
-(لا قياس خارج المنزل، خذي ما تشائين وأنا سأبدل ما لا يناسبك فيما بعد)

انطلق صوت الفتاة العاملة وهي تدافع عن غرفة القياس بكل ما تملك من قوة...
-(لا شيء يُقلق من تبديل ملابسها هنا، لا يوجد كاميرات مراقبة او شيء يفضح خصوصية الـ..)

قاطعها نُصير بصوت حاسم رغم ما فيه من لين وتفهم...
-(لا أشكك في امانتكم، ولكن لا أحب أن تبدل زوجتي ملابسها خارج المنزل)

نظر نُصير لمرام التي خبى الحماس عن عيونها وبدت ترمقه بنظرات منزعجة مخلوطة بأخرى لم يفهمها
وقد بدت مستعدة للجدال معه ومقاتلته حتى يوافق على رغبتها فقالت بإصرار وعناد غريب على شخصيتها معه...
-(تستطيع أن تدخل وتعاينها بنفسك قبل أن أدخل.. لقد أكدت الفتاة أن لا يوجد شيء يستدعي الرفض، وأنا أريد قياسهم قبل الشراء)

حسنًا لقد بدأ الربيع ينجلي
هكذا أخبرت نفسها وهي ترى نظرات اللين والهدوء تنقشع عن عيون نصير، وتحل محلها أخرى حادة زاجرة
على ما يبدو أن زوجها لا يتقبل  كلمة " لا " في نقاشهما
وهذا ما أكد لها أن نصير لم يكن رجل هادئ الطباع كما ظنت.. بل هي التي لم ترى باقي جوانبه بعد.

تماسكت وظلت شامخة برأسها وهي تنتظر موافقته
ولكنه لم يوافق، بل مد يده وجذب الملابس منها بهدوء وأعطاهم للعاملة التي انكمشت من وجومه المفاجئ وقال...
-(ضعيهم في حقيبة، وضعي أيضًا الفستان الأخضر الذي رأيناه في العارضة، والأسود هذا)

أنهى حديثه وهو يشير للفستان الأسود الطويل، المعروض في نهاية المتجر.. وفورًا اتجهت العاملة في حماس تضع ما طلبه في الحقائب الورقية، دون أن تعبأ بالنظرات الحادة التي تتراشق بين الزوجين.
خاصة حينما تحدثت مرام بوجوم وهي تكتف يدها لصدرها قائلة..
-(أكنت معتاد على فرض رأيك عليّ في الماضي !)

كانت نظرته معترضة على استنتاجها قصير النظر
وفي الوقت ذاته يحاول استيعاب أن من تجادله في هذه اللحظة هي مرام، تلك التي تدهشةوبردة فعل مختلفة منذ أن استيقظت من الحادثة.
هل كانت بذات الشخصية قبل أن يتوفى فايز !!
هل كانت بذات القوة والدلال والرقة في آن واحد
أم أن طباعها جديدة تماما كشخصيتها في هذه اللحظة !؟

خرج عن شروده حينما بصر النظرة الناقدة في عينيها
فلم يجد صعوبة في التحدث عما يجول في نفسه بخصوص ذاك الجدال العقيم، فتمتم بنبرة هادئة استجمع فيها شخصيته القروية....
-(اعتدت أن أغار وأحمي ما ينتمي لي.. لست بالرجل الذي يترك زوجته تخلع ملابسها خارج المنزل لأي سبب كان)

هدأت نيران عيناها حينما سمعت كلمتين (أغار- أحمي)
بدت أكثر نعومة وهدوء وهي تجيب على كلماته وتخبره بقناعاتها التي بدأت تتزعزع بسبب نظراته المصممة، وقد بدأ الحماس يدب في أركان نفسها...
-(تشعرني وكأنني سأتجرد من ملابسي كاملة، كنت سأتخلص فقط من الملابس العلوية)

لقد بدأت تقتنع بمبدأه ولكنها تقاوم كي لا تظهر منساقة لرغباته.. كم تلدو مرام الجديدة خبيثة وعابثة
ابتسم داخله لذاك الخاطر، وقرر أن يقلب السحر على صاحبته.. فمال على اذنها يتمتم كلماته بتصميم حار وكلمات ممطوطة كي تعلق في ذهنها لأطول وقتٍ ممكن....
-(لا مشكلة لدي أن تتجردي من العلوية والسفلية، ولكن في منزلنا فقط... ويستحسن أن تكون الثانية في الفراش)

كعادته يشعل فتيل الشمعة ويتركها تحترق شوقًا
كان لتلميحه الحميمي أثر على لون وجهها وتوسع عيناها.. لقد أصاب هدفه وجعلها ترتبك لثوان وهي تتخيل مدى جرأة وحرارة الخاطر الذي طرحه عليها بوقاحة... رفعت كفها تمسد عنقها وتخفي بحركتها السريعة تأثرها المستجيب له وهي تغمغم ساخرة مثله..
-(وأنا لا أقبل أن يتفوه زوجي بهذا الحديث الماكر والتلميح الوقح خارج منزلنا، والثاني خارج الفراش)

ظنت أنها ردت له الكرة وأصابت مرماه وهي يرتبك
ولكنها كتمت تأوه عالٍ في حلقها حينما شعرت بأنامله تقرص جلد خصرها برقة، وكأنها مداعبة تميل للخشونة وهو يهمس لها بملامح ونظرات تثير ارتباكها أكثر فأكثر
-(حسنًا لنتركه وقت الفراش)

كان كل ما فيه يثير فيها مشاعر الأنثى، نظراته وحدها قادرة على اشعال مراجل، وليس فقط امرأة رقيقة تشعر باشتياق مجنون لرجل اعتاد تركها معلقة في الهواء.
حاولت التماسك قدر الامكان كي لا تستجيب نظرته الذائبة وتلقي نفسها بين ذراعيه دون أن تعبأ بأي شيء حولها.. وما أنقذها أكثر، صوت الفتاة التي أتت من خلفهم تعطيهم الأغراض بنظرات خجلة، وقد استطاعت تفسير بعض مما يدور بينهما
-(المعذرة ولكن ها هم الأغراض جاهزة)

تنحنحت وابتعدت قدر الامكان عن نصير، الذي أخرج النقود من جيبه ودفع قيمة ما اشتروه للتو
وسلطت نظراتها على الفتاة الخجولة وهي تغمغم متوترة...
-(شكرًا يا بيلا، لقد أرهقتك معي)

انحنت بيلا تجذب باقة الزهور التي كادت مرام تنساها
ومدتها لها بابتسامة جميلة ونبرة ودودة اعتادت استخدامها مع الزبائن المميزين...
-(لا تقولي هذا أنتِ زبونتنا)

تولى نصير حمل الأغراض، بينما مرام عانقت باقة الزهور لصدرها مره أخرى تستمد قوتها منها، ولكن صمتهما اثناء السير، جعل لسانها يندفع مره أخرى بتهور لذيذ لم تندم عليه...
-(لازلت مُصرة انه كان علي قياسهم)

كاد نُصير يضحك ويفضح فهمه لما تريد، ولكنه ابتسم ابتسامة فهمت معناها خاصة حينما رفع أحد حاجبيه في سؤال ماكر
فأشاحت وجهها عنه بسرعة وقد أنبت نفسها على وقاحتها واصرارها على انشاء محادثة ستقودهم نحو جحيم مشاعرهم.. فسارعت تقول بصوت عادي..
-(حسنًا حسنًا، القاعدة الأولى، لا قياس خارج المنزل)

-(زوجة مطيعة)
وصلا تقاطع الطريق تزامنًا مع جملته الهادئة، فوضع ذراعه خلف كتفها يعبر معها الطريق، حتى وصلا إلى الجهة المقابلة، جذب مرام امتداد البحر على طول الطريق الذي عبروا له، وأمامه كانت فتاة تجلس على كرسي، وبين يديها عود يصدح بألحان عربية تجذب السمع بكل سهولة، وكان هذا واضح، فقد اجتمع حولها بعض المارة والسياح يستمعوا لما تغنيه بشجن..

تمسكت مرام بسترة نُصير توقفه وهي تنظر للفتاة وتسمع غنائها القوي
-(انتظر.. دعنا نسمع غنائها)

تجعد وجه نُصير وهو ينظر للفتاة التي وقف أمامها سايقًا في موقف كهذا، وكانت مرام تقف جواره أيضًا
ولكن حينذاك كانت الاغنية حزينة جدًا، وأثارت مشاعر مرام حيث بكت على صدره بعد دقائق وهي ترجوه أن يتركها وشأنها وألا يتلاعب بشعورها.
كان اليوم الذي يسبق أيام الحادث المريع

ولكن في هذه اللحظة كان كل شيء بعيد عن ذاك اليوم
فكانت مرام تقف جواره مبتسمة وهي تسمع كلمات الاغنية بمزاجٍ رائع.. وهو يقف جوارها ويحاوط كتفها بملئ إرادتها.. بل يثق أنه لو أسقط يده عن كتفها ستنظر له عاتبة.. حتى الفتاة التي تغني، كانت تغرد بأحلى الأغاني وأقربهم للعاطفة...

صالحــت بيـك أيـامي
سامــحت بيـك الــزمن
نسيـتني بيـك ألامــي
ونسيت معاك، معاك الشجن

رجعوني عينيك لأيامي الي راحو
علموني أندم على الماضي وجراحه
الي شوفته، قبل ما تشوفك عينيا
عمر ضايع... يحسبوه ازاي عليا

أنزل نصير عيناه لمرام التي ألصقت نفسها لصدره متفاعلة مع الكلمات العاطفية التي تلاطف القلب، فشدد هو كفه على كتفها يقربها منه، ويمنع جسدها عن ذاك الاهتزاز المتمايل مع ايقاع العود

ولكن المغنية قررت أن يصدح صوتها القوي أكثر
وهي تشدد على الكلمات المتملكة التي سطرت في الأغنية، فجعلت تمايل مرام أكثر..

انت عـــمري الي ابتدى بنورك صباحه
الي ابتدى بنورك صباحه.. أنت انت عمري

قرصة أخرى في كتفها كانت نصيبها في هذه اللحظة، وقبل أن تتأوه وتنظر له مذهولة، وقد انتشلها من السحر الذي أسرها للحظات.. فسمعته يقول مؤنبًا بخفوت...
-(القاعدة الثانية، لا تمايل خارج الغرفة)

تداركت نفسها وهي تمسد مكان قرصته بغيظ وتغمغم مصححة بنود القاعدة...
-(تقصد المنزل)

غمغمته الناعمة جائت حلوة كالعسل وهو يزيح كفها ويمسح موضع أنامله وكأنه يراضيها قائلا..
-(قصدت الغرفة)

تسمرت لحظات أمام عيناه اللتان تلمعان كنجوم ذهبية
وابتسامته كانت منعكسة في عينيه الجميلتين.. خصلاته العسلية تلمع تحت بقايا خيوط الشمس الغاربة، وذقنه البنية بدت ذات اللمعان.. كان كالذهب اللامع
او العسل المصفى، كان أجمل رجل قد تحظى به في حياتها.. او هكذا تراه في هذه اللحظة

كيف اه أن يكون ءو تأثير فتاك على فؤادها بهذا الشكل ؟!
يجعلها كفتاة بلهاء مبهورة تسقط في هوى فنانها المفضل، أو جارة لا تسأم مراقبة ابن الجيران الذي أخذ قلبها مسكنًا بدلا من منزله.. يجعلها مأخوذة كمن قطعن أيديهن.. ولكن الله رحيم بها، وكان زوجها.

رأت نظرته الباسمة على طول تأملاتها له، فحاولت أن تبدو عادية وهي تبتسم بغيظ وتمد كفها لوجنته تقرصها برقة قائلة...
-(تبدو كزوجٍ غيور يا نُصير)

حوى كفها بكفه وهو يبعدها عن وجنته وبتابع السير معها ليبتعدا عن العيون الفضولية التي بدأت تزاحم خلوتهم.. فألقى كلماته الجزلة على أذنها للمره الثالثة...
-(القاعدة الثالثة، لا تلامس في أماكن مزدحمة)

ضحكت من جوانب قلبها، وخرج صوت ضحكتها كرنين الخلخال في ساق الجميلات.. وعينيها النجلاوتين اتسعتا وهي تنظر له مازحة تستنكر كثرة قواعدة...
-(ثلاث قواعد في أقل من خمس دقائق)

أيخبرها أن قاعدته الرابعة ألا تضحك إلا له.. أم سيثبت لها أنه حقًا زوج غيور.. هل يخبرها أن يود أن يخبأها كما كانت.. يود أن يعاملها معاملة اللؤلؤ الذي لا يغادر صدفته.. لا يراه أي شخص إلا بشق الأنفس.. أم انها سترى أنه على أعتاب الهوس !
أصر السلامة وابتلع رمقه وهو يتابع المسير قائلا...
-(أُفضل أن نذهب الآن قبل أن تأتي الرابعة)

فما كان منها إلا أن صدحت ضحكاتها الرنانة مره أخرى، دون أن تعرف أثرها على نفسه.. فهل تعرف الفراشات أثرها !؟

ما كان ينتظرهم بعدها كان يتطلب بعض السرعة، فكان نُصير يجهز للرحلة البحرية التي سيبدأها في مطلع الصباح.. فأخذت نجاة على عاتقها تحضير طعام وحلوى تكفيهم لثلاث أيام على الأقل، أما مرام فبدأت تجهز ملابس لها ولطفلها.. وبعد القليل من التردد، بدأت تجهز لنصير أيضًا.

فبعد ساعات من العمل الجاد، كان كل شيء جاهز، واليخت يرسو في أقرب ميناء لهم...
ولكن بدت نجاة معترضة وهي تنظر لبراء المحمول على ذراعي مرام وتقول...
-(لازلت مُصرة أن تتركي براء معي، اذهبا انتما واستمتعا بالعطلة.. لا داعي للخوف على الصغير معي)

عانقته مرام أكثر وطبعت قُبلة حانية على بشرته النقية قائلة بحنان رقيق...
-(لن أستطيع تركه يا نوجه.. لا تقلقي سنستمتع معًا، وتزيد متعتنا أكثر لو جئتِ معنا)

شهقت نجاة وخبطت على صدرها بفزع مصطنع...
-(وأكون عزول، لقد استعاذ العشاق من العوازل، لذا لن أكون منهم أبدا)

اقترب نصير منهن بعدما أنهى مكالمته الهاتفية وانضم للمحادثة الضاحكة وهو يأخذ براء من مرام ويلاعبه بابتسامة واسعة...
-(عزول من اثنين لن يشكلوا فارق يا نوجه.. إن شئت الانفراد بزوجتي لن يمنعني أحد.. لذا لا تقلقي واحزمي أغراضك وتعالي معنا)

تأوهت نجاة بغيظ وهي تنظر لمرام التي توهج وجهها وضحكت بخفوت رغم محاولاتها ألا تبدي ضحكاتها على جرأته.. فتحدثت نجاة مازحة مستنكرة...
-(تضحكين على وقاحته، انظري يا ابنتي، ابنك على ما تربينه وزوجك على ما تجعليه يعتاد.. انصحك بزجره حينما يبدو وقح كما الآن كي لا يخجلك أمام الناس)

ضحكت مرام بخفوت وهي تضع غرتها خلف أذنها وتغمغم بصوت ناعم تخللته ضحكتها...
-(إذًا فليعتادوا وقاحة زوجي، فأنا لا أجرؤ على زجره)

شهقت نجاة مذهولة وهي تنظر لنصير الذي ضحك على جملة زوجته فغمزها بنظرة ذات معنى يفتقر للأدب
فصرخت نجاة بفزع...
-(أفسدت خُلق الفتاة يا ولد.. البنت كانت تخجل من ظلها وأنت جعلتها هكذا.. وتريد أن تأخذني معكما، اتمنى أن يعود الصغير بريئ كما هو)

ابتعدت نجاة عنهما وهي تضرب كف بأخر وتذكر حياء وبراءة مرام القديمة، وكيف لنصير أثر فاسد عليها
أما مرام ونصير فظلا يضحكا على ردة فعلها المضحكة
مال عليها نُصير وغمغم لها بصوتٍ خافت كان أكثر وقاحة مما بدى أمام نجاة
-(سأركز جهدي في الرحلة وسنقفز بالمستوى.)

كان وعيد.. ؟!
اقشعر جسدها لكلماته الجريئة التي تحمل معنى لا يوجد لسواه.. توهج وجهها إكثر ولم تجد ما تجيب به عليه.. ولوهلة شعرت أنها فتاة لم تختبر حياة الكبار
فرتبكت وبدأت خواطرها تتبعثر ويسيطر التوتر عليها
رغم شوقها، تخاف الاحتراق.. تخاف المجهول معه.
من ينظر في نفسها في هذه اللحظة سيضحك عليها ساخرًا.. أهذه مشاعر امرأة كانت متزوجة لفترة طويلة وانجبت طفل.. أم مشاعر فتاة عذراء تخشى القادم رغم فضولها نحوه !!

ولكن بعد مرور الوقت وذهابهم لليخت قُرب بزوغ الفجر ، نسيت كل شيء، نسيت كل ما يخص مخاوفها فجأة وبدت مبهورة بظلمة السماء والبحر، وتراقص اليخت فوق الأمواج.
حينها كان براء بنام بسلام في الكابينة.. ونُصير يراجع كل ما يخص الابحار قبل أن ينطلاقا بين طيات الموج.

رغم خوفها من الظلمة التي تحيطها، إلا أن شعور الحماس كان يدب في أوصالها، وكان صوت نُصير من خلفها هو ما دفع شعور الدفئ أن يغزو جسدها ويطرد البرد الذي سببه البحر...
-(أقل من نصف ساعة ويبزغ الفجر، حينها سترين لوحة فنية من صنع الخالق)

كان ضوء اليخت يأتي من خلفه، فكانت ترى قميصه الرقيق الأبيض الغير رسمي، الذي ارتداه على بنطال قصير من الجينز الباهت فكشف عن ساقه السمراء
وكذلك القميص المفتوح لمنتصف صدره.
وخصلاته التي تشعثت تماما من الرياح التي صورته وكأنه رجل عابث يهوى الانتقال بين النساء.

ودت لو تخبره أنه أيضًا في هذه اللحظة يبدو لوحة رائعة بالنسبة لها.. ولكنها تحكمت في عاطفيتها التي كانت ستظهرها مبتذلة.. وركزت انتباهها على خيوط الفجر.. فما أن يطلع الصبح عليهم.. سيبدأ اليخت بشق طريقه مبتعد بهم عن الجميع
هو وهي وطفلهما فقط.
                               ****
منذ أن هربت من أمام منزله وهي مختبئة كالفأر في منزل والدها، كانت صدمتها كبيرة، وشعور الغدر أكبر
ومضت الأيام دون أن تحادثه أو يحادثها، وهذا ما جعلها تتأكد أنه كان يتفاخر بماله ونسبه أمامها فقط ليحقر من شأنها ويجعلها تبتعد عنه بكل سهولة

ولقد نجح في هذا
عبدالعزيز رجل احلامها، ولكن بماله وعائلته ونسبه هذا
فهي تريد أي رجل أخر عداه.. لطالما أخبرته عن بغضها للأغنياء.. لطالما أخبرته أنها لا ترتاح في وجودهم، وأن شعور النقص يكتنفها معهم.
ففجأها هو بكونه ثري، ولم يتغاضى عن بث شعور النقص فيها... وأكثر ما ألم قلبها وجعلها مقهورة منه، هو التحويل المادي الذي أجراه قبل أيام.. فقد وصلها مبلغ الشرط الجزائي كي تتخلص من العقد الذي يخنقها.

ولكنها وجدت أن اختناقها من العقد، أهون بكثير من أن تستدين المال من عبدالعزيز.. لذا حادثت البنك فورًا وأعادت النقود إلى حسابه مره أخرى، في رد صامت أنها لا تود منه أي شيء.
ولكن على ما يبدو أن عبدالعزيز مصر على إذلالها
فقد تحدث مع البنك وأعاد ارسال المال، مع التنبيه ألا يرد هذا المال لحسابه مره أخرى.
ومهما حاولت إعادة ارسال المبلغ له، يعتذر الموظف أنه لن يستطيع إرغام عبدالعزيز على قبولهم، وأنه ارسل تحذير ألا يعودوا له.

لم نجد أمامها إلا المواجهة.. لن تستطيع الصمت طويلا
عليها أن تواجهه وتخبره أنها في غنى عن أي شيء منه أو من غيره.
وبصعوبة شديدة جرت نفسها جرًا لمكتبه كي تعيد له ماله عن طريق شيك بنكي، يستطيع صرفه.

ولكنها ما ان وضعت قدمها في المؤسسة، صفعتها ذكرى ذاك اليوم الذي أتت له فيه، كانت بلهاء، تظنه مجرد محامي عادي، أو حتى محام ذو منصب مميز
لتكتشف فيما بعد أنه شريك ثالث في المؤسسة.. كانت فتاة غبية، كيف تركت نفسها لأوهامها، كيف تركته يتلاعب بها ويضحك على سذاجتها كلما تحادثه عن الأغنياء.
كانت قد حفظت طريق وصلها لمكتبه، لذا لم تحتاج جهد لتصل، بل احتاجت شجاعة تكفيها لتقف أمام مساعدته وتطلب منها أن تأذن لها بالدخول.. فتمتمت بهدوء واجم..
-(المعذرة، هل استطيع مقابلة الأستاذ عبدالعزيز)

رفعت عزة حاجبيها بسخرية مكتومة بعد سماعها كلمة
" استاذ عبدالعزيز" ألم تكن علاقتهما في الزيارة الفائتة أكثر حميمية !

ورغم ءلك أخذت اسمها وأبلغته لمديرها، والذي أخبرها أن تدخلها له الآن، وبخطوات بطيئة تكاد غير موجودة
تحركت فاتن ودلفت المكتب بوجه واجم وجسد متوتر
قبل أن يتفوه بكلمة واحدة، اقتربت من مكتبه ووضعت الشيك امامه وقالت بهدوء...
-(لا داعي أن تحول المال مره أخرى، لقد تدبرت أمري من زميل لي، شكرا على مساعدتك)

قابل كلماتها بصمت، واكتفى بأن ينظر للورقة التي وضعتها أمامه للحظات، قبل أن يعيده لها مره أخرى قائلا...
-(اذا ارجعي المال لصاحبه، وخذي هذا المال لتتخلصي من العقد)

ضمت شفتيها في حركة متوترة وهي تحاول التماسك أمام نظراته الهادئة التي يرمقها بها منذ أن جاءت لمكتبه، حاولت بكل قوتها أن تبدو طبيعية غير مبالية كما يفعل هو.. حاولت ألا تبدو غاضبة أو مخذولة، حاولت ألا تظهر مدى الجرح الذي سببه لها.. وظنت أنها نجحت حتى هذه اللحظة
فقد تمتمت بنبرة هادئة تخفي اندفاع مريع...
-(لا أريد مالك، شكرًا لاحسانك)

كانت تنطق الكلمات مُكرهة، حتى لو كانت تحتاج المال، الموت أهون لها من أن تجعله يتصدق عليها وينظر لها تلك النظرة المتعالية.. لن تستطيع تحملها منه.. لن تستطيع قبول أن خلاصها يكون بسبب ماله الذي تفاخر به أمامها
خرجت من شرودها حينما غمغم ساخرًا...
-(ولكن تقبلين إحسان زميلك الممثل أليس كذلك... الاحسان واحد يا فاتن مهما اختلف أصحابه)

-(لست بحاجه لاحسانك أو إحسانه، أستطيع الاعتناء بنفسي وبمشاكلي يا سيد عبدالعزيز.. وأرجوك لا ترهق نفسك بالتفكير بي مره أخرى.. يكفي الوقت الذي أضعته لك
وقتك من ذهب.)

