الفصل الحادي عشر

140 4 0
                                    

اللهم أدخلني مدخل صدق , وأخرجني مخرج صدق
لا تلهيكم عن الصلاة وذكر الله
لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير

___

الماضي ..

كانت تلك العبارة من سامي , كافية لجعلها تنهار بداخلها بقوة وعنف .
وتشعر بالخذلان المريع .
رفعت عيناها إلى هادي المصدوم من كل ما يحدث ويسمع , عاقدا حاجبيه بشدة .
إلى أن سقطت عيناه بعينيها , ولانت ملامحه .
لتهز هي رأسها بإستياء .
وتشعر بأقدامها أخيرا وهي تقودها إلى حجرتها .
لتدخل وتغلق الباب خلفها بكل هدوء ودون أن تصدر أي صوت .
حينها وقف هادي أمام أخيه وغضب العالمين في وجهه , ولكنه ما إن نوى فتح فمه والتحدث .. حتى شعر بصداع قوي يداهمه .
ولا يرى سوى الضباب .
ترنح حتى أمسك بجانب أحد المقاعد , وجلس على الأرض .
مغمضا عينيه بشدة من هذا الألم المفاجيء والشديد .
والذي كان بداية لأعراض إصابته بالورم .
ذلك الألم جعله يمسك رأسه بيديه , ويدقه على حافة الطاولة .
فزع سامي من المنظر , بل وحتى من كانت تقف خلفه منذ عدة ثوانِ .
حياة التي عادت , ولم تفتها أي كلمة مما تفوهت به رؤى في لحظة إنهيار وعصبية عمياء .
اقترب سامي من هادي , وانحنى ينظر إلى تلك الملامح المشدودة , والوجه المحمر بشدة .
دفعه هادي عن غير قصد .
ووقف بقوة , ليسقط من طوله فاقدا للوعي .

شهقت حياة عائدة للخلف تضع يدها على صدرها , ثم غطت فمها بذهول مما حدث للتو وبطريقة مفاجئة .
نظرت إلى سامي وهزته من ذراعه :
- سامي إيش فيك إيش تنتظر , وده المستشفى .
بقي في مكانه مصدوما وغير مستوعب , في داخله شعور بالذنب .
هل ما قاله هو عن ماهر السبب في سقوطه بهذه الطريقة ؟
أصبحت مواقفه مع ماهر , وجميع إخوته .. تأتيه واحدة تلو الأخرى بطريقة سريعة .
وكأن شريط من المقاطع المسجلة يعرض أمامه .
ولا يركز هو سوى على ما يتعلق بماهر برفقة هادي .
كانا قريبين جدا .
كان ماهر مثل القدوة بالنسبة إلى هادي .
وكان ماهر يعامله بطريقة مميزة .
نعم كان طيبا مع الجميع , إلا أن هادي كان الأقرب له .
لسبب يجهله الجميع .
الآن تذكر , كيف انهار هادي , وغضب وفعل ما فعل .. بعد مقتل ماهر .
أكثر من تعب في ذلك الوقت , بعد رؤى بالطبع .
وحلف يمينا أن لا يبرح الأرض حتى يأخذ حق أخيه بيديه .
الآن وبعد أن قال ما قال , دفاعا عن امرأة لا يعرف عنها شيء سوى أنها أرملة أخيه وابنة عمه , وأصبحت زوجته فجأة .
وكان القرار صادرا عنه لحاجة في نفسه .
يرى هذا المنظر المريع أمامه .
لم ينتبه من شروده وصدمته إلا على شهقة لجين العالية , وهي تقترب وتقف خلفه , تنظر إلى وجه هادي بخوف :
- بسم الله وش فيه ؟

أبعدتهما حياة من الخلف , متذمرة ومتأففة من وقوف سامي بتلك الطريقة .
كأنه تمثال .
جلست على ركبتيها بالقرب من وجه هادي , ورشت على وجهه ماءً باردا أحضرته للتو من المطبخ .
وحين لم يستجب قربت من أنفه زجاجة عطر أخرجتها من حقيبتها .
حتى شهق وفتح عينيه , ثم صار يسعل عدة مرات مغمض العينين , مقطب الجبين بألم .
قبل أن يفتح عينيه مرة أخرى , ويجد أمامه وجه حياة القلق :
- هادي كيف حاس ؟
رفع كفه ليمسك بحافة الأريكة , ويجلس مستندا عليه بتعب وكأنه للتو انتهى من سباق ماراثون :
- ما أدري , دايخ مرة .. وما أشوف زين .
ردت حياة بنبرة حنونة :
- بسم الله عليك هادي , ليش فجأة صار لك كذا ؟
لم يجبها , بل حاول الوقوف وهو يشعر بالحرج منها .. دائما ما تعامله وكأنه أحد أبناءها , وهو دائم الإبتعاد عنها .. لسبب لا يعرفه .
تحرك سامي أخيرا ليساعده على النهوض , إلا أن كف هادي منعه من الإقتراب أكثر .
التفت ينوي الخروج من الصالة , فقاطعته حياة :
- ليش ما ترتاح هنا اليوم ؟
كان التعب قد تمكن منه بشدة , ما جعله يجلس على ذات الأريكة مستسلما .
وكأنه ينتظر تلك الفرصة لكي لا يقود سيارته عائدا إلى والدته بتلك الحالة .
التفتت حياة إلى لجين :
- روحي جهزي الغرفة لأخوك , خليه يرتاح .

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح Kde žijí příběhy. Začni objevovat