الثامن والعشرون

149 2 0
                                    

الآن..

أنهت من سرد ما تمكنت من سرده..
وهي منهارة تماما من البكاء.
مد إليها فواز قارورة ماء, شربت القليل.
ونظرت إلى فواز حين سألها:
- ليش ما اتصلتِ على الإسعاف.
تنهدت وهي تغمض عيناها بضيق، ليس هناك ما يمكن إخفاءه بعد الآن.. انتهى الأمر.
اعترفت بجريمتها، ستتعاقب لا محالة.
إذا لمَ لا تقول كل شيء وتريح نفسها؟
- قلت لك أبوي هددني، ويوم ماهر ترجاني وكنت بتصل لقيته مات خلاص، وفهد عنده.
تنهد فواز وهو يضغط على ما بين عينيه بتعب.
ما هذا الذي يسمعه..!
أي نوع من البشر هؤلاء؟
كيف تمكنوا من فعلها..!
نظر إليها بحدة:
- وانتِ كان كل همك تنقذين نفسك؟ وزوجك اللي بين الحياة والموت؟ اللي كان بيموت من الألم!
صرخت نجود بقهر وهي تبكي:
- لأنه أصلا كان قاعد يتألم، حتى لو جا الإسعاف كان بيتألم, يعني كذا ولا كذا بيموت.. بس أنا لسه أبي أعيش حياتي بعد، انت ما تعرف أبوي وقد إيش هو شرير ويخوف، قتل يوسف وأنا صغيرة بدم بارد، بعد كذا خلاني أنا أتحمل التهم بداله.. لو ما ساعدنا أبوي طلال، ولو كانت قوانين هذاك البلد ما ترحم الأطفال كنت بقضي طول عمري بالسجن، هذا كله وأنا طفلة.. تتوقع بيرحمني ولا بيشفق عليّ وأنا بهالعمر؟
وقف فواز، وهو يضرب بكفيه على الطاولة بقوة..
ثم يضحك بغير تصديق، يشعر أنه على حافة الجنون.
ليقول من بين أسنانه:
- انتِ مانتِ بشر حتى، انتِ من الجان مثل ما قالت أختك.
تنهد بضيق حين سمع المحقق الذي يراقب من خلف الحاجز( اهدأ فواز لا تتعامل مع الموضوع بعاطفية).
رفعت عيناها الدامعتان إليه، وقد نفذ منها آخر ما تبقى من الأمل الكاذب:
- يعني كان أحسن لو مات ماهر وهو في طريقه للمستشفى ثم أنسجن أنا ويعيش تميم يتيم أم وأب؟
صرخ فواز:
- انتِ أساسا ما تستحقين تكونين أم لهالطفل البريء.
أغمض عيناه وهدأ رغما عنه بعد أن استعاذ من الشيطان.. حين أمره المحقق المشرف بعدم التهور.
سألها بهدوء:
- وليش اتهمتِ فهد؟ ليش ظليتِ تتهميه بأنه قتل زوجك؟ وانتِ الوحيدة اللي تعرف الحقيقة؟
ارتجفت أطرافها وصارت تفرك يديها بقوة لتعترف بصوت غير ثابت:
- كان واضح ذاك اليوم، إنه مستحيل يعترف.. من حركاته السريعة ومن ملامحه، عرفت إنه بيحميني بأي طريقة، وأعرف بعد إنه يحبني بجنون، ومستحيل يرضى لي الأذى، تأكدت أكثر من هالشيء لما دخل السجن وهو ساكت ومن دون ما يعترض، حتى انه تلقى كل التهم بصمت طول ثلاث سنين.. كمان، كل اللي سواه عشان يتخلص من الأدلة، وطعنه لماهر الطعنة الثانية، اعتقدت إنه يُعتبر قاتل هو بعد.
وبتردد أكملت:
- أبوي بعد فترة علمني إنه شاف شيء غريب، أو حس من شال ماهر.. وإنه هالشيء متعلق بفهد، يعني موته له دخل بفهد بطريقة أو ثانية.
عضّ فواز شفته بألم، على المسكين طريح الفراش..
المخدوع..
عقد حاجبيه مستغربا بعد ذلك، ما ذلك الشيء الذي أحسّ به والد نجود؟ والذي قد يجعل فهد متورطا في تلك الجريمة؟
جلس على مقعده، وسأل:
- وليش طيب حاولتِ تقتليه الأسبوع الماضي؟
نظرت إليه بصمت لبعض الوقت، ثم ضحكت بسخرية:
- مين قال لك إني حاولت أقتله؟ قبل 3 سنين قتلت ماهر عن طريق الخطأ يعني ما كنت متعمدة ولا لي ذنب، لكن هالمرة.. أنا مالي دخل باللي صار.
وضع فواز يده على السماعة بأذنه، وهو ينظر ناحية الحاجز.
وأومأ بإيجاب..
ليقف ويقول مبتسما:
- أبدا ما عندك مجال تكذبين أبشرك.
تتبعته بعينيها حتى التفتت برأسها خلفها حيث ذهب بالقرب من الباب.
وما إن فتحه.
حتى اتسعت عيناها ووقفت بقوة.
ليسقط المقعد الذي كانت تجلس عليه.
وأصبحت ترتجف كما لو أنها جهاز الكتروني خَرِب.

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح Where stories live. Discover now