الفصل الخامس عشر

185 4 1
                                    

الماضي ..


شهقت رؤى ألف مرة ربما وهي تحتضن تلك الورقة بألم وفرح في آن واحد.
حقا لا تدري إن كان عليها أن تفرح أو تغضب.
من شدة ما أصابتها من الصدمة من فحوى تلك الورقة.
مسحت دموعها الغزيرة بكم قميصها الطويل.
ورفعت شعرها عن جبينها لتنصدم تماما.
فتتسارع دقات قلبها ويتصلب جسدها على وضعه.
تقدم منها ليجلس أمامها على الطاولة المتسخة.
يحدق فيها، بل يتأمل وجهها المحمر والمنتفخ.
وكأنه يحاول قراءتها.
ابتلعت هي ريقها لتدير وجهها عنه أخيرا وتوليه جانبها.
لم يفعل شيئا، لم يمسك بها.. لم يبادر ويحتضنها ككل مرة.
فهو غاضب، غاضب بشدة.
وليست لديه تلك القدرة التي تجعله يصفح عنها بتلك السهولة وبهذه السرعة.
فقط تحدث بهدوء:
- بغيت أشوف ردة فعلك وانتِ بيدك ورقة بيضا وما تعرفين إيش المكتوب فيها، وزي ما توقعت.. انهرتِ بعد ما عرفتِ لأنه كان عكس اللي توقعتيه صحيح؟

لم تبدِ أي ردة فعل، إلا أن الورقة بيدها تنكمش أكثر فأكثر بفعل قبضتها عليها.
- انتِ ما تبين الطلاق لأنك مليتِ من هالعلاقة، انتِ بس تبيني أتركك تسوين اللي تبينه.
تحرك جسدها قليلا بسبب تنهيدتها ولكنها أيضا لم تقل شيء.
فهي قد فُضِحت أمامه وكشفت تماما.
ليس هناك أي مهرب منه.
ولمَ قد تكون فضيحة أساسا؟
ألم تخبره بنفسها عن نيتها؟
لا بأس، فهي دائما مكشوفة أمامه.
- رؤى ارفعي راسك وطالعي فيني.
هزت رأسها نفيا ثم وقفت وهي تلتفت إليه وهي على وشك البكاء مجددا:
- ما دامك عارفني لهالدرجة وكاشفني ليش سويت هالحركة؟
أجابها ببرود:
- ما تعمدت، لكن بما إني كنت بحاجة إني أوصل لك هالورقة حبيت أشوف ردة فعلك.
ارتجفت شفتاها بغضب وشعرت بالصداع يداهمها في مقدمة رأسها، لتضربه على صدره بقبضتها:
- صدقني لو كررتها مرة ثانية راح تندم.
قذفت عليه ورقته:
- ما أدري إيش نيتك من ورى هالشيء لكن أنا ماني بحاجة لمساعدتك، ولا راح أتفق مع أي شخص من جهتك.
التفتت عنه لتبتعد بخطوات غاضبة، إلا أنه أوقفها ممسكا عضدها بقبضته القوية:
- هالمرة أنا معك عشان نكشف الحقيقة ونعرف إيش اللي صار بالضبط.. وعشان نثبت للكل بعد وأولهم انتِ وهادي ونجود، إنه فهد مو القاتل.
التفتت إليه بقوة بعينين تتقدان شرا ليكمل بهدوء:
- والمحقق هذا شاطر أعرفه من فترة بسيطة، كل القضايا اللي أخذها كانت في صالحه، عشان كذا حبيت تستعينين فيه بدال ما تدورين بنفسك وتتعبين.
لمعت عيناها ونظرت إليه بدهشة وغير تصديق بنفس الوقت قبل أن تسحب ذراعها منه بقوة وتبتعد بخطوات سريعة.
راقبها زين حتى اختفت عن عينيه.
ثم زفر بصوت مسموع ليقف ويتجه نحو إحدى فتحات النوافذ.
كانت الشمس على وشك المغيب والمنظر رائع.
فعلا..
يشعر بالضيق الشديد، ويشعر بالاختناق.
وهو يسترجع ما حصل ليلة أمس.
بعد أن ضغط على فهد بشدة حتى يحصل على الاعتراف ولم يجد الآخر حلا آخر سوى أن يمنحه ما يريد.
ولكنه رغم ذلك، لم يقل شيئا سوى ما جعله يشعر بحيرة أكبر:
- هذا الصدق يا زين، أنا متورط.. لكن قاتله شخص ثاني وأنا وعدت نفسي ووعدته إني أحميه لآخر يوم بعمري، ومستحيل أقول لك من هو لو حطيت السكين على رقبتي.
دفعه زين بقوة ليسقط جالسا على الأريكة بعد أن أمسكه من ياقة قميصه وأوقفه.
ملامحه تنم عن صدمة شديدة.
ليس بسبب اعترافه أنه ليس القاتل، فهو يعرف ومنذ أول يوم اتهموه به أن أخيه لم يفعل ذلك.
ولكنه بسبب ما قاله، ان القاتل شخصا آخر وانه سيحميه حتى آخر يوم بعمره!
يعني انه حتى وإن تعرض للخطر والشبهة مرة أخرى، لن يفعل شيئا سوى الاستسلام كالحمقى.
من يكون ...!
ولماذا فهد قد يقدم له مثل تلك التضحية العظيمة؟
أمسك رأسه وضغط عليه بيديه بقوة.
يشعر بالصداع الشديد، لم يعد إلى المنزل منذ الأمس.
بقي مع فهد.
ساعده على تنظيف إحدى الغرف وهو غاضب بشدة، لا يعرف كيف استطاع كظم غيظه طوال الوقت حتى انتهى.
وذهب ليغسل يده.
عاد إلى الغرفة ليجد فهد مستلقٍ على السرير وغارق في النوم.
هل نام بهذه السرعة.
تنهد بضيق ليقترب منه ويغطيه.
انصدم حين لمست يده يد فهد ووجد حرارته مرتفعة.
بدا في تلك اللحظة كالأطفال حقا.
شعر به وكأنه ابنه، وأنه بحاجة إلى رعاية فورية واهتمام.
هل يستطيع فهد فعل ذلك؟
قتل ماهر؟
أو حماية أحد آخر؟
نعم بشخصيته الضعيفة هذه سيتمكن من فعل الثانية بسهولة.
ولكنه من المستحيل أن يمسك بسكين ويقتل زوج أخته وابن عمه.
استلقى على الجانب الآخر من السرير.
ينوي البقاء بجانبه طوال الليل، ربما احتاجه.
جافاه النوم حتى الصباح وأيقظ فهد بقوة ليصليا الفجر معا.
تركه أخيرا بعد الصلاة ليتجه إلى عمله.
لم يفكر أبدا بالعودة إلى المنزل.
والدته لم تسأل عنه حتى.
وهو يشعر بالغضب الشديد تجاه نجود، إن عاد إلى المنزل ورآها أمامه سيبطش بها ربما.
منظر الضياع والخوف وملامح الضيق بوجه فهد.. كانت كفيلة تماما ليشعر بغضب العالمين تجاهها هي ورؤى (التي طلبت الطلاق بسهولة).
حتى الآن لم يغمض عيناه لحظة واحدة.
يظن أنه سيموت إن نام وحاله هكذا.
سيخنقه الضيق بكل تأكيد وهو غافل.

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح Waar verhalen tot leven komen. Ontdek het nu