الخامسة

413 13 0
                                    

الفصل الخامس
زفير الروح
أحبك فهل هذا يعنى لك شيئا ؟!
غوتا
.........................................................
فى بيت العتامنة 
بعد صلاة الفجر
الزمن يمر مر السحاب ..
.تشعر بأن الزمن بطىء تتمنى لو تفتح عينك فقط ليصير لديك حرية العشرين وفى العشرين تتمنى لو بلغت أستقلال و نضج الثلاثين وعندما تدق الخمسين الأبواب تنفرط حبات العقد وتسقط السنوات خلف بعضها و تفتح عينك سريعا لتجد الثمانين
تنظر فى المرآة تتطلع إلى الوجه المنعكس أمامك فلا تكاد تتعرف على ملامحه ....تختفى عينك وراء التجاعيد و وتنزع المياه من وجهك باق تألق ...يشيب الشعر ويلتمع رماديا وتشيخ عدسة عينك لتصبح الرؤية ضعيفة كأنما الضوء يتسلل على استحياء إليك ....يثقل سمعك ، يسقط مع من سقط لتفرض عليك عزلة تامة ، تفصلك عن من حولك لتحيا حياة ليس فيها سواك ....
تنظر حولك فلا تجد من تعرفهم بجوارك ....ليسوا غائبين ليعودوا ولا ضائعين إنهم بقربك أرواحا لا أجساد ....أويتهم إلى حفنة من التراب ، أختا وراء أم وراء أخ وبينهم أصدقاء وأحباب وأخوة ....خلى العالم حولك ممن تعرفهم وبقيت وحيدا فى مكان تعمه أصوات لا تعرف أيا منها حتى عقلك ذلك الذى كان يشهد برجاحته الغادى والرايح تآكل و باتت أفكارك قديمة  و فصاحة قولك ولسانك العتيد ، القوى فى كلمته ، السيف القاطع فى أوامره تعثرت الكلمات فى الخروج منه و سقطت مع ما سقط من أسنانك  و تخفى وراء  عجز لسانك
يخلفك الله من بعد قوة ضعفا و يأتى وقت  حصد ما زرعته طوال حياتك .... حرك العتمانى عصاه فى يده وشرد بعد أن خلى مجلسه من أخ فى صورة صديق و أب فى صورة أخ كان له رفيق عمر و تواءم روح ....رحل مع أمه ولم يتركوا له فى العالم من رائحة ماضيهم
سوى سعاد التى مرضت قبل الكل و أصابتها جلطة فى الأربعين لتعيش بعدها عمرا ، تحيا يومها  الان تذكر الله وتنام على ذكره ، غرفتها لا تخلو من رائحة البخور ،تختلط  مع  صوتها المتهدج فى قراءة الذكر الحكيم وقد أنقطعت عن العالم إلا من خلال طبيب العلاج الطبيعى وجلساته ، تعلم كما يعلم تماما أن آونها حان فملك الموت تفوح رائحته فى المكان ، كلما نظرت إليه سألت عينها على رأس أيا  منا سيحل أولا يا ابن الخال ؟.....
فيسكت العتمانى وفى قلبه يدعو الله أن يكون هو
و سليمة الصغيرة  .....لا تصغرهم كثيرا ولكنها بالتأكيد قوية ، مشاكسة إلى الحد الذى جعلها تتخفى حتى اليوم من العجز فهى سليمة فعلا لم يزرها سكرا أو يصيبها أى من المصائب التى ضربت رءوسهم ضغطا
اللهم إلا من شكوى ركبتيها ....لاحت بسمة على شفتيه عندما خرجت لتسلم على طارق فهمس له ابنه
"ما تشوفلها عريس ياحج "
كاد العتمانى أن يضحك فضرب طارق بعصاه ولكن الأخر بدا مصرا ليكمل كلماته
" أتصرف أنت بس و تكاليف الفرح عليا ...متعرفش صاحب فى ليك فى أخر بلاد الكفار ولا بلاش عندى واحد صاحبى أبوه عايز عروسة هو من  اليابان على خط النار هناك فى زلازل وبراكين أهو ينساعد عزرائيل الى مش شايف شغله معايا ، كنت عايزة أبعتها الهند هناك بيقدور الى زيها كده ،  بيعبدوا البقر  "
وكزه بجنبه مرةأخرى موبخا " يا ولدى ولما مرتك تسمعك بتجول إكده على أمها هتزعل "
هز طارق رأسه نافيا وأجاب " يعنى يرضيك يا حج من أول ما رجعنا وهى ماسكة فيها ومش عايزة تسيبها  ، ماهى لو اتجوزت هتسيبهالى "
الهمس بين العتمانى وابنه أثار سليمة لتردد " بتتهامسوا فى ايه ، أوعى يكون بيشتكيلك من سمرا "
هز العتمانى رأسه نافيا ولكن سليمة لم تتوقف
" يا جوز بتى مالك لاوى بوزك ليه ...الله يكون فى عونها  البت  والله بتتصبح بخلجتك ديا كل يوم ....البت رفعت وبجت شبة السرفوته ، شوف يا حج ولدك الى بيأكل أكل بتى وعايش على خيرها ديه لما جعدت معايا يومين كن الدموية ردت فى وشها "
زينب التى كانت تقف على مسافة ليست ببعيدة عندما رأت أقتراب أمها من طارق شمت بوادر الحريق فأسرعت لتقف حاجز بينهم  و رددت بسرعة " يالا يا طارق ...يادوب نلحق نروح عشان أشوف الولاد "
كلماتها كانت كهدف أصابته سمرا لصالحة فأجاب فرحا " يعنى هتسيبى أمك وتروحى معايا ...هنتحرر  "
همست زينب له " هو أنا كنت مستعمرة...عشان خطرى متولعهاش "
ولكن طارق لم يهتم وهو يقف ليسحب يد ها ليطويها تحت ذراعه بشكل مسرحى  بينما يرقص حاجبيه لحماته وهو يردد بنغمات مفرحه فى يوم تحرير
" وطني يا جنه الناس حاسدينهـــا على امجادها وعلى مفاتنهـــــا ياللي قنالك رجعت ملكــــــك وانت لخير الدنيا صاينهـــــا علي السد وخذ من خيـــــره صنع وازرع وابني بنـــــوره ياللي علاك في قلوبنا عبـــــاده  يا وطن كل حياته سيــــــاده وطن العزه الوطن العربــــــي وطني حبيبي  "
سهم العتمانى وهو يتذكر هذا الصغير و الذى لم يعد صغيرا أبدا .......ينظر إليه فيعرف أن العمر مر وأن ما مر لا يمكن أن يعود ....
إرتعاشة يده أكبر دليل على عجزه رغم أن كل ما به ينطق عجزا ولكن هذه اليد الذى كانت تضرب بقوة ....تضغط على الزناد فتدوى صوت طلقاتها فى كل مكان ....
جسده الذى هزل وظهره الذى أنحنى ....صعب عليه حاله كثيرا ....يختنق به المكان كثيرا ......لا المكان هو مكانه ولا الزمان هو زمانه
تذكر جلسته فى المسجد بعد صلاة الفجر منتظرا الفتى الذى أحضره له حسن ليذهب معه إلى المسجد فى كل الصلوات و يأتى به ، مضى وقت طويل، صلى ثم أخذ يقرأ فى كتاب الله لا يبصر بعينه ولكن ما حفظه قلبه أخذ يتلوه .....شعر بأن الوقت مضى ورغبته فى النوم  باتت ككهل يسقط جفونه ....أراد أن يقوم فخاف أن يسقط وتتعثره معه هيبة العتمانى أمام المصلين
و دون أن يشعر سقطت دمعه من عين ....عين العتمانى الكبير من يهتز باسمه المجالس
وتقف على بابه البشر طالبة النصح والمال ....شخص أقترب منه
وهمس " جدى أنت كويس "

زفير الروح (الجزء الثاني من أنين الروح) Where stories live. Discover now