استيقظ جمال بسبب الحركة خارج
غرفة نومه وقد تداخلت الأصوات بين موسيقا
عالية وصوت ضحكات مألوفة...بالإضافة لغناء
صقر خارج النوتة ...شد شعره للخلف ونهض
ليرى أي كارثة أحضرها المدعو صقر في هذا الصباح البارد ...تفاجأ عند خروجه بوجود
أكثر مما يتوقع ...ففي الصالة رحب به صوت
خالته بصوتها الرائق فتقدم منها وقبل خدها
مصبحا عليها ...وانتقل إلى المطبخ الذي عمته
الفوضى لوجود صقر وتيه فيه ومحاولتهما
الفاشلة في صنع طبق من البيض والخضار
وقاطع الغناء والضحك بتدخله:كان بإمكانكما
الاكتفاء بطبق من الجبن وبعض المربى يا فاشلان .
_ لا تقلق كل شيء تحت السيطرة ...كدت أنجح.
_ كدت تنجح!!!...قل كدت تدمر مطبخي .
_ تعال وأرني شطارتك
_ وأين أناملها اللطيفة لما لا تساعدك
_ تقول بأنني من دعوتها للفطور ...وعلي إنجاز
العمل لوحدي.
_ ومنذ متى تلتزم بشيء ...أخبرها أنك دعوتها
لتعد الفطور لشابين وحيدين وامرأة مسكينة.
_ بقي نظر صقر معلقا في مقلاته المحروقة
والتي يحاول تنظيفها ورد موضحا :أردتها
أن تشعر بالسعادة لرؤيتي أحاول تنفيذ ما وعدت .
_ لم يبق بالمكان إلا صوت الموسيقى العالي
ولم يجد جمال ما يقوله فهذا المتوحش قلبه
يملك من الحنان ما يجعل كل من يقترب منه
يهيم به .
_ سعيدة بمحاولتك...قالتها تيه وقفزت من جلستها على المنضدة حيث كانت تراقب صقر
ومحاولته الفاشلة مع الطهو ...وغادرت المطبخ
قائلة:سأجلس مع خالتي ريثما تعدانه .
بدا التأثر واضحا في جملتها ...وعلما بأنها خرجت هاربة من الموقف ...فيبدو أن الواقف
أمام الحوض قال جملته في شرود ...وهذا أكد
لجمال أن هذه الطفلة تثير في نفس صقر شيء
ما لم يدرك ماهيته بعد ولكنه ليس حب شاب لفتاة..بل هو شيء عميق مخبأ في نفس صقر.
_ قطع جمال الجو المشحون برفضه لأسلوب
صقر في رفع الصوت ...وما إن اطفأه تفاجأ بجرس الباب والذي يبدو أنهم لم يسمعوا صوته
من قبل فبدا من في الخارج مصرا على أن
يفتح له أحدهم هذا الباب
ترك صقر ما بيده وتوجه خلف جمال إلى الباب
الذي فتحه جمال وتراجع خطوة للخلف أمام
الشابة بالخارج والتي بدت في غاية العصبية.
_ تكلم جمال بهدوء:صباح الخير ..هل تحتاجين
إلى مساعدة .
الجملة لم تكن مناسبة للموقف ...ولكنه أراد
تهدئة الموقف ... وقاطع تلك المحاولة بالمهادنة
تدخل صقر قائلا: ماذا هناك ...هل يطاردك أحد
ما ...ورافق ذلك بازاحتها للداخل وتقدم بخطوته الواسعة للخارج ...فكادت تلتصق بجمال الذي رفع يده إلى كتفها ليمنع اصطدامها
به فدفعت يده وواجهت من خلفها قائلة:ماذا
تفعل ...لم دفعتني للداخل ...ابتعد لاخرج
_ ألست في خطر؟
_أنا لم اقل هذا ...أنت من قلت ...وكررت كلمتها
ابتعد
_ أصبح الاثنان بالخارج متقابلتين ودقق صقر
بنظرتها الحانقة قائلا : ظننت غير ذلك بسبب
طريقتك في ضرب الباب .
_ وتعترض أيضا...لقد أيقظتما سكان هذا البرج كاملا من النوم ...وتضايقت عندما طرقت بابك
والتفتت إلى جمال قائلة:من هذا المستفز
_ لقد عرفته دون اخبارك إنه المستفز
تخصر صقر قائلا :سخافة ...من هذه ؟
_ جارتي في الشقة.
