20- وإن فرّقتْهُم الحياة..

1.4K 102 32
                                    

تأتي الحياة بين حينٍ وآخر بلحظات في هيئة ذكريات، في دقيقة شرود يتذكرها المرء، يبتسم اشتياقًا، يبكي ندمًا، يطالع الفراغ تأملًا بأن ما سيأتي لن يكون مثل الّذي رحل.

كهذا كانت هيَّ، تجلس في غرفتها الآن برفقة أصدقائها وقد حان يوم عقد قرآنها، وللمرة الأولى ستعتبر الحياة تمنحها ذكرى تجعلها تبتسم في دقيقة شرود، للمرة الأولى تمتنّ للحياة لأنها جعلتها برفقته.

كانت خائفة، تائهة في عالمٍ شاسع، مرتعبة من الجميع، فكل من قابلتهم تركوا بروحها ندبة لا تُشفى، وطالما كانت كذلك.. على أهبة الأستعداد للهجوم والدفاع، فهيَّ فريسة الحياة والبشر.

وفي لحظة استثنتها هيَّ من ظلم الحياة لها، تلك المرة الّتي قابلته فيها صدفةً وشكرها سريعًا، وجمعهم القدر ثانيةً في موقف عابر، لحظات لا تُعد برفقته جعلتها تمتّن للحياة، وبدون وعي وجدتها تقِر وتعترف"البشر ظالمون إلا هو."

إبان شرودها كانت تميل ناحيتها ليالي حتى عانقت ذراعها ونكزتها تقول بمراوغة:-
"فيه عروسة قمر كده تبقى سرحانة يوم كتب كتابها؟ مراد اللي واخد عقلك يا جميل؟"

فاقت على شرودها بوجنتين توردها خجلًا وسارعت بالنفي مبررة:-
"إيه؟ لا.. لا مكنتش سرحانة، أنا بس.."

ضحكت حنان تقول:-
"مش محتاجين مبررات يا شذى، عينيكِ فضحتك خلاص."

مالت نورهان للأمام بفضولٍ وهيَّ تقول في مرح:-
"لا ده عندكم، أنا عايزة تفاصيل التفاصيل عشان أنا غتتة.. كنتِ سرحانة في إيه ومن غير تحوير عشان هقفشك."

حكت جانب عنقها بحرجٍ وقد تصبغ كامل وجهها بالأحمر في خجلٍ تقول:-
"مفيش حاجة والله."

ضحكت تمازحها:-
"هعمل نفسي مش واخدة بالي حاضر."

أمسكت ملك بعبوة مستحضرات التجميل وبحماسٍ سألت:-
"عايزة أحطلك ميكب ألوان إيه؟"

ظل المشهد بين مرح وغناء منهم جميعًا، كانت الأجواء سعيدة إن يُمكن استثناء ما تقوله والدتها من حينٍ لآخر تعليقًا على مظهرها الّذي لا يناسبها، وعلى الفستان الّذي أظهرها زائدة في الوزن، وملامحها الّتي باتت باهتة أكثر بعدما وضعت عليها مستحضرات التجميل.

فإن حُذف ما تركته الكلمات من ندوب عميقة بروحها، ستطلق على اليوم عنوان سعادتها.

وفي المساء،
حينما سرق منها القدر لحظات اللقاء معه فوجدت نفسها تجلس بجواره في المسجد، ويديه بيد والدها، أخته وأصدقائها يقفون برفقتها في سعادةٍ بالغة وهم يستمعون للكلمات تُنطق منه متعهدًا أمام الله بصدقٍ وحُبٍّ ومودة لا تفنى.

الجميع واقفًا يستمع لكلمات المأذون يرددون خلفه في مشهدٍ طغى عليه البهجة:-
"بارك الله لكما وبارك عليكما وجميع بينكما في خير."

أشباهُكِ الأربعون.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن