الرابعة

363 12 0
                                    

لو تهت فى مصر هتلاقى ألف من يدلك على الطريق ....بس أدى دقنى لو وصلت ....
زفير الروح .....الفصل الرابع
الحياة لا يمكنها أن تعطيك الكثير ولا القليل بدون مقابل ......
كان وحيدا ، حرا فى حركته ...خفيفا كطائر  يفرد جناحيه ويبتعد إلى أخر المدى
كان لديه أصدقاء كثر .... يتبعهم فى كل مكان و يبحثون عنه إذا غاب وهو بينهم يشبههم ولكن فى نهاية اليوم عندما يعود إلى مرقده يكتشف أنه مختلف تماما .... بلا أب أو أم أو حتى أخوه من اولئك الذين يسألون عنك إذا غبت ويبقون بجوارك إذا مرضت وعندما وصل العتمانية  وجد منهم الكثير ....هذه أختك وهذا أخوك وهذا عمك وهذا ابن عمك لك من جهه من لا يعرف من و سريعا تكشف أنهم ليسوا بالعدد ولا باللقب و بعد قليل من الوقت تأقلم مع الوضع ...لا أحد يسألك إلى أين تذهب ومن أين تأتى ...يقلب صنوف الدنيا  وحده وأحيانا كثيرة يسافر لأيام ، حتى أنه سافر مرة إلى السوادن لصديق تعرف عليه من دارفور بقى هناك لأسبوع ولم يدر أحد غيرها .........
حسنا ...حسنا جدا ....
هل يصمت ؟....لا
هل يرضى بواقعه ؟.....أبدا
يحضر هو بنفسه  للعالم من يقف ليسأله و يحقق معه وفى النهاية يقدم نصائح .....نسخ صغيرة منه تشربت صفاته السيئة كما ورثت الجيد منه و نضيف أنه أكتشف منذ قليل أن أحدهم أعمى العين والأخر أعمى البصيرة !!!!
نظرة سريعة ألقاها على غرفته ليرها نائمة وهى تحتضن خالد .....لديها دائما بديل
عبرا بابا فباب وفى لحظات كانت المياه الساخنه تسقط على رأسه ، تضربه بقسوة وتحرق جسده ، وحدها النار وحدها القادرة على تطهير الآثام العالقة بروحه
كانت ملابسه التى ألقاها مكومة أمامه على الأرض .....قميصه منكمش على نفسه و بنطاله متكورا كما خلعه ....البخار تكاثف حوله غطى عينه عن الرؤيا فلم تعد واضحة و كشف غشاوة القلب فتكشف أمامها .... باتت نفسه عارية و معها تخلى عن حذره.....أنصهرت أقنعته ...تذكر فتاة الساعات الماضية ، ضحكتها ...رائحتها ....نبرة صوتها ...لمستها ....شعر بحكة شديدة كأن جسده قد تلبسه جربا ، أنهى زجاجة صابون الأستحمام على جسه فألتهبت حكته ، أظافره التى زرعها زراعا فى جسده رسمت طرقا ودروب فيه وهو يحاول أن يخفف من ألم حكته ، قليلا فقط قليلا .... ضرب رأسه بالحائط مرة .......بات يتلوى بداخله ، هناك من يتذوق المرار مرة ويعتاده  وهناك من ينتهى بين يديه كخرقة قديمة كل مرة
ضغط على أسنانه حتى كاد أن يكسرها ولم ينتهى ألمه ، عندما فتح عينه كانت الماء حوله قد صبغت بالأحمر وأبصر أنه جرح نفسه ، لم يهتم ....
المهم أن الحكة  زالت ...نعم رحلت ،هدأت نفسه و استكانت .....توضأ وخرج وقف أمام المرآة ...مرر المشط بشعره و أخذ مثبت شعر أدهم يضبط به شعره وتمادى قليلا فى رش عطره ليصبه بذبحة صدرية ، أدرك أن شيخ المسجد بالتأكيد قد أقام الصلاة ولكن من الرائع أن يكون لديك أبناء ذكور سيجبرهم أن يصلوا معه جماعة مرة أخرى .....
خرج من الغرفة ينوى أن يوقظها لتصلى
فوجدها أمامه ....كانت فى طريقها إلى المطبخ ، وقعت عينها عليه فأدارت رأسها إلى الجانب
الموقف أستفزه جدا فكشر وجهه وردد بحدة
" فيه أيه ...هو أنا قتلتلك قتيل ؟"
أنهى جملته وهو يمد يده ليجذب ذراعها
وجهت نظراتها لموضع يده ولم ترد فأوقف مسيرة يده اللحوحة نحوها
وأردف " ده بدل ما تعتذرى وتقولى أنا أسفة يا طارق لأنى كنت غبية و أتكلمت كلام مالوش لازمة فى ساعة عصبية "
رفعت جانب شفتها العلوى وهى تفتح عينها على وسعها ....توسع دائرة رؤيتها علها تستطيع أن تفهم ما يدور برأسه ...الأسهل أن ترحل فهى لن تفهم شىء و ليس لها القدرة على الاستيعاب بعد الآن
تبين أنها ستتركه يحدث نفسه فجن حنونه
" على فكرة لو مستنية أردك  كده  من نفسى يبقى أتجنتى ....أنتى الى لازم تقوليلى  ردنى يا طارق ....لازم تعرفى أنك غلطتى وغلطتك كبيرة أوى ...أنتى كنتى بتحاولى تستغفلينى يا مدام ، المفروض تبوسى أيدى أنك لسه عايشة لغاية دلوقتى وأنها جت على أد كده "
تماسكت كثيرا جدا حتى لا تصرخ وتماسكت أكثر حتى لا تنهار باكية و على العكس تماما خرج صوتها باردا منخفضا كأنه جزء من زفرات الليل
" هو الباشا شافينى فى حضن واحد وأنا مش عارفة ؟"
ألقت ما بجوفها فى وجهه ، أنهت كلماتها بشجاعة وقوة لم تمتلك بعدها إلا النظر فى عينه ...إلا مواجهته وأنتظار النتيجة التى أتت أسرع من قدرتها على التخيل عندما رأت كف يده عالق فى السماء  متماسكا بخيط رفيع قبل أن يسقط على  جبينها
تحركت كفه أخيرا ، لم تسقط على وجهها و بدلا من ذلك سحبها إلى غرفتهم وأغلق الباب ، لم يلتفت سريعا ....بقى واقفا مدة  وجهه للباب وظهره لها
رعشة خفيفة جرت على طول عمودها الفقرى و أمتدت لأطرافها ......اللهب الذى خرج من فمه وهو يدفعها  أخبرها بما سيحدث ....
لن تهرب ......لن تتراجع .....لن تصرخ
هى تقف هنا ....تنتظر منه ذلك ......أن يهدم كل ما بينهم ...أن يهدم صنمه الذى يعبد بداخلها ....تريد أن تكرهه ، أن تنهى حربه بداخلها ...
بعمق العمق هناك فتاة تموت رغبة فى أن تضمه ،شفتيها تموت رغبة فى تقبيل غمازته ، تحتضن يده وتميل وهى تردد بغنج " نورتك بيتك " ....."نورتنى "
يجب عليه أن  ينهى صراعا .....
ألتف فأطرقت رأسها أرضا ...لا تريد رؤيته ....لا تريد أن تخلد صفحة جبينه البيضاء  فى ذاكرتها
-" أرفعى راسك "  أمرها ...فلم تطع
كرر بصوت أعلى
" بقولك أرفعى رأسك ....قوليلى ، أنتى عايزة منى أيه يا بنت الناس ...الطلاق الى عمره ما جه فى بالى ولو حتى فكرة ....كنت بشوف الناس بتطلق وبقول الرجالة ديه مجانين ، أزاى يقول كلمة زى كده ،هو مجنون يحرم مراته عليه ....طلقتك ...قولتها كده ولا حتى حسيت بيها وانتى ولا هنا كأنك  مستنياها.....أنا ماسك شعره وواقف على نار وانتى مصرة تنهى كل حاجة .....كل حاجة "
نبرته الحادة ....الغاضبة تبددت
أبتسامة غريبة على صفحة وجهه ، تشبه النفور أكثر ورنين صوت أقرب إلى الحداد ممزوج بسخرية تقطع النياط
" يا ست الكل ....أنا لو لقيتك فى حضن واحد ...لا بلاش ديه ....أنا لو كان عندى شك أن كلامك معاه فى التليفون حاجة غير كلامك الحامض من عينة "ابعد عن طارق عشان ربنا "... وهبلك وسذاجتك فى التعامل الى فهمها هو بحموريته أنك عايزاه بس خايفة "
رفعت رأسها وزمجرت بقوة " قطع لسانك قبل لسانه أنا زينب العتمانى ، أشرف منك ومنه ومن ألف من رجالة العتمانة قبل ستاتها "
هنا لم يحتمل أمسك بعضضها وضغط عليه بقوة
" لو فى شك واحد فى المية فى كلامك ....كنت ولعتك فيكى حية و شوفتك بتتشوى قدامى يا زينب ، انتى عايشة يا ماما مش عشان بسامح ....أنا ما بسامحش الى بيسامح ربنا ، مش معقول لغاية دلوقتى مش فاهمة انا فين وانتى فين "
هزت رأسها غير مصدقة
" يعنى أنت مش بتشك فيا ...كل ده عشان مكالمات خبيتها عنك وجواب كتبته من سنين وراها ظروف وتعب أنت عارفة كان عامل ازاى .....هونت عليك تظلمنى كده .....هانت عليك العشرة "
دفعها إلى الخلف بغل وردد
" هى العشرة ديه عليا أنا بس مش عليكى ....هو أنا أتقرطس ويضحك عليا خمس شهور وأنتى بتردى على واحد  خطيبك أو أى طين من غير ما تقوليلى وتقوليلى عشرة "
أجابت بثقة بدأت تنهار " أنا مقولتلوش حاجة "
ضرب كفا بكف بصوت عالى  جدا
" ما تقولوش يا ماما ...ما تقوليش يا حبيتى ....ما تتصرفيش من دماغك ، واحد أيا كان ملة أهله دايقك تيجى زى الشاطرة لبابا زفت وتحكيله وأنا كفيل أجيبهولك متربط بعد ما أكله تراب الشارع"
طرقات عالية على الباب و صوت ياسين
"بابا ....أفتح ....لا داعى لشجاركم هذا لقد أضعت صلاة الفجر وهذه طريقة سيئة جدا لبداية يوم جديد ، إن خالد و نور استيقظا على وقع صوتيكما و هما خائفان جدا ...أعتقد أن كل هذا مبالغ فيه لأجل مجموعة من الصورة ليست لها أى أهمية "
حدقت زينب به و همست " انت قولتلهم إن خناقتنا ديه عشان الصور "
هز رأسه بنعم وردد بصوت يستطيع أن يميزه أدهم وياسين من الخارج " أه  وأنك قالبة الدنيا لأنك عرفتى ان كالى نزلت معايا فى نفس الفندق فى البحر الأحمر وبتشكى فيا "
ثم همس  فعلا
" أنا هعرف بعد كده أخليكى لما تكحى تقوليلى انا حكيت .....مفيش رد يا زينب قبل ما تعرفى كويس أنتى عملتى ايه ....أوعى  مشاكلنا  توصل للعيال، سامعة يعنى متطلعيش غلك فيهم ولا تزعقى طول النهار ولاد طارق العتمانى  خط أحمر "
أنهى جملته  وراح يفتح الباب .....
فأندفع الوافقون  خلفه ،لم يكن هناك سوى أدهم وياسين وعرفت أنهم قد أغلقوا الباب على خالد ونور ....
رغم الصداع الذى غزا رأسها و تور العين الذى بدأ يظهر من أثر النوم باكية و كل مصائب الدنيا التى تجمعت لتقف صفا أمام بابها إلا إنها أبتسمت فأدهم وياسين قد أعتبروا أنفسهم كبارا وحلالين مشاكل ....يبدوا أن صنعة جدهم العتمانى فى مجالس الصلح قد أنتقلت إليهم
مرت من جوارهم لتجذب رأس أدهم إليها لتقبلها وهى تدعوا له أن يطيل الله فى عمره ويصلح باله فغار ياسين  وتكلم معلنا عصيانه
" يعنى هو الكبير بيدلع و الصغير يترمى كده"
مدت شفتيها بحزن وفردت ذراعها فأقترب ياسين ليحتضنها
ووقف أدهم على أصابع قدمه ليصل إلى والده  الذى كان ينظر إليهما كأنه يشاهد فيلما هابطا فى التسعينات ويهمس بأذنه
"بالأمس عندما  فتحنا الباب أندفعت تبكى فى حضنه بمثل هذا المشهد تماما، لماذا لا تلقى عليه هذه الفازة بالجوار لتكسر له رأسه ونستريح "
اومأ طارق برأسه وأجاب بصوت منخفض " عارف و أنا صغير  كان الى بيفتن على واحد صاحب بيتعمل فيه إيه ؟"
أجاب بالنفى فكور والده قبضته و سددها فى بطنه بقوة فشهق أدم وأمال جزعه وهو يكتم نفسه من الألم
فأشار إليه  طارق برأسه " لا مش بتبقى هنا بالضبط  تحت شوية بس قلب الأب بقى...أعمل ايه فى طيبة قلبى "
أكمل طارق جملته وهو يسحب ياسين من قميصه مبعدا إياه عن أمه
" وأنت بيقبضوك حلو بقى تمن الحنية ديه ولا بتحضن ببلاش ....أسمع أنها شغلانة بتكسب دهب "
أجاب ياسين المجرور وهو يرفع نظارته " و الله يا بوس بعد الأزمة الأقتصادية فى 2008 السوق فيه عجز أنه يستعيد توازنه "
فرد طارق وهو يفتح غرفة خالد ويلقى به " وأنت بقى يا روح خالتك  الى هتعيد توازنه "
ضحك ياسين وهو يجيب مقلدا عمه حسن وهو يرفع يده كأنما يرجع كم جلبابه الواسع
" أنا بعون الله أعدل المايلة بحج كلمة "
أنهى جملته بغمزة
فرفع طارق سبابته مهددا " عارف لو طلعت عيل بتاع كلام وساعة الجد قلبت قطة هعمل فيك أيه "
قاطعه أدهم
"مش محتاج يا بوس ساعة جد .......هو بينونون من دلوقكيتى "
أدار طارق رأسه  لأدهم مرددا
" بلاش أنت ....بلاش خلى الطابق مستور لما أمك تنام عشان عندها هسس أنى بفسدكم "
يتحدثون هم ولا تعطى بالا ...لا تصرخى بهم ويضربهم هو ،لا تعرف حتى متى ستتحمل هذا الأنفصال فى الشخصية
..................................................

زفير الروح (الجزء الثاني من أنين الروح) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن