(غصونك تُزهر عشقًا)

Od WesamOsama357

311K 17.3K 1.6K

يناديها يا حفنة العسل فيسيل الحب في قلبها حارًا غصونك تُزهر غشقًا الرواية الأولى في سلسلة (لعنة تسمى العشق) Viac

غصونك تُزهر عشقًا
اقتباس من وحي الأحداث
تواقيع أبطال رواية غصونك❤️❤️
تنويه عن مواعيد الرواية💚
الفصل الأول
اعلان الفصل💚
الفصل الثاني
تنويه❤️
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
اعادة نشر الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع " الحزء الأول"
مهم❤️✨
الفصل السابع2
الفصل الثامن 1
الفصل الثامن 2
الساحرة البدوية❤️
الفصل التاسع
حضور معرض الكتاب
الفصل العاشر
معرض القاهرة الدولي💚
مهم جدا
مهم
الفصل الثاني عشر
الرواية الجديدة
الفصل الثاني عشر 2
الفصل الثالث عشر
الثالث عشر 2
الفصل الرابع عشر
اقتباس❤️
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر 1
الفصل السادس عشر2
الفصل السابع عشر
مهم❤️
اقتباس
الفصل الثامن عشر
العودة💖
الفصل التاسع عشر
الفصل التاسع عشر 2
الفصل العشرون
الواحد والعشرون
هام جدًا
الفصل الثاني والعشرون
اعلان الفصل
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون (جزء أول)
مهم
العودة
الفصل الرابع والعشرون الجزء 2
الرابع والعشرون الجزء٣
الرابع والعشرون 4
جزء من ٢٥
الفصل الخامس والعشرون الجزء2
الفصل الخامس والعشرون ٣
معرض الكتاب
لعشاق رد قلبي والغزالة الشاردة
مهم
الخميس والجمعة
العودة
(الفصــل الســـادس والعشـــرون)
(الفـــصل الســـابع والعـــشـــرون)
(الفصــل الســابع والعشــرون ٢)
الفـــصل الثامن والعشــرون
الفصل الثامن والعشرون ٢

الفصل الحادي عشر

5K 360 54
Od WesamOsama357

"الفصل الحادي عشر"



دع جمال الوجه يظهرْ


لا تغطي يا حبيبي


طول ليلي فيك أسهرْ


زاد شوقي ونحيبي



هكذا المحبوب يقهرْ


بالجفا قلب الكئيبِ


كل شيء عقد جوهرْ


حلية الحسن المهيبِ


......................................................


الساعة التاسعة صباحًا



في جلسة دافئة لم تعتادها منذ زمنٍ بعيد، كانت جالسة في المطبخ، المكان المُفضل لنجاة..أو كما تطلق عليه "مملكتها"، تجلس على المقعد المريح وتُمسك كوب مشروب الشوكلاه الذائبة، ترتشفه ببطئٍ ولذة.. تراقب صغيرها الجالس أرضًا وهو يلعب بالقطار الطفولي الذي أهداه له ربيع منذ أيام.



لم يهده قطارٍ فقط، بل ودبٍ محشو، وكرات ملونة، وشاحنة بلاستيكية ذات عجلات سريعة، تُشعل الحماسة في براء


ورغم ضيقها ورفضها في كل مره يأتي بلعبة لبراء، يقول بهدوءٍ باسم ونبرة ودودة تصد رسميتها...


-(الألعاب ستعوضه عن عزلته قليلًا، سأتوقف عن إهدائه الألعاب حينما تنزهيه خارج المنزل، وتري وتريه الحياة أيضًا)



كانت محاولاته اللحوحة تزداد يومًا بعد أخر؛ يشجعها أن تخرج وتتنزه، ترى الدنيا خارج أسوار منزل نُصير


حتى نجاة، لا تتوقف عن تأنيبها المتكرر، كلما رفضت التنزه مع ربيع؛ ولا ترفض لسوءٍ فيه، بل لأنها لا تستطيع التأقلم مع مرحة ونشاطه، تبدو كئيبة ومنطوية كلما جلست معه.


لن تنسى حينما خرجت معه ومع نجاة، كانت متشبثة ببراء، وتسير جوارهما بحذر وعينيها تطالع كل الوجوه حولها بفزع خفي، تخشى أن يظهر أحدهم فجأة ويختطف الطفل منها، تخشى أن تقع في خديعة مُحبكة نسجتها أميرة، لا تأمن مكرها، لا تأمن كُرهها وحقدها.


وانعكست مشاعرها السلبية على كل شيء حولها، وتحولت النزهة لشيءٍ فظيع، وارتفع الاختناق في صدرها


ولم تهدأ إلا حينما عادت للدار من جديد، حالما وضعت قدمها في منزل نُصير؛ ارتفع الأمان لقلبها، تلاشت البرودة عن جلدها وبدأ الدفئ يتسرب لها من جديد


عادت للدار آمنة، وانتهت النزهة المريعة.



انتبهت من شرودها وانفها يلتقط رائحة فطيرة التفاح، التي خرجت توها من الفرن الكهربائي؛ وانتشرت رائحتها اللذيذة في الأرجاء.


استنشقت الرائحة باشتهاء وهي تردد باسمة...


-(رائحتها خطيرة يا نجاة، لأول مره سأتذوق فطيرة التفاح هذه)



ضحكت نجاة وهي تُمسك السكين وهي تحدد قطعة مربعة الشكل من الفطيرة وتنقلها لطبقٍ أنيق، أوضح جمال ولذة القطعة التي حوت قطع التفاح الساخنة، وقد ارتفعت الرائحة لتُكمل تلك اللوحة الفنية اللذيذة


فقدمتها لمرام بعدما وضعت شوكة صغيرة وهي تقول باسمة....


-(لا أفعلها إلا نادرًا، نُصير لا يأتي هنا سوى قليل جدًا


ولا أصنعها له سوى مره أو مرتين كل عام)



غرزت شوكتها في الفطيرة ثم رفعتها لفمها، تتلقفها بشهية وحماس طفلة برزت من بين جوانب سكونها


تفجرت الأطعمة في فمها بلذة لم تكن تتوقعها، ذاب التفاح المطهو في فمها، ولذعتها القرفة للحظات قبل أن تترك طعمها الشهي في جوانب فمها.


توسعت عيونها بذهولٍ وهي تلوك الفطيرة بشهية كبيرة


وتردد بصوتٍ حماسي لأول مره تسمعه نجاة....


-(الفطيرة لذيذة جدًا يا نجاة، لمَ لا تفعلينها دائمًا !!)



طاف الحنين على وجه نجاة ولمع الدمع في مقلتيها، لم تكن دموع عادية، بل دموعٍ مـُرة تتنافى مع حلاوة فطيرة التفاح.. دموعٍ جعلت مـرام تبتلع ما في فمها دون أن ترفع الشوكة مره أخرى، وقد كبحت رغبتها في التهام قطعة الفطيرة كاملة، ووجهت انتباهها لنجاة التي لم تكن كنجاة التي عرفتها أبدًا.. فتركت شوكتها وقالت بتردد واضح...


-(هــل تُذكرك فطيرة التفاح بشيءٍ مُحزن ؟!)



رفعت نجاة أناملها تمسح جوانب عيناها قبل أن تبتسم ابتسامة مرتجفة تشققت من هشاشة اصطناعها وهي تقول...


-(بل على العكس، تحمل لي أجمل أيام وذكريات..حتى أن نُصير يُصر أن أصنعها له في بعض الأحيان)



-(ولكن لمَ الدموع يا نجاة)



تنهدت الأخرى وهي تلتفت وتجذب كوب من أحد الأرفف وتملأه بالشاي الساخن وهي تتأمل إحمرار المشروب ووهجه أسفل أشعة الشمس...


-(الدموع ليست علامة دائمًا على الحزن يا مـرام، الدموع حُب وحنين، حياة وأمل، ذكريات وأشخاصٍ رحلوا وتركوا لنا حلو الذكريات ومُر فقدهم.. الدموع رفيقة الحياة يا حبيبتي، فلو نفذت دموعنا..حينها تنتهي صفحات حياتنا)



وضعت كوب الشاي أمام مَرام وتحدثت باسمة وهي تحاول الهروب من السؤال المتردد في عيون الاخرى وقالت...


-(خذي رشفة من الشاي المُر، وبعدها خذي قضمة من الفطيرة..جربي كلٍ على حدى أولا)



رفعت الكوب لفمها ترتشفه ساخنًا، وقد تسربت مرارته في أرجاء فمها، تمحي أي أثر لطعم السُكر أو التفاح


فتجعدت وجهها بشكلٍ أضحك نجاة التي قالت من بين قهقهاتها....


-(تبدين كطفل تناول دواءٍ مُر يا مضروبة..هيا خذي قضمة من الفطيرة وبددي مرار أيامك الماضية هيا)



بسرعة ملهوفة أمسكت شوكتها ووضعتها في الفطيرة تقطع منها وتقضمها سريعًا لتبدد المرار في حلقها


ولكن عاد وجهها يتشنج في ذات التعبير المضحك، وهي تجرب حلاوة السكر المبالغ فيها، بعد مرارة الشاي


حينها ارتفعت ضحكات نجاة عاليًا دون أن تجد القدرة على التحكم بها وهي تتحدث بصعوبة من بين ضحكاتها


-(ههههههه، ياربي، لا أستطيع.. كُـ..كنت أود أن ألقي حكمة عن الحياة وأبدو عميقة ومخضرمة..ولكن..ههههه..وجهك لا أستطيع..وجهك يبدو مضحكًا..هههه، والله دمك أحلى من فطيرة التفاح يا مضروبة..ههههههه)



شاركتها مرام ضحكاتها العالية، بعدما ارتشفت الماء لتُمحي التضاد الذي فعلته نجاة في فمها بسبب مواعظها الغير مكتملة، ولكن عاد الاطمئنان يلاطف قلبها حينما عادت ضحكات نجاة من جديد وارتفعت في أوفق مملكتها ذات الرائحة الشهية



ليت كل البيوت مُزينة بنجاة، ليتها تستيقظ كل صباح على رائحة مخبوزاتٍ شهية، ويدًا طيبة كيد نجاة


تنهدت وهي تغرز الشوكة في الفطيرة دون أن ترفعها مره أخرى، وقد غابت عيناها في شرودٍ طويل وهي تتسائل



أحقًا ماتت والدتها اثناء هروبها من دار الغانم


أحقًا ساعدت عمتها شمس في تخريب حياتهم


هل كانت امرأة فاسدة على وصف نُصير، أم انها بريئة براءة الذئب من دمِ ابن يعقوب ؟!



في ثوانٍ قليلة اضطرب شيء ما داخلها، وتهدجت أنفاسها متوترة وهي تبصر ذاك الواقف على باب المطبخ، يستند للباب بغرورٍ وتعالٍ لائم ملابسه الباهظة والعزة في عينيه


ارتجفت يدها الممسكة بكوب الشاي وهي تسمع نجاة تتحدث بحنق متهكمة....


-(أنت يا ولد، ألم أخبرك ألا تدخل المنزل هكذا فجأة، ألا يسكن فيه نساء، أتخال نفسك شبح، أو مصاص دماء لتتنقل حسب رغبتك)



ابتسامة كسولة زحفت لشفتيه، ولائمت العبث والهزل في عينيه، وهو يغمغم بصوتٍ هادئ مثير يبعث الرجفة في بدن الحائرات...


-(وأنا أيضًا اشتقت لكِ يا چيچي)



تململت مرام في جلستها بغير راحة ويدها منقبضة على منامتها المنزلية المحتشمة نوعًا ما، فوقفت عن مقعدها وهي تقول بنبرة خافتة وعينيها تهرب من مواجهته...


-(الحمدلله على سلامتك يا سيد نُصير، بعد إذنكما)



انهت جملتها الخافتة واختفت من المطبخ في لمح البصر وهي تحمل طفلها على عجل، تهرب من نصير ومن نظراته التي تجعلها مرتبكة


كيف لها أن تأمن في بيته ولكن لا تأمن نفسها معه


كيف تستشعر أمان منزله لأنه ينتمي له، ولكنها لا تشعر نفسها مأمونة منه هو ؟!



تحكمت في انفعالاتها وهي تسير لغرفتها وتسمع نجاة تتحدث بضيقٍ من بين ابتساماتها المُرحبة بوجوده الخفيف على قلبها....


-(ياحبيبي أنت مرحب بك في أي وقت، ولكن المنزل صار فيه امرأة، وبالتأكيد ستكون حرة في ملابسها المنزلية


لقد عهدتك ذكي وتلقطها وهي طائرة، ما بالك صلف هكذا!؟)



لم تجد منه سوى الابتسامة الكسولة، وهو يتقدم من فطيرة التفاح، يقتطع منها قطعة متوسطة الحجم، ويضعها في صحن، قبل أن يغسل يده ويجففها، ويجذب الصحن والشوكة بعدما جلس في موضع جلوس مَرام.. ويلتهم الفطيرة بشهية وهو يقول بهدوءٍ كهدوء رياح الربيع...


-(أكملي ما كنتِ تقولينه ياعزيزتي)



تنهدت نجاة بيأس وهي تضرب كف فوق أخر وتلتفت لبراد الشاي قائلة بحنق...


-(لا فائدة منك يالوح الثلج، سأعد لك كوب شاي لألتهي عنك وأنسى ظهورك المفاجئ هذا)



اتسعت ابتسامته وهو يسمع تمتماتها الحانقة، ثم مد كفه لكوب الشاي الذي فقد سخونته..نظر له للحظات قبل أن يرفعه لفمه يرتشف منه متلذذًا بمرارته


فجائه صوت نجاة وهي تتحدث سريعًا...


-(هذا كوب مرام، انا سأعد لك أخر ساخنًا الان)



أخذ يقضم الفطيرة الحُلوة ويرتشف الشاي بشهية كبيرة


-(لا بأس يا چيچي، أحب الشاي باردًا)



وضعت نجاة ما بيدها وحدقت فيه مندهشة للحظات، وهي تسمع كلماته الغريبة على أذنيها، نُصير الذي لا يشرب المشروبات الساخنة إلا والبهار يتصاعد منها، ويُنهيها والكوب لازال ساخنًا، يقول أنه يحب الشاي باردًا ؟!


أطلقت ما في جعبتها بتهكم واضح...


-(ومنذ متى تشرب الأشياء باردة، فناجين القهوة المهدورة تشهد على عنجاهيتك يا مُبزر، والأن تحبها باردة!؟)



أنهت كلماتها على دخول مـرام التي بدلت ثيابها بأخرى سوداء محتشمة، ووضعت صغيرها أمام ألعابه من جديد


ولازالت تهرب من النظر له مباشرة، تخشى الاحتكاك به أو حتى خلق حديث عارض بينهما


ولم يخفى عن نُصير هروبها منه، لذا ثبت نظراته على وجهها وهو يرفع كوبها لفمه يرتشف أخر ما فيه قائلا...


-(فقد ميزة أنه ساخن ولكنه حمل ميزة أخرى، ولكن أتمانعين أن أشرب كوبك يا مـرام)



نظرت للكوب الذي وضعه فارغًا على الطاولة، حتى لو مانعت، لقد ارتشفه كاملًا، ويسألها لو كانت تمانع؟!!!


ولكنها أجابته بخفوتٍ مؤدب...


-(لا أبدًا، كما تريد)



جاء صوت نجاة وهي تسخر منه مره أخرى قائلة..


-(بعدما أنهيته تسألها ؟!، كنت اشرب من الجهة الأخرى، فهذا موضع شراب مرام، لا نود أن نراك تركض خلفها كالمجانين)



-(تعلمين أني رياضي يا چيچي، لذا لا تقلقي عليّ)



نظرت نجاة لوجه مـرام الذي بدأ يتلون حرجًا من مزاحهما السخيف الذي لا يضحكها أبدًا


فتحدثت الأخرى مولسية بنبرة حملت تهكم وتحريض...


-(لا تخجلي من وقاحته ياحبيبتي، ولا تأخذي على حديثه، ذاك المغرور يملك العديد من النساء، كوني عنيدة ولا تنضمي لهن، لا تدعيه يجتذبك بحلو لسانه)



كان قد انتهى من تناول قطعته من فطيرة التفاح، وكذلك كوب الشاي، فأزاحهما جانبًا وهو يقف قائلا بهدوءٍ خال من المزاح تمامًا..


-(ان انتهيتي من حديثك ياچيچي، اذهبي لوعدكِ الان


وأنا سأخذ مـرام في رحلة قصيرة في الساحل)



في لحظاتٍ قليلة، صعد الشحوب على وجه نجاة، حينما أتى على ذكر الموعد..تبخر المزاح والسخرية ولم يتبقى منها سوى وجهٍ شاحب ولسان متردد وهي تقول...


-(ولكن..)



جاء صوته يدحض ترددها وهو يقول حاسمًا...


-(لا داعي للتأجيل يا نجاة، أعلم أنك لن تذهبي من تلقاء نفسك..ولا تخافي على مرام وهي معي)



تنهيدة طويلة خاوية من الحيلة، خرجت من فم نجاة قبل أن تحرك رأسها بإيجاب، تؤكد على المعنى الخفي في كلماته، وتزيد من حيرة الواقفة بينهما فقالت بهدوء...


-(حسنًا، اعتني بها وبالصغير، سأبدل ملابسي وأذهب)



ثم ربتت على وجنة مرام قبل أن تخرج من المطبخ قائلة برفق..


-(استمتعي ياعزيزتي)



خرجت نجاة من المطبخ وساد الهدوء من بعدها، باستثناء أصوات ارتطام الألعاب ببعضها نتيجة للعب براء


ولكن كان هناك صمت من نوعٍ أخر، صمت غلف مرام التي كانت في حيرة من أمرها..هل تاخذ ولدها وتغادر المطبخ وتتركه مفرده، أم تبقى معه وتسمع ما يود قوله؟!


وحينما طالت حيرتها، سمعت صوته يخرجها من شرودها وهو يقول بهدوء...


-(لم تستخدمي بطاقة الائتمان التي اعطيتها لكِ ولا مره واحدة.. لمَ يا مرام)



بقت للحظات تحاول تذكر البطاقة التي أعطاها لها حينما جائت لمنزل الساحل، أخبرها أن تشتري ما تود شرائه في أي وقت، وأن البطاقة تحت تصرفها دائمًا.. حينها رفضت ولكنه أصر أن تبقى معها..وقبلت بأخذها دون أن تستخدمها


لذا أجلت حنجرتها قبل أن تغمغم بخفوتٍ ممتن....


-(انا لم أحتاج إليها، شكرًا لك)



ساد صمت أخر بعد إجابتها المتباعدة، فتحدث مره أخرى وهو يضع كفيه في جيوب بنطاله الأسود، وعينيه تحدق فيها دون أن ترحم رجفتها الغريبة...


-(هممم، وأيضًا هاتفكِ مغلق أغلب الوقت)



-(أتحاشى إتصالات أبي)


إجابة أخرى مختصرة ألقتها له، تنهي بها أي نقاش قد يفتحه معها، ولكنه اقترب منها خطواتٍ معدودة وهو يغمغم بصوتٍ خافت حمل تساؤل لا تملك له إجابة..


-(لمَ تخافين مني ؟!)



ابتلعت رمقها سريعًا واندفعت تدفع تهمة الخوف عنها قائلة بحدة لم تقصدها...


