3- اِنجِذَاب وتشتُّت.

2.1K 170 49
                                    

الرحيل مؤلمٍ، يترد ندباته في ثنايا قلبها وذاكرتها، مازالت تتذكر كل التفاصيل حتى أنها باتت لا تفرق بينها وبين الواقع، كأنها في عالمٍ آخر.. عالمٍ تهرب إليه ومنه.

فور إمساكها لمقبض الباب ازداد بكائها الّذي خفت عند كتمه لها بيديها، تساقطت قدميها لتجلس أرضًا مستندة على الباب الّذي من خلاله كانت ستنهي كل شيء ولكنّها فقط لم تقدر.. لا تستطيع الإقدام على خطوة كتلك!

ظلت على حالتها تلك لدقائق، تبكي فقط.. شهقاتها ترتفع خوفًا وألمًا، يدها ترتعش بقوةٍ حتى وجدت من يحتضنها فجأة.. رفعت عينيها بفزع لتجد أختها.

رأيت ملامح خائفة، تتسائل بقلقٍ عمّا يحدث ولكنها لم تفصح عن شيء ممّا بداخلها من تساؤلات، اقتربت حتى عانقتها عناقٍ كانت تحتاجه ضحى وبهمسٍ كانت في أمس الحاجة إليه نبست ليالي:-
"متعيطيش.. أنا معاكِ متخافيش من حاجة."

ولكنها بكت أكثر، كأنّ كلماتها كانت شارة خضراء تمنحها الفرصة على البكاء، تشبثت في ملابس أختها كأنها آخر خيطٍ لتنجو.. وبكت كما لم تبكِ من قبل.

دقائق ليست بقليلة وكانا يجلسان في غرفة ليالي الّتي كانت مازالت تعانق أختها بخوفٍ عليها، ربتت على خصلاتها وقبلّت مقدمة شعرها وابتعلت تلك الغصّة في حلقها بصعوبةٍ وهيَّ تسألها:-
"مالك يا حبيبي؟ بتعيطي كده ليه إيه مزعلك؟"

دفنت وجهها بعناق أختها وبهمسٍ بالكاد وصل لمسامعها قالت:-
"أنا وحشة أوي يا ليالي، أنا خايفة.. خليكِ معايا بلاش تسيبيني لوحدي."

فرّت دمعة من أعين الأخرى وشددت من عناق كان كلاهما يحتاجه وبهمسٍ قالت في محاولة لطمأنتها:-
"أنتِ أحلى واحدة في الدنيا، أنا معاكِ على طول مش هسيبك.. متخافيش، لما تحسي أنك عايزة تتكلمي اتكلمي معايا متخافيش من حاجة.. أنا هنا عشانك."

وهكذا انتهى حديثهم، لم تسرد ضحى شيء من أسباب بكائها بتلك الحالة ولم تسأل ليالي عن شيء، تركتها تسرد لها وقتما تشاء.

استيقظت في اليوم التالي حيث كانت تقف في الشرفة ولفح الهواء البارد حجابها، رمشت بعينيها ذات الأهداب الكثيفة وبللت شفتيها الممتلئة قليلًا وهيَّ تقرأ الرواية الّتي بيديها باندماج قاطعه صوت طرقات خافت ومن ثم تساؤل والدتها وهي تدلف للغرفة:-
"خلصتي يا حبيبتي؟"

اغلقت الرواية بهدوء ووضعتها في حقيبتها، استقامت في جلستها وامسكت الهاتف نابسةً:-
"آه يا ماما.. كنت مستنياكِ تخلصي، هنمشي دلوقتي؟"

"أيوة.. مش عايزين نتأخر عالميعاد." قالتها والدتها بينما تسير للخارج ودقائق وكانوت يتجهون إلى المشفى حيث موعد والدتها الشهري مع الدكتور المعالج لها.

نظرت حولها وتسائلت بقلق:-
"أومال فين ضحى؟"

"راحت دروسها، ساعتين وترجع.. عايزاها في حاجة ولا إيه؟"

أشباهُكِ الأربعون.Where stories live. Discover now