الفصل الواحد والعشرون

114 2 0
                                    

اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله
لا إله إلا الله

___

بعد خطوته الخامسة بالضبط , أوقفه صوت مألوف .
محبوب بشدة , وقريب من قلبه .
ينادي باسمه .
ما جعل قلبه يخفق بشدة .
شوقا إليه .
صوت مصدوم ومذهول , ناعم .. يلامس القلب :
- هادي !
التفت , وعلى محياه ابتسامة ناعمة , فرحة ..!
إلا أن تلك الابتسامة لم تدم أكثر من ست ثوان .
اختفت سريعا .
وهو يراها واقفة , بالقرب من شاب يطولها كثيرا .
وسيم , وجميل .
يتأمله هو الآخر , ويبتسم له .
قلبه الذي فرح بشدة , ما لبث أن شعر به ينكسر .
ويؤلمه بقوة .

حين اقتربت منه حتى وقفت أمامه والدهشة لا زالت تعلو وجهها , ابتسمت له ابتسامة واسعة , ارجفت قلبه :
- هادي وش تسوي هنا ؟ ما أصدق والله , صدفة حلو .
ابتسم لها رغما عنه , ليقول بهدوء :
- صــ صــ صــحيح , صدفة حلوة , أأأأأنا جاي أأسوي عملية الــ لــ لــ لــإستئصال .
شهقت هينا لا إراديا , والمعلومات التي قرأتها عن مرض هادي .. وعن نسبة نجاح عملية الإستئصال , تأتي على عقلها واحدة تلو الأخرى , تألمت من أجله , لتسأله بحزن :
- يعني العلاج الكيماوي ما فادك ؟
هز رأسه نفيا , ثم نظر إلى علي الذي وقف بجانب هينا ومد يده ليصافحه .
تأمله من رأسه حتى أخمص قدميه , ثم مد يده عاقدا حاجبيه .
ما هذه النعومة في هذا الشاب ؟
بالنظر إليه عن قرب , يبدوا وكأنه مراهقا .. ولكنه طويل جدا .
من يكون ؟
ولمَ الظن السيء ؟ ربما أخيها ..!
ابتسمت هينا وهي تقدمهما إلى بعضهما :
- هذا صديقي علي , وهذا هادي يا علي .
أومأ علي برأسه بإيجاب :
- تشرفت فيك .

انصدم هادي وهو يسمع ذلك الصوت الناعم , مهلا ..
هل حقا هذا صديقها , مراهق ..!
وليس كما فكر تلك المرة , وظنه شابا .
حتى كاد يموت من الغيرة ..!
ضحك وهو يسأل :
- كــ كــم عمرك ؟
ابتسم له علي :
- 14 سنة .
تنفست الصعداء أخيرا .
وكأن جبل من الهموم سقط عن كاهله .
ضحك بصوته وهو يشتم نفسه على ظنونه .
استغربت هينا , وعلي أيضا .
ثم ما لبثا أن اتسعت أعينهما بخوف ودهشة .
وهما يبصران هادي الذي مسك رأسه بقوة , ثم سقط مغشيا عليه .
صرخت هينا بخوف وهي تغطي فمها بكفيها .
- هادي .. هادي .
جلست على ركبتيها وهي تنظر إليه بعينين دامعتين .
هذا الشاب , لا يتوقف عن جعلها تشعر بالحزن .
ركض علي إلى الداخل , يستنجد بالجوهرة وسعد الجالسين بالداخل .
لحقا به سريعا .
وانصدما من ذلك المنظر .
هادي يستلقي على الأرض , فاقدا للوعي .
وهينا بجانبه , تبكي وتشهق بخوف .
وما إن سمعت صوت خطواتهم حتى التفتت بوجهها الغارق بالدموع , تتحدث بصوت مبحوح ومرتجف :
- يمه تعالي الحقي عليه شوفي إيش فيه , أخاف يموت .. تكفين بسرعة , علي اتصل بالاسعاف خلهم يجون بسرعة .
بالرغم من دهشة الجوهرة على ردة فعل هينا , إلا أنها أسرعت نحو هادي .
واستغربت من عدم معرفتها له .
يعني شاب غريب , لمَ تبكي ابنتها عليه بهذه الطريقة ..!
راودها هاجس غريب .
تجاهلت شعورها , لتجلس على ركبتيها .
وتتحسس نبضه , قطبت حاجبيها بإنزعاج :
- الولد ما يتنفس , حتى نبضه ضعيف .. استعجلهم يا علي خلهم يجون بسرعة .
عادت لتنظر إليه .
ثم فردت يديها , لتحسس صدره ثم وضعت يديها على جانبي قفصه الصدري .
تتبعت بأصبعها حدود الأضلاع السفلية إلى أن وصلت عند عظم صدره .
وضعت أصبعها الوسطى على عظم صدره , ثم السبابة بجانبه .
وضعت راحة يدها الأخرى مكان الأصبعين , واليد الثانية التي أزالتها قبل قليل فوق اليمنى , في وضع تشابك باليدين .
فردت ظهرها وجعلته في شكل عمودي , ثم بدأت تضغط على صدره .. مستخدمة عضلات ظهرها .
بعد ذلك بدأت تضغط على عظم الصدر إلى الأسفل بــ 4 سم , 80 مرة تقريبا في الدقيقة الواحدة .
شعرت بالإحباط والخوف يتزايدان في قلبها , حين لم تجدي عملية إنقاذها أي نفع .
التفتت إلى سعد :
- تعال سو له تنفس صناعي , أخاف الإسعاف يتأخر وما نقدر نسترجع نبضه , بسرعة يا سعد .
اقترب سعد .
ليعمل عملية التنفس الصناعي , والجوهرة مستمرة فيما تفعله .
وهي تتفقد نبضه كل دقيقة بخوف .
مع أنها لا تعرفه .
وراودته الشكوك حين رأت هينا بهذا الشكل .
ولكنها تشعر أن هذا المريض مسؤوليتها هي .
وستحاول إنقاذه بما تستطيع .
وأخيرا , سمعت صوت سيارة الإسعاف .
وصاحت هي بسعادة :
- رجع النبض .

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح Where stories live. Discover now