(غصونك تُزهر عشقًا)

By WesamOsama357

311K 17.3K 1.6K

يناديها يا حفنة العسل فيسيل الحب في قلبها حارًا غصونك تُزهر غشقًا الرواية الأولى في سلسلة (لعنة تسمى العشق) More

غصونك تُزهر عشقًا
اقتباس من وحي الأحداث
تواقيع أبطال رواية غصونك❤️❤️
تنويه عن مواعيد الرواية💚
الفصل الأول
اعلان الفصل💚
الفصل الثاني
تنويه❤️
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
اعادة نشر الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع " الحزء الأول"
مهم❤️✨
الفصل السابع2
الفصل الثامن 1
الفصل الثامن 2
الساحرة البدوية❤️
الفصل التاسع
حضور معرض الكتاب
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
معرض القاهرة الدولي💚
مهم جدا
مهم
الفصل الثاني عشر
الرواية الجديدة
الفصل الثاني عشر 2
الفصل الثالث عشر
الثالث عشر 2
الفصل الرابع عشر
اقتباس❤️
الفصل السادس عشر 1
الفصل السادس عشر2
الفصل السابع عشر
مهم❤️
اقتباس
الفصل الثامن عشر
العودة💖
الفصل التاسع عشر
الفصل التاسع عشر 2
الفصل العشرون
الواحد والعشرون
هام جدًا
الفصل الثاني والعشرون
اعلان الفصل
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون (جزء أول)
مهم
العودة
الفصل الرابع والعشرون الجزء 2
الرابع والعشرون الجزء٣
الرابع والعشرون 4
جزء من ٢٥
الفصل الخامس والعشرون الجزء2
الفصل الخامس والعشرون ٣
معرض الكتاب
لعشاق رد قلبي والغزالة الشاردة
مهم
الخميس والجمعة
العودة
(الفصــل الســـادس والعشـــرون)
(الفـــصل الســـابع والعـــشـــرون)
(الفصــل الســابع والعشــرون ٢)
الفـــصل الثامن والعشــرون
الفصل الثامن والعشرون ٢

الفصل الخامس عشر

5.1K 342 47
By WesamOsama357

انهت تصويرها الذي استغرق وقت طويل
وصعدت الكرڤان كي تستريح وتستعد بعده للمشهد التالي
هكذا هي حياة شهيرة، عمل دائم واستراحات قصيرة
ضريبة نجاح وشهرة، لم تذق طعم الراحة بعدهما
رغم سعادتها بهذا النجاح أحيانًا.. إلا أنها تتمنى لو تقضي أوقات عادي ممتعة، تجعلها تنفصل عن عملها ولو لأيامٍ قليلة.
نظرت لانعكاسها في المرآة، تحدق في وجهها مليًا
هي جميلة جدًا كما يقول الجميع.. ملامحها الأروبية المختلطة بلمسات شرقية كانت جذابة جدًا
خصلاتها التي تراقصت بين العسلي والأصفر الطبيعي
عيناها اللتان حملتا فتنة وإغراء لا يد لها فيهما.
جسدها الذي كان مطمع وهدف مثير لأغلب الرجال حولها.

تنهدت وهي تخلع اكسسورات المشهد وتضعها في صندوق الزينة، قبل أن تنظر لعلبة الهدايا الموضوعة على المنضدة أمامها.. عقدت حاجبيها للحظات، واقتربت أناملها من الصندوق تفتح الشريط الحريري الذي يغلفها
ثم تعقبه بغطاء العلبة.

انطلقت من حلقها صرخة عالية، وقد انتفض جسدها من على المقعد وكادت تتعثر أرضًا.
وعلى أثر صرختها، جائت مساعدتها سريعًا تساعدها على الوقوف وهي تتحدث قلقة...

-(ما الذي حدث سيدتي، ما الأمر؟!)

أشارت للعلبة وهي تتأوهة خائفة، مصدومة، باكية مما رأت.. كان الرعب محفور على وجهها
لحظات قليلة وانطلقت صرخة مذعور من مساعدتها وهي تصفع وجهها بكفيها في رعب يشابه رعب سيدتها..
وخرجت نبرتها مرتجفة من شفتيها الشاحبتان وهي تنظر لشهيرة قائلة...

-(أيمكن أن يكون هو مره أخرى ؟!)

شهقت شهيرة برعبٍ حقيقي وهي تضع أناملها على وجهها ، وترتجف بلا هوادة، لقد عاد المهووس من جديد
عاد ولن يتركها مره أخرى، وسيقتحم حياتها بلا أي مقدمات، سيبعث الرعب في قلبها أكثر،ويسرق النوم من جفونها.. عادت للعذاب مره أخرى!؟
تحدثت مساعدتها الشخصية بصوتٍ خائف مذعور وهي تمسك الهاتف قائلة...

-(لقد اتصلت بالمخرج أن يحادث أمن المكان، وسيأتي بهم في الحال، لا تخافي يا سيدتي)

لا تخاف ؟!
أهذا شيء غير مطروح في هذه اللحظة؟!
كيف لا تخاف من معجب مهووس، يلاحقها في كل مكان، ويُطلق رجاله حولها ليراقبونها!؟
كيف لا تخاف وقد استيقظت في أحد المرات ورأته فوق رأسها في فراشها يحدق فيها بنظراتٍ مهووسة مدلهة.

بلغت الشرطة، وقدمت أكثر من بلاغ
حادثت مسؤولين كبار في الدولة
تعاقدت مع شركة حراسة خاصة
لم تترك أحد إلا وطلبت مساعدته في الخلاص من ذاك الرعب... ولكن المعجب المهووس، كان يستطع الإفلات من كل هذا والوصول إليها.. إلى أن قابلت نُصير وتحدثت معه راجية أن يساعدها.

كان متعاطف مع حالتها ولكن مذهول من طلبها المساعدة منه، فهو شريك في شركة انتاج سينمائي، وليس رجل شرطة، أو رجل عصابات !!
ولكنه وافق أخيرًا وقد أخبرها انه سيأتي لها بطاقم حراسات خاصة، يحرسونها من بعيد، دون أن يقتربوا منها ويثيروا البلبلة حولها.

خرجت من شرودها الخائف وهي تغمغم لمساعدتها بصوتٍ باكٍ ملهوف...

-(اتصلي بنصير، أخبريه أن يأتي في الحال.. أنا أحتاجه)

ساعة لا أكثر وكان نُصير واقف أمامها في الكرڤان، ينظر للصندوق المفتوح، يتأمل القطة الصغيرة التي غرقت في دمها داخل الصندوق.. ومعها ورقة مكتوب عليها بخطٍ أنيق...

" قطتك ناعمة مثلك.. أتمنى ألا تكوني مثلها"

تنهد نُصير بضيق وهو يعاود النظر لشهيرة، التي كانت جالسة على الأريكة، تتلحف بدثارٍ يهدئ رجفتها والرعب الذي جعل جسدها بارد كقطعة ثلج مُجمدة ؟!
تمتم بهدوء وهو يغلق الصندوق....

-(كيف استطاع دخول شقتك وأخذ الهرة، وكيف استطاع دخول موقع التصوير يا شهيرة!؟)

حركت رأسها نافية والحيرة والخوف يقتلان أي أمان في قلبها، ولسانها بغمغم في ضعفٍ وثقل...
-(لا أدري)

اتخذ مقعد قريب منها، وجلس مستندًا بمرفقيه على فخذيه وينظر لها نظرة حانقة بدى فيها سوء شعوره نحو أفعالها الغير محسوبة وهو يقول بنبرة ظهر فيها هدوئه مختلط بجمود...

-(لأنك صرفتي الحرس يا شهيرة، خلطتِ بين حمايتك وبين اختلافنا حول مشاعرك، وبكل سذاجة صرفتِ الحراسة كي تخبريني أنكِ في غنى عن خدماتي)

ضربتها ذكرى رفضه لها ولحبها، تلم الذكرى التي كوت فؤادها لأسابيع طويلة، تحاول ابتلاع الرفض، ومقاومة شعورها نحوه... كانت حزينة وغاضبة، فلم تستطع سوى صرف الحراس الذي كلفهم بحمايتها، وإخباره أنها لم تعد لحاجه لمساعدته.. ظنت أنها هكذا تحفظ ماء وجهها أمامه
لم تدري أن أفعالها ظاهرة النوايا له بهذا الشكل
أجلت صوتها ونظرت له بعيون دامعة حزينة وقالت...

-(نُصير أنت تجرحني)

-(انها الحقيقة يا شهيرة.. هذا الرجل لا يمزح معك، كفى تصرف بصبيانية وتقبلي المساعدة، وإلا تعايشي مع رعبك هذا إلى أن ترى خطوته القادمة)

أسدلت رأسها وغمغمت بصوتٍ خافت، كتمت فيه مشاعرها السلبية وحزنها العميق...
-(أنا أسفة)

كانت حزينة، ناعمة، مُنكسرة
ولكن ليس الانكسار الذي يجعله يربت على كتفها مواسيًا
انكسار شهيرة في حد ذاته لعنة إغراء لأي رجلٍ أخر
ولكن للغرابة ليس له؟!... لا يتأثر بها ولا بانوثتها الفياضة
رأسه لا يدور من فتنتها والهالة الوردية لها.
وللدهشة أنه يتأثر بمرام أكثر منها

مرام التي لا تملك ولو خمس بالمئة من جمال شهيرة وجاذبيتها وفتنتها... مرام تستطيع جعله يود لو يلتصق بها.. يُربكها فتربكه أفعالها.. يغويه دمعها أن يُقبل عينيها
تغويه حمرتها أن يُمسد على صدغها بشفتيه.
خرج من شروده الذي يدور حول مرام.. وحاول التركيز مع شهيرة قبل أن يقول بهدوء...
.
-(اسمعي يا شهيرة، هذا الرجل ليس وحده، الأمر لا يتوقف على معجب مهووس، الأمر أكبر بكثير)

مسحت دموعها ونظرت له سريعًا وقالت...
-(لو طلب المال مره أخرى سأعطيه و...)

جائها رده الحاد يثنيها بقوة وحزم، وهو يردد دون أي تردد...
-(لا، لن يأخذ قرش واحد منك.. من اليوم سيعود الحرس مره أخرى، وقائدهم سيكون ضابط حراسة كفؤ، كان حارس لأحد الوزراء سابقًا.. ولكنه افتتح شركة حراسة خاصة به، سيكون معكِ في كل مكان، حتى داخل التصوير... ستجدين صعوبة في التعامل معه
ولكنه لن يترك ذبابة تمر جوارك)

لم تستطع الإعتراض على قراراته التي انهالت فوق رأسها تباعًا دون أن يترك لها فرصة للموافقة، فرمشت عيناها للحظات، تحاول التفكير بكلماته، وقد بدت الحيرة واضحة في عيناها.. فتحدثت بخفوت حائر...
-(ولكن ألن يلفت هذا نظر الإعلام والصحافة و...)

قاطعها بصبرٍ نافذ، بدى في صوته ونظراته وكأنه يؤنبها على تفكيرها الغير منطقي...
-( ما الذي يهمك أكثر، الصحافة والإعلام أم سلامتك ؟)

للمره الثانية تسدل رأسها كالمذنبة وتغمغم بخفوت...
(سلامتي)

حرك رأسه بإيجاب وتنهد مطولًا قبل أن يقف عن مقعده قائلا بذات النبرة الحازمة المسيطرة، مع القليل من اللين بما يلائم حالتها الآن...

-(جيد، الآن سأتصل بالحرس يتجهوا لمنزلك ويصرفوا العاملة، وستأتي أخرى ضمن الحرس تكون في خدمتك.. ويغيروا قفل الباب ويضعوا أخر الكترونيًا للحماية التامة، أما بالنسبة لمساعدتك..)

وقفت هي الأخرى، وابعدت الدثار عن كتفيها الناعمين، وقد بدى التعب واضح على وجهها وصوتها الذي انطلق يثنيه عن أي تفكير او قرار يبعد عنها مساعدتها العزيزة على قلبها، فقالت...

-(أنا اثق في مساعدتي، لها معي سنوات)

-(سأترك هذه الأمور ليحيى وهو يقرر بها، والآن هيا لأُوصلكِ شقتي تمكثين بها إلى أن تنتهي الحراسة من تأمين شقتك)

أنهى كلماته وهو يخلع سترته ويضعها حول كتفيها كي يهدأ ارتعاشها، وخطواته تصحبها للخارج
فسارت معه وهو تسأل بخفوت مرهق...
-(من يحيى ؟!)

لم يجيبها على سؤالها فورًا، بل صرف مساعدتها بصوتٍ جاد، وتجاهل طاقم التصوير حولهما، ونظرات الفضول التي حاوطت الممثلة اللامعة شهيرة، وخطيبها قليل الظهور حولها
وكذلك لم ينتبه للكاميرا البعيدة، التي بدأت تلتقط لهما عدة صور مختلفة، وهو يحاوط كتفها تارة يساعدها على السير، وأخرى وهو يساعدها بدخول سيارته، وأخرى وهو يصعد جوارها ويأمر السائق بالتحرك.

