الفصل الثاني والثلاثون (ماضي)

336 15 3
                                    

اقتربت الحفلة من نهايتها ولم يظهر من أرادت مجيئه وعلى الرغم من سعادتها بالفقرات التي أعدها آدم وبشر لتكون حفلتها مبهجة لها إلا أن شعور الخيبة بدأ يسيطر عليها كلما مضى الوقت ولم تستطع مقاومة الذهاب إلى عمها هاشم للسؤال عنه فاقتربت من مكان جلوسه وجلست على طرف أريكته قائلة: عمي ...
وعندما حصلت على انتباهه وابتسم لها تابعت: هل سافر أسد
_ فظهر التفاجؤ على وجهه من جرأتها في السؤال عنه ولكنه أجاب: لا لم يسافر ولكن لديه عمل مهم شغله عن السفر
مع نهاية جملته انخفض رأسها ولاحظ أظافرها التي بدأ يفسد لونها نتيجة احتكاكها ببعضها فتنهد وقال مطيبا خاطرها: سأهاتفه وأرى سبب تأخره
بجملته تلك عاد للحصول على انتباهها وعاد الشك يراوده تجاه حملها لمشاعر خاصة لابنه بسبب ترقرق الدموع الواضح داخل عينيها فأمسك هاتفه واتصل على رقمه وما إن رد الآخر حتى تفاعلت مع يقولانه باقترابها أكثر من هاشم لتسمع ما يقوله الآخر وانتظرت إجابته عن سؤال والده إن كان سيأتي ولاحظ وقوفها عندما سمعت أنه كاد يصل فتركت هاشم متجهة إلى الباب المؤدي للخارج بسرعة لفتت نظر بعض المدعوين الذين عادوا للانشغال بعد اختفائها وراء باب القاعة حيث وقفت لثانية ثم عادت للسير عندما ظهرت سيارته الأنيقة ككل شيء فيه أمامها وشقت ابتسامة سعيدة معالم وجهها وانتظرت نزوله بفارغ الصبر ومع توقفها وعدم خروجه منها دون أن تعرف السبب عادت للتقدم باتجاه الذي جلس مشدوها أمام رؤية انتظارها له في الخارج وانشغل بتأمل جمالها الساحر عن النزول وعندما لاحظ عودتها للاقتراب غادر سيارته ووقف بجوارها منتظرا وصولها الذي لم يطل وسبقه قولها: ظننتك لن تأت ...
_ الجو بارد لماذا تقفين بالخارج ستمرضين
_ لم ترد للوهلة الأولى وارتفعت نظرتها إليه فشعر كما لو أنها أصابته بسحر من نوع ما وانتظر إجابة تؤكد انتظارها له وهي لم تتأخر إذ قالت بصوت منخفض: كنت أنتظرك
فأغمض عينيه متذوقا حلاوة معنى حديثها ثم قال محاولا التأكد من صدق ما فهمه: خرجت لأجلي؟
_ فأومأت دون رد في البداية ولكنه لاحظ ترددها لهنيهة قبل أن تقول: خشيت ألا تأتي
_ وكعادته في حل أموره بطريقة عملية قال مختصرا الطريق أمامها: لقد تمكنت بصعوبة من إنهاء الاجتماع حتى أتمكن من الحضور إلى حفلك ... فكل عام وأنت بخير وفاجأها تصرفه عندما ضمها لثوان مقبلا رأسها ثم مد يده إلى الكرسي المجاور لكرسي قيادته وتناول شيئا من الداخل والذي كان عبارة عن علبة مستطيلة الشكل فتوقعت ما بداخلها ولم تفتحها بعد أن وضعها في يدها ولكنه حثها على ذلك قائلا: لقد اخترتها لك بنفسي... وهذا ما لم أفعله سابقا فأرجو أن تنال إعجابك
غمرتها السعادة وتحمست لفتحها متجاهلة ضمه لها والذي ظهر أثره عليها من خلال ارتجاف أصابعها بينما تفتح العلبة وهدأت عندما رأت السوار الذي أحضره لها وقد كان غريبا ولكنه عبر عن اهتمامه بها بطريقة ظريفة فبدأت بتفقد القطع الموصولة به والتي لم تكن سوى صور لجنيات بأجنحة مع عصواتهن السحرية فبان التأثر في صوتها وهي تقول: إنها رائعة
وعادت للصمت قليلا واستمرت بتأملها ثم قالت: لقد جعلتهم يضيفون الصور أليس كذلك
_ يمكنك إزالتها إن لم تعجبك ولن يتأثر شكل السوار
ومد يده لها ليأخذ السوار ويريها ما يقصد ولكنها فاجأته عندما أبعدته عن مجال يده وقالت: بل يعجبني ولن أعيده لك.... ولكن يمكنك إلباسه لي
ومدت يدها أمامه ليفعل ولكنه قال : سأفعل ولكن أمام الضيوف في الداخل فدعينا ندخل قبل أن تصابي بالزكام...وأشار بإصبعه لأنفها المحمر من البرودة فضحكت وأومأت موافقة
وسارت معه للداخل وهي تقول:سأتخيل سوارك خاتما ضخما يعود لأحد الجنيات ويحقق لي أحلامي ما إن تلبسه لي كما يحدث في القصص الخيالية.
_وما هو حلمك.
_ أن تقف أمام الناس وتطلب يدي للزواج.
فضحك من كلامها وقال: هل تعرضين علي الزواج
_ وهل توافق
_ وكان رده بأن خلع معطفه محيطا به كتفيها وتابع سيره معها الى الداخل وقد لفتا أنظار الحضور لدخولهما معا فهذه المرة الأولى التي يظهر بها أسد برفقة فتاة ووصلتهم الرسالة التي أراد بوضوح وهي أن من تسير بجانبه محتمية بدفء معطفه من برودة الطقس في الخارج تخصه فتجاهل أسد كل هذه النظرات ووقف في وسط القاعة أمامها وقال بصوت واضح جعل المسؤولين عن تنظيم الصوت بالحفل يخفضون صوت الموسيقى  تماشيا مع إشارته لهم ثم قال عندما حصل على انتباه الجميع: لقد أخبرتني هذه الجميلة منذ قليل عن حلمها بأن أقف أمام الحضور طالبا يدها للزواج وبما أنه يوم ميلادها فأرغب بتحقيق حلمها وسأسألها إن كانت توافق على الزواج بي
فشهقت واضعة يدها على فمها ثم صدمته كما فعلت مع الجميع عندما ألقت نفسها بين ذراعيه وهي تقول : أنا أحبك
فابتسم لفعلتها واكتفى بالتربيت على ظهرها للحظات ثم أبعدها قائلا: لم أحضر خاتما معي وعليك الاكتفاء بسوار الجنيات اليوم حتى أحضر لك واحدا
فأومأت بسعادة عندما وضع السوار حول معصمها وبدأت باستقبال التهاني معه من قبل الحاضرين الذين لم يلاحظوا في تلك اللحظة خروج آدم من القاعة ولا لحاق بشر به إلا والده
الذي لم يجد ما يخفف به عن ابنه وأجبر نفسه على الاقتراب من الآخر وقدم له التهاني مظهرا سعادته أمام الحضور وتمنى أن لا ينتهي هذا الأمر بكارثة
ومع انتهاء تلك الليلة التي كانت البداية لفصل جديد في حياة هاتين العائلتين أجبر هاشم عائلته لإعادة أواصر العلاقة مع عائلة سارا وإن لم يتعد ذلك بعض المشاريع التي لا تمكنهم من الإضرار بهم وكانت البداية ببدء بشر باستلام الأعمال مع آدم الذي ظهر بعد اختفائه لعدة أيام وتصرف كما لو أنه لم يحدث شيء واهتم بشكل شخصي بكافة أمور الزفاف الذي لم تطل تحضيراته وانتقلت سارا إلى القصر غير مكترثة إلا بأسد الذي بات وجوده في القصر أمرا مفروغا منه في أوقات محددة من اليوم بعد أن كان يقضي معظم وقته خارجه فكانت الوافدة الجديدة على القصر فأل خير بالنسبة للجميع فكلمتها لا ترد وتنفذ رغباتها في وقتها وباتت هواية قاطني المكان التفنن بتدليلها فرضاها يعني رضا سيد القصر وأبنائه إلا سيدة القصر الأخرى والتي لم يعجبها بدء تسرب السلطة من بين يديها بعد أن كانت الآمرة الناهية دون منازع ولمدة ثلاثة أعوام فهي زوجة الابن الأكبر للعائلة وأم الوريث الأول لها صاحبة المكانة المرموقة لانحدارها من عائلة كبيرة أهلتها لتكون سيدة لهذا المكان وشعرت بالخطر المحدق بمكانتها إن لم تنتبه للوافدة الجديدة فوضعت حول سارا من يراقبها طوال الوقت وبدأ حقدها يزداد كلما سمعت ما يفعله الآخرون لها كما لو كانت طفلة ...كيف لا وهي لا تمل من طلباتها الطفولية حتى أنها طلبت من السيد هاشم أن يحضر لها المثلجات وهو عائد للمنزل في أحد مكالماتها الهاتفية الدائمة له  والذي لبى لها رغبتها مغيرا اتجاه سيره ليحضر لها ما تريد وبالنكهة التي تشتهي وتنمر عليه أولاده بسبب فعلته وقابل سخريتهم بتوجيه أوامره لهم بجلب ما تريد بيدهم وعندها دخل الشك إلى قلبها بأن المتسلقة حامل وتلك مصيبة أخرى وعادت لتأمل غنجها الزائد عن الحد فهي كانت المراقب الثاني لهما أما الثالث فوقف بجوار هاشم يتأمل احتضانها لأخيه وبدا له من هذا المكان بعض ملامح وجههما فعلق عندما شعر بكف والده الذي ربت به على كتفه: أنا سعيد لأجلهما...أشعر بالغيرة لأنه حصل عليها ولكنني كلما رأيتها هكذا داخل حضنه أشعر بالراحة لنيلها السعادة التي ترغب
وراقب مغادرة الثلاثة للمكان مع تحدث هاشم: لو لم يكن أسد لم أكن لأدعها تذهب لغيرك.
_ فابتسم لصراحة والده وقال: منذ قبوله بها كزوجة له لم أفكر بها إلا كأخت لي فلا تقلق عليهما من ناحيتي
_ فضحك وقال: الغبي لم يكن سيتزوج يوما لولا جرأة هذه الفتاة ولكنها تعجبني فهي تجيد التعامل معه ودون تفكير .
_ بل أنت سعيد لمعرفتك بأمر حملها وبت منذ الآن بالتخطيط لمستقبل الوريث ... ثم عقب بتلميح قائلا: مع أنك تملك واحدا داخل منزلك وأخرى مع والديها بالخارج
_ هل تراني غبيا لأسلم كل ما لديكم ليكون في يد ورد وعائلتها ألا يكفينا وجودها داخل القصر محاولة السيطرة عليه كي أعطيها المجال لوضع يدها على أموالنا.
_ زواج رائد منها ظلم كبير له ... وأشعر بالحيرة من أمره فهل طموحه يستحق تخليه عن السعادة
_ ولذلك لن تكون عائلته مؤهلة لترث كل ما
حققته من إنجازات
_ ولكن أسد وسارا يحققان طموحك.
_ أجل .. والجنين الذي ينمو في أحشائها سيكون الوريث إن كان صبيا أو فتاة
_ بت أخشى عليه منذ الآن فهو سيكون مطمعا للجميع ولن يعيش حياة طبيعية
_ توقف عن التفكير بعاطفية فأنا لن أبخل على حفيدي بشيء يريده ولن أقصر بحمايته.
والآن إلحق بهم وساعد بالتخفيف من أعباء أخيك كما يفعل رائد حتى يتمكن من إرضاء المدللة والحفاظ على مواعيد عودته للمنزل.
_ لقد أخذها معه فلا داعي لمساعدته الليلة
وغادر مكتب والده وتفاجأ من وقوف ورد أمام الباب والتي لم تنكر استماعها للحديث الذي دار بينه وبين والده فقد تحدثت بغضب: هل سنصبح خدما للمتسلقة وطفلها والله لن أسمح بذلك وولدي أحق بالإرث
_ فخرج هاشم ورد على قولها: لك ذلك إن تركت القصر وتنازلت عن عمر طوال حياتك
_ وماذا سأجني إن فعلت
_ لم أر في حياتي إنسانا بوقاحتك...تتحدثين عن طمعك بأملاك العائلة دون خجل وتستخدمين الصغير كسلم لتحقيق طموحك.
_ وها قد تحدث العاشق الولهان لزوجة أخيه عن الأخلاق ... تحلى ببعض الاحترام لأخيك وغادر المكان بدل مراقبتك لها في كل حين
_ تملك الغضب من هاشم وأمرها قائلا: غادري المكان حالا ولا تغادري جناحك حتى أسمح لك بذلك ... ثم رفع سبابته في وجهها مهددا: إن كررت هذا الكلام ثانية فسأحرم عمر من كل حقوقه في أملاكي وسأطردك من المكان بعدها
_ فغادرت المكان شاعرة بالخوف والغضب وأقسمت على النيل من غريمتها ولو بعد حين
_ أما هاشم فلاحظ كبت آدم لغضبه فقال مهدئا له: لا تكترث لكلامها فهي تشعر بالغيرة من سارا ليس إلا وأنت تعلم عن رغبة عائلتها بمصاهرتنا وعملهم على ذلك منذ زمن طويل وقد سعوا وراء أسد منذ البداية ولكنه رفض بشكل قاطع مما جعلهم يتجهون إلى رائد وأغروه بالسلطة
_ ليته لم يفعل ... فهذه المرأة الخبيثة لن تسكت على إهانتها وأخشى أن توجه انتقامها تجاه سارا التي لن تستطيع مجاراتها
_ سارا في حمايتي وهي لن تكون بهذا الغباء وتقف في وجهي كند لي.
_ الغيرة تقتل المنطق وأظن دمار هذا القصر سيكون على يدها
قال جملته واستأذن للخروج قاصدا المكان الذي توجه إليه أخويه وهناك لاحظ وجود أسد يجلس مع شركائه لوحده ولا أثر لسارا في مكان قريب فبحث بنظره عن رائد فوجده واقفا في الزاوية متحدثا في هاتفه ويبتسم لشيء ما أمامه وقد رفع هاتفه بقصد التصوير فالتفت إلى الاتجاه الذي وجه إليه هاتفه ورأى سارا تقف هناك خلف مجموعة الطبول ونادت قرب مكبر الصوت : أسد
وأدرك آدم ما تفعله... إنها ستعزف المقطوعة التي عزفها أسد ضمن حفلة تخرجه وهو الشخص الوحيد في العائلة الذي تستهويه هذه الآلة وتذكر سعيها للتعلم على قرع الطبول طوال العام الماضي وكم شعر بالغباء عندما لم يدرك انبهارها بأخيه وابتسم عندما رأى نظرة أسد المتفاجئة تجاهها وابتسامته عندما قرأ حركة شفتيها بكلمة أحبك ...ثم تلت كلمتها بالعد واحد ..اثنان .. وثلاثة ..وبدأت بالقرع على الطبول أمامها بصورة مبهرة جعلت كل الحضور يتفاعلون معها ... أما عن أسد فقد غاب عن العالم بأسره
عالقا في سحرها ووجد نفسه يتجه إلى مكان وقوفها وتأمل نظرتها الولهة تجاهه واقترب منها موقفا عزفها لثوان ثم اتخذ مكانه خلفها وشاركها العزف بعد أن خلع جاكيت بدلته وقد أدهش الحاضرين بفعلته ... إلا أنه بفعلته تلك كشف نقطة ضعفه أمام منافسيه ورغم السعادة التي شعر بها في تلك الليلة إلا أنها كانت البداية لسلسلة من الأحداث التي دمرت كل من وقف في طريقها.

قلوب تعلمت منه الحب Where stories live. Discover now