الفصل الرابع والثلاثون

27.6K 476 39
                                    


{إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ (94)}

— سورة يوسف —

****************

وبخطواتها الضعيفة المُتهالكة سارعت نحوها محاولة التماسك ثم جذبتها لأحضانها تغرق وجهها وجسدها وكفيها بالقبلات تقول ببكاء شديد (وحشتيني ياليلىٰ ، وحشتيني ياقلب أمك)

استسلمت مريم لعناق جدتها رغم تعجبها المُتزايد، هذا الصوت سمعته سابقاً ، وتلك الرائحة تعرفها حقاً ، بينما أطل الحاج زين من الداخل ليستنبط سر الحركة الغريبة على أعتاب منزله ، فوجد زوجته تحتضن فتاة لا يتبين ملامحها باكية بحرقة ، اقترب منهما بتوجس كي يفهم مايحدث ، وما أن وقعت أنظاره على مريم حتى انفرجت شفتيه برهبة ممزوجة بالصدمة وعدم التصديق.. هي.. روح عزيزه الصغير ، وقرة عينه ، وقلبه الذي غادره منذ فراقها .. هي .. بكل تفاصيلها ، بحضورها الملائكي ، وبراءة وجهها المليح .. انتبهت الجدة لوجوده فأبعدتها عنها برفق تضحك من وسط دموعها قائلة (ليلىٰ عايشة يازين ، بنتي ما مامتتش زي ما قالوا لنا)

تناول الحاج زين مرفق حفيدته يتأملها قائلاً بابتسامة فَرِحة (دي مش ليلي يافاطمة ، دي مريم ، روح ريان)

خبطت الجدة فاطمة على صدرها شاهقة باندهاش (مريم؟! ، ياضنايا يابنتي) .. احتضنتها مرة أخرى مُردفة بمفاجأة (كنتِ فين ياحبيبتي؟) .. تسارعت أنفاسها بشدة خاصةً بعد رؤيتها لجدها وإحساسها يقودها نحو تأكيد مجيئها إلى هنا مُسبقاً ، وعلى ذكر ريان انعقد لسانها أكثر.. وتاهت المفردات وسط ذهولها فابتعدت عنهما سريعاً تحتمي بشقيقها الذي لم يكن أقل انشداهاً منها ..

(انت مين يابني؟) .. استفسار مُستغرب وجهه له الجد زين بعدما أدرك وجوده .. وما زاد استغرابه ودهشته تعلق مريم بذراعيه وكأنهما تربطهما علاقة وطيدة..

رد عليه يوسف بابتسامة مُلتمساً له العذر (حقك تنساني ، احنا ماشوفناش بعض من يوم وفاة بابا وماما ليلى) .. دقق الجد النظر في ملامحه يحاول تذكره فتابع بحنين بالغ (أنا يوسف)

فَرَج الجد زين فمه وشدّه ليضمه قائلاً باشتياق كبير (انت يوسف ابن عبدالرحمن الله يرحمه)

ربت يوسف على ظهره قائلاً بتأثر (وحشتني أوي ياجدو) .. وانحنى يقبل يده متابعاً باحترام (الحمدلله ان حضرتك وتيتا بخير) ..

قالت الجدة فاطمة فاتحة حُضنها لتستقبله استقبالاً حانياً ، تمسد شعره وكتفيه قائلة (خطوة عزيزة ياغالي يا ابن الغالي، البيت والقاهرة كلها نورت) ..

اِنْتَأى عنها بتَمَهٌّل ليعاود احتواء كف شقيقته البارد أثراً لفرط توترها وتلاشي فهمها لمشاعرها فبادر الجد زين بسؤال مُتحير (انت ايه علاقتك بمريم؟)

أجابه يوسف بترقب (مريم) .. سكت هُنيهة يستجمع رباطة جأشه واستطرد (قصدي ريم تبقى أختي ، وحفيدتكم)

عيون الريان (مكتملة)Where stories live. Discover now