-(أنت مُخطئ..أنا لا أخافك)



تبسم على اندافعها وتأمل وجهها الشاحب، وعينيها التي تمشط الأرضية، ولم ترفعها للنظر له سوى مره واحدة منذ أن جاء، فقال بنبرة هازئة...


-(إذًا لما لا تنظرين لي، لا أظن أن الأرضية تريح عيناك أكثر من النظر لي)



صمتت للحظات قبل أن ترفع عيناها له، تحدق فيه بنظراتٍ باهتة أكدت على صدق كلماتها التي خرجت صريحة دون تردد..


-(أنا لا أشعر بالارتياح معك)



لأول مره عيناها تطوف على وجهه وهي تتحدث بكلماتها الصادقة، الخالية من أي زينة أو مجاملات، فتبسم قائلا..


-(أحب الصدق جدًا، أكملي يا مرام، مالذي لا تحبينه فيّ أيضًا)



-(أنا ممتنة لمساعدتك لي، ولكنني لا أحب ظهورك فجأة)



حرك رأسه بإيجاب وتمتم بذات الهدوء والنظرة المتربصة في عينيه...


-(نعم أكملي)



تابعت حديثها وهي تحاول التمسك بشجاعتها قبل أن تتركها وتتبخر فجأة وتعجز عن قول ما يضجر مضجعها ويكوي حشاها قائلة ..


-(أعلم أنه منزلك، ولكن ليس من حقك أن تدخل وتخرج كما يحلو لك، كما قالت نجاة، في منزلك امرأة غريبة عنك)



-(ولكنك لستِ غريبة يا مرام، أنتِ تنتمين لي أيضًا كبيتي)



جعدت جبينها بعد جملته التي ألقاها بهدوءٍ ويقين لن تفهم مصدرهما، فقالت حائرة...


-(ماذا ؟!)



-(ألستِ أرملة إبن عمي وخالتي أيضًا، إذا أنتِ من عائلتي وتنتمين لي)



رجل غير واضح، كلماته تحمل أكثر من معنى


وهذا ما يزيد فزعها الداخلي منه، في قرارة نفسها كانت تدري أن نُصير يملك شيء يرهبها، لا تدري أهو هدوئه الغريب، أن عيناه الماكرتان، العبث والتلاعب الذي يستخدمه في كلماته، لا تدري بالضبط ما يوترها فيه


رغم مساعدته لها وإيوائها في داره، ورغم أنه يحميها من عائلة الغانم وقسوتهم، إلا أنها لا تأمن نفسها معه


شيء ما فيه ينذرها بخطرٍ محدق بها.


ابتلعت رمقها وهي تتنفس الصعداء قبل أن تقول بهدوء حاولت نسجه في صوتها المهتز...


-(سيد نُصير، وجودي هنا سيكون مؤقت، سأبحث عن منزل وعمل و...)



تلاشى المكر من عينيه وقطع الماسفة الفاصلة بينهما، وقف أمامها تمامًا يحدق في وجهها بشيءٍ من الحدة والذهول وهو يشرف عليها من علوٍ ويقول...


-(يا امرأة لمَ تخافين مني، هل يبدو عليّ ما يبعث الرعب لقلبك... أنا اسمع نبضاتك من هما، لمَ الخوف ؟!)



تلاحقت نبضاتها في فزع، وشعرت بأن الأرض تميد وتكاد تطيحها، حاولت تعود خطوة للخلف ولكنها انتبهت للطاولة التي تعوق ابتعادها عنه فقالت بصعوبة ونبضٍ متصاعد...


-(أنا..أنا لا أخافك)



صمتت وصمت، ما عاد صوتٍ ظاهر حولهما سوى همهمات براء اثناء لعبه، ونبضاتها التي بدأت تضرب جسدها بعنفٍ ظاهر.. حينها مال نُصير عليها يحدق في عينيها بلا رحمة


ينسج شباكه حولها ويهيئ المصيدة لدخولها.. يستخدم عيناه كحيلة لزيد من توترها وارتجافتها أكثر، وما زاد الوضع سوءًا..هو صوته الخافت الذي نفذ لقلبها كـ سهمٍ منطلق يزيد من رعدتها...


-(لو كان هذا النبض ليس خوفًا، فهل يكون لشعورٍ أخر)



صوتٍ مستنكر شابه الصراخ الحاد خلفهما، أنقذ مرام منه ومن سطوته وهي تتحرك نحوه، تجذبه ليبتعد عن مرام وتحاوط كتف الشاحبة وهي تقول بحدة واضحة تزجره...


-(يومك أسود يازير النساء، ابتعد عن البنت، ماذا هل ستبتلعها، ألم ترى نساء قبلًا...خذ خطوة للخلف، ولا أراك قريبًا منها مره أخرى..تزوجها أولًا وافعل ما يحلو لك)



جاء صوت الدائخة جوارها تثنيها عن ما قالته في أخر كلماتها...


-(نجاة ما الذي تقولينه)



صوبت نجاة نظرة حادة لها وهي تضرب كتفها زاجرة ولسانها اندفع يردد بلا أي تردد أو مجاملة....


-(أين كان لسانك وهو يحجزك بين الطاولة وجسده يا حمقاء، لو اقترب منكِ مره أخرى، ارفعي قدمك واركليه ليعود إلى رشده، ولكن لا تركليه بعنف، قدمك ستؤلمك من صلابته الله أكبر)



لحظات قليلة وانتشلها نُصير كاللعبة من يدونجاة، يتحرك بها لخارج الدار وهو يلقي كلماته بهدوء لنجاة..


-(صرتِ ثرثارة يا نجاة، انتبهي للطفل طالما أنكِ موجودة في المنزل)



وقبل أن تجيب كان قد خرج من المنزل بأسره ويسحب مرام خلفه لتواكب خطواته الواسعة، حاولت أن تجذب يدها منه أكثر من مره وهي تقول واجمة....


-(سيد نُصير، اترك يدي هذا لا يصح و..)



وصل للشاطئ أخيرًا وترك يدها كما أرادت وهو يغمغم في هدوءٍ وكسل ..


-(ششش، فرغي أفكارك المريعة هذه من رأسكِ واصمتي قليلًا يا مرام)



وجدته يخلع حذائه وجوربه ويلقيهم جانبًا، ويشمر بنطاله قبل أن يسير على رمال الشاطئ، يستمتع ببرودة المياة ونعومة الرمال أسفل قدميه..


السماء تعلوهم


والبحر يجاورهم


والرمال الصفراء أسفلهم


لوحة ربانية بديعة لم يجد لها مثيل.


استنشق رتئحة اليود التلي اختلطت بالنسيم البارد قبل أن يسألها فجأة...


-(تحبين البحر؟!)



جاء ردها جافًا لا يليق الجمال الذي يحاوطهما، فقالت...