_ جارتك لسانها طويل ...وحشرية.
وعاد للداخل مع صدمة الاثنين وضحكة من بالداخل ...وعاد للكلام بصوت عال رتبي حجابك يا جارته
ظهر الارتباك على وجهها وأخذت ترتب حجابها
الذي انزلقت منه بعض الشعرات الشقراء .
_ اعتذر بالنيابة عنه ..إنه ضيفي ولم يكن يعلم
بأن الصوت سيكون مزعجا بهذه الطريقة.
_ أنت تعتذر بطريقة حمقاء ...ستبدو غبيا
ان لم تتوقف عن التبرير ...كان هذا صوت صقر
من الداخل.
زفر جمال وحاول مراضاة جارته الحانقة التي
رفعت يدها أمامه وقالت:معه حق كف عن التبرير فأنت لا تحسن الوضع .
_ نعتذر ثانية كان يحاول إضفاء جو من المرح
على منزلي حتى لا تشعر طفلته بالملل.
_ كان بإمكانه الاعتذار وحسب .
_ لا تنكري أنه قلق عليك دون أن يعرفك وخرج متصديا للخطر دون حساب .
_ تخصرت متأففة وقالت :إنه مخيف لقد سحبني للداخل ....دون تنبيه.
كم عمر ابنته...هل تعرفون سبب بكائها.
_ رأيت ما حصل الآن...لقد فهمت ما قلته
بطريقة خاطئة ...وهذا ما حدث معه ...ظنك
في خطر وتصرف بحمائية...أما أنت فقد ظننتها
طفلة صغيرة ...وما قصدته لفظ تحبب
وأشار بيده إلى تيه التي لوحت لها بيدها دالة
على أنها المقصودة.
_ مسدت بإصبعها بين حاجبيها وابتعدت عن
الباب قائلة :فقط لا ترفعا الصوت فأنا لم أنم
منذ يومين .
_ لك ذلك
وانتظر حتى دخلت إلى منزلها حتى أغلق الباب
ووجه نظره إلى صقر ...وهز رأسه للجانبين
كما لو أنه فقد الأمل
_ارتفع حاجبا صقر وعلق مستفزا:هل هذه فتاتك.
_ هل هي جميلة ...
ردت تيه على استفسار مفيدة بطريقة حالمة ...طويلة كعارضات الأزياء...عيونها عسلية ...ثم انخفض صوتها وقالت وشعرها أشقر ولكنها محجبة
_ ضحك صقر على كلامها ...فتلك المجنونة
خلال هجومها حتى حجابها هرب من مكانه
خائفا منها .
وتوقف عن الضحك وقال :لقد جهزت الفطور .
تيه أحضري خالتك وتعالي ....وأنت أيضا يمكنك المجيء فهناك ما يكفي من الجبن والمربى ...بإمكانك دعوة جارتك أيضا.
أنهى كلماته وجلس على مقعده حول الطاولة
المستديرة وسحب الكرسي المجاور له لتجلس
عليه مفيدة وقد دعم يدها حتى استقرت في
مكانها ...وأشار برأسه تجاه المقعد المجاور له
في دعوة لتيه حتى تستقر فيه وقد لبت دعوته
سريعا مع تعبيرها عن شدة جوعها.
وقف جمال في مكانه يتابع المجموعة بهدوء
وقد هاله الألفة بينهم ....وأكد لنفسه سأذهب
سلوكه ...ليس الأمر مستحيلا.
واليومان الماضيان يشهدان على ذلك
هو حنون بطبعه على كل ضعيف وعنيد مع
من هم ند له ... سيكون الحل بطلب المساعدة
بطريقة الاستعطاف...وهذا ما سيجربه حالا.
_ من كانت بالباب هي جارتي دكتورة روز ...إنها طبيبة أطفال...تعاني من مشكلة مع زوجها الذي تمكن من أخذ طفلتها ...لا زالت
الطفلة في العاشرة من عمرها ...ولكنه حاربها
بالقانون ليحصل على الحضانة بحجة ساعات
عملها الطويلة ومنذ أكثر من عام وهي تحاول
الوصول إليه فقد غادر المدينة بعد الجلسة
مباشرة ...وهذه قصة جارتي المجنونة كما
وصفتها ...وبالنسبة لكونها فتاتي ...فها أنا
اعترف صراحة (ليتها تقبل).
واتخذ مقعده دون إضافة كلمة .
