الفصل السابع عشر

122 4 0
                                    

الحاضر …

كان هادي مصرا حقا , على نيل مبتغاه .
إذ صار يفكر ليل نهار , عن سبيل للوصول إلى هينا .
لديه بالفعل رقم والدها , ولكنه يظن أنها ليست الطريقة الصائبة .
ربما لأنه يريد معرفة رأيها أولا ..
فهو لا يتمنى أن تأتي هينا إلى خالها تبكي في حضنه شاكية إليه غضب والدتها منها بسببه ..!
بتواجد مريض آخر مثله ربما .
وتقول بقهر العالمين ( كله من الحيوان هادي ولد الخالة منال ) .
الورود تذبل أكثر فأكثر , كما ذبلت ملامحه هو أكثر خلال أسبوع واحد .
ولكن تلك الإسورة الصغيرة الذهبية تجعل منظر الورود أجمل بحالتها هذه .
دائم النظر إلى ذلك الصندوق , دائم الإبتسام , دائم التفكير .
أصبحت تلك الأشياء التي تشغله ثلاثة , بعد أن كانوا اثنين .
والدته , مرضه .. الآن هينا .
وكأنه واثق أن ذلك العريس ولّى وذهب , وترك له هينا .
لم يصدق أنه قضى ليله بالأمس يدعوا ويتمنى أن يقابلها في المستشفى ..!
بما أن موعد جلسته اليوم .

ابتسم لنفسه وهو يعدل نظارته على عينيه , وتأفف متذمرا حين رفع يده إلى شعره يعدله , فسقطت منه بضعة خصلات .
عاد وابتسم متجاهلا تساقط شعره , وتعطر جيدا
عدل نظارته وقميصه للمرة المليون ربما .
كأنه يخرج للموعد الأول للقاء محبوبته .
يا إلهي هل ستتقبلني هينا وأنا على وشك الموت ؟
لا بأس .. لنتقدم بالخطوة الأولى , إن قبلت كان بها .
وإن لم تقبل فلا بأس أيضا , فأنا لم أتعلق بها إلى ذلك الحد بعد .
وليقضي الله أمرا كان مفعولا .
خرج من حجرته لتستقبله والدته بالبخور كعادتها كل صباح .
ابتسمت له بحنان , بل حنان العالم كله في وجهها .
اقترب منها وقبل جبينها :
- صــ صــ صــباح الخير يا أجــ جــ جــ جــمل منال .
- صباح النور حبيبي , كيف حاس الحين ؟
ابتسم يطمئنها :
- الحمدلله أحسن .
هزت رأسها وهي تتنهد :
- يعني مصر ما تخليني أروح معك ولو مرة يا هادي ؟
قبل جبينها مرة أخرى :
- آسف يا أمي , بــ بــ بــس والله مــمــ مــافي داعي , ما أبي أتعبك .

ضمها وقبل رأسها مرة أخرى وخرج , بعد أن أوصاها بالدعاء له .
وهل للأم أن توصّى بالدعاء لإبنها ؟
هل لديها شيئا آخر أهم من الدعاء لإبنها أساسا ؟
كعادتها منذ اليوم الأول الذي علمت به عن مرضه , توضأت وصلت , ثم جلست ساعات طويلة تدعوا له من قلبها .
أما هو …
ركب سيارة رائد , والذي استغرب من إتيانه .
هو طلب سامي وليس رائد .
ركب وألقى السلام بصوت منخفض , فهو ليس معتادا عليه .
تحدث رائد أخيرا بصوت مليء بالعتاب :
- كذا ما تعلمنا يا هادي عن مرضك إحنا إخوانك .
التفت إليه هادي بضيق ولم يجبه , ليس لديه ما يجيب به من الأساس .
أكمل رائد :
- ما تدري قد إيش انصدمت لما قال لي سامي , انفجعت حيل .
رفع هادي أحد حاجبيه , وهو يشعر بتوتر غريب :
- وينه هو ؟
لم يجبه رائد على الفور , بل قال بعض لحظات :
- مشغول بشيء .
غضب وهو يشعر أن رائد لا يريد أن يخبره بما يحصل .
لا يدري متى سيشعرونه أنه واحدا منهم .
وأنه أخيهم .
وأن أمر لجين وسامي وباقي إخوته يهمه أكثر من أي أحد آخر ..!
حتى لو كان يحقد على لجين بسبب أخلاقها السيئة إلا أنها تبقى أخته .
لو كان سامي من يجلس بجواره لأصر عليه لمعرفة الأمر .
ولكن رائد مختلف , ثقيل جدا ليسأله مرتين .
حتى رؤى لم يتصل بها ولم يتحدث إليها منذ فترة طويلة .
منذ أن علم بمرضه ربما .
وصلا أمام المستشفى .
كان رائد يود النزول والدخول مع أخيه , إلا أن الآخر رفض بشدة .
لو أنه لم تأتيه تلك الأعرض ولم يتألم إلى ذلك الحد لما طلب من سامي أن يأتي إليه من الأساس .

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح Où les histoires vivent. Découvrez maintenant