الفصل السادس والثلاثون

5.5K 177 22
                                    

(لم تفهميني البتة ، ولا أريد ذلك .. أريد فقط أن تفهمي أنني لا أحتاج إلا لأمزق نفسي ، وأنام جثة هامدة في حضنك الضيق)

-علي السليمان || القيثارة الملعونة-

*****************

القلب يعزف نبضاً مُغاير ، غير مفهوم .. ولا محسوس .. لاحزناً ، ولا فرحاً .. لا شيء سوى رَتابة تقتل في النفس أملها .. وسكون يقطعه صوت الخُطى الثابتة نحو الخارج .. وفجأة انتبه ريان لترنح رأس جده وسقوط العُكاز من يده فركض ازائه بهلع صارخاً (جدو) .. وعلى صرخته التفت كلاً من مريم وشقيقها مخضوضين وبدون تردد هَرْوَلَا عائدين والخوف يختلج صدريهما .. وبخبرته كطبيب أبعدهم جميعاً عنه وأمسك معصمه يتفحص نبضه ثم قال لأخته (هاتي شنطتي من العربية).. امتثلت لطلبه سريعاً والقلق يمزق قلبها ..

سأله سعد بفزع (هو ماله؟)

أجاب يوسف متناولاً حقيبته الطبية الإضافية التي يحملها دوماً معه في السيارة تحسباً لأي كشف منزلي طارئ من يد مريم (غيبوبة سُكر) .. وبحذر رفع أكمام سترة الحاج زين ليقيس ضغط الدم بواسطة الجهاز المُخصص لذلك .. تراجعت هي للخلف قليلاً ووقفت بجوار ريان والذي مد كفه ليحتوي خاصتها مخللاً أصابعه بين أصابعها وكأنه يطمئن روحه بوجودها وقال مُستفهماً بنبرة جاهد لتخرج مُتزنة (انت دكتور؟) ..

رمقه يوسف بنظرة جانبية ورد بسخرية (لا ميكانيكي) ..

سكت ريان مؤقتاً ضاغطاً على أصابع مريم فتأوهت بصوت خفيض وصل لمسامعه.. نظر إليها يهمس مُعتذراً بضيق (آسف ، أخوكِ مستفز) .. لكزته بخفة في جانبه تحذره بعينيها ليصمت .. بادلها نظراتها بأخرى مُغتاظة يزم شفتيه تعبيراً عن رغبته في ضرب هذا الـ .. الماذا؟ .. حقاً لا يجد له وصف.. وليستفيق جده الحبيب أولاً وسيأخد الحنق مجراه بينهما .. بينما أخرج يوسف الغافل عما يحدث ورائه حُقنة أنسولين ليعبأها، وبحرفية شديدة قام بغرسها في عضلة ذراع الجد الغائب عن الوعي .. ولم تمر إلا دقائق قليلة حتى بدء عقله يستجيب للإفاقة.. وببطء فرّق جفنيه وجدهم مُلتفين حوله ومعالم الخوف بادية على ملامحهم .. وبلسان ثقيل نطق (في إيه ياولاد؟) .. والمبادرة بالحديث كانت لزوجته الباكية تقول بعتاب طفيف (كده تخضنا يازين؟) ..

سارع ريان ليسنده كي يعتدل في جلسته يسأله بلهفة (حضرتك كويس؟)

ربت جده على كتفه قائلاً بضعف (كويس ياحبيبي ماتقلقش)

وقال يوسف مبتسماً (ألف سلامة عليك ياجدو)

أشار له الحاج زين بالاقتراب منه فأطاعه بترحيب وتفاجئ به يتكأ عليه لينهض قائلاً (تعالى وصلني أوضتي يا يوسف، عايزك في كلمتين لوحدنا) ..

انصاع يوسف لأمره باحترام وفي غضون لحظات قليلة كان الجد يجلس على فراشه وهو يتخذ مقعداً قَبالته .. تأمل الحاج زين هيئته المليحة ، وملامحه النابضة بالرجولة والوقار رغم صغر سنه بحنان وحنين كبير للذكريات والأيام التي جمعته بابنته الراحلة وقال (سبحان الله كأني شايف عبدالرحمن قاعد قصادي ، فعلاً اللي خلف ماماتش)

عيون الريان (مكتملة)Where stories live. Discover now