الفصل الخامس : الغزو الليلي

3.2K 394 401
                                    

(فصل معدل)

"ماريا، هل أنا لئيم؟"، سأل يوداليت أخيرا بعدما قرر مشاركة الشابة أمامه بعض الأسئلة التي تكاد تفجّر عقله.

وهي لم تخذله رغم انشغالها، بل ناظرته للحظات قارئة ملامحه خلال ذلك، ثم تنهدت آتية إياه بالرد،"يوداليت، أنت لطيف مع الجميع، ولطيف مع الجميع ليست مختلفة كثيرا عن الغير اللطيف مع الجميع، فكلاهما يُعاملان الجميع بنفس الطريقة، وكلاهما لا يملكان من يفضّلانه. لكن أن تكون لطيفا مع الكل لربما أفظع من أن تكون فظا خشنا، لأنك بلطفك تعطي للناس أملا بأن يصبحوا من المقربين لك، أحيانا قد يعتقدون أنهم قد أصبحوا على رابطة مميزة تجمعهم بك حتى... لكن لأنك لطيف مع الجميع فمن السهل جدا عليك أن تهجرهم، فأنت لا تكنّ لهم مشاعر خاصة وليسوا مهمين جدا لك، كلامك اللطيف وأفعالك اللطيفة نحوهم لم تكن مقصودة ولم تكن من القلب نابعة، وذلك مؤذي جدا خصوصا لو كان الطرف الآخر يحبك بإخلاص حقا، أو لا يملك أحدا غيرك."

إنها على حق، وبكلامها قد أصابت، فجعلته يحني الرأس ويعيد التفكير مليا في أقواله وأفعاله.

بينما ماريا شردت في التّحديق به، كم تشعر بالحزن على هذا الصبي الغير القادر على الإخلاص لأحد بالشكل الصحي. هي لا تدري عن طفولته أو عما عاشه قبل أن يجمعهما القدر، لكنها تعلم جيدا أنه لو بقي على هذه الحال فسينتهي به المطاف وحيدا ومكروها من طرف الجميع في المستقبل.

"يوداليت، أتمنى أن تتذكر دائما أننا جميعا نرتكب أخطاءً، وطالما تندم وتتعلّم منها وتعد ألا تكررها فستكون بخير، ثق بي".

ابتسمت له أدفأ ابتسامة ثم ربّتت على رأسه. نصيحتها حُفِرَت في قلبه، أن يندم ولا يكرر أخطاءه، وعندها سيكون بخير... هو راغب في أن يكون بخير وما قالته منحه الأمل في أن له القدرة على أن يجعل نفسه بخير، لهذا ابتسم تلقائيا.

'على الأقل هو ليس عابسا الآن'،فكّرت ماريا في نفسها، ثم عادت لتصبّ تركيزها على حاسوبها قائلة، "لقد قمتُ بحجز تذكرتين لرحلة بحرية، سنغادر نيوسايبورغ فجر الغد، فأنصحك بأخذ قسط من الراحة".

نفّذ أمرها ونهض إلى غرفته متمنيا لها أثناء ذلك ليلة سعيدة، ماريا شخص مهم جدا في حياته، لكنه وللأسف ليس متأكدا أسيكون مخلصا لها للأبد، أم قد يتصرف بأنانية ويتركها وقت الشدّة أيضا... الإجابة التي يخاف جدا من اكتشافها.

دخل غرفته وأُقفِل الباب آليا خلفه، المفروض أن يقصد سريره، لكنه استقر مكانه يحدّق بالنافذة الضخمة جانبه.

إضاءة الإعلانات النيونية بالشارع تتطفّل على غرفته، كما العادة تتوهّج بشتى الألوان، الوقت لم يتأخّر بعد رغم حلول الليل بظلامه، فلا عجب أنه لازال يستطيع رؤية السيارات الطائرة تعبر أمام نافذته.

أيها السحرة! احذروا الفرسانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن