١٤

494 16 0
                                    


بالمشفى قبل بضع ساعات
من أشهر ما قال العراب أن القشة لا تقصم ظهر البعير ولكنها الضربات المتلاحقة  التى تفتته وفى النهاية تنال القشة شرف إنهاء حياة البعير
يقولون إن النهايات أخلاق و عندما تسأل عن الأخلاق يجيبك البعض هى المساحة التى لا تصلها القوانين لحماية الحقوق والدفاع عن الواجبات ، هى النزعة نحو الصلاح النابعة من الداخل والتى لا تشرف عليها جهات خارجية ولا تحميها سوى نزعتك نحو الخير
إذن هى قماشة مطاطة جدا ووحدك من تستطيع قصها والأصعب وحدك من تستطيع حياكتها
ومن هنا تبقى الأخلاق التى يلقى إليها بمسؤولية جعل النهايات قابلة للبلع مختلفة ومتابينة وفى بعض الأوقات هشة ولا تستطيع الصمود ومع هذا لا يمكنك أبدا ترك النهايات دون أن تلحقها بشىء ..........
ربما لأن نهاية قصة هى بداية أخرى أو لأنه لا نهاية حقيقة تقتطع حياة شخص سوى نهاية حياته ...........
زينب التى يخفت ضوئها كمصباح أوشك على الأحتراق .....زينب التى قادت سيارة التضحيات دون فرامل  على الطريق السريع ليلا فأصبح أمر إصطدامها حتمى و المسألة مسألة وقت ، كانت قد أستنفزت ذخائرها ورقدت بين دفتى أبيض ، تحتك بالحياة والموت على حد سواء
فتتساوى أمامك كل الألوان لا مفضل ولا مكره و يصبح إغلاق العين فى حد ذاته دون ألم نعمة ...........
سألت أدهم بوهن " البنات ...البنات يا أدهم "
فأجابها   بسرعة " أنا مستعد أحلف أنهم كويسين ....أنا مالحقتكيش ولا عرفت أوقف خالد لما سمع كلام بابا بيقولى عمى كان بيقوله إيه ......أنا بكلم هالة على حسابها وقالتالى إن عايدة مش عايزة لا تتخطب وعندها مشاكل فى الجامعة وأحتمال كبير يكونوا سافروا أسكندرية عن أهل مامتها "
ردت زينب بنفس ضعيف " عندى نمرتهم ، أتصل بيهم  ....رقمهم فى نوت بوك هتلقيه فى شنطتى "
هذه المرة أجابها طارق " هيعرفوها أكيد .....الصبح مش هيجى إن شاء الله  غير ومكانهم معروف حسن عنده عيون فى كل مكان .....المهم إنتى حاسه بإيه دلوقتى ....كويسة"
صمتت زينب ولم ترد فى تجاهل حتى مع مرضها واضح كالشمس
ليتقدم طارق من سريرها ويسأل "مالك ....ما بترديش عليا ليه "
فهزت رأسها نافية بلا إجابة واضحة فسأل مرة أخرى
"فى إيه ؟"
ليجيب أدهم " إنها مريضة يا أبى ماذا هناك ؟......سأذهب للأتصال بياسين "
نظر إلى والدته بتوسل وهو يحرك جفنيه يداعبها
" سأذهب هل يمكنكِ الأهتمام بطارق ريثما أعود ،أنتى بالتأكيد تعرفين أن التعامل مع الأولاد صعب فى هذه الأيام "
أحتاج طارق لحظات ليفهم ما يقوله أدهم فما كان جوابه إلا أن خلع خفه المنزلى الذى كان يرتديه و ألقاه عليه وهو يصيح
" أمشى يا ابن ***** متورنيش وش أهلك هنا "
قفز أدهم متجنبا السهم المتجه نحوه وألقى قبله فى الهواء لزينب التى رفعت يدها الحرة لتقبض عليها وتقبل كفها المضومة بعنين ألتمتعت بهما دمعة خفيفة .........
تحرك نصايتها طارق الذى همس فوق وجهها
" مالك ....."
كلمة واحدة فتحت بوابة الأوجاع .....أفلتت الجمل من عقاله و أنطلق فى فلاة ليس لها نهاية
والدمعة العالقة فى عينها سقطت
فأدارات رأسها إلى الجانب الأخر وحاولت التقلب على جنبها تبغى الهرب ، أمسك بذقنها وثبت خصرها يمنعها من الألتفات لتقابل عينه رغما ويرى الألم والوجع   متوحدين صفا يمنعه من السقوط فيها أعمق  .....سور عازل بين دولتين كانتا يوما أرض واحدة .....
" أنتى زعلانة منى ....طيب فهمنى يا زينب أنا غلطت فى أيه "
لم تجيبه ....والحزن يقتسم ملامحه على وجهها والأجابة ضعيفة
" أمشى يا طارق ..."
حدق بها  و سأل ببلاهة كطفل فقد قدرته على الأستدراك
" أروح فين ....."
عضت على شفتها السفلى وأرتجفت دون أن تجيب فردد هو بصوت مرتجف
"جاوبنى أروح فين .....لو من الأول عازينى أمشى ليه اخدتينى ....أنا مليش مكان وأنتى عارفة أنى ماليش مكان ليه بتظلمينى "
ردت بعدها والدموع قد بللت شفتيها وصوتها الضعيف ضعف أكثر
" أنا  تعبت "
لم يحتمل جملتها فأشار إلى نفسه بإستغراب " منى .....تعبتى منى ....أنا مقرف أنا عارف ، مقرف وعصبى ومجنون وقليل الأدب بس بحبك مش كفاية...."
مسح وجهها وجهه سريعا ورددا مغلقا باب
"خلاص متعيطيش تانى و ياريت متفكريش فى أى حاجة لما نخرج من هنا نبقى نتخانق براحتنا ....وأطردينى يا ستى براحتك ، هو حد يطول يطرد بس أخرك يومين كده وتعالى رجعينى بقا "
ردت بعصبية
" طارق أنت ليه مش عايز تفهمنى ؟....ليه مش حاسس أن كل حاجة بتضيع ......أنا حاسة أن المرة ديه مختلقة ...."
أنكسرت وأنهار السد لتغرق المياه المخزنة  خلفه الأرض وتبتلع الوادى سهلا والناس والبيوت جملة حاولت أن تسند رأسها وأن ترفع جسدها لتقابله وصوتها بكى قبل قلبها
"خلى بالك من الولاد ....صغيرين أوى يا طارق ، ما تبعتهمش البلد أبوس أيدك هم مش شبها و لا يقدروا يعيشوا فيها .....نور غالية عليك صح أنا عارفة بس خلى بالك من خالد و ياسين "
كمم فمها بيده وأسند بالأخرى كتفها وأجاب بحدة
" أنا مش هخلى بالى من حد ...أنتى فاهمة ....انتى الى هتخلى بالك منهم ومنى ، أنا راجل ضايع  .....واجهه نضيفة لمحل خربان ووسخ  تقرف تحط رجلك فيه بس أنتى مقرفتيش ولا بعدتى ولا خوفتى ، كنت فاكر إنى جاى الدنيا ديه كلب فى الشارع هموت على الطريق والناس يادوب هترمى جتتى على جنب مش رحمة بيا لا عشان ما أقرفهمش بمنظرى و ربنا بعتك ليا ، كرم والله يا زينب عمرك لا هتفهميه ولا حتى هتحسيه ....بقى عندى بيت وولاد ، دنيا تانى .....ما تحملنيش فوق طاقتى ....ما تطلبيش منى أعيش بعدك "
طبع قبلة طويلة على جبينها  وأبعد يده فقطع حبل الكلام من منبعه ......عينه التى دمعتا كانتا أبلغ من كل ما قال ......أعادها إلى مكانها ودثرها بالغطاء وهو يتكلم بفرحه مصطنعة لا تتلاءم وروحه التى تضطرب فى القاع بينما تحاول هى ألتقاط أنفاسها بصعوبة
"الدكتور بيقول أن فى إضطراب فى ضربات القلب عندك حتى قلبك مجنون زيك.....بس أنا لو راجل بجد كنت ظبطه على دقة واحدة "
قاطعتهم الممرضة الكبيرة فى العمر بإبتسامة كبيرة ونظرة حنان تستأذن لتتابع المحلول المعلق وتضيف إليه دواء أخر وهى تردد 
" أحنا بقينا حلويين خالص ما شاء الله ....أنا خوفت والله يحصلك حاجة والأستاذ يموتنا "
نظرت لطارق  وأشارت بيدها
" بص مراتك بقيت زى الفل أهى فممكن متزعلش منى يعنى أنا عندى ولد فى سنك ، الفانلة الى أنت لبساها بالشقلوب ديه لو ناوى تعدلها فالحمام وراك .... الكروكس بتاعك أنا لقيته فى الممر و تليفونك  لقوه فى الأستقبال وأديته لأبنك  "
ثم نظرت لزينب وهمست
"مشكلتك على فكرة .....جوزك على ما تعوديه وأنتى شكلك مدلعاه جامد "
صاح طارق من الخلف "أنا سامعك على فكرة و خليكى محضر خير  ، أنا عندى حما واحدة ومش عارف أخلص منها"
أبتسمت زينب وهى تتابع الحوار الذى تصاعد بين طارق والممرضة التى  يبدوأنها أحبته من أول نظرة ولكنها لم تستطيع أن تتجاوب معه فمحاولة طارق إنهاء الحوار لم ينهيه من داخلها ولم تستطيع التخلص منه ، فعند مرحلة ما لا يصبح التجاهل ممكنا كحل ولا الهروب كطريقة للنجاة .......فالمواجهه تفرض نفسها كالشمس ولا ينكرها إلا مختل

زفير الروح (الجزء الثاني من أنين الروح) Where stories live. Discover now