يبدو أن خضراء الصغيرة تخلصت من اعجابها وبدأت تنظر نظرة متعقلة للأمور بدلا من نظرتها الحالمة
كانت الفتاة التي تقف أمامه في هذه اللحظة نسخة أخرى من فاتن الذي يعرفها.. فتاة متوترة، حادة الطباع، واجمة بعينين لائمتين.. فتاة بعيدة عن انسة خضراء التي اقحمت نفسها في حياته عنوة بكل إرادتها
والآن أيضًا تنسحب من حياته بكامل ارادتها

تمسكت بسرج حقيبتها استعدادًا للمغادرة، قبل أن ترفع وجهها له بكبرياء كاد يضحكه من كثرة مبالغته، خاصة حينما قالت بوجوم...
-(أرجو ألا ترسل المال لحسابي مره أخرى، أنا حقًا في غنى عنه، وإن كان الأمر يهمك فأنا سأؤدي دوري كما كنت، والمنتج سيتغاضى عن غيابي الأشهر الماضية.. لذا لم أعد بحاجه لك أو لغيرك)

رغم كلماتها الحادة التي ألقتها على مسامعه دون تردد
إلا انه لم يستوقفه سوى أخر جملتين في حديثها الطويل
ستعود للتمثيل وتؤدي دورها، ولم تعد بحاجه له
ستعود مره أخرى لدائرة التصوير والأضواء، وهو الذي ارتاح حينما بدأ حلم التمثيل يفقد بريقه في نظرها بعد حادث شقيقتها... ولكن الآن ستعود له مره أخرى !
اخرج سؤاله المستنكر وهو يتأمل وجهها الذي علاه التصميم..
-(ستعودين للتمثيل مره أخرى !)

حركت رأسها بإيجاب، حاولت ألا تبدو مجبورة على العودة
ورسمت علامات السرور لعودتها مره أخرى وهي تقول بحبور
-(نعم، أنسيت انه حلمي منذ سنوات)

حلم فقد بريقه منذ أن احبته هو، ما عاد التمثيل هو حلمها منذ أن بدأت ترى عبدالعزيز هو مستقبلها.. ولغبائها، اخبرته ذات مره أن التمثيل كان شغفها، ولكن منذ أن ظهر في حياتها وحدت شغفًا جديد.
وندمت في هذه اللحظة أنها تفوهت بتلك الكلمات الغبية أمامه.. فهو لم يتردد في رسم السخرية في عينيه وهو يغمغم بهدوء مستفز...
-(ظننت أن حلمك شيء أخر)

كورت قبضتها بغضب على سرج حقيبتها حتى كادت تمزقه
وجزت على أسنانها وشعور الذل والاهانة يغلفها بجنون
ستكون ملعونة لو وقعت في الحب مره أخرى وبادرت هي بالمصارحة... ستكون أى شيء قبيح في هذا العالم لو تركت هذا الرجل يسخر منها مره أخرى
تركت لسانها يعلن الجملة الأخيرة قبل رحيلها النهائي عن مكتبه وعالمه...
-(كنت مخطئة، كانت أضغاث أحلام)

ألقت كلماتها المختنقة واختفت من أمامه وكأنها لم تكن
كان يظن أن صدمتها ستتلاشى مع الوقت، ظن أنها سـ تستوعب ثرائه وتدرك أنها ميزة لا عيب... ما العيب في أن يكون الشخص ذو مالٍ وجاه ؟!
دار حول مكتبه مره أخرى ليجلس عليه وهو يحاول التظاهر أن كل شيء عاد لموضعه الأصلي
فاتن لم يكن لها وجود في حياته قبل أشهر، وقد اعتبرها فتاة لحوحة تزج أنفها في حياته وتفرض عليه مشاعرها.. والآن قد تكرمت وحملت نفسها وغادرت يومه، لا بل أيامه
ما عليها الآن سوى أن يعيد وتيرة أيامه قبل أن يراها

هي مجرد فتاة صغيرة ساذجة، تملك عقد نفسية
لا تملك مزايا تجذبه ولا تؤثر في نفسه.. إذًا لا بأس من غيابها

كان عقله يضع الأفكار جوار بعضها، ونفسه تضحك عليه من فرط الكذب.. يدرك أن عقله كاذب في كل ما يخص فاتن
ورغم ذلك الادراك، إلا أنه سيترك الأمور على حالها
فهذا أفضل له ولها.

وقف عن مقعده واتجه للنافذة يقف أمامها ويكتف يديه إلى صدره، ولكن انقشع هدوئه حالما بصرها تسير نحو سيارة فارهة، ولا يظهر سائقها.. جعد جبينه أكثر وهو يدقق النظر يراها تفتح الباب المجاور له وتستقل السيارة.. وكاد السائق يتحرك ولكن أحد المارين توقف جوار السيارة وبدأ يحادث السائق بإبتسامة واسعة.

نفر عرق ما في عنقه وتحرك مبتعدًا عن النافذه بسرعة يسير مبتعدًا عن المكتب بخطوات واسعة، وملامح حادة دون أن يلقي كامة واحدة، وهيئته الغاضبة الغير معتادة جعلت مساعدته "عِزة" تنظر في أثره بذهول
أما هو فتابع السير بخطوات سريعة حتى خرج من المؤسسة، وقبل أن تتحرك السيارة مبتعدة، صدح صوته هادر يوقفها...
-(فـــــــاتن)

رأها تنظر لها في المرآه الجانبية للسيارة وقد وصلتها صيحته.. فبدأ يتحرك نحو السيارة بخطوات حادة وكأنه يحفر الأرض من أسفله.
ما أن وصل لها وطالعته ملامحها الواجمة، تجاهلها ونظر للسائق فوجده الممثل تميم دويدار، وكان يرمقه بنظرات مذهولة، سدد له عبدالعزيز نظرة زاجرة
قبل أن يفتح الباب من جهة فاتن ويجذب مرفقها كي تهبط من السيارة وهو يكرر بحدة...
-(انزلي.. انزلي أنا سأوصلك)

تصرفاته الحادة جعلت فاتن تجذب يدها منه ثم تمسك باب السيارة لتغلقه وهي تردد بحدة...
-(لا أريد منك شيء، ولا شأن لك بي.)

بدت نظراته زاجرة وهو يمنعها من غلق الباب ويمسك مرفقها بقوة أكثر ويغمغم بحدة...
-(كفاكِ جنون وانزلي من السيارة، كم مره أخبرتك ألا تستقلي السيارة مع أحد، هيا أمامي لأوصلك للمنزل. )

جاء صوت تميم جوارها يخاطبه بنبرة جادة لا تقرب لهزلة المعتاد.. فقد كانت تصرفات عبدالعزيز تجذب من حولهم...
-(لا تعني لا يا صديقي، اترك فاتن وتفضل بغلق باب السيارة.. ولا تفتعل مشهد نحن في غنى عنه)

ألقاه الأخر بنظرة حادة وكأنه حاول التعدي على شيء ما يخصه، فاندفع لسانه يقذف له جملة واحدة يوقفه فيها عند حده، ثم نظر لفاتن نظرة زاجرة...
-(لا شأن لك، وأنتِ أمامي الآن يا فاتن كي لا يأخذ المشهد حيز أكبر من حولنا)

شعرت فاتن أن كل من حولهم ينظرون نحوها، لذا ألقت نظرة نارية على عبدالعزيز، قبل أن تلتفت لتميم الواجم، وتحادثه بنبرة هادئة رقيقة استفزت عبدالعزيز أكثر، وجعلته يود لو يجذبها قسرًا لتخرج من السيارة وتبتعد عن ذاك الممثل نهائيًا...
-(أنا اسفة يا تميم، سأراك في التصوير غدًا، شكرًا على إيصالك لي وأنا أسفة)

بدى الضيق واضح على وجهه الوسيم، وهو يتأمل ذاك المحام الغاضب الذي يقف لفاتن وكأنه قابض الأرواح
فحرك رأسه نافيًا وقد لمع التحدي في عينيه وهو ينظر لعبدالعزيز...
-(فاتن أستطيع التعامل معه و..)

عادت تطمئنه لنبرة لينة كانت كالوقود لعبدالعزيز فتزيد اشتعال غضبه المكتوم أكثر
-(لا تقلق الأستاذ عبدالعزيز يريدني في حديث قصير وسننتهي من تلك القصة.. سأحادثك لا تقلق)

هبطت من السيارة وجذبت الباب من كف عبدالعزيز الذي مان ينوي صفعه، فأغلقته برفق كي لا تؤذي سيارة فارهة كتلك.. فأشار لها تميم على أذنه وهو يردد قبل المغادرة...
-(هاتفيني في أقرب فرصة..إلى لقاء)

ثوان وابتعدت السيارة عنهم وظلت واقفة أمامه بوجه واجم كما حال وجهه الحاد أكثر من الطبيعي، كان ينظر لها وكأنه سيفتك بها في أي لحظة، ولكنها لم تأبه، بل تأفأفت بضيق وقالت ..
-(ماذا تريد)

كان غضبه منها في هذه اللحظة كبير، ومحاولاته للهدوء ليست مثمرة، ولكي لا يوفروا لمن حولهم المزيد من المشاهد، أشار إلى سيارته الواقفة جانبا وقال بحدة
-(إلى السيارة)

بدى التمرد واضح على وجهها، فتخصرت وتحدثت هازئة..
-(ألم تخبرني ألا استقل السيارة مع الأغراب)

زجرها بنبرة عنيفة كي تتراجع عن كلماتها البلهاء ومقارنتها التي تزيد وضعها سوء في هذه اللحظة فتمتم بغضب....
-(فاتن)

جابهت صوته المرتفع بأخر مرتفع مثله دون أن تعبأ بالعيون حولها، لقد فاض كيلها منه وما عادت قادرة على تحمل المزيد
-(ماذا)

صدح صوته بنذير لأول مره تختبره، كانت الشياطين تتقافز على صفحة وجهه وتزيد من اشتعاله وغضبه منها
رفع اصبعه محذرا وهو يغمغم...
-(أمامك ثلاث دقائق تكوني بهم في السيارة، وإلا أقسم بالله أن أذهب لأباكِ وأخبره يؤدبك)

وقبل أن تبدأ الثلاث دقائق بالنفاذ، كانت تجلس في سيارته بأدب وصبر رغم حدة ملامحها، ورغم غضبها منه وصدمتها التي تلقتها منذ فترة، إلا أنها لأول مره تستشف منه شعور الغيرة، كانت تصرفاته بعيدة كل البعد عن تصرفاته العاقلة الباردة.. بل كان شخص أخر، كماءٍ يغلي فيأكل نفسه.. وهي لن تفعل شيء سوى مراقبته وهو يتلوى بنار غيرته وانفعاله.. رغم غضبها، هي راضية كل الرضا في هذه اللحظة.
                                ****
عاد لمنزله بعد يوم طويل ومرهق، كان ارهاقه النفسي أكبر بكثير من المجهود البدني الذي بذله مع الشيخ في تنظيف مطعمه.. فمنذ أن ذهب مع ضحى لتواجه زيدان وانهيارها أمامه وهي تعانق طفلها بحسرة، وهو بحالة غريبة.. لم يتفاجأ من خساسة الأخر، بل توقع أن يكون أقسى وأحقر، ورغم ذلك لم يشمت بضحى ويشعر بنشوة الانتصار بعدما دمرت حياته باتهاماتها الباطلة.

بل شعر برغبة مؤلمة في تحطيم وجه زيدان
أراد أن يكسر له ساقيه وعنقه جزاء على ما فعله من حقارة ودنائه.. كيف له أن يغدر بامرأة وضعت به ثقتها وأمانها.. كيف له أن ينكر طفله الذي يحمل دمائه
كيف لشخصٍ كهذا يكون رجل !