اما في السيارة، فقد نظر لشهيرة وأجاب على سؤال الذي تعلق لدقائق طويلة دون إجابة...

-(يحيى عسل، الضابط المُكلف بحمايتك من الآن فصاعدًا.. رجل صعب المراس ولكنه كفؤ، سيحميكِ جيدًا)

-(المهم أن يحميني، لا شأن لي إن كان سهل أو صعب)
أنهت كلماتها وأمالت رأسها على النافذة دون أن تستطع الصمود أكثر.. كانت متعبة نفسيًا بسبب ما يحدث لها بسبب ذاك المهووس الغير طبيعي، الذي لا يكف عن اللحاق بها طول الأشهر الماضية، وبالأخير قتل قطتها
متعبة عاطفيًا من جفاء نُصير معها، وعدم شعوره بها.

تؤثر في كل الرجال، إلا الرجل الذي أُعجبت به
أي حظ عثر هذا الذي  يلاحقها في حياتها العاطفية
هي متعبة.. متعبة من كل شيء، وتود لو تذهب لغرفتها وألا تخرج منها لأيامٍ طويلة.. إلى أن تتعافي من كل شيء.

توقفت السيارة أمام البناية الراقية التي تحتوي شقته
تلك الشقة التي ذهبت لها مرارًا، بسبب ملاحقات ذاك المهووس بها.. ولكن لم تطأها منذ أخر مره صدها نُصير بها ورفض مشاعرها صراحة..
نظرت له لاحظات وهي تسأله...

-(ألن تصعد؟!)

حرك رأسه نافيًا، دون أن يتأثر بنظرة الضعف في عينيها
وردد بهدوءٍ متباعد...
-(لا يا شهيرة، يجب أن أعود لمنزلي)

-(ستعود القرية الآن ؟!)

-(لا منزلي الأخر، حيثُ امرأتي)

أنهى كلماته بصبرٍ نافذ، دون أن يعطي أي أهمية لملامح الصدمة على وجهها عقب كلمته التي تفجرت في وجهها كقنبلة موقوتة..
فخرج سؤالها مبحوح مذهول....

-(امرأتك ؟!!)

حرك رأسه بإيجابٍ دون أن يعطيها إجابة شفهية، ولكن حركة رأسه كانت تأكيد لمخاوفها، التي علقت في حلقها بلا رحمة.. فرطبت شفتيها وشحذت بعض الأمل لتحارب له الخوف في نفسها وهي تسأله مره أخرى، آملة أن يغير إجابته...

-(هل.. هل تزوجت ؟!)

-(نعم)
تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وأتت اجابته بما لا تشتهيه نفسها ولا قلبها.. شعرت بجسدها يرتخي فجأة
اختفى الأمل في نفسها.. وبقت البلادة فقط
عاد لسانها يسأل، وكأنه شوك يستمتع بعذاب قلبها...
-(المرأة التي رأيتها هي وشقيقتها في الشقة.. أليس كذلك)

للمره الثالثة يؤكد شكوكها متغاضيًا عن مدى الألم الذي ينخر قلبها بلا تردد...
-(نعم هي)

-(لقد شعرت بذلك)
تجاهل نبرتها الخاوية، وتحدث بهدوء لين وكأنه يواسيها.. يواسي حزنها فيما لا يملك في نفسه...

-(هيا يا شهيرة اصعدي الشقة، ولا تخشي شيئًا، لن يستطيع أحد الوصول لكِ في شقتي، ويحيى سيأتي لكِ حين ينتهي عمله ليتفق معكِ على كل شيء)

-(حسنًا.. وداعًا يا نُصير)

بنفس البلادة والارتجاف، تمتمت قبل أن تخرج من السيارة، وتتجه نحو البناية بخطواتٍ كانت سريعة تارة، وبطيئة تارة.. كمن يسير على أشواكٍ تمزقه.. فلا هو قادر على الاسرع ليتخلص من حدتها.. ولا قادر على التباطؤ كي لا ينغرز الشوك أكثر في الجلد... ولكن كان ألم شهيرة أكبر بكثير مما بدى عليها.. كان ألم لا يُطاق.. ولكنها تجرعته بصمت.

                                ***
بعد عدة ساعات في منزل الساحل....

استيقظت بعد نومه طويلة لا تدري ما الذي حدث فيها
فتحت عيناها المثقلة، تقاوم الضوء الذي غزاها، وجعل عيناها تنكمش بسرعة دون أن تتحمله.

تحركت في الفراش تتأوه من ألم جسدها الغريب، تشعر وكأن عظامها سُحقت أسفل شيء ثقيل، فما عادت قادرة على التحرك.. حلقها جاف رغم شعورها أن جسدها يسبح في ماءٍ بارد ؟!

حاولت فتح عيناها مره أخرى، ونجحت في فتحها أخيرًا
رغم تشوش الرؤية أمامها للحظات، إلا أنها استطاعت الرؤية جيدًا بعدها
وجدت نفسها في غرفة أنيقة لم تدخلها سابقًا
غرفة تراوحت ألوانها بين الأبيض والذهبي الأنيق، أثاث مزج بين الرقة والفخامة.. لوحات صغيرة حملت صور الريف الانجليزي الساحر.
ولوحة كبيرة تقابل الفراش.. لوحة لخيولٍ متسابقة، خلفت الرمال الذهبية خلفها، وانعكست أشعة الشمس على اللوحة فزادتها جمالا وروعة.

حاولت تعتدل في الفراش، ولكنها انتبهت للعرق الذي يكسوها من رأسها لأسفلها.. كانت متعرقة وكأنها تقف أسفل شمس حارقة يوم كامل !؟
تنفست وهي تتلمس نفسها وتسأل نفسها بأنفاسٍ متعبة..
-(أين أنا ؟!)

انتبهت لصوت الماء الذي كان يعمل لوقتٍ طويل جوارها
ثم توقف أخيرًا.. عقدت حاجبيها وهي تمسح رأسها المتعرق بأناملها المرتعشة، وصوتها يخرج بضعف مره أخرى...
-(أين براء)

وقبل أن تتحرك من الفراش، كادت تنتفض وهي ترى باب جانبي في الغرفة يُفتح، ويخرج نُصير منه وهو يتلحف بمئزر استحمام..فقط لا غير !؟!
شهقت وهي تنظر لوجهه الرطب وتقول بصرخة مذهولة..
-(ما الذي تفعله هنا ؟!)

بدت الراحة واضحة على وجهه واقترب منها غير آبه لصدمتها ولا للفزع الظاهر على وجهها وقال...
-(استيقظتي أخيرًا.. لك أربع أيام نائمة بسبب الحمى)

-(حمى؟!)
تمتمت تردد خلفه كلمته وهي تحاول تذكر أي شيء قبل نومتها لأيام كما يقول، ولكنها لم تستطع تذكر سوى لمحات بسيطة، كانت جالسة على الشاطئ، وجاء هو.. بكت على صدره و...

خرجت من شرودها واطلقت شهقة عالية أخرى وهي تشعر بشفتيه توضع على جبينها تارة وجنتها تارة
ابتعدت عنه سريعًا وخرج صوتها مصدوم مهتز...
-(ما الذي تفعله ؟!)

-(أرى إن كانت حرارتك لازالت مرتفعة، كانت أمي تقيس حرارتنا باستخدام شفتيها، لأنها تكون أدق من مقياس الحرارة الطبي)

كان صوته وهو يتحدث جاد تمامًا.. لا هزل فيه ولا عبث
حدقت في وجهه دون استيعاب... وبعد لحظات انتبهت لمئزر الحمام الذي عقده على خصره يستر به جسده فيما عدا الجزء العلوي من صدره.. استوعبت أنها في غرفة واحدة مع رجل شِبه عاري بمفردهما!؟
انتفضت من الفراش تقول بنبرة سريعة منفعلة...

-(سأطمئن على براء)

بالفعل اختفت من أمامه تمامًا واطمئنت على صغيرها وشكرت نجاة التي اعتنت به طوال فترة مرضها...ثم اتجهت لغرفتها التي غابت عنها، واستحمت بماءٍ فاتر كما أخبرها نُصير، وبدلت  ثيابها المتعرقة، حينها استطاعت إزالة باقي أثر التعب من على جسدها.

سمعت صوت باب غرفتها يُفتح، فظنتها نجاة أتت بصغيرها.. ولكن حالما التفتت وجدت نفسها أمام نُصير مباشر، بعدما ارتدي قميصًا ذو لونٍ أزرق داكن، وبنطال قماشي يشابهه في اللون
أخذت خطوة للخلف وقد تفاجئت من وجوده في غرفتها
ولكنه أخذ خطوة للأمام ينوي الامساك بها وهو يردد
-(دعينا نرى حرارتك الآن)

-(نُصير، أرجوك ألا تفعل هذا، أنت تربكني.. وأنا لا طاقة لي بتوتر وضغط نفسي وعصبي)
تمتمت مـرام بتلك الكلمات وهي تبتعد عن مرمى يديه
كانت متوترة، مُتعبة، وأعصابها لا تتحمل المزيد من الارتباك.. خاصة كلما اقترب هذا الرجل منها، كلما تلاعب بكلماته، كلما وضع أنامله عليها، وهمس بصوته المثير للأعصاب والمشاعر.

لم يتأثر نُصير سلبًا من كلماتها، بل اقترب خطوة، ومرر أنامله على وجنتها بنعومة شديدة، وكأنه ساحر يلعب بعصاه.. أو فنان تتراقص الريشة بين أنامله.. ووجهها هو لوحته المفضلة
حينها خرج صوته ناعمًا إنسابيًا اخترق دوافعها وبعث ألم غريب لمعداتها...

-(ما الذي يثير أعصابك فيّ يا مرام.. أخبريني)

ابتلعت رمقها وهي تشيح عيناها عنه، هو يعلم كيف يجذب امرأة له.. يدري أن له مظهر مدمر وعينان قويتان
تعترف أنه يستطيع التأثير في أي امرأة من مجرد إيمائه ونظرة.. كل ما فيه مربك ويدفع نبضاتها للتسارع بخوفٍ تجهله، وكأنها قطة على صفيحٍ ساخن.
أرادت أن تخبره أن كل ما فيه يوترها، وجوده معها في مكانٍ واحد يجعلها تشعر وكأن العالم ضاق بها، وكأن جبل ثقيل وضع على صدرها

هي لا تنفره، ولكن لا ترتاح لوجوده
حتى حينما بكت على صدره ونامت في فراشه، كانت تعلم في نفسها أن وجودها تحت رحمته يزيد من همها
نعومته معها تجعلها تود الصراخ في وجهه وتسأله الرحمة
يرحمها من أفعاله التي تجعلها غريبة حتى على نفسها

حاولت الفرار من بين يديه وهي تتأوه متعبة، وتنظر لعمق عينيه برجاءٍ كبير، توسل سال من عينيها ليُزيد من مظاهر الضعف عليها.. كانت هزيلة، ضعيفة، ملامح رقيقة تعود لفتاة لم تمر بكل ما مرت به مـرام
بنيتها الضعيفة، قصر قامتها، والعيون البريئة بحزن غريب التي تملكها.. كل ما فيها يستفز فيه الحماية والغدر في آن واحد.
خرج صوتها خافت متوسل ويديها تدفع صدره عنها بتوتر وهي تحاول ألا تتشنج أناملها من لمسته...
-(أرجوك يا سيد نُصير، ابتعد عني أنت تُربكني)

-(عجبًا.. أتقول المرأه لزوجها سيدي ؟!)
خرجت الكلمات منه كغمغمة خافتة تحمل عبث حائر منها
ولكنه لم يدع حيرته تُثنيه عن قربه منها.. فقد تغاضى عن محاولاتها للفرار، واقترب منها أكثر يبدد أي مسافة بينهما
يضغط يديه على طول ظهرها ويلصقها منه أكثر.
شهقت مرام وارتجفت كوردة تتساقط بتلاتها في رياحٍ عاصفة.. كانت ترتجف ونبضاتها قد ارتفعت لحلقها، وكادت تطيح بها أرضًا.. ولكن لا.. لن تسقط أرضًا بينما هي مقيدة بين ذراعيه بقوة غريبة.
شهقت شهقة أعلى وقبضت أناملها على قميصه الأبيض الذي احتوى صدره الأسمر.. حينما شعرت برطوبة شفتيه على صدغها، شفاه ناعمة، رطبة، غليظة
بدأت بطباعتها على صدغها مرورًا بذقنها.

