١٩

395 28 1
                                    

.."في ذلك البيت الخشبي القديم..

لقد كانت تلك العجوز المسنة تجلس أمام النافذة المطلة على الشارع .. تحمل كوب قهوة سوداء بين أصابعها المرتعدة ...
تقبل الصليب المعلق على نحرها .. وبعيون مليئة بالأسى وصوت مبحوح من البكاء ..
اخرجت كلماتها بصعوبة لتجيب عن سؤال الشاب شاحب الوجه عصام..
..."لماذا انتحرت جورجيت يا سيدة أنطوييت "

نفخت زفيرا حارقا قد ألهب صدرها ..ثم رشفت قهوتها المرة لتجيب بصوت خافت  
..."إنها الأقدار يا بني هكذا قدر على ابنتي "

ضحك بسخرية من إجابتها المبهمة وكأنه شعر بسر مخفي بين طيات كلماتها ..
.."لقد سمعت أنكم قوم  لا تقبلون رفض بناتكم لرجل يتقدم لهن "

..أجابت باضطراب واضح ..
"نعم هذه هي العادات ولكن مادخل هذا الأمر بجورجيت ابنتي "

..."لربماا رفضتني وقمتم بقتلها عقب ذلك الأمر!

انتفضت السيدة انطوويت وقامت تصرخ في وجهه  ."مالذي تهذي به أيها المجنون ! اقتل ابنتي الوحيدة من أجل رجل مجنون لايستحق ظفرا منها!!"

ارتسم الجمود والصمت على وجه عصام وأبرم شفتيه ليحبس دموعه التي كادت تهطل كالمطر غزير. "إذن من كان يستحقها ! إبن القسيس اليس كذلك ؟"

..."عصام الموضوع انتهى والفتاة قد ماتت ماذا تريد الآن"

انهمرت الدموع على خديه وصاح بصوت مبحوح.."الحقيقة! حقيقة موت حبيبتي!"

غضبت السيدة انطوييت لكلامه واجابت بنبرة حادة ..."لتكن حبيبتك أولا.

كانت تلك الكلمات كسيف بتار على عنقه ..
تجمدت ملامحه في وجهها منتظرا تفسير كلامها ..

ولكنها اجابت بأسلوب بغيض لايتمتع باحترام المشاعر أو حفظ السر الذي دفن مع ابنتها
.."لا تسألني ياعصام فلتسأل صاحبك الملتحي "

_____________

كانت مراسيم التحضير لحفل الزواج حسب الشروط التي وضعها أدهم على السيد كمال متناسقة تماما..
حفل صغير دون اختلاط يحضره الشخصيات المرموقة في البلاد من أصدقاء السيد كمال ، لاموسيقى ولاصخب ولاعري عند النساء ، أناس قليلون من الأقارب والأصدقاء ،  عشاء خفيف دون تبذير او تقتير ..عروس بزينة مخففة وثوب زفاف ساتر يغطي شعرها وجسدها ..

ولكن السيدة نوال لم تكن راضية بهذا القرار أبدا ،كيف لها أن تزوج ابنتها الوحيدة دون حفل صاخب ومجون وتبذير وكبر أمام صديقاتها المتعجرفات .. لقد كانت طوال الوقت تجلس في طاولة بعيدة عن أهل أدهم مما أثار الريبة في نفوسهم وشعروا بعدم الترحيب الا من الخدم ..
أما ريحانة فكانت في أتم سعادتها وهي تساعد العروس في تجهيزها وجلوسها على الإسكة ..

اما العروس فقد كانت في صدمة الأقدار والمكاتيب لاتدري ماتفعل في هذه الحياة المؤقتة ..

بعد أن تم عقد القران في مجلس الرجال وأقبل الناس وهم يباركون للزوجين بالحياة السعيدة والذرية الصالحة ..
كان سكرتير الشركة ينظر الى أدهم بغيظ وهو يوجه كلماته المملوءة بالحسد والغيرة لخالد الذي يجلس أمامه
.."إن صاحبك الملتحي قد جلس على ثروة عظيمة!"
حيث اجاب خالد بتعجب .."مالذي تعنيه؟"

قال وهو يرص أسنانه " لقد تزوج بالوريثة الوحيدة للسيد كمال وهذا يعني أنه قد دخل على طمع لا أدري مالذي جعل السيد كمال يوافق على ارهابي مثله!"

نكزه خالد بكوعه بعدما أحدثت همساته الجلبة نحوهما.."صه!"

اقترب السيد كامل من أذن ابنته بعدما تفرق الناس  وقال بصوت خافت .."لاتخذليني ياابنتي ولاتردي خيرهم بشرك .. سيكون زواجا مؤقتا لاتقلقي."

هزت برأسها راضخة لكلام أبيها ثم رفعت أنظارها نحو الملتحي الذي يقف على الباب شابكا يديه ببعضمها خافضا رأسه خجلا.. اقبل نحوه السيد كمال وقال
.."اوصيك خيرا بابنتي يا أدهم "

لفت السيدة أمينة العباءة على ظهر العروس وتوجهن الى الخارج..
التفت صوفيا الى أمها التي لم تكترث ولو للحظة واحدة أن تودعها او تقبلها،، فحتى لو كان الأمر تمثيلا فجبر الخواطر لا يحتاج قوة هائلة او جهدا عظيما هي فقط بعض الكلمات الطيبة التي تنزل على الجرح كالبلسم ..

وصلت العائلة المحتفلة الى شقتهم ثم وجهت أم أدهم " صوفيا" الى غرفة أدهم بينما تبعتهم ريحانة تقول بحماس .."انا من اخترت أثاث الغرفة مع أخي ناسقت الوان الستائر والفراش ما رأيك! ثم ان هناك الكثير من ااثياب التي ستعجبك في الخزانة لقد شاركت أيضا في انتقاء احسن انواع الألبسة لك! "

قاطعتها والدتها "يكفي ريحانة اذهبي دعي العروس ترتاح!

ابتسمت" صوفيا" وهي تزيل العباءة من فوق ظهرها وقالت"اشكرك يا ريحانة على ذوقك الجميل "

بادلتها الابتسام ثم اقبلت تجلس في غرفة العروسين ..
لتنظر والدتها بدهشة "ماذا تفعلين؟

لتجيب ريحانة ببراءة.."ابقى مع زوجة أخي!"

ضحكت العروس لبراءتها بخجل بينما ابتسمت أم ادهم بطرف فمها .."اعذري  بلاهة ابنتي فمازالت صغيرة لاتفهم بعض الأشياء في هذه الحياة"

.."بلى يا أمي أفهم وانا سأبقى مع العروس هنا"قالت جملتها وهي تهز اقدامها كالأطفال

امسكتها والدتها من كم ثيابها
."هيا سنذهب عند جارتنا خديجة لنبيت عندها الليلة وغدا ستجلسين مع العروس"

خفق قلب " صوفيا" من شدة الخوف بعد ان أدركت انها ستبقى في الشقة وحدها مع زوجها الممثل امام اهله والناس
ولكن هلع ريحانة كان أكبر حينما أدركت انها ستبيت عند جارتهم التي لاتطيقها
.."لن أذهب معك فهي عجوز غريبة الأطوار ثم إن بيتها يعبق برائحة القرفة يا أمي وأنا لا أحب القرفة!

وبعد محاولات مع ريحانة رحلت مع والدتها للمبيت في بيت الجارة خديجة التي رحبت بهما بطلف .

حبيبي المتديّن!♡Where stories live. Discover now