-(لا، أخشى المجهول)



-(ولذلك تخشينني!؟)



-(أنا لا أخشاك، كم مره سأقولها لك..أنا ارتبك حينما أكون مع أشخاص غريبة)



-(ولكنك لم تكوني مرتبكة مع ربيع حينما يأتي للمنزل)


جعدت جبينها متفاجئة، هو لم يأتي ولو مره حينما مان ربيع يأتيهم كل يوم، كان مختفي في قريته وبين عائلته


كيف علم أنها لا ترتبك أمام ربيع، ولا تعامله بجفاء كما تعامله الان..خرجت جملتها مختصرة مذهولة وهي تسأله


-(كيف علمت)



ألقاها بطرف عينيه قبل أن يعيد ما قاله سابقًا، ولكن هذه المره ظهرت النبرة القوية فيها وهو يقول...


-(هذا منزلي، وكل ما فيه بما فيه أنتِ تنتمين لي، فلا تسأليني عن العلم بما أملكه)



توقفت عن السير جواره، وهي تحدق فيه للحظات قبل أن تقول كلماتها برفضٍ قاطع، لا تقبل وجودها بين الأشياء التي عدها فقالت بهدوء حاد...


-(أنت لا تملكني يا نُصير)



التفت لها يحدق في وجهها الصلب وعينيها التي حملت قوة استطاع رؤيتها الان، قوة تتنافى مع ضعفها الذي شهده أكثر من مره، قوة مستحدثة، علمت أنها تملكها بين حوانبها.. استطاعت إيقاظ النمرة في نفسها لتكون متأهبة للانقضاض عليه في أي لحظة.


كانت قوتها تروقه أكثر من ضعفها وهوانها، وقوتها تلم هي من دفعت للابتسام وهو يتحدث بهدوء تام...


-(يظهر الجمال الحقيقي بعد النظر الثانية، لأنها تكون فاحصة، مُركزة، لا انبهار فيها ولا هوى)



ارتبكت مره أخرى من كلماته التي جائت خارج السياق، في خارج محلها تمامًا فقالت مندهشة...


-(ماذا؟)



أعاد قول كلماته وقد وضحها أكثر، لتفهم المغزى من خلفه...


(تملكين عيون عادية تمامًا، ولكن بالنظر مطولًا لها والنظر فيها مره ثانية، يظهر جمالها الحقيقي.)



صمتت للحظات بعدما انتشرت الحمرة على وجنتيها، فقالت بهدوء حانق أخفت منه ارتباكها


-(سيد نُصير)



-(نعم يا مرام)



جاء صوتها حادًا وهي تقول ما توصلت له بعد تفكير وتمحيص لا يقبل الشك، على الأقل بالنسبة لها...


-(أنت تغويني)



صدحت ضحكاته وبدت التسلية واضحة في عينيه العابثتين زهوو يردد خلفها ضاحكًا....


-(أغويكِ ؟!)



حركت رأسها بإيجاب ترفض أن تنخرط معه في الهزل، وتؤكد كلماتها بحدة خرجت منها كسهامٍ مسممة بغرض أن تعنفه على جرأته معها قائلة...


-(نعم تغويني، وأنا لن أتجاهل اغوائك وأتصرف كأنني لم اسمعك فقط لأنك تحميني وتأويني في دارك.. أنا سأرحل و...)



وقف مكانه وجذب مرفقها يمنعها من المتابعة، ينفي ما ألقته به قبل لحظات، وقد خرج صوته عميق يحمل شيء مجهول في جوانبه، ونظراته اللحوحة صوبت لعمق عيناها وزادت من تشتتها وتبعثرها أمامه...


-(أنا لا أحتاج إغوائك، الغواية تكون لشخصٍ لا يود الشيء، فيغويه الشيطان ليجره لها.. وأنا لا أحتاج الغواية أو الشيطان معكِ يا مرام.)



كلماته مبهمة المغنى كحال أغلب كلماته..لا تفهمه ولا تملك رفاهية الصبر على ما يقوله.. فاندفعت تقول بصوتٍ مجهد، وقد تعبت من تلك المواجهة الغريبة...


-(أنا لا أفهمك، ما الذي تريده مني؟!)



ساد الصمت بينهما للحظات قبل أن يقول بهدوء شديد


-(توصلت لاتفاقٍ مع فراس، اتفاق سيضمن لكِ وجود طفلكِ معكِ، وأيضًا سيؤمن مستقبله ماديًا و..)



سارعت تقاطعه بفزعٍ صادق وزهدٍ واضح...


-(أنا لا أريد أي شيء منهم، فقط يدعوني بسلام وأنا سأعمل وسأوفر حياة جيدة له)



كانت صادقة


هو يعلم أنها لا تود أي شيء من عائلة الغانم، لا تود سوى أن تختفي بولدها دون أن يهددها أحدهم أو يحاول نزع طفلها..كانت زاهدة في كل شيء يخصهم


تحدث بهدوء وهو يتأمل تقاسيم وجهها..


-(دعي المستقبل جانبًا، وركزي فيما سأقوله


هل تدرين إلى أي بلد سافرت عمتك شمس!؟)



تسمرت عيناها للحظات، تبحث في عقلها عن إجابة تلائم سؤاله الذي فاجأها، ولكن بعد لحظات، طغت الحيرة على وجهها وهي تعتصر عقلها تحاول تذكر أي شيء يخص سؤاله، قبل أن تقول نافية بحيرة واضحة..


-(لم يذكر أبي أين ذهبت بالضبط، قال انها سافرت لدولة من دول الخليج واكتفى بذلك، لم يذكرها أبدًا بعد سفرها)



صمت وهو يشيح وجهه عنها، ينظر للبحر وموجاته المتلاطمة بالقرب منهما، كان ضجيج البحر لا يقارن بضجيج روحها، صوت الأمواج المتلاحقة لم تكن كأنفاسها التي تلاحقت في لهفة كبير وهي تقول بصدقٍ خرج من أعماق روحها...


-(ماهو الاتفاق يا سيد نُصير، سأفعل أي شيء يجعلني مع ولدي دون تهديد أو خوف)



حينها فقط عاد ينظر لها من جديد، يتأمل وجهها الملتهف، شعرها المعقود خلف رأسها بتزمت يخالف تشعثه الرقيق حينما جاء فجأة


يدها التي ارتفعت لصدرها اثناء حديثها، لتؤكد صدق كلماتها ورغبتها، ملابسها السوداء التي ناقضت ألوان الطبيعة حولها



كانت كنغمة شاذة في عالمه، صوت نشاز خرج عن موسيقى حياته المنظمة، ولكنه شذوذ القاعدة لم يُغضبه


ونشاز المغمة لم يؤلم أذنه.. بل أعجبه وجعله يود المزيد منه..المزيد منها. ****








أسدل الليل ستائره على منزل نُصير، ولازالت نجاة تجلس مع الطفل ومعها ربيع، كانت تلاطف الصغير وتشاركه ألعابه وضحكاته كي لا ينتبه على غياب والدته، ونجحت في تشتيت ذهنه نوعًا ما



ولكنها لم تفعل المثل مع ربيع، الذي كان ينظر للنافذة بعيون شاردة وقلق أخفاه بين جوانبه، وهو يكرر للمره التي لم يعد يحصيها....


-(لقد تأخرت مرام جدًا)



تنهدت نجاة بضيق وقد سئمت من تكرار كلماتها منذ أن أتى قبل ساعاتٍ، فعادت تقول بصبرٍ نافذ...


-(أخبرتك أنها مع نُصير.. لا داعي للقلق، هل أغنيها لك؟!)



جعد جبينه بضيق أكبر، المشكلة أنه يدري أنها مع نصير


شيء مل داخله يجعله قلق دون سبب، خمس ساعات كاملة وهي معه، ولا هو يجيب على هاتفه، ولا هي أخذت هاتفها معه.. خمس ساعات بعيدة عن كفلها، وهي لا تتحمل فراقه ولو نصف ساعة فقط.


شيء ما في قلبه يخبره أن ما يحدث لا يبشر بأي خير


شيء ما داخله ينذر بالخطر!؟



تنهد تنهيدة طويلة وهو يهمس بصوتٍ مسموع لنحاة قائلا...


-(أعرف أنها معه يا خالتي، وهذا ما يقلقني)



انتقل القلق لقلبها، ولكن ليس على مرام، بل على ربيع


فهو لا يقول كلمة "خالتي" سوى في أحلك حالاته، هو ولد شقيقتها الوحيدة، تعرفه حق المعرفة، وتدري جميع أحواله وجوانبه


فتركت براء يلعب بمفرده، وولت جُل اهتمامها لربيع تسأله بنبرة مستنكرة...


-(ماذا تقصد ياولد؟!)



تنهد ربيع بضيق وأشاح وجهه عنها يمنعها من سبر أغوار قلبه، يخفي انجذابه لمرام عن عينيها اللتان تطلقان الشرر متطايرًا.. يعلم مقدار غضبها لو علمت حقيقة مشاعره المستجدة لمرام


فسمعها تقول بنبرة حادة محذرة من وقوعه في دركٍ يضره...


-(أنظر إلي يا ربيع، أشعر أن اهتمامك بمرام تجاوز الحدود المهنية التي جئت لها، أخبرني أنني مخطئة)



صمت للحظات قبل أن ينظر لوجهها بهدوءٍ تام أخفى في جوانبه توتر وقلق كاد يطيح به فقال بعد لحظات...


-(لا يا نجاة لستِ مخطئة)



توسعت عيونها باستنكار غاضب وانتفضت من جلستها، وكادت تصيح فيه بغضبٍ حاد، ولكنها تمالكت نفسها في اللحظات الأخيرة وتحكمت في طوفان غضبها، فهمست بحدة....


-(هل جننت يا ربيع !!


أخبرتك أنها تخص نُصير


وحذرتك ألا تحاول التفكير فيها بهذا الشكل)



-(لا ياخالتي هي لا تخصه، ليس من المنطقي ان تطلق المرأة على رجلها سيد نُصير، ثم انها لم تتحدث عنه أبدًا


وتتهرب من الحديث عنه و...)



أغمضت نجاة عيناها لدقائق، تحاول التحكم في نوبة العصبية التي سيطرت عليها، لم تكن تريده أن يشعر بشيء تجاه مرام، لم تكن تريد سوى أن يعالجها بطريقة غير مباشرة للتجاوز حالتها النفسية السيئة، وقد حذرته في البداية لعلمها أن نُصير يريد مرام.


حتى لو لم يبح بهذا فهي تعلم


وخير دليل ما حدث اليوم صباحًا في المطبخ


لا فرصة لربيع معها.. لا طريق يجمعه بها



هي تعلم نصير وعقله.. تعلم أن ما يريده لا يتركه لغيره


تعلم أن ربيع أدخل نفسه في معادلة خاسرة بلا أي تفكير


فتحت عيناها وتنفست الصعداء قبل أن تقول بنبرة جامدة زاجرة...


-(هل تنجذب لكل امرأة تأتي لك لتتعالج يا ربيع ؟!، أقول لك أنها تخص نُصير، حذرتك ألا تنجذب ولا ولا تحاول جذبها لك)



تحدث ربيع سربعًا يدفع عنه ما ألقته به، ويبرر سبب انجذابه لها قائلا...


-(أنا لا أنجذب لمرضاى، ومرام ليست واحدة منهن، مرام تحتاج لأمان و...)



قاطعته بحدة تحسم الموقف دون المزيد ..


-(نُصير سيوفر لها كل ما تحتاجه ياربيع)



جاء رده حاد يحمل ما يكفي من الجمود والغضب...


-(أنا أيضًا أملك المال يا خالة نجاة)



تنهدت نجاة بتعب من المناقشة التي لا تسير بهم سوى للمزيد من التصريحات المؤلمة والتصادم، اقتربت منه تربت على كتفه بحنانٍ وحديثها الجاد ينفلت منها في رفق...


-(يا أحمق أنا لا أتحدث عن المال، اقول لك أن نصير...)



انتفخت عروقه في غضب لم يستطع التحكم فيه، سئم من ترديدها لاسمه، سئم من وجوده في كل شيء حوله


سئم ألف مره، لذا اندفع صوته ينفلت في حدة وغضب واضحان وهو يؤنبها على ما لا تملكه....


-(لقد سئمت من تقديسك لهذا الرجل يا خالتي، كفاكِ تفضيله عليّ، أنا ابن شقيقتك الوحيدة..وما هو سوى..)



منعته من اكمال كلماته الجارحة، التي كانت ستؤذيها أكثر وتزيد من ألمها التي تحاول تجاهله بكل ما تملك من قوة..


-(لا تُكمل ياربيع، ألف مره أخبرك ألا تعقد مقارنات بينك وبينه)



صمت ربيع متنهدًا وهو يستعيذ بالله من الشيطان، وقد لاح الندم على وجهه مما كان سيقوله ويجرح به خالته الحنونة، لذا سارع يقول بهدوءٍ حاول التلحف به في نقاشهم المحتدم، وقال وهو يربت على يدها برفق...


-(حسنًا يا خالتي لن أفعل.. أنا أسف، ولكن دعي الاختيار لمرام)



-(مساء الخير..ما الاختيار الذي ستدعينه لزوجتي يا چيچي)


قاطع حديثهم الحاد دخول نصير ومرام فجأة


ولكن ارتفع الذهول على وجهيهما وهما يروا نُصير يحاوط كتف مرام بطريقة حميمة لا تسمح بها طبيعة مرام


ولكنها كانت ساكنة، صامتة، وقد سمحت له ان يحاوط كتفها ويضمها لصدره بطريقة جعلت ربيع يستوي في جلسته مصدوم وقد شحب وجهه تمامًا


-(زوجتك؟!)



على عكس شحوبه واهتزازه، كان نُصير هادئ وواثق من نفسه وكلماته التي ألقاها بترفع ورزانة، وهو ينظر لمرام الساكنة بطرف عبنيه قائلا...


-(نعم، قررت أن أُبدد الذكرى السيئة لهذا اليوم، فتزوجت مرام.. أليست مفاجأة سارة يا ربيع !؟)



ساد صمت ثقيل على الجميع، باستثناء براء الذي بدأ يبكي ويصيح كي تحمله والدته، وقد استوعب غيابها عنه في الساعات الماضية


فوجدت مرام عذر يبعدها عن سطوة نُصير ويده حولها، فتحركت سريعًا نحو براء، تحمله وتقربه من صدرها، تعانقه وتنثر القبلات على وجهه مشتاقة



وفي هذه الأثناء وجدت ربيع ينظر لها في عتابٍ وخيبة لم تفهم سببهما، وسؤاله الجاف خرج من فمه هادئً وجادًا على غير عادته المرحة...


-(هل تزوجته يا مرام ؟!)



حركت مرام رأسها بإيجاب تؤكد أنها بالفعل تزوجته


ولكن بدى ربيع غير مصدق لما يحدث، لا يصدق أنها غابت لساعات، وعادت له متزوجة نُصير ؟!


لا يصدق سخرية القدر، وسخرية نُصير منه أيضًا!!


وما زاد الخيبة والغضب أطنانً، هو صوت نُصير وهو يقول بهدوء لاح فيه التهكم...


-(لا ياحبيبتي، أخبريه بالكلام أنني تزوجتك، عله يُصدق الخبر السار)



تنهدت مرام وقد سئمت ثقل الأجواء وتزاحمها على عقلها فقالت بصوتٍ ممتعض تؤكد فيها للمره الثانية، وهي تنظر لربيع نظرات هادئة...


-(نعم تزوجته)



رأته يكور أنامله في غضب لم تفهمه، لا تفهم لمَ رفضه وخيبته الواضحة على وجهه.. ما شأنه لو تزوجت نصير أو لا..ما شأنه ليغضب أو يشعر بالخيبة ؟!


كتمت تساؤلها في نفسها وهي تسمع مباركته المختصرة


-(حقًا...مُبارك زواجكما، سأرحل الان)



صاحت نجاة بذهول لم تستطع التحكم فيه، بعدما رحل ربيع بسرعة...


-(هل أستطيع فهم ما يحدث)




جاء صوت نُصير جاد وقد حمل بين جوانبه السخرية، التي لم تزيدها إلا عصبية وذهول...


-(ما الأمر يا چيچي، ألم تقولي لي صباحًا أن أتزوجها وألتهمها إن أردت..لذا لا داعي لنصائحك العنيفة، واستبدليها بنصائح زوجية تجعلني لا أبرح جوارها)



رمشت نجاة عيناها دون أن تستوعب ما يحدث


لقد أخذها فجأة قبل ساعات واختفى بها، حاولت التفاؤل خيرًا من غيابهما الغريب، والان يعودا وهما زوجان، دون أو يقولا لأحد وبلا أي مقدمات أو تبريرات ؟!


بدى ما يحدث حولها وكأنه دعابة سخيفة لم تفهمها، لذا حلولت تنظيم كلماتها المنفعله وهي تنظر لنُصير البارد قلبًا وقالبًا وهي تقول ذاهلة...


-(هل جننت يا نُصير؟!، وأنتِ يا مرام كيف تتزوجي دون وجود عائلتك، ماهذا الهراء والتهور ؟!)



هربت مرام من سؤالها، وكبحت الاجابة في نفسها، قبل أن تتحرك سريعًا نخو غرفتها بعدما ألقت كلماتها بإختصارٍ خافت....


-(سأخذ براء لينام، عن اذنكما)



لم يمنعها نصير من الفرار وكذلك نجاة، ولكن لم يبقى أمامها سوى سؤاله للمره الثالثة علها تفهم ما يدور حولها


فقالت بحدة...


-(تستطيع التفسير لي ما هذا الجنون و..)



تجعد وجه نصير بصبرٍ نافذ، وقد مّل من تكرار كلماته أكثر من مره، فخرج صوته حاد حانق يزجرها....


-(نجــاة، ألم تسمعي ما قلته ؟!)



انفجرت في زجهه بعصبية شديدة دون أن تأبه به ولا بطباعه ولا اسمه ولا حتى عائلته..وقد خرج صوتها غاضب خائب يحمل ما يكفي من العتاب واللوم...


-(لا تحادثني بحدة يانُصير، أملك كل الحق لسؤالك، أصدقت أنني مجرد مدبرة في منزلك ؟!)



اقترب منها يحاوط كتفيها بأنامل قوية حنونة، يواسيها وينفي برقته كلماتها السيئة في حقها، فقال برفقٍ رقيق...


-(لا داعي لهذه الجلبة يا نجاة، تعلمين قدرك ومكانتكِ عندي..أما بالنسبة لمرام فأنتِ تعلمين أنني أريدها)



تنفست الصعداء وهدأت ثورتها الغاضبة، قبل أن تقول بحدة لم تستطع كبحها...


-(وخطيبتك، ونسائك و...)



لاطفها صاحكًا وهو يغلق الأبواب التي فتحتها عليه وواحهته بها فقال...


-(كفى أسئلة ليست في محلها يا چيچي، اذهبي لتنامي وغدًا صباحًا أوصلكِ للمقبرة، لم أكن أقصد أن أضيع عليكِ يومًا هام كهذا.. ولكن هذا ما حدث)



حاء سؤالها باردًا جاف، لا ينتمي لنجاة الحنونة المرحة...


-(هل ستبيت هنا ؟!)



-(لا سأسافر القرية، وسأعود بعد أيام قليلة)



حركت رأها بإيجاب قبل أن تسحب نفسها خارج المنزل...


-(حسنًا تصبح على خير)



حدق نُصير في أثرها وهو يعلم أنها ستذهب لربيع كي لا تتركه وحيدًا بعد صدمته، كان يدري بانجذاب ربيع لمرام


لن ينسى نظراته لها في أحد المرات، حينما كان سجلات الكاميرا الموضوع في الشرفة لحماية المنزل


حينها رأهما واقفان معًا، هي صامتة وتسمع أحاديثه بسكون، وهو لا يكف عن الثرثرة والنظر لها نظراته المنجذبة..حينها لم ينتظر طلوع النهار حتى وجاء رأسًا للساحل، كي يضع النقاط فوق الأحرف.. وقد فعل



ساقته قدماه لغرفتها قبل أن يغادر، لم يجد الحاجه لطرق الباب، ففتحه وتحرك للداخل، يراها ممددة على الفراش جوار صغيرها تهدهده برفق


فتحدث بخفوت لا يزعج الصغير...


-(هل غفوتِ ؟!)



وقفت عن الفراش تبتعد عن الطفل كي لا تتحدث فوق رأسه وتوقظه من غفوته فقالت بخفوت مرتبك، بسبب وجوده في غرفتها الان


-(لا، كنت أداعب براء لينام)



نظر لوجهها الشاحب وعينيها الهاربتان منه كالعادة فقال..


-(هل أنتِ نادمة)



قابله الصمت دون أن تجيب، فتحرك لها، يقف أمامها ويرفع وجهها له كي يطالع عيناها بوضوح دون هروب


وكما توقع، رأى نظراتٍ دامعة، وندم يموج فيهما فقال بخفوت...


-(لا أحتاج إجابة، فأنا أراها في عينيكِ)



ابتعدت خطوة للخلف وهي تغمغم بصوتٍ متقطع...


-(سيد نُصير أنا...)



اقترب منها خطوة أخرى تعويضًا عن التي ابتعدتها، وأمسك ذقنها مره أخرى، يحدق في وجهها مليًا، لا يعجبه شحوبها الذي طرأ فجأة، ولا يعجبه الندم في عينيها


ورغم ذلك تحدث بهدوءٍ قائلا...


-(أنتِ الا زوجتي، لا خوف ولا قلق من أي شخصٍ كان)



حركت رأسها بإيجابٍ تؤيد كلماته، التي كانت سبب زيجتهما من الأساس.


طال الصمت بينهما وطال وجود انامله على ذقنها، فحينما حاولت الابتعاد عنه، وجدته يتمسك بها فجأة، يد حاوطت خصرها وأخرى ارتاحت على ظهرها وهو يقول باسمًا بعبثٍ ساخر...


-(تزوجنا في صمتٍ غريب، بلا طبول، ولا زفاف، ولا حتى قُبلة مُباركة عادية، أليس هذا يثير السخرية ؟!)



شحب وجهها أكثر حينما ذكر كلمة "قبلة" فحاولت الفكاك منه بفزع ظهر على وجهه بوضوح، وحينما فشلت، ووجدته يميل عليها، وضعت كفها على فمها سريعًا تمنعه الوصول لثغرها


فما كان منه إلا الضحك بخفوت على حركتها تلك، فتحدث باسمًا يطمئنها...


-(لا تخافي، لقد تذوقتهما صباحًا في كوب الشاي، القبلة التي أقصدها بريئة من نواياكِ الظالمة يا مرام)



عاد ليميل عليها مره أخرى فهمست من خلف كفها بفزعٍ ورجاء خرج من أعماقها...


-(سيد نُصير أرجوك)



وجدته يلصق شفتيه على صدغها يُقبلها بخشونة ناعمة، لا تدري كيف، لا تدري هل طبع واحدة أم أكثر.. ولكن كل ما تدريه أنه تحدث برفق يُسكت محاولاتها للفكاك منه ..


-(ششش يا امرأة، تغضبيني بسيد هذه.. قولي خلفي


نُـ صـ يــر..هيا يا مرام لا ترتعدي)



شعرت بنضباتها في حلقها تهددها، تشعر أنها ستفقد الوعي في أي لحظة وتهرب من ذاك الموقف الخيالي، سطوته عليها تضيق صدرها وتجعلها مختنقة بطريقو مرعبة


ورغم ذلك، همست اسمه بأنفاسٍ متهدجة كي تنهي هذا الموقف سريعًا...


-(نُــصيــر)



شعرت ببسمته على وجنتها، قبل أن يطبع قبلة أخرى أرسلا القشعريرة لجسدها وهو يهمس بخفوت مثير..


-(أحسنتِ يا مرام أحسنتِ)



كانت ستسقط في أي لحظة، ولم تجد نفسها إلا وهي تتمسك بسلسالها المخفي خلف ملابسها، سلسال رأه نُصير بوضوح ورأى الحرف الذي يتوسطه 'f'



حينها ابتعد عنها ومد أنامله يمسك السلسال منها ويحدق فيه مليًا، يدري أن الحرف يشير لفايز زوجها السابق


تحتفظ به حول عنقها حتى بعد علمها بالحقيقة، لازال وفائها المُر يهزمها، ولازال قلبها يتألم على فقيدها


لازال فايز يملك قلبها ويحكم جسدها، لازال للميت أثر ؟!



استغلت شروده وابتعدت سريعًا قائلة بصوتٍ محشرج...


-(أريد أن أنام إذا سمحت)



لم يجادلها ولم يقل حرفًا واحد، بل وجه نظرة واحدة لعينيها، نظرة بعثت الرجفة في نفسها، قبل أن ينسحب من الغرفة والمنزل بأسره، يتركها مع ارتجافها والدموع في عينيها



سلسال بين أناملها، وأثر القبلة على صدغها


بين رجلٍ رحل، ورجلٍ حضر


وبين الاثنين تقف في المنتصف.
***


Pokračovať v čítaní

You'll Also Like

16.5K 642 7
كانت تظهر له انها قويه، بارده لا تبالي بما يفعله بها؛ الي ان تنزوي وحدها وتفرغ ما بقلبها،ما تشعر به من وحده وآلآم، دأئما تظهر لهم عكس تماماً ما تشعر...
2.2K 128 5
_ كوب وجهها بين راحتيه ولثم جبينها بحب جمًا لتُغمض عينيها بخجل بينما يُمسك يديها ليُحدث قشعريرة يهتز لها بدنها ويرفع كُل يدٍ على حِدة ويطبع القُبل ال...
1.2M 97.1K 77
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
58.8K 1.3K 11
احبك وانت تحبني ولكن اللذي بيننا هو الكبرياء اشتياقي لك كسطور خرساء لا انت تقراها ولا انا أنطق بها