كان كمن يتلاعب بالنيران ويدري أنها ستحرقه، لا، بل ستكويه حد الانصهار.. كما انصهرت تلك الضعيفة بين يديه
حينها وجد نفسه يرفع أنامله ويداعب خصلاتها المقيدة في ربطة متزمتة قاسية، ويهمس أمام شفتيها التي تُخرج أنفاسٍ مضطربة، وقد طافت عيناه على وجهها كاملاً قبل أن يقول بخفوت عميقٍ أجش...
-(عجبًا، تبدين حُلوة وأنتِ ذابلة، فما بالك وأنتِ متوهجة يا مـرام)

ابتلعت رمقها وحاولت التماسك وهي تحرر يدها من على صدره، ترفعها لعنقها كي تُمسك سلسال فايز، تحتمي فيه من جنون نُصير الذي كاد يبتلعها
ولكن قبل أن تُمسك السلسال، قبض على أناملها يمنعها من امساكه.. يمنعها أن تحتمي برجلٍ غيره، حتى ولو كانت مجرد ذكرى منه... حينها خرج صوته هاديًا محذرًا، رغم حُمم الشوق في عينيه...

-(كرريها يا مرام.. قولي نُصير حتى يعتاد لسانك على لفظ اسمي.. ولا تقاومي لمستي، دعي جسدك يتعرف على بصمتي.. بل المسيني وتمسكي بواقعك.. أنا واقعك يا مرام)

أتم كلماته وهو يرفع كفهل للأعلى، يمرر أناملها على وجهه نزولًا لعنقه، وصدره البارز من فتحة قميصه
ومع كل لمسه لجلده الحار، كانت مرام تشعر أن الدنيا تدور بها.. ومعدتها تتلوى ألمًا.. وفكرت في نفسها دائخة، أن هذا الرجل مُصر على امتلاكها.. مُصر لأبعد مما ظنت.

استعادت قوتها أخيرًا ودفعته عنها بأنامل تتأرجح ما بين القوة والهوان، ثم همست بصوتٍ مرتعش...
-(أرجوك كفى)

حينها ابتعد نُصير، حررها منه ومن هالته الطاغية، من لمساته وأنفاسه، وكلماته التي تحمل معاني مُربكة
تنفس الصعداء وهو يشيح وجهه عنها ويبتسم نصف ابتسامة لم تلاحظها وهو يقول...
-(ما رأيك لو خرجنا قليلًا، هل تشعرين أنكِ على ما يرام ؟!)

كانت الحمى قد فارقتها، ولكن حمى تصرفاته لازالت تلازمها وبقسوة، تمالكت نفسها وابتلعت رمقها قبل أن ترفع وجهها له وتغمغم بأنفاسٍ منتهية...
-(أنا بخير الآن)

-(إذًا بدلي ثيابك لملابس مريحة، سأنتظركِ في الشرفة الخارجية)
أنهى كلماته واختفى من أمامها، ترك لها الغرفة خالية، كي تبدل ملابسها وتتبعه كما أخبرها
ولكنها تنفست الصعداء حالما أُغلق باب الغرفة، بل وتهاوت أرضًا، تجلس وتريح ساقها التي تحولت كهلامٍ مرتعش.. قلبها يخفق..يخفق بعنف شديد
لا تدري ما سبب هذه الخفقات، أهي تخافه !
هل تنفره !
أم أن تأثيره عليها يجعلها كورقة مبتلة، قابلة للتمزق دون صوت ؟!

رطبت شفتيها الجافة وهي تغمض عينيها وتهمس لنفسها بتوتر...
-(لا بأس يا مرام، لا بأس، اهدأي لا بأس)
ظلت تردد الجملة على نفسها مرارًا وتكرار، علها تصدق أن غزوه العاطفي عليها لا يعني شيء، وأن الحالة التائهة التي تعيشها الان هي حالة ما بعد المرض.. كل شيء بخير.. كل شيء على ما يرام.

ولكن حالما وقفت، والتقطت أنفها رائحة عطره التي التصقت في ملابسها وجسدها، أيقنت أن الأمور لن تتوقف إلى هنا، وأن هناك المزيد من التيهة تنتظرها.
                      
      ***
كانت قد بدلت ملابسها كما أخبرها، أرادت أن تخرج وتستنشق الهواء النقي، خاصة أن براء قد غفى بعد يوم طويل من اللعب كما أخبرتها نجاة
فلم تجد إلا أن توافق على الخروج مع نُصير، خاصة أنها تنوي مناقشته بمنتهى الهدوء كي تطلب منه أن يتركها وشأنها ويرحمها من أفعاله التي صارت مبالغ فيها

خرجت للشرفة تقف أمامه، معلنة أنها جهزة للخروج
ولكن نظرته المتأملة لملابسها السوداء، جعلتها تشك أنها بالفعل جاهزة ؟!
لمحت عدم الرضا بين جوانب عينه.. ولكنها لم تعطي لنظراته أي اهتمام.. بل تماسكت وتنفست بهدوء قبل أن تقول متسائلة....

-(إلى أين نذهب ؟!)

قطع خيط النظرات وسار لخارج المنزل وهي تتبعه، ففتح لها الباب لتخرج وهو يجيبها بهدوءٍ لين خالف مزاجها المعكر...

-(سأخذك نزهة في الساحل، الطبيب قال انك بحاجه لفترة نقاهة)

كانت تظن أن الأمر يقتصر على تمشية بسيطة على الشاطئ المقابل للمنزل، لم تكن تظن أن الأمر يشمل نزهة طويلة في الساحل... ومعه هو ؟!
لذا ابتلعت رمقها وتحدثت تعترض على ما قاله الآن...

-(شكرًا لك ولكن...)

ولكن قبل أن تكمل جملتها، قاطعها بحسم ناعم، يثنيها عن أي اعتراض قد يؤجل نزهتمها.. ومد يده يجذب ذراعها ويجذبه أسفل مرفقه يساعدها في السير على الرمال دون أن يختل توازنها الهش...

-(استمتعي بوقتك يا مرام، لا ندري ما الذي يخفيه غداً)

-(انت محق)

تمتمت بهذه الكلمة الوحيدة وهي تفكر مليًا..كان محق فيما يقوله، لا تدري ما الذي يخفيه المستقبل لها.. لا تدري ما الذي ينتظرها هي وطفلها.. لذا عليها الآن أن تستنشق الهواء العليل، وتستمتع بالساعات الأخيرة من النهار قبل الغروب.
كانت مع كل خطوة على الرمال تستند إلى ذراعه وهو يساعدها في السير، كانت لازالت تعاني أثر الوهن والمرض.. لذا أعطت لنفسها كل العذر في استنادها على جسده دون أن يؤنبها ضميرها.. لقد تعبت من التفكير والضمير والحزن.. آن لها أن ترتاح قليلًا...

بدأت خطواتهما تتجه نحو الشوارع التي تبعد عن الشاطئ وهدوئه.. بدأت تسير بين عامة الناس
تختبر الضجة في الشوارع.. تنظر للسياح الذينٰ جاءوا من كل حدبٍ وصوب، لأجل البحر ونقائه
البائعون المتجولون في كل مكان.. أحدهم يبيع مشغولات يدويه..وأخر يبيع قواقع البحر والأصفاد على هيئة حُلى نسائية للذكرى.
أخر يبيع أقلام خشبية وزجاجات رملية تحمل الحروف الأولى من الأسماء..

رائحة السمك المشوي تفوح في الأفق وتسيل اللعاب عليها.. وتختلط برائحة حلوى أصابع زينب والزلابية ذات العسل اللامع.

اختفت كل الروائح والأصوات حينما بصرت امرأة تجلس على مقعد خشبي، وبيدها عود أنيق تتلاعب فيه أناملها باحترافية، تغمغم شجية.. بغناءٍ خرج منها كصوتِ الكروان
وحولها الناس يستمعون لغنائها وهم في حالة طرب
وقفت معهم تمنع نُصير من متابعة السير وهي تهمس...

-(دعنا نقف ونسمع)

كان لها ما أرادت.. ووقفت تسمع لغنائها الذي سال كعسلٍ مصفى في نفسها.. خاصة وقد اختلط صوتها مع نغمات العود وهي تغني مندمجة، بعينين مغمضة ..

تقبـلـت القيـود وأنـت حـر
وأسـلـمت القــلاع بــلا قـتالِ
وعانقــت الهـزيـمـة دون حـربٍ
وقايـضـت الحـقيـقة بالـخـيالِ
فـلا تـفرح إذا أغــويت قـلـبي
فـقـد تـصحـو على دمـع الرجـال

لم تنتبه لذراع نُصير الذي ارتفع وحاوط كتفها ليبعث الدفئ فيها حينما شعر برجفة امتلكتها، فظنها رجفة بردٍ من أثر النسيم الذي يلاطف وجوههم
ولكنها لم تكن واعية لأي شيء.. بل ظلت تستمع للمرأة التي أخذت تغني بقوة وكرامة مذبوحة، تُحذر المحبوب من ظنٍ خاوٍ.. وهي تعاود الغناء قائلة...

ولا تفـخـر بمــا هــدمـت مـنـي
ولو غـيـرت تـاريـخ الجـمـال
لإن تـبـقي الأهــات عـمـرًا
فـبعـض الــأه مـن بعض السـؤال
وهذا الحـب أصـنـام تـهـاوت
وأسـوار تغـطـت بـالرمــال
وتـلك الشـمس لم تشـرق صباحًا
ولـكـن أشـرقــت بـعـد الزوالِ
فما أدراك أن الجرح ضعفٌ
فقد تهفو الجراح إلى النصال

تصفيق حار انطلق من الواقفين حولها، صفقة نبعت من أثر الجمال الذي أطربتهم به.. وكانت مـرام ممن اعجبوا بغنائها.. ولكنها لم تجد القدرة علي أناملها كي ترفعهم وتصفق لها كما فعلوا
لم تجد نفسها إلى وهي تغمغم بنعومة شاردة

-(صوتها ساحر)

بدأ نُصير يتحرك بها نحو الشاطئ حينما بصر الشمس تبدأ بالمغيب.. فخرجت كلماته باسمة ذات معنى وأثر، وهو يقرر أمر واقع..

-(أرى أن ليس صوتها فقط ما اعجبكِ)

انتبهت أخيرًا لذراعه التي تعانق كتفها له ولخط سيرهم الذي عاد للشاطئ من جديد، فارتبكت وغمغمت دون استيعاب...
-(ماذا ؟!)

أدرك أنها كانت غائبة تمامًا عن كل شيء حولها.. فعاد يقول موضحًا...
-(اختيارها للأغنية أقصد)

-(اه نعم.. تبدو جيدة)

عادت مره أخرى تتصرف بارتباكٍ وعدم راحة
لذا أبعد ذراعه عنها واكتفى باحتواء كفها في كفه الكبيرة، يبعث فيها الدفئ والقوة، أو انه يشعرها ببرودتها وضعفها
لا تدري.. كل ما تعلمه أنه تابع السير بها نحو الشاطئ وواقف أمام الأمواج، يتأمل قرص الشمس الذي سال ضوئه على الماء فقال..

-(أخبريني عنكِ يا مرام)

كان سؤاله غريب، يفتقر للمنطقية.. هو يعلم عنها كل شيء، حتى انه يعلم بالماضي الذي لم تكن تعلمه هي
ويعلم بدوافع فايز كي يتزوجها.. باختصار يعلم عنها كل شيء.. هي أمامه كـ كتابِ مقروء.. لا سر فيه ولا خفى
تحدثت بعد صمت قد طال، وهي تنظر لوجهه قائلة...

-(ولكنك تعلم عني كل شيء، حتى انك تعلم أشياء لم أكن أعلمها)

ابتسم ابتسامة يعلم أثرها على قلب أنثى.. خاصة لو كانت أنثى ترتبك من أي شيء مثلها.. وهو يقول بنبرة عابثة عميقة.. حملت رنين مدوي في نفسها...

-(لا أقصد عن حياتك، بل عنكِ أنتِ)

-(تقصد عن شخصيتي أنا ؟!)

حرك رأسه بإيجاب دون أن يُجيب إجابة شفهية
فأشاحت وجهها عنه وقالت بخفوتٍ متباعد، كي تغلق مجرى الحديث كليًا....

-(امم شخصيتي ليست مثيرة للاهتمام.. وخاصة اهتمامك)

جذب ذقنها لها لتنظر له.. كانت أنامله باردة على ذقنها الدافئ.. وقد انقلبت الأدوار بينهما
فتمتم بهدوء وهو ينظر لعمق عيناها، يرى انعكاسه فيهما
انعكاس مختلط بمشاعر عديدة، أولها الخوف وأخرها الرغبة في الهروب..

-(وما الذي تعلمينه عن اهتماماتي كي تقرري ان شخصيتك لا تثيرني)

تأوهت في نفسها بتعبٍ وهي تخبر نفسها انه عاد للعبث مره أخرى.. عاد يستخدم الاسلوب الحسي والمعنوي في إرباكها وجعلها كدجاجة مجنونة لا تعرف وجهتها
أرادت أن توقف تصرفاته فورًا.. أرادت أن تغلق الباب الذي يُصر على فتحه وبقوة
فقالت بصوتٍ مرتفع نافذ الصبر، مرتجف...

-(أنت مُدرك لمَ تفعله معي )

عقد جبينه وتسائل دون فهم...
-(لا أفهم)

صمتت للحظات تحاول تستجمع شتاتها قبل أن تزفر بقوة وتقول دون تردد، وقد خرجت الكلمات من عمق شعورها وتيهتها التي تأبى مفارقتها فقالت بصوتٍ مهتز....

-(أنت تحاول التقرب مني، تلامسني وكأنك.. وكأنك رجُلي.. وكأنك تبغيني وتحبني.. أو ترغبني
والان تحاول التقرب مني نفسيًا.. تود أن افتح لك قلبي وأخبرك عن نفسي.. ألا تظن أن ما يحدث خطأ ؟!)

كانت أمامه كقنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة
فحاول مسايرة الحديث معها وهو يضع كفيه في جيوب بنطاله ويسمعها بعقلٍ هادئ ولسان صامت...

-(وأين الخطأ هذا)

جعدت جبينها مندهشة وحدقت به كأنه كائن فضائي
ويسألها ما الخطأ.. ما الخطأ في محاولاته للتقرب منها؟!
ألا يدري النتائج المحتملة.. ألا يُدرك الواقع المريب الذي يشملهما.؟!
تأوهت مرهقة ورفعت كفها لوجهها تمسحه قبل أن تقول بهدوء مفتعل، حاولت التلحف به أمام هدوء أعصابه...
-(عائلتك تكرهني، أل غانم يرونني عدوتهم، يريدون أن يأخذوا طفلي مني.. عمتي كانت سبب في خراب حياة عائلة زوجي السابق، كل هذا وتسألني ما الخطأ)

تنفس لثوان قبل أن يحرك رأسه بإيجابٍ مفكرًا في أسبابها المنطقية، ثم تحدث بما فاض به عقله قائلا برزانة كادت تتسبب في أزمة قلبية لها...
-(أنا لا أخلط بين أفعال الناس ببعضهم.. إلا لو كنتِ راضية عما فعلته عمتك)

كانت كمن كتب ورقة طويلة عريضة وقدمتها له، فمزقها هو بعدما نظر لها بتقدير للحظات.. مذهولة من هدوء أعصابه وبرودته.. كيف له أن يكون ذلك؟!
كبحت انفعالها وخرجت نبرتها المتهمة قوية....

-(ولكنك لم تكن هكذا في البداية)

أجابها بجدية دون أن ينكر
-(كنت أظنك تزوجتي فايز لأجل المال)

سارعت بالدفاع عن نفسها ودحضت التهمة الظالمة...
-(لم يهمني المال ولو للحظة)

-(وهذا ما علمته بعد فترة قصيرة من البداية)

شعرت بالأرض تميد بها، وقد اوشكت طاقتها على النفاذ من ذاك النقاش الذي لا يقودهم سوى لشيءٍ أسوء فقالت مرهقة...
-(نُصير، أنا مُتعبة، محطمة.. لا قدرة لي لألاعيبك، لا أرى أنني استطيع تحمل شيء في الدنيا سوى الاعتناء بطفلي)

تجعد وجهه في ضيقٍ وسأم، وقد جذب مرفقها يشدد عليه دون قسوة وهو يقول كلماتها بهدوءٍ ممطوط علها تصدقه...
-(أنا لا أتلاعب بكِ )

-(إذًا ما الذي تفعله معي، ولمَ)

-(أنا أرغبك، ليست الرغبة التي جائت لعقلك فقط
وانما رغبة كاملة في كل ما فيكي يا مرام)

كلمة الرغبة بعثت في نفسها ارتعاش طويل دام لدقيقة
شعرت بمعدتها تتلوى ألمًا وقد صدمتها صراحته ووضوحه التام في قوله.. لم يتردد لحظة واحدة قبل أن يقول أنه يرغبها.. هل فقد عقله.. هل جن جنونه ؟!
جف حلقها وشحب وجهها وهي تقول بأنفاسٍ منتهية...
-(ولكن.. أنا.. أنا أحب فايز)

لم يثنيه تصريحها بالحب لزوجها السابق، بل كان جادًا هادئ، يعلم مالذي يريده.. يُدرك أبعاد ما قاله
ولكنه لوى شفتيه ببعض السخرية وهو يقول بنبرة ذات مغزى...

-(الحب كلمة لا تنطبق على علاقتك أنت وفايز، أشك أنك جربتي الحب يومًا يا مرام)

رمشت اهدابها للحظات، وفتحت فمها دون تصديق وقد بدى الشك واضح على وجهها كشمس الغروب في السماء
-(هل تحاول اخباري أنك تحبني ؟!)

بدى الاستنكار واضحًا على وجهه وهو يصحح قولها ضاحكًا...
-(بالطبع لا، سأكون كاذب لو قلت أنني أحبك.)

جذبت مرفقها منه وحاوطت رأسها الذي عاد يتصدع من الألم، وهمست لنفسها وكأنها على مفترق الطريق وقالت..
-(أنا لا أفهم أي شيء)

حدق فيها وفي حركاتها الهستيرية التائهة.. لا يدري لما تخلط الحب بأشياءٍ أخرى.. لمَ تعذب نفسها بتفكير لن يوصلها سوى لمشاعر سلبية لن تسمن ولا تغني من جوع؟!
عاد يتحدث مره أخرى وينتشلها من أفكارها...

-(ما الغريب فيما أقوله.. نحن الآن زوجين، أنت في حاجه لحمايتي ووجودي جواركِ أنت وبراء.. وأنا في حاجتك أيضًا لتكوني امرأتي)

رفعت وجهها له وانطلقت كلماتها في استنكارٍ عجيب وهي تردد بصوتٍ مأخوذ من الذهول ..

-(تحتاجني في فراشك دون حب !؟)

صمت للحظات قبل أن يحرك رأسه بإيجابٍ يؤكد على كلماتها مستخدمًا كلمات أنيقة أكثر مما استخدمتها هي وقال بمنطقية شديدة...

-(بغض النظر عن استخدامك الغير مناسب للكلمات ولكن دعيني أخبركِ أن نصف الأزواج في الدنيا إن لم يكن أغلبهم يذهبون للفراش دون حب.)

اندفعت الدماء لوجهها من مجرد التخيل؟!
هل يجوز هذا دون حب.. كيف هل يُعقل ؟!
وفي حالتهما هما بالذات لا يعقل.. هل جُن.. هل فقد عقله
حاولت دفع رغبته عنها وهي تردد بلهفة خائفة، تحاول إقناعه بشتى الطرق.. وتقنع نفسها...

