الفصل الحادي عشر

20.8K 422 27
                                    


لا تجرحي التمثال في إحساسهِ

فلكم بكى في صمته .. تمثالُ

قد يُطْلِعُ الحَجَرُ الصغيرُ براعماً

وتسيل منه جداولٌ وظلالُ

حسبي وحسبك .. أن تظلي دائماً

سِراً يُمزِّقني .. وليسَ يُقالُ ..

(نزار قباني)

________________

لم يدري يوسف كيف تعاقبت عليه لياليه المبللة بملح دمعه المُحرِق الذي يدعس بكل ثقله فوق قلبه ويتساقط ليهشم أحلامه كعاصفة هوجاء جردته من الأدوار التي لعبها طيلة حياته ..لم يعد إبناً لأحدهم فوالديه تركاه منذ نعومة أظفاره ليعض اليُتم أصابعه الصغيرة.. ولم تكتمل فرحته بحب عمره التي انتقلت إلى الرفيق الأعلى دون سابق إنذار ومن بعدها عمه ولحقت بالجميع نفسه القانطة .. أصبح عبارة عن قلب ممزق وروح ذابلة وجسد مُتعب .. هناك جرح في خاصرة روحه لا يبرأ ولا يطيب.. إنه يتلاشى كالدخان وكل مابداخله ينتهي ويكاد يوشك على الرحيل.. نهض من نومته المُنهكة ليروي عطشاً جفف حلقه فوقعت أنظاره على صورة شقيقته الموضوعة أمامه .. توقف هنيهة يتأملها وللحظة أحس بأنه يظلمها بضعفه واستسلامه لذلك الانهيار الذي يؤخره الوصول إليها فقرر خلع لباس الهشاشة .. وبعد دقائق قضاها في التفكير اغتسل وبدل ملابسه ثم خرج منطلقاً إلى حي الأربعين " حيث بيت والده القديم .. وفي غضون ربع ساعة كان يقف أمام الباب المُغَبر بالتراب الذي أصدر صريراً عتيقاً عندما فتحه ليدخل .. أضاء مصابيح الإنارة ووقف في منتصف البهو الواسع وذكريات طفولته تداهم عقله..رائحة الحياة المنقوشة على الجدران مازالت كما هي.. أصوات الضحكات وأنين الأوجاع وعطر الأبوين الراحلين ينتشر في المكان كزخات حنين تهديه إياه الزوايا والأركان .. تفاصيل كثيرة نحتها فتات السنوات التي عاشها في ظل أبيه.. نظر لصورته المُعلقة على حائط صالة الاستقبال بعينين غائمتين يحدثه بهما (لقد كبرت سريعاً يا أبي .. نضجت مبكراً لكن الشيب لم يعلُ رأسي بل حط في نفسي وملأت التجاعيد طرقات ضحكاتي وروحي داهمها الهِرَم) .. أطلق تنهيدة مرتعشة من عمق الليل الحالك بداخله ثم نفض الغبار عن أحد المقاعد ليجلس عليه بقلة حيلة ولسان حاله يسأل كيف سيخوض المعركة بمفرده؟ ..ومن سيشجعه على إكمال الطريق إذا فقد الأمل؟ .. فكر قليلاً ولم يعلم لماذا خطرت هي بباله .. أمسك هاتفه واتصل بها دون تردد .. أتاه صوتها عذباً يشوبه نبرة عتاب خفية لِمَ بدر منه في حقها (ازيك يا يوسف)

ظل ساكناً لثواني ثم أجابها بخجل من نفسه (عايز اشوفك ضروري يا أميرة)

ردت عليه بثبات زائف (لو عايزني عشان موضوع الإستقالة فانت عارف تقدمها لمين)

قاطعها برجاء أن تسمعه (أنا عارف اني كنت قليل الذوق معاكِ بس مش لاقي حد اشرح له اللي بمر بيه غيرك)

عيون الريان (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن