٦

645 55 7
                                    

..
ﺟَﻠﺴَﺖ ﺑﻤُﻔﺮﺩﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟشرفة كعادتها لمدة ساعة وكأنّها تنتظر أحدا.. ﻻ ﺃَعلم، ﻓﺄَﻧﺎ ﻛﻨﺖ استرق النظر اليها بشدة  حتى لمحت حزنها..!
ﻭ ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺷﺪّ إﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ﺃَﻧﻬﺎ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ ساحة الحي ﻛﻞ دقِيقة ﺭﺑﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﺄَﺧّﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ أحدهم ﻛﺜﻴﺮًا..
ﺇﻟﻰ ﺃﻥ سمعت صوت والدتها تناديها بإسم يخطف المسامع ."جورجيت"...
شدّتني تِلك اللمعَة ﻓﻰ ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﺭﺑﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﻜُﻮﻥ دمعة، ﻻ ﺃﻋﺮﻑ..
ﻭَﻣِﻦ ﻋﺎﺩﺗﻲ ﺃﻥ ﺁﺗﻲَ إﻟﻰ ﻫﻨﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﻦ لآخر كي ﺃﺳﺘﻌﻴﺪ لوعة القلب التي أشعلها وجهها الحسن كأنه هالة  حول القمر..
بدَأت ﺍﻟﻔﺘﺎة ﺗﺒﻜﻲ بِحُرقة ذلك اليوم حتى السماء ساندتها في دموعها فأصبحت تصب حزنا معها ، وددت لو امسح تلك الدموع اللماعة بمنديل من الحرير خشية ان اجرح وجنتيها الناعمتين ،تمنيت أن اعلم سبب حزنها فأجاهد في محوه ..

لقد رأيتها ذات يوم مطلة على الشرفة  بينما كنت اقصد منزل صديقي "أدهم"  نظرت اليها كأنها الشمس في وضح النهار ومنذ ذلك الحين وانا اتردد خلسة الى ذلك الحي لأراها على شرفتها .. لعلها احست بإعجابي لها فتنتظرني من بعيد !! " ( عصام )" :)
.......................

"قهوة أو شاي؟"
قالها السيد كامل مرحبا ب"أدهم".
..
"فقط كوب من الماء سيدي"
..
ربع المدير ذراعيه فوق المكتب ينظر لموظفه المفضل الذي لم يعد يتردد اليه كثيرا كما كان في سابق عهده ..
" احمل في جعبتي خبرا مفرحا "!

ابتسم أدهم ليقول بهدوء
"حسنا زفه إلي؟"
..
"لقد قررت أن أرقيك في الوظيفة ويزيد معاشك !!"(بحماس)

طاطأ ادهم رأسه ولم يبد عليه الحماس أبدا وقال بنبرة إحترام ..
"اشكرك سيدي على هذا الإرتقاء ولكنني افضل أن تقدمه لغيري"

تلاشت ابتسامة السيد كامل ليقول بتعجب
"لماذا؟"

.."لانني لن اوقع العقد القادم في العمل هنا . لقد قررت ترك الشركة "

رجع المدير بكرسيه للوراء ورفع حاجبيه مندهشا..
"تترك الشركة؟ . غيرك يتمنى وظيفتك!"
..
رد عليه ادهم بنبرة هادئة وكأن الكلمات باتت تنفجر منه ..
"الوظيفة ياسيدي تسرق الأعمار بلا فائدة ,, أقبح شيىء فى هذا الوجود هو أن تكون موظفا .. مقبوض عليك من الثامنة الى الرابعة والنصف . بينما تمر أشياء جميلة خارج مقر عملك لن تراها . حياتك كاملة ستمر في هذه الدوامة .. لن تستطيع التغيب إلا بإذن ولن تأخد عطلة راحة إلا بإذن وإذا مرضت لن يصدقك أحد حتى تدلى بشهادة طبية . وأحيانا لن يصدقوا حتى مرضك الواضح على وجهك فيرسلونك إلى الفحص للتأكد. لن تتمتع بنوم الصباح .. لن تتمتع بشبابك و كهولتك  .. سـتتوه وسط حروب تفرضها طبيعة شغلك .. ستقضى حياتك ركضًا لتكون حاضرا فى الوقت الذى حددوه لك .. ستعيش بأعصاب متوترة . تستهلك أقراصا مقوية وأخرى ضد التوترات العصبية .. ستظل تتمنى وتنتظر الزيادة في الأجور وترقيات السلم الوظيفى ، وتتابع الحوارات الاجتماعية والنقابات أملاً فى الحصول على مستحقاتك المنهوبة . لن يسمح لك بالمغادرة إلا بعد ان تقضى معظم عمرك فى هذه الدوامة أو عندما تبلغ حد سن المعاش .. سيحتفل بك ....وبنهايتك.... وقرب موتك زملاؤك فى العمل .. يقولون كلمة وداع فى حقك .. سيبكى البعض ليس عليك بل على حالهم الذى يشبه حالك .. سيمنحك رئيسك المباشر شهادة وهدية بلا قيمة .. هى عزاء أمام حياتك التى سرقت منك .. ستعود الى البيت صامتا . وفى صباح أول يوم من تقاعدك سـ تنتبه أن الأولاد رحلوا عن البيت .. وإن شريكة حياتك هرمت وغشى الشيب رأسها .. تتمعن فيها .. تتساءل متى وقع كل هذا حينها سينادى المنادى فيك .. أن الوظيفة تسرق الأعمار بلا فائدة .. فلا تنخدع فى المُسكِن المسمى بالمرتب الثابت ...هل فهمت الآن سبب تركي لهذه الوظيفة الذي يتمناها الكثيرون؟"
.

....

خرج أدهم من مكتب المدير ليمشي في رواق طويل شارد الذهن يعلوه التعب والضجر ، انتبه لشحابة وجهه ذلك العجوز   الذي يرتدي زي عامل النظافة مطبوع عليها إسم الشركة .يحمل بيديه المجعدتين مكنسة و ممسحة - أشار بسبابته لأدهم وهو يقول بصوت يعكسه صدى الرواق ولتقف أقدام "أدهم" عن المشي منصتا اليه يتحدث"..

"في زماني كان يوجد رجل يبرز علييه هذا الهندام تماما اسمه (فلان) ، ذو شأن عند الناس عظيم   ،اذا حضر احترمه الجميع ، واذا تكلم خرس كل الحضور ، لا يتكلم في فراغ ولا يرد محتاج او يتيم كان يعطي الاجراء حقهم ، وكان يصلح بين الناس المتخاصمة ، واذا أراد شخص التصالح مع عدوه دعاه ....لا يتجرأ احد على رد كلمته ولا حتى النظر إلى وجهه كان يحب الاطفال ويدمن توزيع الحلوى عليهم  كان مهووسا بإطعام الآخرين واقامة الولائم بغير سبب. "    .....

ثم بدأت الدموع تنهمر من عينيه بغزارة ليقول بصوت مبحوح .." زمان ذلك الرجل غريب جدا عن زماننا ، ليتني التقيه يوما ما لأعبر له عن مدى إعجابي الشديد به وبكرمه وجوده الذي قد حفر في ذاكرتي "

طبطب " أدهم " على ظهره مواسيا وهو يضمه .. " لاتقلق سيدي لعلك تلقاه يوما ما بإذن الله "
جاء أحد عمال النظافة وأخذ بيد هذا العجوز ليوصله الى بيته بعد نهاية الدوام ..ابتسم في وجه أدهم بإرتباك
"أرجو أن لايكون جدي قد أزعجك فهو كهل قد أصابه الخرف - "
.. تبسم أدهم بلطف .." عافاه الله وشفاه. لقد كان يتحدث عن رجل طيب عاش في زمانه .."

        "نعم يا سيدي فهذه روايته كل يوم ...مسكين جدي ..لايعرف أنه يتكلم عن نفسه" .

.   .....

حبيبي المتديّن!♡Όπου ζουν οι ιστορίες. Ανακάλυψε τώρα