الفصل السابع

158 3 0
                                    


الماضي ..

دفع زين الباب المفتوح بيده , ليدخل ويقدم رجله اليمنى على اليسرى .
نبضات قلبه لم تهدأ .
صوت بكاء رؤى وفزعها , ثم اتصال نجود المفاجيء أيضا في طريقه .
كلها تصب في أذنه , ليزيد من خوفه وارتباكه .
مهلا , كل تلك الأشياء لا تساوي شيء , مقابل ما أمامه الآن ..!
جسد ماهر المسجى بالقرب من الباب , والمليء بالدم .
وجهه الخالي من الحياة .
كلها جعلته يهوي على الأرض جالسا .
بملامح متجهمة .
وضع يديه خلف رأسه , غير مصدق ما يرى .
اقترب منه بهدوء , يمشي على ركبتيه من هول الصدمة .
حتى وصل بجانب بطنه .

عبس بضيق وتقزز وهو يرى بطن ماهر المكشوف , والذي تحولّ للأحمر تماما .
ازدرد ريقه , وهو يضع يده على صدر ماهر .. يتحسس نبضه .
أجفل حين وجده ساكنا تماما , لا ينبض .
وضع اصبعيه على عنقه , ليس هناك أي نبض .
قرب أذنه من فم الآخر , ليموت آخر ما تبقى ما لديه من أمل .
ماهر لا يتنفس , قلبه توقف عن النبض .
بالرغم من أن جسده لا زال دافئا .
يبدوا أنه توفى للتو .
بعد أن نزف الكثير من الدم .

بالقليل فقط من الأمل الذي بقي في روحه , وعدم تصديقه للأمر .. اقترب ليضرب خده عدة مرات ينادي بإسمه بيأس , علّه يستيقظ .
حين لم تصدر أي ردة فعل من ماهر , وقف واتجه ناحية الجدار .. وضرب بقبضته الجدار حتى تألم .
ثم صرخ بكل ما أوتي من قوة .
لتنزل دموعه , تشهد خسارته العظيمة .
خسارته لصديقه المقرب , إبن عمه الطيب , زوج أخته .. أخ زوجته .
بل أخيه .
خرّ على الأرض جالسا مرة أخرى .
ينظر إلى جثة ماهر بغير تصديق .
تواتيه ذكرياته برفقة ماهر واحدة تلو الأخرى .
كل موقف , كل مكالمة .. كل محادثة كتابية , كل حوار عابر , كل عبارة عفوية , كل كلمة .. تقتله .
كما قُتِل أخ دنيته بتلك السكين .
سكين من كانت ؟
من فعل ذلك بأخيه ؟
من فعل ذلك بصديقه ؟
من استباح حرمة دمه ؟
من تجرأ وجرح جسده ؟ من تجرأ وقتل روحه هو قبل روح ماهر ؟
من ذلك الذي تجرأ ليخلق شعورا فظيعا ومريعا بداخله ؟
من تجرأ ومدّ يده لوالد تميم ؟ الطفل الرضيع الذي لم يتعرف على والده بعد لصغر سنه .
من تجرأ وطعنه في بطنه ليُرمِّل أخته العزيزة ؟
من تجرأ وأمسك بسكين قاتلة ؟ ليُسكِن في قلب محبوبته وجعا عظيما كهذا ؟
من تجرأ وأفزعها وأخافها بهذا الشكل ؟

قبل أن يخطر في باله أي إحتمال , داهمت الشرطة المكان .
ليجدوا أمامهم جسد ماهر المفارق للحياة والغارق بالدم .
وجسد زين المتصلب أيضا من صدمته , ووجهه الغارق بالدموع .
دون أن يقول شيء , وقبل أن يستوعب .. قيدوا يديه , وأوقفوه ليذهب برفقتهم بكل هدوء ودون اعتراض .
كأنه الجاني .
حتى استقر بداخل سيارة الشرطة , التفت إلى من على يمينه .
وكأنه للتو استوعب ما حصل :
- لحظة , وين بتودوني ؟
- إنت رهن الإعتقال بسبب وجودك في مكان الجريمة .
- بس أنا ما سويت شيء .
قاطعه الآخر :
- راح نقرر بعد التحقيق .
تنهد بضيق وأعاد رأسه إلى الخلف .
أغمض عيناه بتعب , وكأنه خرج من عراك طويل , مهلك الجسد والروح .
تتراءى أمام عيناه جثة ماهر , ولا تغادر مخيلته أبدا .
هاتفه الذي صار يرن مرة أخرى , جعل الشرطي يساعده ويخرجه من جيبه .
كانت المتصلة رؤى .
تسمرت عيناه على الشاشة .
كيف سيرد الآن ؟
تلك المسكينة .
ماذا سيقول لها ؟
حين اتصلت كانت تبكي بشدة , قائلة أن ماهر [ ربما ] على وشك الموت , على حد قوله .
وأن أحدهم طعنه .
وأنها خائفة على أخيها بشدة , تريد منه أن يذهب للإطمئنان عليه .
حتى أُقْفِلت الشاشة دون أن يرد , فتحه مرة أخرى بصعوبة بسبب القيود .
واتصل بسامي .
ليخبره الأمر بهون وبطء , حتى لا يفجعه .
طالبا منه أن ينقل الخبر إلى رؤى بكل هدوء , وأن ينتبه عليها .

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح Where stories live. Discover now