الفصل الخامس و العشرون : حكاية الفارس العظيم (1)

2.1K 268 60
                                    

"بيانكوسيغلا" المملكة التي لا تعرف لدفئ الشمس معنى، فالسكان يرونها مجرّد قرص يضيء النهار ثم يختفي ليلا. أشّعتُها كُتِبَ عليها الفشل في إيصال الدفئ ، و كله بفضل الحارس الأبيض، الثلج المتراكم.  إنه يحيطهم طيلة أيام السنة، يحفظ انخفاض الحرارة الشديد و يأتيهم بزمهرير برد قارس.


الزراعة في مملكة كتلك مستحيلة، فالجفاف الشديد يُفسِد المحاصيل و الحرارة المتدنيّة تحت الصفر تقضي تماما عليها. لهذا تلجأ بيانكوسيغلا لاستيراد مختلف المواد الغذائية من باقي الممالك، من قمح و خضر و فواكه و موارد أخرى. ثمنها غال و من الصعب لأكثر السكان توفيره، ما يضطر الطبقة الفقيرة للتعايش مع وحش المجاعة جنبا إلى جنب.


و لولا الصيد كحل بديل، لسقطوا جميعا صرعى من الجوع. إنها مملكة لا تعتمد على الزراعة مطلقا، لكنها تتوفر و بكثرة على كل أنواع اللحوم و جلود الوحوش، تجارتها تعتمد على هذين العنصرين، و كل الممالك تقصدها رغبة في استيراد اللحوم عالية الجودة و الجلود منها.


لكن و يا أسفاه، حتى الصيد يأتي بثمن غال جدا لدفعه.


إن بيانكوسيغلا، المملكة الأشد عنصرية لها هرم اجتماعي بسيط و سهل جدا فهمه. الحكام و الطبقة النبيلة كلّهم فرسان، بعدهم تأتي الطبقة المتوسطة من أطباء أو مهندسين، ثم الطبقة الكادحة الفقيرة من بشر عاديين، و أخيرا في القاع يوجد العبيد، أو بمعنى آخر السّحرة.


كل طبقة تعتني بنفسها، الحكّام و النبلاء ليسوا متفرغين و لا راغبين بالاستماع لنُوَاحِ و أوجاع الطبقات الأقل منهم اجتماعيا، خصوصا الكادحة الفقيرة. إنها طبقة تعاني العذاب المرير، ليس منها لا فارس و لا ساحر، جميعا بشر و جميعا مضطرون للخروج للصيد و مواجهة الوحوش، و إلا سيكون الموت من الجوع و البرد مصيرهم.


و لتحقيق هذا المبتغى، عَمَدَت كل قبيلة من القبائل البشرية على ابتداع وسيلة لصيد الرالين و طرد الكوليبس. و كم هو مؤسف أنها جميعها طرق تستدعي التضحية و إسقاط الأرواح...


"كلاااي!!! كلااااي!"

نحو صف من الأشجار الجافة طفل صغير كان يركض و ينادي، جسده مغطى بطبقات من الملابس ثم معطفا من صوف أبيض، كلما أخذ خطوة انغمس حذاؤه داخل الثلج الناعم، و مع ذلك كان قادرا على الركض بسرعة و ثبات.


وقف الطفل قرب صبي آخر، يرتدي نفس حجم الملابس و معطفا من صوف بني اللون، على الأرض البيضاء جالسا القرفصاء يجمع الحطب. لولا القفازات البُنِّية التي تغطي يديه، لاحترقتا و تورَّد لونهما من البرد القارس، تماما مثل خذّيه و قمّة أنفه.


"ماذا هناك؟" لم يهتم لأمر الصغير الواقف بقربه، فقد كان جلُّ تركيزه على جمع الحطب و إتمام عملِه.


أيها السحرة! احذروا الفرسانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن