الثالث والعشرون

101 2 0
                                    

واشنطن ..
في وقت مبكر من صباح اليوم .
داخل سيارة الإسعاف .
كان الخوف يملأ قلب هينا , التي لم تتوقف عن البكاء الصامت .
حين وضع علي كفه على كتفها , يسألها مستغربا :
- هينا إيش فيك ؟ ليش تبكين كذا ؟
شهقت هينا وهي تنظر إليه وكأنه ترجوه هو أن يطمئنها :
- خايفة يصير له شيء , خايفة يموت .
ربت علي على كتفها :
- ما عليك إن شاء الله بيقوم بالسلامة , ادعي له .
حاولت هينا أن تتمالك نفسها قدر الإمكان , حين عانقها علي بود اخوي ، وكانت تلك الحركة كفيلة بجعلها تهدأ من انهيارها الغريب والمفاجيء . ابتعدت عنه وهي تراقب المسعف الذي يحاول إفاقة هادي .
بعد عدة ثوان , فتح هادي عيناه فجأة , ليصيح المسعف براحة .
ويطلب من البقية مساعدته ليبقى مستيقظا ولا يغيب عن الوعي مرة أخرى , فحالته لا تسمح له بمثل تلك الإغماءات , بما أن عمليته قريبة .
حرك هادي فمه بصعوبة وهو يلهث , يحاول نطق شيء .
حين قرب المسعف أذنه من فم الآخر , استطاع أن يلتقط إسم الطبيب , ليصرخ بالسائق طالبا منه أن يتجه إلى المستشفى الذي يعمل به طبيب جراحة المخ .

سألت هينا بلهفة :
- لماذا ؟ ما الذي أخبرك به هادي ؟
- ربما عليه أن يجري عملية الإستئصال الآن , أخبرتِني أنه مصاب بورم وسيجري عملية قريبا أليس كذلك ؟
تفاجأت هينا , وهزت رأسها إيجابا , لتقول بتلعثم :
- عليّ أن أخبرها , عليّ أن أخبر والدته بالأمر .
التفتت إلى علي :
- علي شوف جواله وين .
اقترب علي ليبحث عن هاتفه , والذي وجده بداخل جيب بنطاله .
حين وجده مقفلا ببصمة الأصبع , همّ بالإقتراب مجددا ليمسك بإصبع هادي ويفتحه , إلا أن اتصالا من والدة هادي جعله يعطي الهاتف لهينا فورا , والتي ردت والعبرة لا زالت تخنقها :
- ألو .
استغربت منال , وخافت بذات الوقت :
- ألو , مين معي ؟
- أنا ......
صمتت مرتبكة , لتقول بسرعة :
- هادي طاح علينا فجأة , والحين احنا متجهين للمستشفى , عشان يسوون له العملية .
شهقت منال بخوف :
- الحين ؟ إيش فيه هادي ؟
- بعدين بقول لك خالة منال يا ليت تجون المستشفى بسرعة .
أقفلت الخط , قاطعة المزيد من عويل وصراخ منال المفجوعة بإبنها الوحيد .

توقفت السيارة أخيرا أمام المستشفى .
وترجلت هينا برفقة علي , يراقبون الممرضين وهم يحملون هادي ويركضون به إلى الداخل .
حتى أنهما لم يستطيعا مجاراتهما على الفور .
قبل أن يصلا إلى جانب حجرة العمليات , تفاجآ بسعد والجوهرة من خلفهما .
أوقفتها الجوهرة بحدة :
- هينا .
نظرت إليها هينا , لتنصدم من نظراتها الحادة , ابتلعت ريقها لا إراديا , لتقف أمامها :
- هلا يمه .
أمسكتها من ذارعها وسحبتها بعيدا عن علي وسعد :
- تعالي , مين هذا ؟ وليش ركبتِ سيارة الإسعاف عشانه ؟
ازدردت ريقها هينا , وآلمها قلبها وهي تلمس الشك في نبرة أمها , والتي صدمتها بالفعل وهي تقول بنبرة منخفضة ومصدومة :
- لا يكون هذا الشخص اللي قاعدة ترفضي كل العرسان عشانه يا هينا ؟ وبغيتي تموت من خوفك عليه لما طاح .. لا وأصريتي نجي لواشنطن أول قبل لا نروح أي ولاية ثانية .
ادمعت عيناها التي توقفت قبل عدة لحظات , لتسحب يدها من قبضة أمها :
- يمه وش تقولين حرام عليك , ليش تشكين فيني لهالدرجة , صدقيني ما له دخل ولا أعرفه كويس حتى , قابلته كم مرة بالصدفة وأعرف إنه مريض ومصاب بالورم , عشان كذا لما طاح قدامي انفجعت وحزنت عليه , أذكر لما شفته آخر مرة كان خايف يموت من هالمرض ويترك أمه لوحدها لأنه ولدها الوحيد , والله بس هذي السالفة , حتى أنا تفاجأت من شفته اليوم في الصباح .
تنهدت الجوهرة وأدمعت عيناها هي الأخرى , من نحيب إبنتها .. ومن حزنها على الشاب الذي كان بحال يفطر له القلوب بالفعل .
أنى لها أن تتهم إبنتها بهذه الطريقة دون أن تسأل أو تتأكد ؟
هذه ليست المرة الأولى , بل فعلتها أكثر من مرة .
ولكنها كانت خائفة على هينا بالفعل .
أن تذهب وراء من سيضرها فيما بعد , تريد مصلحتها .

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن