الرابع والعشرون 4

5.9K 359 40
                                    

الفصل الرابع والعشرون (الجزء الرابع من الفصل)

(لحظات الحقيقة!!)
من أمام كوخٍ جميل يحمل معالم البساطة والقوة
وأمامه بحر واسع وسماء صافية، ورمال ذهبية تكمل الصورة البهية، واليخت يرسو على شاطئ البحر، يتراقص من فعل الموج.

كان يقف أمام أمواج البحر، قدماه تلامسان الرمال الناعمة  التي تحمل بقايا حرارة شمس الخريف، وعيناه ترنو للسماء الواسعة وصوت الطيور تتسرب لأذنه كوتيرة شاذة تعكر شروده المهموم.
رغم قلبه الناضح بمشاعره الحارة، إلا أن عقله يأبى أن يرحمه ويتركه ينعم بإمرأته.. لازال ينغص عليه حياته ويجعل دمه متخثر في عروقه، كلما حاول الغرق معها في مشاعرها الهادرة، يلسعة عقله كسوطٍ من نار ويُذكره بعهود قد اتخذها ونكثها كالعادة.
ابتلع نكهة مُرة تُنافي حلاوة قبلاتها على فمه، وأغمض عينه بقوة يحاول ترتيب أفكاره واحدة تلو أخرى
يجب أن يصارحها بكل ما مضى، يجب أن يكون أسرع من ذاكرتها، علها تتفهم مدى عذابه وتسامحه باكرًا
انطلقت تنهيدة عميقة من فمه المرتجف وهو يهمس..
-(أهٍ يا مرام)

فجأة شعر بذراعيها تحيطان خصره، ورأسها يرتاح على ظهره العاري، تطبع قبلاتها الندية على بشرته المحترقة
كانت قبلاتها ترسل جحيمًا من القشعريرة من رأسه حتى قدميه، تجعل دمائه حارة، وتدفع مشاعر همجية تجعله يود لو يلقيها على الرمال ويطارحها غرامه
ولكن عقله يمنعه من الانجراف تارة، وقلبه يخونه مرات
وبين عقلٍ وقلب، كانت مرام هي الآمر الناهي
جاء صوتها هامسًا كلحنٍ ناعم يخاطب قلبه بلا رسول..
-(كنت تُناديني !)

التفت لها يحدق في وجهها الذي غبشه خصلاتها المتطايرة، كالعادة عيونها اللامعة تبرق بضوءٍ مُذهل
تبدو مشرقة مع الحب.. تبدو رائعة وهي خالية البال قريرة العين مستكينة القلب، ليتها تظل هكذا دائمًا
الآن فقط بات يشفق على مرام القديمة وما لاقته من أسى لتتحول لكتلة سوداء لا تعرف للفرح طريق، بخلاف مرامه.. تلك الزمردة التي طردت الغبرة عنها وظهر لمعانها الذي يخطف نظراته وأنفاسه..وتسأله يُناديها !!
ليتها تعلم أنه دائما يناديها بلا صوت، دائما يناجيها قلبه، مرام الحُلوة المندفعة كنارٍ ملتهبة.. الأم الحنون والأخت الرقيقة
والزوجة متفجرة الدلال والجنون.. محظوظ من قطف ثمارها، ارتدى تاج المُلك من وضع خطواته على أرضها ورفع راية النصر عاليًا في روحه.

انتبه لكفها التي وضعتها على وجنته تلاطفها بعدما أزاحت خصلاتها جانبًا خلف أذنها، وتنظر له بعيون مُحبة تحمل قلق جميل يُسعده ويُرعبه...
-(لمَ أرى الحزن في عينيك دائمًا يا نُصير، أهناك يا يؤرقك يا حبيبي.. افضِ لي فأنا امرأتك وأمانك.. ضع أوزارك عن كتفك ودعني اساعدك.)

لمحت لمعان غريب في عينيه فجأة، لا تدري أو لمعان الحب أم الدمع.. لا تدري سوى أن هذا الرجل يجعلها تود لو تنزع عنه حزنه وتُلقيه بعيدًا عنه.. تود لو تعانقه فتمتص منه كل ما يؤلم جسده وخاطره لنفسها.. ولكنه لا يُخبرها بما يجعله شارد حزينًا فجأة.. لا تدري لما ترى نظرة الذنب في عيونه الذهبية عقب كل حُبٍ يغرقهما
ولكنه لا يبتعد، بل يتمسك بها ويعانقها لصدره وكأنه لا يستطع تركها تتسرب من بين يديه.
حتى أنها لم تنسى جملته الغريبة التي قالها لها في صبيحة يومهما الأول وهما زوجين فعلا
فقد فتحت عيناها بسبب حركات اليخت على أمواج المياة، ولكن كا أن بصرت ما حولها، حتى رأته يجاورها في نومتها... كان مجردًا من أي شيء كما وُلدَ من رحم أمه.. ولا يغطيهما سوى شرشف ناعم كان شاهدا على حبهما المجنون.

(غصونك تُزهر عشقًا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن