١٦

424 33 0
                                    

كانت تلك الليلة هادئة جدا فقط أطياف الهم والأسى تحوم في هدوء حول  الكثير من الناس ،فالسيد كامل ،
كان يتقلب في الفراش محاولا سحب حبال النوم الى
جفونه لكنه لم يستطع... قام يحوم في تلك الفيلا الواسعة ، فرغم وساعة منزله الا أن فؤاده قد ضاق من شدة الوهن ...

وفي تلك الشقة المتواضعة كانت تلك السجادة مفروشة على الأرض يقف عليها رجل طويل بلحية سوداء تتساقط منها قطرات الوضوء ،..
يكبر الله ويشرع في صلاة الإستخارة ...

وفي إحدى مقابر النصرانية كانت جثة حية لرجل  تجلس على قبر فتاة قد توفيت حديثا .. رفع ناظريه المتغرغرة بالدمع ليصرخ "يالله".
ثم يصمت دقيقة صمت ويمسحهما ،ويقوم متوجها لبيته يمشي مشية السكارى ..

___
حل الصباح مخلفا وراءه غيمة سوداء من كل هم وضيق - ليجلس "ادهم" وأسرته الصغيرة على مائدة الإفطار جمع كفيه وشبك أصابعه لترمقه والدته بسؤالها
"مابال طفلي مشفول البال"
لتجيب ريحانة بغيرة
"عن أي طفل تتحدثين يا أمي ،انا فقط الطفلة هنا !"

ابتسم لغيرة أخته ويمسح على رأسها كقطة صغيرة..
"اجل انتي صغيرتنا جميعا يا حلوتي"

ابتسمت بسمة جانبية وتقول بعدم لامبالاة
"سأبقى صغيرتكم حتى يأتوا أطفالك ويأخذوا محلي!"

ابتسم حتى برزت ضواحكه وقال بمرح
"تغارين منهم وانتي عمتهم الوحيدة"

جحظت عينيها بمزاح وقالت بنبرة قوية"أجل!"

قاطعتهم الأم وكأنها فرصة سنحت لها أخيرا لتفتح هذا الموضوع

"هناك صديقة لي لها ابنة في غاية الجمال والوقار والدين والتعلم مارأيك ان نزورهم مساء غد" 

صمت قليلا ليجيبها بعد تفكير قصير..
"لا يا امي ولكنني أريد فتاة اخرى هي في بالي الآن'"

صمتت الأم قليلا ليرتجف قلبها قلقا لربما مازالت "جورجيت"في باله حتى بعد ان وافتها المنية
"فتاة؟ وفي بالك؟"

بينما ريحانة قد ظهرت عليها علامات الاستغراب من قلق امها ..
ليجيبها مبعدا قلقها
"نعم يا أمي هي إبنة صاحب الشركة التي كنت فيها من قبل"

شردت للحظات وهي تفكر بينها وبين نفسها لتوقظها زغردة ريحانة فجأة
.."اخيرا سيصبح لي زوجة أخ مرحى!"
طأطأت الأم رأسها وابتسمت بريبة ورغم ملاحظة ادهم علامات القلق على وجه امه الا انه لم يبد اي ردة فعل حتى لاتكثر عليه الأسئلة ..
" إذن سنذهب مساء الغد لزيارتهم يا امي "

وقفت بغضب لتصرخ فيه
'"ماهذه السرعه ! وماذا إن لم تعجبني أنت ولدي الوحيد ومن حقي كأم أن اختار لك زوجة تناسبك "

قبل رأسها بهدوء وقال بطمأنينة
'"ستعجبك يا أمي أنا متأكد."

.....

أبي رجل صالح، حُق لهُ أن تكون الجنة تحت أقدامه، لم يعِش يومًا واحدًا يفكر في نفسه، أفنى روحة في إسعاد كل من حوله، لم أرى إنسانًا راضي كأبي، لم أعاشر قلبًا متسامحًا وحنونًا كقلبة ولا أظن أن أحدًا غيرهُ يملك كل هذا القدر من الرضا والتسليم بقضاء الله، الله يحب أبي ويحبني لأنه جعلهُ أبي."

هذا ماكان يجول في خاطر "صوفيا" الفتاة المنكسرة ، قد لملمت بقايا جسدها على الاريكة مخفية اياه  ب بطانية قطنية .
كانت مقلتاها مركزة مع أبيها الذي جلس قبالها واضعا رأسه بين يديه كأن هم الدنيا قد تثاقل عليه ، يفكر في حل لمصيبة ابنته التي أخطأت خطأ لاذنب لها فيه!
...نعم هي ليست جملة فلسفية ولكنها تربية الأهل التي تسمح للفتيات بالحرية المطلقة تحت مسمى الانفتاح!..
قاطع شرودهما هاتف السيد كمال الذي رن وهو يحمل إسم " الملتحي"
أجاب برجفة واهية وكأن هذا الإسم بعث روح الأمل فيه مرة أخرى

..."آ..آلو.. آل..آلو مرحبا .. وعليكم السلام كيف حالك يا ولدي .."

بينما "صوفيا" قد انتابها الفضول لمعرفة المتصل الذي بعث البهجة في وجه أبيها المنكسر مرة أخرى .ليقف مرحّبا

"يامرحبا ..يامرحبا .. نعم أهلا بكم في أي وقت .."

حاولت التصنت لكن لم تستطع فهم الحديث الذي يدور .
.صمت  والدها قليلا كأنه يركز في قول المتصل لقول مرة اخرى

..."نعم.. من حقك هذا الشرط وسينفذ فورا .. أنا لن انسى لك هذا المعروف أبدا"

أقفل المكالمة وملأ رئتيه بالهواء كأنه المرة الأولى التي يتنفس فيها بعمق..
اخرج زفيرا بطيئا والتفت نظراته الى طفلته التي قد احترق قلبه معها ..

"لقد قضي الأمر يا صوفيا"

أجابته بصوت مبحوح قد ارهقه الحزن
.."ماذا هناك يا أبي؟"

أجاب بعين دامعة
"سيأتي مساء الغد رجل ليخطبك مني !"

نظرت اليه بارتياب وكأنها تحاول ان تخبره أنها امراة لا يقبلها أي رجل عاقل
.."سيكون زواجا أمام العامة والناس فقط حتى نواري هذه الفضيحة"
..
خفضت ناظريها وطأطأت برأسها تحاول اخفاء دموعهاالتي فضحتها فقد شعرت باحتقار شديد كأنها قمامة لاأحد يرغب فيها
..
طبطب والدها على كتفها ورحل تاركا خلفه كومة من الأحزان

حبيبي المتديّن!♡Where stories live. Discover now