23- باتَ وحيدًا تمامًا.

1K 97 60
                                    

حملت حقيبتها وعدّلت من خصلاتها القصيرة لتلملمها وصوتها يرتفع ليقول بينما تنحني لتعقد حذائها:-
"ماما.. أنا رايحة الدرس."

خرجت والدتها من المطبخ، نظرت لملابس ابنتها المكونة من بنطالٍ أكبر من مقاسها وكذلك قد كان القميص الشتوي ولكنّها تغاضت الآن لوجود عمها وابنه بالمنزل فتنهدت تقول بعدم رضا:-
"ماشي يا ضحى، خلي بالك من نفسك."

أومأت وحين جاءت لتغادر، ذهب إليها مهاب ليقول:-
"خديني معاكِ هجيب طلب من تحت."

لم تقدر على الرفض أمام والدتها فغادرت برفقته، وقفت تنتظر المصعد الكهربائي وهيَّ تبتعد عنه بارتعابٍ حاولت اخفاءه حتى لا يظهر بوضوحٍ لوالدتها الّتي تنتظرها على الباب حتى تغادر فأضطررت للمغادرة برفقته أخيرًا.

انزوت بركن المصعد وهيَّ ترتجف خوفًا وتتلاشى نظراتها من النظر للواقف على مقربةٍ منها، ويقترب أكثر فأكثر ويديه تضغط على أزرار المصعد بعشوائية ليزيد الوقت ضعفًا فيستغله بأفعالٍ قذرة تشابهه، وظهر ذلك في تقدمه منها وهيَّ الّتي تكاد تخترق الجدار من فرط خوفها ورعب ذكريات طفولتها معه ولكنه أبعد خصلاتها عن عنقها وهمس بفحيح أفعى تدرك كيف توقع ضحيتها دون جهد يُذكر:-
"بتبعدي ليه بس يا دودي! ده أنا حتى غاوي قُرب."

اقترب أكثر وهيَّ تبكي، عُقِد لسانها بغير قدرةٍ على الحديث، ونوبة من نوبات الهلع بدأت في الظهور كعادتها بدايةً من فقدان القدرة على التحكم بتنفسها ونهاية بشعورها بأن روحها تُقبض الآن وتلك آخر لحظاتها.

حاولت أن تدفعه بعيدًا عنها ولكن استباحت أنامله ما حرمه عليه ربه، وكلما كانت تصرخ بأن يتبعد، تترجاه بأنّها خائفة وتهدده بأنّها ستخبر عائلتها عمَّ يفعله بها منذُ الصِغر.. يخبرها هو عندها بما يرعبها ويجعل قدرتها على الحديث مفقودة كمن لم يتعلم اللغة قبلًا.

"لو سمعت صوتك هفضحك."
كلمة واحدة تُلقى على مسامعها، تجعلها تصمت.

الفضيحة.. كلمة منبثقة من داخل الإطار المجتمعي الّذي يُلزم الضحية بالصمت وإلا أُلقى عليها لوم وعتاب وأسباب تجعلها المذنبة في حالتها.

كلمة واحدة استمعت لها عمرًا طويلًا، تتردد بعقلها كل دقيقة حين تريد الاعتراف فتتذكر 'الفضيحة'.. لتقرر الصمت وأن تسجن خوفها خلف قضبان شفتيها وتأبى الحديث.

مجتمع يقول أن ملابسها ربما كانت فاضحة، وأن شعرها أغوى بصره ودفعه ليفعل بها هذا، وأن عيناها الّتي تنظر له لثانيةٍ بالخطأ لربما هيَّ بمثابة دعوة صريحة ليفعل بها ما يشاء وصوتها الّذي عندما تستخدمه للصراخ والاستغاثة يُكتم بكلماتٍ تلقي عليها مئات الأسباب.. وإن صرخت تستغيث ستجد من يهمس ساخرًا بأنّها تغريه ليقترب، فقررت منذ زمن أن تصمت.. فإن تحدثت لا يحدث شيء سوى أن تُلام على أفعالٍ لم ترتكبها ولكنّها رغم ذلك تحملها أينما فكرت بالاعتراف.
وهيَّ خائفة ولا يقدر غيرها على الشعور بما تشعره..

أشباهُكِ الأربعون.Where stories live. Discover now