جعد جبينه في اشمئزاز واضح وهو ينحي عن افكاره ذاك الخسيس... أراد أن يلقي خلفه كل ما يؤرقه قبل أن يدخل الشقة ويتجه نحو غرفته كي يرتمى على فراشه ويرتاح
ولكن ما أن اغلق الباب وسار نحو غرفته توقف فجأة وهو يُبصرها جالسة في الشرفة المظلمة كحال باقي الشقة
لا شيء يُضيئ سوى القمر الذي ألقى نوره على وجهها المليح.

كانت جالسة على مقعد خوص وتلقي ظهرها المستقيم إلى الحائط خلفها، ردائها النبيذي الطويل جعلها تبدو كملكة من الزمن الغابر.. كشيء أثري لا وجود له في هذا الزمان.. او هو يراها هكذا

لطالما كان يراها أجمل ما خُلق على الأرض
لا أنثى أجمل منها، ولا يوجد ما يقارن بها
كان حينما يخبرها بما يراه فيها وأنها خُلقت ليُطبع وجهها على ألاف اللوح.. أن يتشكل لأجلها تمثال في كل تعبير لها.. أخبرها أن أوراق العالم لن تكفيه إن تبع جنونه ورسمها في كل سكناتها، فتضحك على مبالغته وتخبره أنه مجرد أحمق مهووس بها.

وهي لم تكذب أبدًا.. هو حقًا كاد يتخطى هوسه بفلك
ولكن هوسه هذا لم يؤذي سواه.. حبه لها كان السيف الذي طعنته في صدره بكل جبروت.
فتأكد حينها أن الحب لا يؤذي سوى صاحبه.

تنفس بتعب وهو يقبض على كفه بقوة، ويراها تسند وجنتها لكفها في شرودٍ حزين.. يالها من جبارة
تصفعه وتشكي ألم وجنتها.. تطعنه وتشكي نزيف صدرها... تهدر كرامته وتتوجع من كآبة نفسها

ليته ينسى كيف يحبها
ليته يعيش بقلبٍ خال، فلا يؤلمه سوق، ولا يجرحه هجر
يعيش دون نقاط ضعف أو ذل

نزع نظراته عنها وتابع السير نحو غرفته، ولكن نزع نظراته عنها وتابع السير نحو غرفته، ولكن توقف حينما سمع صوتها يأتي من خلفه برنته المميزة التي كانت تُحييه في الماضي...
-(عـنان)

كيف يتفتت قلبه في صدره هكذا لمجرد أن تتفوه باسمه.. هل هو مثير للشفقة لهذه الدرجة.. هل أصبح يائس عبد لمشاعره لها بهذا الشكل.
أهي مرض أليم لدرجة أنها تؤلم ما بين صدره من مجرد كلمة تقولها لتناديه !!
كتم شعوره داخله.. ولكنه لم يستطع تبديد وجوم وجهه
فالتفت لها يغمغم بصوت خشن غير ودود...
-(ماذا)

كتفت يدها لصدرها ورفعت أحد حاحبيها في استنكار وضيق وقد تبدل مزاجها لأخر ناري...
-(ماذا !!.. هل أصبح وجودي ثقيل على قلبك يا استاذ عنان.. من يراك ترد من تحت أسنانك لا يصدق أنك من جلبتني إلى هنا مغصوبة وبفضيحة كي تتزوجني)

عاد لسانها يلسعه كالسوط وهي ترشقه باتهاماتها مره أخرى، ولكنه لم يكن في مزاج جيد أو طاقة ليستقبل لاذاعتها.. يومه كان طويل ومرهق
لذا حاول أن يختصر معركته معها وغمغم بكلمات جافة وهو يسير نحو غرفته...
-(نرتكب أخطاء لا نندم عليها إلا بعد وقت)

قبضت على مرفقه بقوة توقفه وقد بدت غاضبة بجنون من رده الجاف المتباعد.. وقفت أمامه ترشقه بنظرات نارية غاضبة وعاد صوتها الحاد يصدح بعصبية...
-(ندمك لن يُعيدني إلى قريتي مرفوعة الرأس، إن كنت نسيت من هي فلك الغانم فأنا أذكرك، أنا التي سعى لي الأشيب قبل الشاب، ما تندم عليه الآن كان حلم لكثيرون فلا تحسب تفسك انك كسرتني أو قللت من قيمتي
لو طلقتني الآن، استطيع أن اتزوج غدًا سيدك)

كانت تلقي كلماتها جملة خلف الأخرى بصوت عال وبكبرياء وغرور يزيدان جنونه، وكلماتها المهينة، وتفاخرها برغبة الرجال فيها جعلته على شفا الجنون.
لم يشعر بنفسه سوى وهو يجذبها من خصلاتها ويضع قبضته الأخرى على فمها، فكان رأسها محبوس بين كفيه
وعيونها متوسعة بصدمة من عنفه معها
فخرج صوته حاد عنيف، وملامحه شيطانية أجفلتها...
-(اسمعي يا امرأة، لا تستغلي أنني أبله مدله في حبك، اقسم بالله اضع السكين في صدري الآن وأشقه كي أتخلص من نفسي ومنكِ، لا تدعسي بنعلك على كرامتي هكذا... لصبري حدود يا ابنة الغانم.. غرورك هذا أنا من خلقته بهوسي بك.. فلو حاولتي أن تتجبري عليّ مره أخرى سأكسر عنقك الطويل هذا.. لا ترتكني على صمتي وصبري كي لا يأخذكِ ويسقط)

تركها أخيرًا وعاد يسير نحو غرفته، ولازالت تقف في محلها مصدومة من معاملته العنيفة وخشونته معها
هل حقًا جذبها من خصلاتها وكمم فمها وأهانها
هل عنان فعل هذا !!
كانت الصدمة تسيطر عليها لدرجة أنها شعرت بأن ما حدث كانت تهيؤات.. أو شيء من خيالها أو..

أو ماذا !
خصلاتها تؤلمها، وضغطه على فمها لازالت تستشعره لهذه اللحظة.. حينما انقشعت صدمتها، عادت الدماء ترتفع لرأسها، فتحركت كالمجنونة نحو غرفته تقتحمها وقد علا صوتها الهادر مره أخرى ولكن هذه المره كانت ثورتها لا يجابهها أحد..
فتحت الغرفة بعصبية وتقدمت منه تصرخ في ظهره بغضب....
-(كيف تجرؤ على الحديث معي بهذا الشكل)

لم يصلها رد منه.. فقد كان يخلع ملابسه ويلقيها في أي ركن إمامه دون اعتبار لمن نظفتها قبل ساعات
فزاد جنون فلك أكثر، فنبشت أظافرها في صدره بجنون وهي تصرخ بلا توقف...
-(يا وغد، يا حقير، تثير جنوني)

ارتد جسد من انكبابها على ظهره بهذه الشراسة
فالتفت لها يجابه قوتها ويحاول كبح ذراعيها قبل أن تصل لوجهه وتشوهة بإظافرها الحادة
ولكنها كانت امرأة اخرى في هذه اللحظة، كانت لا ترى سوى انتقامها منه.. حتى أنها لم تنتبه للوشم الذي الذي حمل اسمها على صدره أو على محاولاتها لكبحها وهو يغمغم بعصبية...
-(اذكري الله يا فلك، هل سكنك جن يا امرأة)

كانت لازالت تعاني من غضبها جراء فعلته، فكانت تقاومه وتركله وتضربه بكل هليه في جسدها وهي تصرخ بحدة...
-(لن أتركك قبل أن انزع جلد وجهك بأظافري يا لعين، من تخال نفسك لتضربني... من أنت لتخونني وتجرحني وتقلل من قيمتي وتتجاهلني يا شريد.. من أنت لتعذبني هكذا
لقد جعلتني لا اثق بنفسي ولا بمن حولي يا وغد
كل هذا لأنني أحببت حقير مثلك.. عذابي لا يتوقف بسبب يا حقييير)

كانت كل كلمة تخرج من فمها بقهر حقيقي، قهر فشلت في التغلب عليه رغم مرور السنين.. لازالت تتألم رغم صمتها.. لازالت تكتوي بنارها.. لازالت تعاني أثر صدمتها
ورغم أنها كانت تصارعه كي تنال من وجهه، ولكن حالما وجدته توقف عن امساكها ووقعت أظافرها على وجهه فجرحت جانبيه حتى سالت الدماء أسفل كل اصبع لها
حينها صرخت بفزع.. شهقت وكادت تضرب صدرها وهي ترى ما فعلته به

كان وجهه مشوه من كلا الاتجاهين.. الدماء تسيل وهو صامت.. نظراته ميتة لا حياة فيها.. وذراعيه جواره وقد قرر ألا يقاوم.. كان الاستسلام التام واضح عليه
كمن فقد الرغبة في المتابعة.. وكأنها قد كسرت أخر ما يمكن كسره داخله.
جاء صوته غريب بعد صمت مطبق...
-(هل انتهيتي !)

كانت صدمتها من نفسها أعنف من أن تعطي رد.. لازالت يديها معلقتين في الهواء.. وأسفل أظافرها غنيمة من جلده ودمائه.. حينها كادت تتحدث ولكنه قاطعها بهدوء غريب...
-(دعينا ننفصل.. لقد انقطعت سُبلنا)

كانت تلك النهاية، كانت تعلم أنها محطتهما الأخيرة معًا
لقد وعدت نفسها قبل أشهر أنها ستجعله يندم على زواجه منها.. ونجحت الآن.. ولكن نجاحها كان مُر كالصدئ.. او كطعم الدماء التي تغطي وجنتيه واسفلهما.
ابتلعت رمقها بصعوبة وهي ترى عيناه اللتان بدت كصفحة بيضاء لا كلمة فيهما.. أدركت أن ثوان قليلة ويسقط في نوبة صرع..

اقتربت منه وكادت تمسك يده، ولكنه كان يقاوم بضراوة ألا يسقط فيها أمامها.. ظل يتنفس الصعداء وهو يسير نحوها ويدفعها بهدوء خارج الغرفة وهو يغمغم بصوت بالكاد يُسمع وأنفاسه تضمحل...
-(غادري، يكفي، يكفي)

حاولت الوقوف محلها ودموعها تهبط تباعًا دون أن تجد قدرة على الرد.. تراه يقاوم المرض كي لا يسقط أمامها مره أخرى.. كيف ستتركه في هذه الحالة
ولكنه كان كمن على شفا الانهيار.. فدفعها بقوة للخارج وأغلق الباب خلفها يحجب نفسه عنها
ما هي إلا لحظات ودوى صوت ارتطام جعلها تشهق باكية وتمسك مقبض الباب تحاول فتحه وهي تبكي وتغمغم...
-(عنان ارجوك... لا يا عنان)

كان قد اوصد الباب بإحكام وهي تحاول بقوة أن تفتحه دون أن تفلح.. بكائها يزداد وكلماتها تتسارع وهي تدرك أنه دخل في اغماء الصرع وحده دون أن يقاوم...
وأزيز أسنانه يصل لها فيزيد من انهيارها.. كانت في هذه اللحظة نادمة.. نادمة تعض أناملها بإنهيار خائف.
                                ***
                     

Continue Reading

You'll Also Like

459K 14.1K 47
مسلوبـه إرادتُهـا،ذات ماضٍ لم تكُن هي سوي ضحيتـهِ،،ماضٍ اُستعمل كـ سلاح ضدها..لتُسجن داخل حاضرها المُعتم،وتُصبح أداه لذاك السادي،،ولا يُمكنها أن تصرُ...
8.2M 514K 53
رجلٌ شرسٌ شُجاع مُتقلبُ المزاج غريبُ الطورِ عديَمُ المُشاعر حيَادي لا ينحاز سَديدُ الرأي رابطُِ الجأَشِ وثابِتُ القلب حتىٰ.. وقعت تلك الجميلةُ بين...
20.1K 1.7K 17
زوجة تتعرض للخيانة من قٍبل زوجها وصديقتها المٌقربة، لتكتشف في النهاية أنها قد تنبأت بذلك حتى قبل أن تتزوج زوجها .. تُرى هل هي المُذنبة فيما فعلته...
516K 11.9K 40
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...