25- كلقاءِ يعقوب بيوسُف.

1K 97 10
                                    

جاءت سيارة الشرطة وأخذت عصام، وسيارة أخرى خاصة بالإسعاف وحملت والد شذى إلى أقرب مشفى، ومازالت ليلى تقف بصدمةٍ تملكتها من مشهدٍ رأته صدفة، وعيناها المفزوعة من مشهد الدماء أمامها ظلت على حالتها حتى أبلغهم الطبيب بمحاولتهم لإنقاذ والد شذى ولكنّها جميعًا باءت بالفشل رغم أن حالته لم تكن مستعصية ولكنّه موعده وقدره.

والجميع يتجمع في المشفى حتى ليلى وزوجها يقفان مع عائلة شذى في مواساة حقيقية لما حدث، واقتربت ليلى من شذى الواقفة بصمتٍ ولم تزرف لموته عَبرة واحدة وتمتمت في مواساة:-
"البقاء لله يا حبيبتي، البقية في حياتك."

نظرت لها بصمتٍ، وجاء مراد إليها من بعيدٍ راكضًا عندما وصله الخبر، ذهب وواسى والدتها بكلماتٍ متعاطفة، وذهب إلى شذى الّتي تقف بسكونٍ، وعيناها الصامتة تلقي على الجميع نظرة مبهمة لا تستوعب أنّ كابوس حياتها قد انتهى، وأنّ ليالي خوفها لن تتكرر.

وقف أمامها ونظرت له أخيرًا بنفس الأعين مبهمة المعنى، وملامحها الشاحبة تسلل إليها السكون وخلا منها الحزن وهيَّ تستمع لمواساته:-
"البقاء لله يا شذى."

أومأت دون أن تتحدث، وتعجب صمتها في وقتٍ كهذا، وملامحها الّتي تنظر للجميع دون حزن فعاود الحديث في تساؤل قلِق:-
"شذى أنتِ كويسة؟"

نظرت له بأعينٍ شاردة لا حزن بها وهمست له بتشتُّت:-
"كويسة يا مراد.. كويسة جدًا، ودي المشكلة."

لاحظ استراق أخيها النظر لهم وصمتَ كلاهما، ذهب مجبرًا على فراقها الآن ورافق أخيها لينهي أوراق المشفى، وذهبت ليلى برفقة زوجها إلى القسم لتُدلي بشهادتها وما رأته.

مساءً وبعد أن انتهى يوم العزاء الأول، مازلت شذى لم تزرف دمعة واحدة حزنًا على وفاته، وكأنّها لم تستوعب بعد ما يحدث، وأنّ ذلك الكابوس وذكرياتها القاسية برفقته قد انتهت.. لن تخاف من وجوده ثانية، وهذا أكثر ما يخيفها، تخيفها فكرة أنّها لم تحزن على فراق والدها.

كانت ليلى قد وصلت لتوها وذهبت للداخل لتعزري عائلة شذى، ووالدتها تنتحب على فراق زوجها، وأختها تجلس بصمتٍ دون أن تنبس ببنت شفةً، وحين دخلت إليهم شذى وبصمتها المعتاد منذ الصباح ذهبت تتوجه لغرفتها، وقبل أن تخطو أولى خطواتها بداخلها، ارتفع صوت والدتها صارخًا بها:-
"أطلعي برة، أنتِ مش هتعتبي باب الشقة دي تاني."

تعجبت من كلماتها تلك، والتفتت تتساءل مستنكرة بنبرةٍ مرهقة لا تقدر على الحديث:-
"فيه إيه يا ماما؟"

وقفت تدفع جسدها للخارج بعنفٍ جعل الأخرى تكاد تقع أرضًا لولا تماسكها، والأخرى مازالت تنفجر بها كقنبلةٍ حان موعد انفجارها:-
"فيها أني مبقيتش أقدر أستحملك تاني، كفاية عليَّ السنين دي كلها، أطلعي برة أنتِ السبب.. أنتِ السبب في مصايبنا كلها، منك لله.. ربنا يحسسك بحرقة قلبي دي يا شيخة، ربنا ياخدك."

أشباهُكِ الأربعون.Where stories live. Discover now