الفصل السادس عشر

17.6K 402 7
                                    

"يَعود القلب طِفلاً ريَّان المشاعر إذا تابَ أو أَحبَّ"

- وجدان العلي -

*************

خرج يوسف من منزل جابر رحمه الله بمقلتين تغشاهما الدموع كظللٍ من الغمام وقلب يتهشمُ من الحزن والخيبة كزجاج نافذة ضربها إعصارٌ من الحسرات .. حزين حُزن شجرة تين هجرها الماء وروحه تأن أنين وترٍ مقطوع من آلة عودٍ عتيقة ألقاها عازفها على قارعة الطريق ذات يأس .. كلما نظر إلى شهادة ميلاد مفقودته المُزورة ينخُر الألم عظامه نَخراً عميقاً كحرمانها من أبسط حقوقها والإلقاء بها في دار أيتام وهي ضريرة .. مكسورة الجناح مثل طير أخذتْ العاصفةُ أعوادَ سرير طمأنينته .. وأثناء قطعه لطريق العودة من أسيوط للسويس رغماً عنه اختلت عجلة القيادة بين يديه ولولا صرخة أميرة ومسكها للطارة بأعجوبة لأصبحا في عداد الأموات ... (حاسب يا يوسف).. قالتها أميرة بخضة بينما ضغط هو على مكابح السيارة كي تتوقف سريعاً فأصدرت العجلات صوتاً عالياً نتيجة احتكاكها بالأسفلت .. غطى وجهه بكفيه ينظم اضطراب أعصابه قائلاً بنبرة مُرتعشة (أنا آسف .. مش قادر أركز)

تنفست أميرة الصعداء قائلة بدم هارب (الحمدلله ربنا ستر)

لم يستطع تمالك نفسه أكثر من ذلك وانهارت حصونه كلها دُفعة واحدة قائلاً ببكاء مرير (مش عارف أعمل إيه يا أميرة .. أنا زي الغرقان اللي كان بيتعلق بقشاية والقشاية سحبته لتحت أكتر)

ردت عليه أميرة بتعاطف كبير مع حالته المُتألمة (لازم تهدى وتريح أعصابك .. الإنهيار عمره ماهيوصلك ليها)

تحدث يوسف بانكسار مُوجِع (ريم أذتهم فإيه عشان يعملوا فيها كده .. وتترمي مرتين .. مرة يتيمة ومرة عاجزة .. انتِ مُتخيلة؟.. تترفض من أهلها كلهم وتعيش طفولتها وشبابها محرومة من أبسط حقوقها كإنسانة؟)

بكت أميرة تأثراً بكلامه عن مآساة شقيقته قائلة (أنا واثقة إنك هتلاقيها إن شاء الله وهاتعوضها عن كل حاجة وحشة شافتها)

مسح وجهه بجانب كفيه قائلاً بملامح يمتزج في تعابيرها الحزن والقسوة (أنا هاروح بالورق ده لأهل ماما ليلى الله يرحمها .. أكيد مرات إبنهم الحقيرة عارفة إسم وعنوان دار الأيتام اللي رمتها فيها)

حاولت أميرة التفكير بعقلانية لتساعده في اتخاذ خطوات صحيحة بعيداً عن أي تسرع قد يضر به وبشقيقته في منفاها قائلة (إنت كده هاتعرض حياة ريم للخطر .. على حسب كلام فريال بنت جابر إن مرات خالها هي والراجل اللي كان معاها هددوه بقتلها لو ما بعدش بيها وممكن ينفذوا تهديدهم دلوقتي لو الدفاتر القديمة اتفتحت عشان يحموا نفسهم).. ثم أضافت بنبرة جادة (أنا عارفة إن ده الحل الأصعب .. لازم تلاقي أختك الأول قبل أي مواجهة لو عايز تضمن سلامتها)

نظر إليها قائلاً بقلة حيلة (كلامك صح جداً بس الموضوع شبه مستحيل .. أنا زي اللي بيدور على إبرة في كوم قش)

عيون الريان (مكتملة)Where stories live. Discover now