الفصل الرابع والثلاثون

Start from the beginning
                                    

صيحة ضعيفة أطلقتها الجدة وحدقتيها تتوسعان بمُبَادَهَة بينما أصابت رِعْدَة خفيفة جسد الشيخ العجوز فاختل توازنه بعض الشئ ، اختلال فَطِنته مريم وتلقائياً أسندته خشية سقوطه.. سألها بملامح مبهوتة (انتِ بتشوفي يامريم؟!) .. انتفضت رغماً عنها بخوف وتوارت خلف أخيها تجيب سؤاله بسؤال متلعثم (حضرتك تعرف منين إني كنت كفيفة؟)

تحدث الجد مبتلعاً ريقه الجاف بصعوبة (ايه اللي بيحصل؟! ، أنا مش فاهم حاجة)..

رَأْفَة عارمة اختلجت صدر يوسف مآل رؤيته لصدمة الجدين وعدم إدراكهما للأحداث فدَعَم الحاج زين متمسكاً بمرفقه ليساعده على الجلوس وأشار لمريم أن تفعل مثله مع جدتها فأطاعته وسط النظرات المُرْتَابة، والأفكار المضطربة ..

-(اعملي حاجة للولاد يشربوها يانجاة) .. جملة متعثرة نطقتها الحاجة فاطمة لنجاة المشاهدة الصامتة بارتباك لا يقل عنهما ولم يمنحهما يوسف المزيد من استعطاء الشرح .. وأخرج الأوراق الثبوتية الصحيحة لشقيقته وهويتها الشخصية مُرفق بهم تحليل الحمض النووي الذي يؤكد نسبها لأبيها وللعائلة كلها ثم ناولها للحاج زين واتخذ مقعداً قبالته يقول بحذر (الأوراق دي بتثبت كلامي) ..

أعطاه له مجدداً قائلاً برفض (الورق ده مالوش لازمة يابني ، أنا وجدتها عرفناها من ساعة ماشوفناها أول مرة) .. وزّع يوسف بصره بينهما وبين مريم التي كانت تجاهد على الثبات فاستكمل مبتسماً بحزن (لما جات زارتنا مع ريان) .. غَضَا قليلاً يلملم شتات نفسه مواصلاً (ريان حفيدي التاني، ابن خالك سعد)

بتر يوسف استرساله قائلاً بوجوم (وابن الست اللي رمتها في دار الأيتام) .. ألحق إقراره بالحقيقة بالإفراج عن الملف المُحتوي على الأوراق المُزورة التي لفقتها رويدا بمؤازرة صهرها ، لنفي مريم ضريرة داخل دار رعاية بكل قسوة وجبروت وأضاف (الورق ده دليل على إن مرات ابن حضرتك رمت أختي وهي كفيفة في دار أيتام ومش بس كده ، الهانم المُحترمة سلطت ابنها عشان يلعب عليها وفالآخر مراته وحماه ولعوا فالدار...)

قاطعه الجد زين بالتباس (ابنها مين اللي سلطته؟، تقصد ريان؟)

-(هي عندها عيال غيره؟!) .. قالها يوسف هازئاً فتكلم الجد بتشوش (انت فاهم غلط ، وانا كمان مش قادر استوعب كلامك) .. ومن منطلق أول الحكاية استهل يوسف كشف حِجاب الواقع الذي لا يعلمونه .. بدايةً من يوم وفاة والده وابنتهما.. عارضاً نُصب أعينهما جميع الإفتراءات والظلم الذي تجرّعته أخته طيلة حياتها بسبب مجموعة مُجرمين لا تعرف الرحمة سبيلاً إلى قلوبهم السوداء ، وياليتهم اكتفوا بما ارتكبوه من آثام في الماضي.. بل تجرّأوا للشروع في قتلها ودبّروا جريمة نكراء راح ضحيتها عشرات الأبرياء ولولا ستر الله لكانت الآن في عدادهم .. نزلت كلماته فوق رأسي الكهلين نزول كارثة ، وكأن الغالية وارت ثراها اليوم والصدأ المفروك عن الحقائق استقر في حلقوميهما وعبأ جوفهما حد الاختناق، ودَفَقَت المحاجر ندماً بهيئة دمع ملوحته أُجاج شققت تجاعيد وجهيهما وأحرقتهما...بينما كانت مريم عالقة التفكير عند جملة مازالت ترن بآذانها مثل قذيفة مدفع قطفت وعيها (ريان ابن خالك سعد) ،  تلاحقها أخرى كالصفعة (وابن الست اللي رمتها في دار الأيتام) ... والآن أدركت سبب رفض شقيقها حضور جلسات مُحاكمة المُتورطين في حريق الدار وبنبرة مرتعشة قالت (الموضوع طلع أكبر من إنه ضحك عليا ...)

عيون الريان (مكتملة)Where stories live. Discover now