الفصل الخامس

266 6 8
                                    

اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق .
لا إله إلا الله .
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله .

___

الماضي ..

___

يدخل زين إلى مجلس منزل عمه الراحل بهدوء وببطء.
وما إن أصبح بوسطه حتى صارت الذكريات والمواقف المتعلقة به تواتيه واحدة تلو الأخرى.
حتى تنهد واستغفر ودعا له بالرحمة ثم جلس.
ليست المرة الأولى التي يأتي فيها بعد وفاة عمه، ولكنها المرة الأولى التي سيرى بها – أخيرا – رؤى.
لم تستقبله ولم ترحب برؤيته مطلقا في الأيام السابقة.
حتى أنها لم ترد على مكالماته.
كان يريد الاطمئنان عليها فقط ليس أكثر، ولكنها امتنعت بشدة.
ولم تسمح له بالتحدث إليها.
فتركها كما شاءت.
حتى أذنت له اليوم، وقد مر أسبوع كامل.

رفع رأسه حين سمع صوت وقع أقدامها.
دخلت، متشحة بالسواد.
من أقصاها لأخمص قدميها.
حتى شعرها الأسود الفاحم بدا مثل ملابسها تماما.
ولكن يا سبحان من خلقها فسواها.
فهي بالرغم من مسحة الحزن التي تغطي وجهها، والهالات الخفيفة التي تحيط بعينيها الواسعتين، تبدوا جميلة.. منيرة.
ابتسمت ابتسامة باهتة واتجهت إليه، ليفتح ذراعيه ويستقبلها بحضنه.
ضمها إليه بشدة، لتدفن هي جسدها الصغير بين أضلاعه.
وكأنها بذلك تريد الخلاص والهروب من واقعها الحزين.
توقع زين أنها ستبلل صدره كالعادة بدموعها الغزيرة، ولكنه تفاجأ جدا حين ابتعدت عن حضنه، ووجهها كما هو.
قبَل جبينها، وسأل عن حالها.. ثم سأل:
- ليش حتى الآن لابسة أسود؟
صمت قليلا ليكمل بهدوء وهو يمسك بكفها:
- تعرفين بعد إنه بدعة ...!

ابتسمت وهي تومئ بإيجاب وتجلس وتجيب بهدوء:
- صح بدعة، بس مدري وش فيني الله يسامحني.. يمكن لأن هالشيء صار عادة عند الناس، المهم.. أنا حدادي مو بس على أبوي، إلا على الثلاثة.. أمي وأبوي وماهر.
تحشرج صوتها وهي تقول تلك العبارة، وتنظر إلى عينيه الحانية، أكملت بذات النبرة الموجعة:
- زين أنا فقدت كل أهلي، مو باقي لي أحد.
مدّ يده ليمسك خدها:
- وأنا وين رحت؟ واخوانك؟ عمتي حياة؟
هزت رأسها بشيء من الوجع، وتحشرج صوتها مرة أخرى وهي تقول:
- ما حد يفكر بالثأر غيري.. أبي حق أخوي.
انصدم زين، لم يتوقع منها أن تفتح ذلك الموضوع مرة أخرى، ولا تفكر بــ (الثأر) بعد مضي هذه السنين.
لقد نسيت ذلك الموضوع بعد جهد طويل، منها ومنه.
إذا ما الذي تقوله الآن؟
ما هذا الذي تتفوه به؟
أكملت حين رأت نظراته المستنكرة:
- لا تطالع فيني كذا زين، ولا تنصدم.. إيه أنا ليومك هذا ما نسيت ولا فكرت أتخلى عن دم أخوي، وليومك هذا قلبي موجوع ويحرقني، راح من قدام عيوني وما قدرت أسوي شيء، صدقني بس أعرف القاتل وتثبت عليه التهمة بنتقم منه وما راح أسامحه لو كان أقرب الناس لي.
أكملت بعد صمت قصير:
- بس توفى أبوي تأكدت من هالشيء، إنه نار قلبي ما طفت.. سكتت لفترة، لكن الحين لا.
أمسك كفيها بيديه وضغط عليهما، ثم نظر إلى الأسفل قائلا بهدوء، بعد أن استوعب ما قالته جيدا:
- رؤى أنا مو ضد فكرتك، ولا كنت راح أمنعك أبدا؛ لكن .... صدقيني بتضيعين سنين حياتك مو أكثر، انسي وحاولي تنبسطي، فكرة الانتقام بتخليك معصبة وزعلانة طول عمرك يا رؤى، كنتِ بخير في الفترة الماضية.

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح Where stories live. Discover now