الفصل الثالث والعشرون

Start from the beginning
                                    

أحست رويدا بغلالة دموع توخز جفنيها تأثراً   بطيبته وحنانه الذي يغالب قسوة غدرها به ويطعن خطيئتها في حقه وحق العائلة بأكملها قائلة (انت كمان هاتوحشني أوي ياحبيبي، طمني عليك وكلمني أول ماتوصل بالسلامة) ..
اكتفى بإيماءة صامتة وابتسامة باهتة لم تصل لعينيه كإجابة على وصاياها ثم تركهما وانصرف وجميع حواسه مُشوّشة ، يشعر ببريق روحه ينطفأ شيئاً فشيئاً، وظلام يصل حد الظلم يلوح له من بعيد، حتى أجراس خطواته المُرتعشة تفتح الباب لهوة سحيقة تتسع كلما ابتعدت به السيارة المتجهة نحو المطار ومنه إلى بلد بينها وبين عشقه قصير العمر آلاف الأميال ... وفور تأكد سعد من مغادرته بشكل تام، تهاوى جسده على المقعد من خلفه، يبكي لأول مرة في حياته وكأنه انتزع قلبه عندما امتثل لأمره بلا اعتراض، ولسان حاله يصرخ داخله ياليته عارضني وما أطاع لي أمراً ، ياليته ما كان بكل هذا الصلاح، وياليته ما أحسّن الظن بي يوماً.. جلست رويدا قبالته تمسك بكفه البارد مثل الثلج قائلة (اهدى ياحبيبي عشان صحتك)

تحدث سعد بحسرة وندم (مش هاين عليا يارويدا، الولد ما اعترضش،طول عمره مريح قلبي، يبقى جزائه مني أوجع قلبه بإيدي؟!)

واسته رويدا بكلمات تعلم أنها لن تجدي نفعاً (إنت أكتر واحد بتحبه وعايز مصلحته ومفيش أحن منك عليه)

رد عليها سعد بحزن بالغ (خايف يعرف اللي عملناه،ساعتها مش هاقدر أبص في عينيه ولاهاسامح نفسي)

حاولت طمأنته بثقتها فيما ستفعله (ماتقلقش مش هايعرف،اطلع بس ارتاح فأوضتك دلوقتي وماتشيلش هم)

استند بمرفقيه على سطح المكتب واضعاً جبهته فوقهما يغمض عينيه ثم قال بتعب واضح (مش هارتاح لحد ماريان يوصل بالسلامة)

تفحصت الوقت في الساعة المُعلقة خلفه قائلة (لسه بدري أوي، مش معقول هتستنى 12 ساعة) .. نهضت من مكانها تحثه على إطاعتها وأردفت بهدوء منافي للموقف (تعالى بس ريح أعصابك،وهو أكيد لما يوصل هايطمنا عليه)

امتثل لرغبتها بإذعان شديد ،لعلّ كلامها يصيب ويجد راحة أصبحت بعيدة كل البعد عنه، متمنياً أن يصل فلذة كبده سالماً إلى وجهته التي حددها له، بينما هي انتظرت حتى انتظمت أنفاسه في النوم وقامت بإمساك هاتفها لتكتب رسالة نصية عبر تطبيق الواتساب قائلة (ريان سافر، قابليني بكره الصبح قصاد بوابة الدار) ..ضغطت على زر الإرسال وتأكدت من وصول كلماتها للمرسل إليها بتلون علامتين الصواب باللون الأزرق، ثم فتحت الشرفة طلباً للهواء، خانتها دموعها الثقال وظل ذنبها يتجسد نُصب عينيها، وماذا فعلت؟ .. خلعته عن رقبتها وطوقت به رقبة ولدها الوحيد، وسترتكب زلة جديدة وكأن زلات ماضيها لم تكن كافية،ومثلما سلبت مريم حقها في الوجود والحياة بكامل إرادتها طيلة عقدين كاملين ، الآن تسرق من ريان حق الاختيار صاغرة... وعلى صعيد آخر وفي غرفتها التي لم تغادرها منذ عودتها إلى العاصمة، كانت تجلس فوق فراشها والقلق يتملك من قلبها، تشعر برعب يسير خلف موكب من العواصف يلف أحشائها، كأنه يقود تظاهرة تنبأها بأشياء الموت سيكون رحمة بدلاً من حدوثها، وكلما اتصلت به واستمعت للرسالة الصوتية التي تخبرها بأن هاتفه مُغلق تطوف حول رأسها آلاف الغربان وتنعق نعيقاً ذو فأل مشؤوم ...

عيون الريان (مكتملة)Where stories live. Discover now