الفصل الثاني والعشرون

Start from the beginning
                                    

احتوت كفه بين راحتيها تقول بهدوء منافي للموقف (عصبيتك ورفضك المباشر هيعلقوه بيها وممكن يعاند أكتر،واحنا مش عايزين نخسره)

كلماتها المنتقاة بعناية أصابت نقطة ضعفه، تدرك جيداً مدى تعلقه بولده لذلك أصبغت حديثها بالتريث قائلة (أنا عندي حل هايبعده عنها من غير ما نبان فالصورة خالص ،بس اهدى واسمعني كويس)

تهاوى سعد على المقعد من خلفه، يشعر بخذلان وخوف بذات الوقت، فكرة خسارته لولده الوحيد مرعبة، ريان بالنسبة إليه قلبه، وعموده الفقري، وإن حدث مايخشاه سينكسر ظهره بالمعنى الحرفي للكلمة، ويجب عليه توخي الحذر قبل اتخاذ أي قرار وسيستمع لأفكار زوجته مُجبراً ... لا يعلم أنها ستسحب الخنجر المغروز في خاصرته منذ سنوات طويلة لتكرر به طعنة أخرى كثيفة الألم، شديدة الوطأة ستأخذ في طريقها روح أعز مايملك ..

*****************

عودة إلى العين السخنة /

مرّت الساعات المتبقية على انتهاء اليوم الأول من الرحلة بطيئة على قلب كريم الذي قضاها في غرفته برفقة سجائره، سريعة على ريان الذي يتمنى أن يمضي العمر به بجوار سيدة روحه، متوترة على ريهام التي ترغب في المغادرة والعودة إلى القاهرة فوراً .. حلّ الليل سريعاً وأسدل المساء جدائله المخملية وبعد أن قام بتوصيلها حيث تتواجد رفيقتها واطمئن عليها اتجه نحو غرفته ليأخذ قسطاً كافيا من الراحة، هاله منظر صديقه الغارق في غمامة دخان رائحتها تعبأ المكان حد الاختناق، حثته عاطفته ليحادثه ويفهم سبب كآبته لكنه تذكر ردة فعله قليلة التهذيب صباحاً فقرر تجاهله، هكذا يعاقب ريان، عندما يكسر خاطره عزيز يتجاهله كي يشعر بذنبه، وكريم يعلم ذلك جيداً لذا لم يحاول الاعتذار مرة أخرى حتى يهدأ ليسمعه، أما هو فبدل ملابسه وتمدد فوق فراشه بفكر مشغول رغم أنه سعيد وقلبه يطير من الفرح، حديث مريم الأخير وخوفها أخافه وأثار في نفسه قلقاً غريباً، استعاذ بالله من الشيطان ليخفف وطأة مشاعره المضطربة ويطرد تلك الوساوس من عقله واستسلم لنعاس داهم عينيه، وعلى الطرف الآخر كانت مريم تحاول سبر أغوار ريهام، حدسها ينبأها أن رفيقة العمر بها خطب يعكر صفوها، سألتها عشرات المرات وألحت عليها بكل الطرق لتخبرها عما يزعجها لكنها تعللت بإرهاق السفر ومكوثها بمفردها منذ وصلوا الفندق وبعد محاولات كثيرة لجذب أطراف الحديث أدركت أن مزاجها لايسمح بالسهر لوقت أطول والخلود للنوم سيكون أفضل .. وفي الصباح استيقظ الجميع مبكراً استعداداً للخروج وأخذ جولات حرة للإستمتاع بمزارات العين السخنة الساحرة بدءً من محمية الأشجار المتحجرة والعيون الكبريتية، مروراً بأديرة القديس أنطونيوس والأنبا بولز، وختاماً جبل الجلالة والتنزه بجواره والإستمتاع بمنظره المهيب، وأثناء جلوسهما فوق أحد الكثبان الرملية انتبه كلاً من مريم وريان لمشرف الرحلة يهتف عليهما لينضما لباقي المجموعة في جولة سفاري بواسطة دراجات الدفع الرباعي أو كما يُطلق عليها (البيتش باجي) .. امتثلا لطلبه بحماس شديد واستقلا مركبة من المركبات المتراصة جنباً إلى جنب في انتظار شارة البدء، بينما كان كريم كالمحموم على مركبته ترافقه الفتاة سبب اندلاع نار الغيرة بينه وبين ريهام التي أصرت على استمرارها في رد صفعات لامبالاته بمشاعرها، لم تكن تصفعه وحسب، كانت تركله بمقدمة حذاءها مباشرةً في قلبه وركوبها خلف علي أذهب المتبقي من صبره القليل، مجرد تخيله لذراعيها وهما يحاوطان جذع رجل غيره خشية السقوط جعل رغبته في إحاطة عنقها بحبل غليظ أهون ألف مرة عوضاً عن ذلك ، وأخيراً أطلق المشرف صافرة الانطلاق، تتبع خط سيرها متعمداً وبعد مسافة ليست بطويلة لم يستطع التحكم أكثر بنفسه وانفلتت أعصابه رغماً عنه، توقف بمركبته بطريقة مفاجئة أمامهما ثم اتجه نحوهما ومقلتيه متقدتين كجمرتين من قعر جهنم، وبعصبية مفرطة جذب ذراعها ليجبرها على النزول من مكانها وتقف قبالته وكأنه أمسكها بالجرم المشهود، وقبل أن تدفعه في صدره بقبضتيها سحبها خلفه بعنف دون حديث..

عيون الريان (مكتملة)Where stories live. Discover now