الثالثة

337 11 0
                                    

الفصل الثالث ........
ستهرب ....ستركب سفينتك و تقرر الإبحار ...الأرصاد الجوية تخبرك أن الجو عاصف ، فتتجلد وتخبر نفسك أن كل  هذه اهازيج وأن الواقع مغاير ...
حال السفينة لا يسر ....معروف يعنى أن السفن كالبشر كلما زاد عمرها زادت قوتها
نعم العبارة السابقة  لا يوجد عليها أى دليل ولكن فى لحظات الهرب فإنك تصبح فيلسوف الزمان  الصدىء و صاحب أكبر النظريات العطبة فى التاريخ
لا يهم ...أنفض كل الطاقة السلبية المحيطة بك ، املأ صدرك بالأمل وتحلى بإبتسامة أساتذة التنمية البشرية فى عصرنا الحديث و اركب سفينك المخروقة و أنت تعرف فى قرارة نفسك أن هذا موعد نوه
و سلم نفسك للموت تسليم أهالى
الهروب هو الموت المشرعن
..............................................................
فى بلدة المعز....ذات الوجوه العدة
القاهرة
  قلب الأحداث ....
السيارة تقترب من بيت طارق وزينب .....
من بعيد هو ساكن ، لا يختلف عما يجاوره من البيوت ...مظلم قليلا 
ظلام لفت أنتباه أدهم و ياسين ، لذا فإن خطوات أدهم الثقيلة فيما بعد لم تكن بسبب حمله لنور ولكنه خوف خفى جعله يبطىء فى خطواته وعلى عكسه كانت خطوات ياسين أسرع الذى كادت أن تتحول خطواته هروله
ولكن هذه الهرولة أنتهت عندما أدار المفتاح بالمفتاح فى الوقت الذى جذبت فيه زينب مقبضه لتلقى بنفسها فى حضن ياسين وهى تبكى منهارة
أمه  بنوبة بكاء ساقطة بين ذراعيه .....
هل تضع قائمة إحتمالات لحجم الكارثة ؟
مد أدهم ذراعه وأنار المكان .....
لم تكن طاولة الطعام الكبيرة موجودة ولكن بقاياها الخشبية كانت مستندة إلى الجدار ....كراسيها كما هى مصفوفة فى الجانب ككتائب العساكر فى الميدان
ولكن إذا دققت النظر أكثر فإنك ستعرف أنهم لم يكونوا سوى أسرى حرب ،جمعتهم جيوش العدو مكبلين بالأغلال ...وجوههم مغطاة بالوحل و أجسادهم المصابة تنزف فى صمت .....
قبل أن تستطيع العقول أن تعمل ....كانت الفطرة قد صرخت
انفاس ياسين تتسارع ، ضيق النفس الذى ظن أنه قد شفى بات وكأنه سيتحرك من معقله
وسؤال واحد وواحد فقط أراد إجابة عنه
" أبى بخير ،أليس كذلك ؟"
لحظة ....وتبعا لمنظومة الوقت لم تمر أكثر من خمسة ثوانى حتى أستعادة زينب وعيها لتجيب ،
أما فى عمر المراهقين  فمرت دهراً  ، يزعزع أمنا و يقذف رعبا
السؤال الذى وجهه ياسين والذى عندما رفعت رأسها وجدته منقوشا فى عين أدم الذى علق عينيه بها
أفهمها أن أنهيارها فسر خطئا و أى خطأ
فأجابت مسرعة " أنا وطارق أتخانقنا ...قعد يكسر فى الكراسى و مشى "

"هل أخبرك متى تسمع المصيبة وتقول الحمد لله على السراء  وأنت تزفر أنفاس الإرتياح و تكاد تبكى من فرط الفرحة ، عندما تمر بذلك الموقف الذى  تعرف أن قدر ربك لطفاَ مقارنة بما جاد به عقلك "
على الرغم  من أنها المرة الأولى التى يرون فيها والدهم ووالدتهم بحالة شجار حقيقى وليس مجرد مناغشة أو صراع صامت يشعرك كأنهم قد دخلوا فى حرب الأستنزاف يتقاتلون بكلمات مبهمة بالعربية معتقدين أن من حولهم لا يفهمون لهجتهم ،و لكن هل هم حمقى حتى لا يفهموا أيضا طريقة طارق المستفزة برفع حاجب و إجابة زينب بيد تتخصر بها ، ومع هذا كله فهو أهون .....
رأت نظرات الأرتياح فى أعينهم ، حتى أنها كادت أن ترى ميلاد إبتسامه على وجه أدهم
و ياسين عاد ليضمها مرة أخرى و أخذ يربت على كتفها  كأنها طفلته وليست أمه ....
هل هم مجانين ؟
لقد طلقها طارق ....لقد أنتهت حياتهم وحياتها كما عرفوها
لقد خذلها وتخلى عنها ........
عرفت عندها أنها لم تقل الحقيقة ....عندها فقط كانت على يقين أن لسانها لم يتمكن من قولها
لقد عزمت على إخبارهم ......كانت قد قررت هذا قبل أن تغالبها عينها وقلبها مرة أخرى
هذه المرة ستقولها ...
هيا يا زينب ...أنتِ لم تخطئى....لقد ألقى بحبك وتضحيتك من فوق سفح جبل ...هيا
...................................................
رأت أمام عينها شيطان صغير يضحك ...وسط العتمة التى تحيا فيها كان هناك جالس
مظهرهه جنائزى حسب عادات أندثرت فى بلدتها " يرتدى عمامة وملطخ بالطين... يقفز على قدم واحدة"
ووجهه سعيد يحمل فى طياته شماتة لا يخفيها ...
مرر عينه عليها سريعا وردد بصوت كان مألوفا وإن لم تعرف صاحبه
"هتقوليلهم طلقنى ليه ؟ ....
بيشك فيا ....  ولا لقى جواب قديم "
صاح صوت بداخلها " أنا مظلومة ، من جبل ما بحبه والله عمرى ما ما فكرت أذية بكلمة"
غير القدم التى يقفز بها و ذهبت عنه إبتسامته الضاحكة مستبدلا إياها بنظرة  جدية
" أنتى غلطتى وغلطك كبير ....النوايا لوحدها ما بتنجيش ...الكلمة هتخرج من خاشمك زى نار ضربت فى القش ، الهوا هينفخ فيها تزيد وما حدش هيتحرق غيرك .....الكلام ده ماسخ ....ماسخ جوى ،ما ترميش بذرة الشك فى قلوبهم وتجولى ليا طرحت شر ....الشيطان يا بتى بيرعى فى القلوب "
سقطت العمامة  أرضا ورحلت الجدة  و أنهت جدلا قبل أن يبدء
و أختارت  زينب ...الصمت حتى يأتى الله بأمرا من عنده
تنبهت لغياب أبنها الأصغر  فسألت " خالد فين ؟"
لم يجب أدهم ولكن أشار للخارج فأبتعدت زينب لتنظر من الباب الزجاجى الذى يكشف ما ورائه
كان يركب دراجته و هو ينادى على فتى ليلحقه ......
بالتأكيد ألتقطت عينه سباق الدرجات القائم و بينما كان أخوته بيأكلهما القلق  و يضرب  صفحة قلبهم الخوف ، كان هو فى عالم أخر تحركه فيه الإثارة  و  رغبة لا تنتهى فى اللعب تبدأ منذ يقتح عينه فى الصبح وتنتهى وهو يلقى الكرة إلى الأعلى ويتلفقها حتى ينام .....
الجدة محقة ....فهى لم تعد  سمرا الشابة التى عندما شعرت أن يدها قد تخضعها قطعتها ولم تنظر ، لم تعد تلك الفتاة التى تركت الألسنة تلوك فى شرفها من غير وجه حق حتى تثأر لكرامتها وتبقى على عزة نفسها
لم تعد "دقنلية " المبدأ  ترفع رأسها بلا فى وجه من قال نعم ......
هى أم  لأربعة أبناء ...تقدم حياتها تضحية فداء ظفر يتطاير من إصبع أحدهم ....
ألتفت إلى أدهم  و الحزن فى عينها قد أختلط بغضب أعمى " استأذنك قبل ما يجرى كده ولا لا "
حسنا هو أخبره أنه سيلعب وأنطلق ولكنه ليس وقتا للصدق الآن
- " آه يا ماما ....استأذن "
- " خلاص طلع أختك فوق ....هحضرلكم العشا ثوانى "
اومأ أدهم  برأسه  و هو يتحرك ناحية الدرج المؤدى للطابق الثانى ، كانت ستتبع أدهم ولكن ياسين أمسك بيدها ليوقفها
" أنا أعرف أنكِ  لن تخبرنى  ....أمى نحن لسنا صغارا ، يمكننا أن .."
قاطعت حديثه بيدا مرفوعة  وعلقت
بجدية وكأن تلك المرأة  المنكسرة من فترة كانت ذكرى ورحلت
" لا دخل لك ولا للأخر ....أخبره  ألا يقفز حولى ليعرف ما الأمر"
.....................................................

زفير الروح (الجزء الثاني من أنين الروح) Where stories live. Discover now