"بيانكوسيغلا" المملكة التي لا تعرف لدفئ الشمس معنى، فالسكان يرونها مجرّد قرص يضيء النهار ثم يختفي ليلا. أشّعتُها كُتِبَ عليها الفشل في إيصال الدفئ ، و كله بفضل الحارس الأبيض، الثلج المتراكم. إنه يحيطهم طيلة أيام السنة، يحفظ انخفاض الحرارة الشديد و يأتيهم بزمهرير برد قارس.
الزراعة في مملكة كتلك مستحيلة، فالجفاف الشديد يُفسِد المحاصيل و الحرارة المتدنيّة تحت الصفر تقضي تماما عليها. لهذا تلجأ بيانكوسيغلا لاستيراد مختلف المواد الغذائية من باقي الممالك، من قمح و خضر و فواكه و موارد أخرى. ثمنها غال و من الصعب لأكثر السكان توفيره، ما يضطر الطبقة الفقيرة للتعايش مع وحش المجاعة جنبا إلى جنب.
و لولا الصيد كحل بديل، لسقطوا جميعا صرعى من الجوع. إنها مملكة لا تعتمد على الزراعة مطلقا، لكنها تتوفر و بكثرة على كل أنواع اللحوم و جلود الوحوش، تجارتها تعتمد على هذين العنصرين، و كل الممالك تقصدها رغبة في استيراد اللحوم عالية الجودة و الجلود منها.
لكن و يا أسفاه، حتى الصيد يأتي بثمن غال جدا لدفعه.
إن بيانكوسيغلا، المملكة الأشد عنصرية لها هرم اجتماعي بسيط و سهل جدا فهمه. الحكام و الطبقة النبيلة كلّهم فرسان، بعدهم تأتي الطبقة المتوسطة من أطباء أو مهندسين، ثم الطبقة الكادحة الفقيرة من بشر عاديين، و أخيرا في القاع يوجد العبيد، أو بمعنى آخر السّحرة.
كل طبقة تعتني بنفسها، الحكّام و النبلاء ليسوا متفرغين و لا راغبين بالاستماع لنُوَاحِ و أوجاع الطبقات الأقل منهم اجتماعيا، خصوصا الكادحة الفقيرة. إنها طبقة تعاني العذاب المرير، ليس منها لا فارس و لا ساحر، جميعا بشر و جميعا مضطرون للخروج للصيد و مواجهة الوحوش، و إلا سيكون الموت من الجوع و البرد مصيرهم.
و لتحقيق هذا المبتغى، عَمَدَت كل قبيلة من القبائل البشرية على ابتداع وسيلة لصيد الرالين و طرد الكوليبس. و كم هو مؤسف أنها جميعها طرق تستدعي التضحية و إسقاط الأرواح...
"كلاااي!!! كلااااي!"
نحو صف من الأشجار الجافة طفل صغير كان يركض و ينادي، جسده مغطى بطبقات من الملابس ثم معطفا من صوف أبيض، كلما أخذ خطوة انغمس حذاؤه داخل الثلج الناعم، و مع ذلك كان قادرا على الركض بسرعة و ثبات.
وقف الطفل قرب صبي آخر، يرتدي نفس حجم الملابس و معطفا من صوف بني اللون، على الأرض البيضاء جالسا القرفصاء يجمع الحطب. لولا القفازات البُنِّية التي تغطي يديه، لاحترقتا و تورَّد لونهما من البرد القارس، تماما مثل خذّيه و قمّة أنفه.
"ماذا هناك؟" لم يهتم لأمر الصغير الواقف بقربه، فقد كان جلُّ تركيزه على جمع الحطب و إتمام عملِه.
أنت تقرأ
أيها السحرة! احذروا الفرسان
Fantasyحتى بعدما أغرق الطوفان أرضهم، لم يستسلم البشر و عزموا على إقامة حضارة جديدة ، و حتى بعدما مُسخت الحيوانات، و زَحَفَت جُثَتُ ضحايا الطوفان من أعماق البحر، مبعوثين للحياة من جديد على شكل هياكل عظمية، متلهفين لسفك الدماء و إسقاط الأرواح، إلا أن البشر ل...