١

2.8K 75 27
                                    

كان المنبه يشير إلى الساعه الرابعة فجرا ..
حيث كانت تلك الغرفة في حالة من الخراب كأن الحرب قامت على متنها ، كان مستلق على السرير شاب في عقده الثالث شخيره قد ملأ صوت البيت ،ولم يقاطعه إلا صوت تلك المراهقة التي فتحت عليه الباب بقوة لتصرخ قائلة..
"ألن تكف عن هذه الأصوات!"
..
ليجيبها بصوت ناعس ووجهه مزال ملتصقا بالوسادة
"أصوات ماذا؟"

"أصوات الأشغال العمومية التي في بيتنا!
..
أجابها ببرود..
"وهل في بيتنا أشغال؟"

قالت بغضب
"نعم! صوت شخيرك الذي يوقظ الموتى من قبورهم!"

تبسم ضاحكا لذم أخته الصغيرة . فهذه دباجة تلقيها عليه كل صبيحة فجر .

علا صوت الآذان الثاني المبشر للصلاة لتدخل والدة أدهم الى حجرته تمسح كفها على لحيته السوداء بلطف ..
"حبيبي ، الصلاة"
"حسنا أمي انا مستيقظ"
ليعود شخيره من جديد
..
وماهي لحظة حتى شرع الإمام في الإقامة ليقوم أدهم  مهرولا بفزع . وقد التوى الغطاء على قدميه لتعانق جبتهه الأرض

"آآه وجهي!"

سمعت ريحانة صوت شيء قد وقع في حجرة أخيها لتجده معانقا الأرض
"أدهم ؟ ماذا تفعل "

رفع ناظريه إليها باستغراب
"أعانق الأرض!"

"أمي إبنك يصلي في حجرته وليس في المسجد"
وقد اصطحبت عبارتها هزة من حاجبيها قصد إغاضته .

أما على طاولة الفطور التي تحمل شتى أنواع الأطعمة اللذيذة من صنع السيدة أمينة ،كان أدهم يلتهم الفطائر بلهفة شديدة حيث يملأ فمه كاملا ليمضغ الأكل بطريقة تستفز ريحانة فيبدأ لسانها بالسخرية منه ..
" أكاد أجزم يا أخي لو أن لهذا الطعام قدمان لهرب منك"
..
أجابها بفم مليء بالطعام..
"لكانت متعة إفتراسه أكبر"
..
"مقرف!"

أما والدتهما فهي تحب حديثهما المستفز لبعضهما .وتستمع به ضاحكة ..
..
صوت قرع الباب ..
تأفف أدهم ليقوم بضجر وكأنه يعلم من الطارق .-
فتح الباب لتبتسم في وجهه إمرأة عشرينية بحجاب خفيف يكاد يخفي خصلات شعرها الذهبية ترتدي تنورة طويلة سوداء مع قميص مزهر طويل الأكمام  مع صليب معلق على نحرها تتأمله بمقلتيها الخضروتين ببريق يفضح إعجابها الشديد به . تحمل صحنا من الحلويات الشهية فهذه عادتها كل صباح..

أبعد وجهه عن ملامحها ليشير لها بالدخول ويخرج بعد دخولها .،
..
"جورجيت" التي قد أعجبت بأدهم الذي يحمل أوصاف الرجل المثالي كأنه أسطورة من أساطير الزمن الغابرة ،إجتمعت فيه كل معاني الوسامة والبهاء، ينثر من مبسمه المصفف بالآلئ الحسن فلا ترى بعده مايسيء العين من قبح أو ضر ، تعتليه عيون كحيلة بلون العسل المصفى . كأنها تستطعم من أول لمحة ! ، أما رموشه الطويلة فهي كسهام تضرب القلب فتقع النسوة هائمة في عشقه ، لحيته السوداء الكثيفة التي زادته وسامة فوق وسامته وشعره التوتي الناعم قد تنساق مع جسده الطويل المفتول بالعضلات التي تكاد تختفي تحت ثوبه الأبيض الناصع ، مشيته المهرولة كأنه قيصر ملك الرومان ، فكيف لهذه الإنسانه الضعيفة أن تنجو من شباك عيناه! ..

بقيت شاردة تستنشق ريح مسكه الذي خلفه وراءه - وقد ذابت في أحلامها الوردية لترى نفسها عروسا لمعشوقها ولكنها سرعان مايصفعها الواقع حين تتذكر أن هذا الاعجاب والحب من طرفها فقط ،لطالما سمعت أدهم يقول أنه لن يضفر إلا بذات الدين  . ولكن ليس باليد حيلة وقد علقت الصليب على عنقها وهل يعقل أن يكون المعتقد الديني سبب في فراقها عنه ؟؟--
تنهدت بضجر لتسمع صوت السيدة أمينة وهي ترحب بها .. وتجلسها على المائدة تشاركهم الطعام ..

"جورجيت من أجمل الفتيات في عمارتنا يا أمي" قالتها ريحانة بحماس ..

إعتلت حمرة خجل خفيفة على خدها فبدى كأنه تفاح الجنة الذي أغوى آدم ..

إبتسمت السيدة أمينة بلطف ..
"ماشاءلله سبحان من صورها،نتمنى أن نراك عروسا قريبا"
..
سرعان ما اختفت الإبتسامة على وجهها وقد بدى الضجر سيدا عليها
ضربت ريحانة على كتفها ملقية سؤالها الجريئ..
"هل في عرفكم الزواج من مسلم حرام. أم يمكن الزواج من أي ديانة كانت !"

.. "ريحاانة!! جهزي نفسك للمدرسة"(بغضب)

نهضت من مكانها بقلق "مالخطأ في سؤالي يا أمي"وذهبت تضرب قدميها على الأرض ..

ربتت السيدة امينة على كتف "جورجيت" الصامتة بين حوار الأم وابنتها 
"اعذري ابنتي لازالت صغيرة ."

ابتسمت بلطف
"ريحانة كأختي فليحفظها الرب".
_______

كان أدهم في زحمة الطريق وقد تأخر عن موعد عمله كثيرا . يستغفر كل تارة محاولا إبعاد شبح الغضب عنه . وصل عند مكان العمل .ركن بهدوء حتى اصطمدت سيارة في خلفية سيارته بقوة!
..
خرج بغضب وهو ينظر الى سيارته التي دمرت تماما من الخلف .وضع كفيه على رأسه وصرخ
"الله أكبر!"

أما من السيارة الأخرى ترجلت إمرأة رشيقة بثياب فاضحة وشعر بندقي يتراقص مع نسمات الهواء وقد اعتلى وجهها الغضب ..
انتزعت نظارتها الشمسية لتصرخ في وجهه بألفاظ مختلطة بين  العربية المنكسرة والفرنسية ..

أزاح نظره عنها وهو يستغفر في نفسه ..
بينما تلتف حوله لتشير بسبابتها على هندامه الإسلامي ..
قالت بلهجة قبيحة ..
"إرهابي قذر!"

صمتت بخوف حين التفت اليها بغضب ،تراجعت بإرتباك إلى الوراء حين بدأ يتقرب منها حتى التصق ظهرها بباب سيارتها

فتح لها الباب بقوة وقال بغضب
"اذهبي من هنا!"

تسمرت في مكانها تحملق له بذهول

"ارحلي الآن!!"

دخلت الى سيارتها بحنق وزادت من سرعتها لتخلف خلفها الغبار عليه . بقيت تضرب مقود السيارة من شدة الغضب حتى وصلت الى المنزل . صعدت سلالم الفيلا الرخامية بكعبها العالي وكل خطوة تعبر بها عن مدى فورانها . وصلت حجرتها الفاخرة لتكسر كل شيء امامها وتصرخ ..
"ارهابي !!.. متخلف!!!"

حبيبي المتديّن!♡Where stories live. Discover now