_ هل هي مطلقة ؟
_ طلقها دون أن يوثق ذلك ...وهي عالقة حاليا
في المحاكم تحاول أخذ حقها منه دون جدوى.
_ لم لا تساعدها !!!
_ ثقتها بي معدومة ...فشهادتي كانت السبب
في خسارتها للطفلة
وأشار بيده على أنه لم يكن بيده حيلة .
_ هل أنت عاقل يا رجل...لم يكن عليك الشهادة
لا أظنها ستسامحك...إلا إن ...
_ هذه هي ...إن تمكنت من إعادة الطفلة بطريقة قانونية ...وجعلها تكسب الحضانة
وهذا مستحيل ...لأنها بإهمالها تسببت باحتراق
الشقة .
_ كيف عرفت أنها المسببة...إن لم تكن هناك .
_ لأنني قبل ذلك طرقت بابها وأخبرتها بوجود
رائحة احتراق تصدر من شقتها ...ولكنها كما
يبدو كانت آتية من مناوبة وتشعر بالتعب ...فلم
تتأكد من الفرن ...وقد شهدت الصغيرة أيضا
أنها أرادت تسخين الطعام لوالدتها لأنها متعبة
ولكنها نامت في حضن أمها دون إطفائه ...وهذه هي القصة.
_ من أنقذهما ؟..قالتها تيه متأثرة وقد تذكرت
والديها .
_ أنا ...قفزت بحبل من الشقة التي تعلو شقتهما و ربطهما معي بالحبل ونزلت بهما إلى الأسفل.
_ واو ...هذا رائع.
_ لا ليس رائعا...ماذا لو انقطع الحبل تحت الثقل ...وأنتم على هذا الارتفاع ...ما هذا التهور
ألم تتعب من الخسارات التي منيت بها ...لقد
أودى التهور بوالديك ...كما كان سببا في الماضي لفقدان بصري ...متى سيتمكن الناس
من تقدير الحياة.
نهضت مفيدة بعد جملتها وغادرت الطاولة متلمسة طريقها بواسطة قطع الأثاث ولحقت بها تيه بقصد إيصالها إلى إحدى الغرف
_ استند صقر بذقنه على يديه وقال:والآن.
_ حان دورك ...جرب سلطتك التي منحناها لك
_ هل تطلب مني مخالفة القانون !!!
_ بل أطلب منك تحقيق العدالة بطريقتك الخاصة .
_ نهض صقر من مكانه وبقي نظره معلقا بنظر
جمال يحاول سبر أغواره ...هل يطلب حقا
مساعدته لإعادة الطفلة إلى أمها لأنه يحبها
أم لأنه يريد اختبار قدراته كالعادة ولكنه رأى
ارتباكه أمام روز ...نظرته لها وتبريراته الغبية
وقد اعترف منذ قليل برغبته الفعلية بها
ليس جمال من يلهو بأعراض غيره ...وقد لاحظ
ذلك في الملهى منذ يومين ...واستمر بإقناع
نفسه أن طلبه للمساعدة حقيقي.
_ ماذا عن رئيسك هل سيقبل؟
_ أنت رئيسي ...مجرد قبولك سيعني أنك بت
الأعلى سلطة ...أي ستكون كلمتك فوق الجميع
_ و إن لم أقبل؟
_ لا شيء سيتغير ...صداقتنا ثابتة في كل
الحالات .
_ هل سأغادر المقر
_ أجل ستستقر عند عائلتك .
_ ليسوا عائلتي ...هذا خداع
_ أصبحوا كذلك منذ وقعت معنا العقد.
وقد زودناك بكل ما يخصهم من معلومات
_ عليكم إيجاد حل ما ....سيكشف أمري مباشرة فتلك العائلة كبيرة وأفرادها كثر
والاعتماد على ذكائي لن يمكنني من معرفة
شخص أو موقف لم أمر به .
_ تصرف على طبيعتك فقط ...ولن يرفضك
أحدهم ...أما عن المواقف فكلنا ننسى أشياء
كثيرة مرت معنا ...والأشخاص أنت ملم بالجميع وقد عرفك عليهم واحد من أفراد الأسرة وسيكون هناك معك ...أي أنك لن تحتاج
إلا ذكاءك فعليا لتدبر أمورك.
YOU ARE READING
قلوب تعلمت منه الحب
Mystery / Thrillerدعوة للإبحار في عالم من المثالية... مكتملة... فصحى الجزء الأول + الجزء الثاني متابعة طيبة أتمناها لكم