الإعدام

327 48 6
                                    


ركب أدم على منصة وضِعت بجانب اللوحة الخشبية ثم قال: إيها الشعب، لسنوات عِدة، وربما لقرون، كنا نظن أننا في كوكب الأرض، طوال تِلك السنين لقد خُدِعنا من قبل من كنا نسميهم بالكبار، أو القادة، أو المْخَلصين، وهناك من يعبدهم بينكم، لكن ماذا فعلوا لنا غير الخداع، والكذب، وقتل أحبتنا، لا شيء... عيشونا في سنين من المرض، والجوع، وهم كانوا يأكلون طَيب الطعام، ويلبسون حرير الثياب، أما نحن... أنتم... ماذا حصل لنا؟ كم شخص هنا مرض أبنه بسبب الجراثيم ولم يستطع أن يعالجه؟ كم شخص هنا فقد زوجته؟ كم أرملة هنا تورطت بإيتامها؟ الكثير منكم. كم شخص هنا يستطيع القراءة؟ القليل فقط، لماذا؟ هل هناك أحد هنا تساءل لماذا؟ لماذا لا نقرأ؟ لماذا لا نكتب؟ أين هي كتبنا؟ ماهي الكتب؟ من كان أجدادنا؟ ما هو تاريخنا؟ هل تساءلتم من قبل فيما بينكم... لأنه كما تعرفون من الممنوع أن نتكلم بهذه الأمور في كوكبنا، دعوني أُجيب عن كل أسالتكم:
-من نحن؟! نحن سكان كوك الأرض.
-ما ذلك الكوكب؟! كوكب. J3D49
-ما هذا الكوكب؟! كوكب الأرض.
-لماذا لا نملك كتب؟! لأنه إذا عرفنا ماضينا يوما ما سيقرر أحد ما العودة إلى ذلك الكوكب الذي طُرِدنا منه يوما ما.
-ماذا فعل الكبار لإخفاء الأمر؟! قتلوا الكثير بدمٍ بارد، كبرود الثلج أو أبرد.
-لماذا فعلوا ذلك؟! لأن أجدادهم فعلوا ذلك، هم وحدهم من عرف التاريخ، وأخفوه عنّا وبكل حماقة قتلوا الكثير.

لولا هؤلاء الشجعان، لولا أبطالنا، لما عرفنا الحقيقة، أعرف أن بعضكم لن يصدق قصتي، وبعضكم سيقول قلت هذا لكي أنهض ضد الكبار، فمن يعرفني يعرف أني أمقتهم، وأنا أفعل لأني أعرف الحقائق، أعرف أن كل من غادر كأبطال لن يعودوا، وأعرف أنهم سيقتلون، ولكن لم أستطع فعل شيء أبدا، سوى مراقبتهم يغادرون.
أصدقائي، أبنائكم، كلهم ذهبوا أمام عينّي، ولكن ماذا حدث؟ لم يعد أحد منهم، هل ما زلتم تثقون بهؤلاء بعد كل ما سمعتم؟ هل مازلتم تؤمنون بهم بعد كل ما سمعتم؟ أجيبوا.
لم يجب أحد من الصدمة، ولم يستوعبوا ما قيل لهم، فهم عاشوا في هذه الكذبة، سنين عدة.
قالت أحد الكبار: لا تصدقوا ما قيل لكم، كل هذه أكاذيب، لماذا قد نؤذي قومنا؟ هذه مجرد أكاذيب من هذا الخائن.
قال أدم موجهاً كلامه للحشد: حقا؟! إذا قولي ماذا حدث لكل البعثات؟ ليست واحدة أو اثنتان، بل الكثير منهم، كل من ذهب إلى هذا الكوكب المجهول، لم يعد منهم أحد، مع ذلك استمريتم بأرسال البعثات، بأسماء مختلفة، لكي لا يشك أحد بكم، هل يمكنكم الشرح؟
لم يجب أحد، لأن لا جواب لديهم، كشف الغطاء عن أكاذيبهم ولم يعد لهم رصيد أخر من الأكاذيب.
بدأ مجموعة من الحشد بالصراخ: أقتلوهم، أقتلوهم، أقتلوا هؤلاء الكاذبون.
غضب الجميع، لكن البعض لم يصدق، وبدأوا يهتفون: هذا كذب، أنت تكذب، لا يمكننا أن نصدق.
قال آدم صارخا: هؤلاء الذين ما زالوا يؤمنون بالكبار، لا مكان لهم معنا، سنعطيكم ما يعينكم في الخارج من أسلحة وطعام، وأشياء أخرى، وأفعلوا ما تشاؤون، لكن لا مكان لكم هنا معنا، أما الان سيتم إعدام الكبار علننا.
تفرق الهتاف بين سعيد، وغاضب، وحزين، بينما قُيد الكبار إلى منصة الإعدام.
مشاعر مختلفة في تلك اللحظة.
شد إيرين على قبضته بقوة، وهو يقول: لقد حان وقت الانتقام يا رفاق، أمل أن ترقدوا بسلام بعد هذا.
قبضت ران يدها نحو قلبها، وقالت: جان، لقد تم استغلالك من قبل هذه الوحوش، أما الان يمكنك أن ترقد بسلام مع كل ذنوبك وآثامك.
نظرت لين بحزن إلى منصة الاعدام وقالت: لطالما قالت لي أمي، أن أمن أن لكل مصيبة أمل، ولكل حزن سعادة، لكن ماهي ساعدة هذه المصيبة، ربما التحرر، وربما لا يوجد سعادة لهذا الحزن.
قال مين لها: يوجد، لكن قلبك الحزين لم يجد سعادة هذا الحزن بعد، يوما ما ستجديه بكل تأكيد.
بقيت ماريا صامته تتأمل هذه اللحظة التي ستكون في بداية تاريخ هذه الأمة، بينما سارا قالت: لكل بداية نهاية، ولكل نهاية بداية أخرى، هل ستكون بدايتنا جيدة، أم سيئة يا ترى؟
قالت لانا مجيبة على تساؤل سارا: لا يوجد نهاية للحروب، انتهت هذه الحرب، لكن مازال هناك المزيد من الحروب، التاريخ اللعين اثبت لنا ذلك.
صمت الجميع لكن ديفيد قال: قد تكون هناك حرب قادمة، لكن لن تكون غدا، وليس بعد غد، وليس بعد شهر، هذا أكيد.
قال شين: أنه محق، علينا أن نفرح لانتصارنا في هذه الحرب الان، ونفكر لاحقا.
أرتفع الهتاف، مع اقتراب الكبار من منصة الاعدام، سيتم قتلهم بإطلاق النار على رؤوسهم، تم تغطية وجههم كما تجري العادة في الإعدام، صمت الجميع، وعم الهدوء، صوت أنفاس الجميع، وصوت زقزقة العصافير، تعلن عن شروق الشمس، سُمِعَ صوت إطلاق النار عبر الأفق، عبر الأنهار والبراري، معلناً عن قتل ما كانوا يطلقون على أنفسهم بالكبار....

لحظات الصمت تعلن عن الألم الموجود في قلوب الجميع ستطول لحظة الصمت لكنها ستنتهي ...

ما بعد الكارثة كارثة اخرىWhere stories live. Discover now