-(ولكن لمَ أنا، اذهب لأي امرأة أخرى وخذها لفراشك دون حب)

-(أنا لست مزواج يا مرام، لا اُفضل التعدد، وأيضًا النوم مع امرأة دون زواج ليس ضمن اختياراتي.. تعلمين أن الزنا خطيئة لا مزاح فيها)

ابتلعت رمقها وزاغت عيناها في كل اتجاه فيما عداه
هو يريدها.. كيف.. ولمَ.. وما المميز فيها ليخوض كل هذه الحروب ليحصل عليها.. وكيف يودها دون حب كيف ؟!
جف حلقها وهي تنظر لوجهه الهادئ.. جميل المحيا وهي تقول مرتبكة..

-(ولكن أنا لا أُصلح لك.. تستطيع أن تطلقني وتتزوج أي فتاة أخرى، وأيضًا ستكون فتاة لم يسبق الزواج لها أو معها طفل وتكون أنت الأول في حياتها و...)

أمسك كفها المرتجف من الغضب والذهول، ورفع اصابعها يعد عليها ما يقوله وهو ينظر لعينيها بتصميم لا ينكسر، وقوة سحقت الضعف في نفسها وهو يقول...

-(أستطيع أن أتزوج من تفوقك جمال، وأكون أول رجل في حياتها وفراشها.. أستطيع أن أفعل أي شيء أريده
ولكن أنا أريدك أنتِ)

صرخت في وجهه بجنون وقد انطلقت قبضتها تلكم صدره بقوة، تُخرج فيه شحنات غضبها وارتباكها
تحاول إجباره على نسيان ما قاله.. تُثنيه عما يريده...

-(ألا تملك عينان تنظران لي ولحالي.. صدقني لن أستطيع يا نُصير، أرجوك ألا تكون همً أخر فوق همومي)

احتجز قبضتيها بين أنامله وصدره وهو يغمغم بهدوءٍ مستفز زاد من حدة جنونها
-(اطمئني يا مرام، لن أجبركِ على شيء.. ولكن لن أتركك لنفسك ولمحراب ذكرياتك)

-( ما الذي تقصده)

سحق إي مسافة بينهما، والتصق بها أكثر، يقرن أفعاله بكلماته التي انطلقت منه بتصميم شديد، ونعومة انسيابية بعثت ألم غريب لأنحاء جسدها وهو يغمغم...

-(أقصد أنني سأكون أقرب لكِ من أنفاسك.. لن أجبرك جسديًا..ولكن سأنتزعك من قيود فايز وأثار خرابه الذي دفنتِ أسفله)

انفلتت منها صيحة غاضبة متوترة، وكأنها تلومه...
-(عليك أن تكرهني كعائلتك.. لمَ تفعل كل هذا؟!)

هل هي غبية!؟
صدح السؤال في عقله وظهر واضحًا في عينيه
كم من المرات عليه أن يخبرها أنه يرغبها، يريدها زوجة
إلى متى سوف يردد أنه لا يكرهها ولو لذرة واحدة، حتى قبل أن يراها.. وأن خوفها منه نابع من أشياء في خيالها فقط ؟!

-(ولكنني لا أكرهك.. أما بالنسبة لسؤال لمَ أفعل هذا
فكم مره يجب أن أخبركِ فيها أنني أريدك يا امرأة ؟!)
انهى كلماته وهو يتنفس انفاسٍ حارقة أمام وجهها، خالفت نسائم الهواء حولهما
كانت عيونه متعلقة بملامحها.. ينظر لشفتيها المرتجفة خوفًا ورهبة.. وشيء داخله أرادهما يرتجفا رغبة
يدري أنه يملك خيوط شعورها.. يدرك أن الحزن يخفي مشاعر أكثر.. يعلم أن خلف صمتها حديثٍ أكبر
لن يخرج سوى بالانتزاعِ

مال بفمه على ثغرها، ينوي قطاف ثمارها  ولكنها تراجعت فجأة وصاحت في ذعرٍ وهي تحاول استيعاب تصريحه المؤكد والواثق في رغبتها.. فتنفست بحدة وهي تحاول الفرار قائلة
-(نُصير أرجوك)

كانت أنامله رقيقة عليها، لا تُشكل أي تهديد أو قسوة
بل أنامل لرجلٍ خبير يُدرك أن امرأة كـ مرام تحتاج لكل ذرة لين في نفسه.. تحتاج لقوته الغير مؤذية رغم رفضها
فضمها له وهو يفكك قبضتها المكورة على صدره ويهمس بخفوت لائم نعومة الماء في وقت الغروب....
-(لا تخافي مني، أنا لن أؤذيكِ)

حاولت إبعاد وجهها المتوهج عنه وهي تهمس بصعوبة..
-(نُصير)

شدد يديه حولها يريحها على صدره.. يثبت وجهها ناحية الغروب، بعدما تراجع عن تقبيلها ، واكتفى بتمرير شفتيه على صدغها كي يأثرها سحره وتنسى هواجسها.. بينما كفيه يدلكان كتفها في رقة أربكتها وأرسلت مشاعر محظورة لجسدها.. وقد جاء صوته خافتًا ناعمًا، يحوي إغراء لن تستطع صده...

-(أريحي كتفيكِ من هموم الدنيا، وأنا سأحملها عنكِ يا مرام.. أنا هنا)

ومن بعيد جدًا عاد صوت الشابه مختلط بنسمات البحر الباردة، تغرد في كبرياءٍ وشجن.. وكأنها صدى صوت يلاحق مرام ويذكها ألا تنغوي.. ألا تدعه يتملك منها
وتحذره من زهو السعادة بعد الإغواءِ

فـلا تـفرح إذا أغــويت قـلـبي
فـقـد تـصحـو على دمـع الرجـال
ولا تفـخـر بمــا هــدمـت مـنـي
ولو غـيـرت تـاريـخ الجـمـال
لإن تـبـقي الأهــات عـمـرًا
فـبعـض الــأه مـن بعض السـؤال.

                               ***
نهاية الفصل

Continue Reading

You'll Also Like

758K 24.7K 105
رواية رد قلبي للكاتبة وسام أسامة وهي مؤلفة سلسلة قاسٍ ولكن أحبني ومشاعر قاسية وغيرها من الروايات الالكترونية الشيقة
511K 24.1K 35
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
8.1M 514K 53
رجلٌ شرسٌ شُجاع مُتقلبُ المزاج غريبُ الطورِ عديَمُ المُشاعر حيَادي لا ينحاز سَديدُ الرأي رابطُِ الجأَشِ وثابِتُ القلب حتىٰ.. وقعت تلك الجميلةُ بين...
11K 313 29
الملخص : دوامات تتقاذفها،موجات من الألم تصدمها تكاد تشق صدرها و تقبض قلبها.... لم تعي ما يحدث لها ، كل ما كانت تدركه حينها هو ذلك الألم الساحق الذي ي...